زور
2022-10-12 - 1444/03/16التعريف
الزور لغة: الميل عن الحقّ، يقول ابن فارس: الزّاي والواو والرّاء أصل واحد يدلّ على الميل والعدول، من ذلك الزّور الكذب، لأنّه مائل عن طريقة الحقّ، ويقال: زوّر فلان الشّيء تزويرا، وزوّر الشيء في نفسه: هيّأه، لأنّه يعدل به عن طريقة تكون أقرب إلى قبول السّامع. والزّور مأخوذ من الزّور، وهو ميل في الزّور، يقول الرّاغب: وقيل للكذب زور لكونه مائلا عن جهته، قال تعالى: )ظُلْماً وَزُوراً( [الفرقان: 4] . والزّور أيضا: كلّ شيء يتّخذ ربّا، ويعبد من دون اللّه. وزوّر نفسه: وسمها بالتّزوير، وزوّر الشّهادة أبطلها، والزّور مجالس اللّهو. والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب، ولم يشتقّ من تزوير الكلام، ولكنّه اشتقّ من تزوير الصّدر، وقيل: الزّور الكذب والباطل والتّهمة وزوّر الكلام زخرفه، وازورّ عن الشّيء وتزاور عنه، مال، وقيل: شهادة الزّور، أي شهادة الكذب، والباطل، وقيل: شهادة (أي شهود) الباطل. ورجل زور وقوم زور وكلام مزوّر ومتزوّر: مموّه بكذب، وقيل: محسّن. وقيل: هو المثقّف (أي المهذّب المرتّب) قبل أن يتكلّم به، ومنه حديث عمر رضي اللّه عنه: ما زوّرت كلاما لأقوله إلّا سبقني به أبو بكر. والتّزوير: إصلاح الشّيء .. والتّزوير: تزيين الكذب. وسمع ابن الأعرابيّ يقول: كلّ إصلاح من خير أو شرّ فهو تزوير، ومنه شاهد الزّور، يزوّر كلاما. والتّزوير: إصلاح الكلام وتهيئته. قال الحجّاج: رحم اللّه امرأ زوّر نفسه على نفسه، أي قوّمها وحسّنها، وقيل: اتّهم نفسه على نفسه. وقولهم: قد زوّر عليه كذا وكذا، قال أبو بكر: فيه أربعة أقوال: يكون التّزوير فعل الكذب والباطل. والزّور: الكذب. والتّزوير: التّشبيه. والتّزوير: التّزويق والتّحسين. وزوّرت الشّيء: حسّنته وقوّمته. وقال الأصمعيّ: تهيئة الكلام وتقديره، والإنسان يزوّر كلاما، وهو يقوّمة ويتقنه قبل أن يتكلّم به. والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب. وقد تكرّر ذكر شهادة الزّور في الحديث، وهي من الكبائر، فمنها قوله: «عدلت شهادة الزّور الشّرك باللّه» وإنّما عادلته لقوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) ثمّ قال بعدها: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان: 72]، [مقاييس اللغة (3/ 36)، المفردات للراغب (217)، لسان العرب (4/ 336- 337). وانظر المصباح المنير (1/ 99). ومختار الصحاح (278). والنهاية في غريب الحديث (2/ 318)] . وقال أبو جعفر الطّبريّ في تفسير هذه الآية: وأصل الزّور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتّى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه أنّه خلاف ما هو به. ويدخل فيه الغناء لأنّه أيضا ممّا يحسّنه ترجيع الصّوت حتّى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إيّاه، حتّى يظنّ صاحبه أنّه حقّ. فكلّ ذلك يدخل في معنى الزّور [جامع البيان في تفسير القرآن (19/ 31) ] . وقال ابن حجر معقّبا على ما ذكره الإمام البخاريّ في باب ما قيل في شهادة الزّور، لقول اللّه تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أشار (البخاريّ) بذلك إلى أنّ الآية سيقت في ذمّ متعاطي شهادة الزور، وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها، وقيل: المراد بالزّور هنا الشّرك، وقيل: الغناء، وقيل غير ذلك. قال الطّبريّ: أولى الأقوال عندنا أنّ المراد به مدح من لا يشهد شيئا من الباطل، واللّه أعلم [الفتح (5/ 310) ] . الزور اصطلاحا: قال أبو هلال العسكريّ: الزّور هو الكذب الّذي قد سوّي وحسّن في الظّاهر ليحسب أنّه صدق وهو من قولك: زوّرت الشّيء إذا سوّيته وحسّنته [مخطوط تنبيه الطالب لفهم ابن الحاجب. باب الزاي فصل الواو. المخطوط من تأليف: أبي عبد اللّه عز الدين محمد ابن عبد السلام بن إسحاق الأموي المالكي. مكتبة مركز إحياء التراث رقم (602) فقه عام] . قال الحافظ ابن حجر: وضابط الزّور وصف الشّيء على خلاف ما هو به: وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشّهادة فيختصّ بها [فتح الباري (5/ 426)] .
العناصر
1- وجوب أداء الشهادة والتحذير من كتمانها . 2- أهمية الكلام وخطورته . 3- الأدلة على تحريم شهادة الزور . 4- صور من شهادة الزور . 5- من أنواع الظلم شهادة الزور . 6- مفاسد شهادة الزور . 7- من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور . 8- من الزور مجالس الغناء . 9- الأمر بتقوى الله وإقامة الشهادة لله وحده .
الايات
- قَالَ الله تَعَالَى: (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ * ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:30-32].
- قوله تَعَالَى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء:36].
- قوله تَعَالَى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].
- قوله تَعَالَى: (إنَّ رَبَّكَ لبالمِرْصَادِ) [الفجر:16].
- قوله تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) [الفرقان:72].
- قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:1-3].
- قوله تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283].
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:135].
- قوله تعالى: (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) [المائدة:41-42].
- قوله تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) [الفرقان:4].
- قوله تعالى: (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) [المجادلة:2].
الاحاديث
1- عن أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (ألاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟) قُلْنَا: بَلَى يَا رسولَ اللهِ. قَالَ: (الإشْراكُ باللهِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ) وكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: (ألا وَقولُ الزُّورِ) فما زال يُكَرِّرُهَا حَتَّى قلنا: لَيْتَهُ سَكَتَ متفق عَلَيْهِ. 2- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة وفشو التجارة؛ حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم) رواه أحمد والحاكم والبخاري في الأدب المفرد وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 3- عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبة من شعر قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه الزور. يعني الواصلة في الشعر. رواه البخاري.
الاثار
- قال حاتم الأصم: "لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله جل وعلا فلا تحترز"؛ (تاريخ بغداد:8-243).
- عن الحسن قال: شاهد الزور يضرب شيئاً، ويعرف الناس، ويقال: إن هذا يشهد بزور (المصنف في الأحاديث والآثار:4-550، رقم:23049).
- عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن قال: قدم رجل من العراق على عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- فقال: جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب، فقال عمر: وما ذاك؟ قال: شهادة الزّور ظهرت بأرضنا، قال: وقد كان ذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطّاب: واللّه لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول (أخرجه مالك في الموطأ:2-554).
- قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: "تعدل شهادة الزّور بالشّرك"، وقرأ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور)ِ (جامع البيان:17-112).
- قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يعني: "الافتراء على اللّه والتّكذيب"؛ (جامع البيان:17-112).
- عن سعيد بن المسيب قال: "قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبة من شعر قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه الزور. يعني الواصلة في الشعر (رواه البخاري:5938).
- عن عبد الله بن عامر قال: "شهدت عمر بن الخطاب أقام شاهد زور عشية في إزار ينكت نفسه"؛ (مصنف عبد الرزاق:8-325، رقم:15388).
- عن الجعد بن ذكوان قال أتي شريح بشاهد زور فنزع عمامته وخفقه خفقات بالدرة وبعث به إلى المسجد يعرفه الناس (مصنف عبد الرزاق:8-326، رقم:15391).
- قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً): "لا تقل". وقال العوفي: "لا ترم أحداً بما ليس لك به علم". وقال محمد بن الحنفية: "يعني شهادة الزور". وقال قتادة: "لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله"؛ (تفسير القرآن العظيم:3-52).
القصص
- عن معاوية بن عبد الكريم قال: شهدت عبد الملك بن يعلى على القضاء مروا بشاهد زور، والذي شهد له؛ فتحدث الناس: أنه أمر بحلق نصف رؤسهم، وحمم وجوههم، وطاف بهم (حلية الأولياء:9-51).
- عن قيس بن الربيع عن أبي حصين قال كان عبد الله بن عتبة إذا أخذ شاهد الزور فإن كان عربيا بعث به إلى مسجد قومه وإن كان مولى بعث به إلى سوقه فقال إنا وجدنا هذا شاهد زور وإنا لا نجيز شهادته (مصنف عبد الرزاق:8-326، رقم:15390).
- عن عبد الكريم الجزري قال: شهد قوم عند عمر بن عبد العزيز على هلال رمضان، فاتهمهم فضربهم سبعين، وأبطل شهادتهم (المصنف لابن أبي شيبة:5-367، رقم:5).
- استشهدَ ابنُ الفُرات في أيام وزارته على بن عيسى، فلم يشْهَدْ لهُ، وكتب إليه لما عادَ إلى بيتهِ: لا تلُمْني على نُكُوصي عن نُصْرتِك بشهادة زُور، فإنَّه لا اتِّفاق على نِفاق. ولا وفاء لذي مَيْن واختلاق. وأحْرِ بِمَنْ تعدَّى الحقَّ في مسرَّتِك إذا رَضى، أن يتعدَّى إلى الباطل في مَسَاءتِك إذا غضِب. والسلام. (نثر الدر؛ لأبي سعد منصور بن الحسين الآبي:5-66).
- قال سهل بن دارم: كان بالبصرة شيوخ يشهدون بالزور، وشرط بعضهم درهم، وآخرون يشهدون وشرطهم أربعة، وآخرون شرطهم عشرون درهماً، فسألت عن ذلك فقال أصحاب الدرهم: يشهدون ولا يحلفون، وأصحاب الأربعة يشهدون ويحلفون، وأما أصحاب العشرين فيشهدون ولا يحلفون ويبهتون (محاضرات الأدباء للأصفهاني:1-93).
- كان شيخ في المعدلين يشهد بطفيف يهدى إليه، فجاءه رجل بدرهمين وسأله شهادة، فقال: ما ضربت المشط بأقل من خمسة، ولكني أسامحك (محاضرات الأدباء للأصفهاني:1-93).
- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ابتاع فرسا من أعرابيّ فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- المشي، وأبطأ الأعرابيّ بالفرس، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ، يساومونه بالفرس، لا يشعرون أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلّا بعته. فقام النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- حين سمع نداء الأعرابيّ، فقال: "أو ليس قد ابتعته منك؟" قال الأعرابيّ: لا، واللّه ما بعتكه، فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "بلى قد ابتعته منك" فطفق الأعرابيّ يقول: هلمّ شهيدا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- على خزيمة فقال: "بم تشهد؟" قال: بتصديقك يا رسول اللّه، فجعل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- شهادة خزيمة شهادة رجلين. وزاد رزين فقال الأعرابيّ: أهذا رسول اللّه؟ فقال أبو هريرة: كفى بك جهلا أن لا تعرف نبيّك، صدق اللّه (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ) [التوبة:97]، فاعترف الأعرابيّ بالبيع؛ (رواه أبو داود:3607، وصححه الألباني).
الاشعار
- 1- قال المتنبي:
- لقد أباحك غشاً في معاملة *** من كنت منه بغير الصدق تنتفع
- (فيض القدير للمناوي:3-133).
- 2- قال أبو السّريّ:
- ما للعُدولِ أراني الله جمعَهُمُ *** في مُطْبقٍ من جحيم النّارِ مَسْعورِ
- قومٌ إذا حاربوا كانت أسنّتُهم*** بَثَّ الشَّهادةِ بينَ النَّاسِ بالزورِ
- (حماسة الظرفاء للزوزني:1-30).
- 3- قال عبد الصمد المعذل:
- وكيف تخشى شهادات يقوم بها *** ثلاثة: شاهدا زور ومجنون
- (ديوان عبد الصمد بن المعذل:1-156).
متفرقات
- قال ابن حجر في قوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- "وجلس وكان متّكئا": "يشعر بأنّه اهتمّ بذلك حتّى جلس بعد أن كان متّكئا، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزّور وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزّور أو شهادة الزّور أسهل وقوعا على النّاس، والتّهاون بها أكثر، فإنّ الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطّبع، وأمّا الزّور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرها، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا، بل لكون مفسدة الزّور متعدّية إلى غير الشّاهد، بخلاف الشّرك فإنّ مفسدته قاصرة غالبا"؛ (الفتح:5-311).
- قال أبو حيّان في تفسيره قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72]: "والظّاهر أنّ المعنى: لا يشهدون بالزّور، أو لا يشهدون شهادة الزّور، وقيل: المعنى لا يحضرون الزّور (من المشاهدة أي أنّ شهد هنا بمعنى شاهد) وقد اختلف في الزّور على أقوال منها: الشّرك (قاله الضّحّاك وابن زيد)، والغناء (قاله مجاهد)، والكذب (قاله ابن جريج) وأعياد المشركين (عن مجاهد أيضا) ومجالس الباطل (قاله قتادة) وقيل غير ذلك"؛ (تفسير البحر المحيط:6-473).
- قال الشّيخ الميدانيّ: "وفي حياة النّاس نوع خطير من الكذب، شديد القبح، سيّىء الأثر ألا وهو شهادة الزّور. إنّ الأصل في الشّهادة أن تكون سندا لجانب الحقّ، ومعينة للقضاء على إقامة العدل، والحكم على الجناة الّذين تنحرف بهم أهواؤهم وشهواتهم، فيظلمون أو يبغون، أو يأكلون أموال النّاس بالباطل، فإذا تحوّلت الشّهادة عن وظيفتها، فكانت سندا للباطل، ومضلّلة للقضاء، حتّى يحكم بغير الحقّ، استنادا إلى ما تضمّنته من إثبات، فإنّها تحمل حينئذ إثم جريمتين كبريين في آن واحد. الجريمة الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الطّبيعيّة الأولى. الجريمة الثّانية: قيامها بجريمة، تهضم فيها الحقوق، ويظلم فيها البرآء، ويستعان بها على الإثم والبغي والعدوان"؛ (الأخلاق الإسلامية:1-546).
- قال النووي -رحمه الله- في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رسولَ اللهِ. قَالَ: "الإشْراكُ باللهِ، .. الخ. (البخاري:5631): وليس على ظاهره المتبادر وذلك لأن الشرك أكبر بلا شك وكذلك القتل فلا بد من تأويله وذلك بأن التفضيل لها بالنظر إلى ما يناظرها في المفسدة وهي التسبب في أكل المال بالباطل فهي أكبر الكبائر بالنسبة إلى الكبائر التي يتسبب بها إلى أكل المال بالباطل فهي أكبر من الزنا ومن السرقة وإنما اهتم -صلى الله عليه وسلم- بإخبارهم عن شهادة الزور وجلس وأتى بحرف التنبيه وكرر الإخبار لكون قول الزور وشهادة الزور أسهل على اللسان والتهاون بها أكثر ولأن الحوامل عليه كثيرة من العداوة والحسد وغيرها فاحتيج إلى الاهتمام بشأنه بخلاف الإشراك فإنه ينبو عنه قلب المسلم ولأنه لا تتعدى مفسدته إلى غير المشرك بخلاف قول الزور فإنه يتعدى إلى من قيل فيه والعقوق يصرف عنه كرم الطبع والمروءة (انظر سبل السلام:4-250).
- قال الإمام الذّهبيّ -رحمه الله-: "إنّ شاهد الزّور قد ارتكب عظائم: أحدها: الكذب والافتراء. ثانيها: أنّه ظلم الّذي شهد عليه حتّى أخذ بشهادته ماله وعرضه وروحه (أحيانا). ثالثها: أنّه ظلم الّذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النّار، مصداقا لقوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "من قضيت له من مال أخيه بغير حقّ فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار". رابعها، أنّه أباح ما حرّم اللّه تعالى، وعصمه من المال والدّم والعرض"؛ (الكبائر للذّهبي:79).
- قال ابن حجر الهيثمي -رحمه الله-: عدّ شهادة الزّور وقبولها، كلاهما من الكبائر. وقد صرّحوا بذلك فى الشّهادة، وقياس الثّانية (أي قبول شهادة الزّور) أن تكون كذلك، وحكى بعضهم الإجماع على أنّ شهادة الزّور كبيرة ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلا أو كثيرا فضلا عن هذه المفسدة القبيحة الشّنيعة جدّا؛ (الزواجر ص:335، بتصرف يسير).
- قال البغوي -رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا): "الزور: تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته؛ حتى يخيل إلى من سمعه، أو يراه أنه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق (معالم التنزيل:3-459).
- قال ابن كثير -رحمه الله- وقوله (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ): "(من) ههنا لبيان الجنس أي اجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان، وقرن الشّرك باللّه بقول الزّور كقوله: (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33] ومنه شهادة الزّور"؛ (تفسير ابن كثير:3-229).
- قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ): واتّقوا قول الكذب والفرية على اللّه بقولكم في الآلهة: (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) [الزمر:3] وقولكم للملائكة هي بنات اللّه ونحو ذلك من القول، فإنّ ذلك كذب وزور وشرك؛ (جامع البيان:17-112).
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (10/4774) . 2- آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة تأليف الفقير إلى الله تعالى: سعيد بن علي بن وهف القحطاني (3/8) . 3- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة (9/552) . 4- الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته المؤلف : أبو عبيد القاسم بن سلام (157 - 224) شهرته : القاسم ابن سلام المحقق : الألباني دار النشر : المعارف البلد : الرياض الطبعة : الأولى سنة الطبع : 1421هـ - 2000م (1/98) . 5- رياض الجنة بتخريج أصول السنة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسي (ابن أبي زمنين) سنة الولادة / سنة الوفاة 399 هـ تحقيق عبد الله بن محمد عبد الرحيم بن حسين البخاري الناشر مكتبة الغرباء الأثرية سنة النشر 1415 هـ مكان النشر المدينة المنورة / السعودية (1/253) . 6- بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار المؤلف : أبو بكر محمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري [ ت : 384 هـ] المحقق : محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان الطبعة : الأولى ، 1420هـ - 1999م (1/70) . 7- معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول المؤلف : حافظ بن أحمد حكمي الناشر : دار ابن القيم – الدمام الطبعة الأولى ، 1410 – 1990 تحقيق : عمر بن محمود أبو عمر (2/476) . 8- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان عام النشر : 1415 هـ - 1995 مـ (5/256) . 9- صحيح ابن خزيمة المؤلف : محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري الناشر : المكتب الإسلامي - بيروت ، 1390 – 1970 تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي - باب النهي عن قول الزور و العمل به و الجهل في الصوم و التغليظ فيه (3/241) . 10- غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب المؤلف : شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى : 1188هـ) الناشر : مؤسسة قرطبة – مصر الطبعة : الثانية ، 1414 هـ / 1993م (1/114) .