زهد

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الزهد هو: انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، ولا بد أن المرغوب عنه مرغوباً فيه بوجه من الوجوه فمن رغب عما ليس مطلوباً في نفسه لا يسمى زاهداً فتارك الحجر والتراب وما أشبهه لا يسمى زاهداً وإنما يسمى زاهداً من ترك الدراهم والدنانير. فالزهد انصراف الرغبة عن الدنيا لحقارتها والإقبال على الآخرة والرغبة فيها لنفاستها، والدنيا كالثلج الموضوع في الشمس لا يزال في الذوبان إلى الانقراض، والآخرة كالجوهر الذي لا فناء له، وبقدر اليقين بالتفاوت بين الدنيا والآخرة تقوى الرغبة في البيع. ... وقد تعددت عبارات السلف من أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، من الأضواء اللامعة والنجوم الساطعة في تعريف الزهد في الدنيا وكلها تدور على عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها. وهاك غيضٌ من فيض مما ورد في ذلك: قال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا قصر الأمل. وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العبا. وقال سفيان ابن عيينة: الزهد في الدنيا الصبر وارتقاب الموت. قال الحسن البصري: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك. وقال ابن الجلاّء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها. وقال إبراهيم ابن أدهم رحمه الله تعالى: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد. وقال بعضهم: الزهد هو انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، وهو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة وأن يخلو قلبك مما خلت منه يداك. وقال عبد الواحد بن زيد: الزهد في الدينار والدرهم. وسئل الجنيد عن الزهد فقال: استصغار الدنيا، ومحو آثارها من القلب. وقال أبو سليمان الداراني: الزهد: ترك ما يشغل عن الله. هذه التعريفات للزهد والتي عرفها أئمة الهدى وأعلام التقى ومصابيح الدجى، من حلية الأولياء وأعلام النبلاء، من الأضواء اللامعة والنجوم الساطعة بينها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ولا شك أن الزهد يشملها جميعا، ولعل أجمع تعريف للزهد هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: " الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة "، وهذا يشمل ترك ما يضر، وترك ما لا ينفع ولا يضر.[ فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة (1/119) ] .

العناصر

1- فضل الزهد في الدنيا .

 

 

2- أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل .

 

 

3- الزهد أعلى من الورع .

 

 

4- فهم السلف لحقيقة الدنيا .

 

 

5- قيمة الدنيا في ميزان الله ورسوله .

 

 

6- تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الزهد .

 

 

7- زهد النبي صلى الله عليه وسلم .

 

 

8- نماذج من زهد الصالحين في الدنيا ومتاعها .

 

 

9- الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا .

 

 

10- ثمرات الزهد في الدنيا .

الايات

  1. قَالَ الله تَعَالَى: (إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].
  2. قوله تَعَالَى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:45-46].
  3. قوله تَعَالَى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) [الحديد:20].
  4. قوله تَعَالَى: (زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ) [آلعمران:14].
  5. قوله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ) [فاطر: 5].
  6. قوله تَعَالَى: (ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر:1-5].
  7. قوله تَعَالَى: (وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].
  8. قوله تعالى: (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ * قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ * وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ * وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف:16-20].
  9. قوله تعالى: (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى * وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) [طه: 130-131].
  10. قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص:51-55].
  11. قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 79-83].

الاحاديث

1- عن عروة بن الزبير، أنه أخبره أن المسور بن مخرمة، أخبره أن عمرو بن عوف، وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:85]: بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء» قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» [رواه البخاري (4015) ] . 2- عن عطاء بن يسار، أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: «إني مما أخاف عليكم من بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» فقال رجل: يا رسول الله، أويأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك؟ فرأينا أنه ينزل عليه؟ قال: فمسح عنه الرحضاء، فقال: «أين السائل؟» وكأنه حمده، فقال: «إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت، ورتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل - أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - وإنه من يأخذه بغير حقه، كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» [رواه البخاري (1465) ] . 3- عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» وفي حديث ابن بشار: «لينظر كيف تعملون» [رواه مسلم (2742) ] . 4- عن سهل، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتادنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للمهاجرين والأنصار» [رواه البخاري (3797) ] . 5- عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط » [رواه مسلم (2807) ] . 6- عن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار يحيى بالسبابة - في اليم، فلينظر بم ترجع؟» [رواه مسلم (2858) ] . 7- عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق، داخلا من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا، كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله، من هذا عليكم» [رواه مسلم (2957) ] . 8- عن زيد بن وهب، قال: قال أبو ذر: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا شيئا أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، ثم مشى فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا - عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم» ثم قال لي: «مكانك لا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم، فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: «لا تبرح حتى آتيك» فلم أبرح حتى أتاني، قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتا تخوفت، فذكرت له، فقال: «وهل سمعته» قلت: نعم، قال: « ذاك جبريل أتاني، فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال : وإن زنى، وإن سرق» [رواه البخاري (6444) ] . 9- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» [سنن الترمذي (2513) وقال الألباني صحيح] . 10- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض» [رواه البخاري (2886) ] . 11- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر» [روااه مسلم (2956) ] . 12- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» [رواه البخاري (6416) ] . 13- عن سهل بن سعد الساعدي، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس» [سنن ابن ماجه (4102) وقال الألباني صحيح] . 14- عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» [سنن الترمذي (2320) وقال الألباني صحيح] . 15- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» [سنن الترمذي (2377) وقال الألباني صحيح] .

الاثار

  1. كان ابن عمر، يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك""؛ (رواه البخاري:6416).
  2. عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث، قال: "ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضا جعلها صدقة""؛ (رواه البخاري:2739).
  3. في وصية لقمان لابنه قوله: "واعلم أن أعون الأشياء على الدين زهادة في الدنيا""؛ (قوت القلوب لأبي طالب المكي:1-405).
  4. قال أبو هريرة رضي الله عنه: "جلساء الله غداً أهل الورع والزهد""؛ (مدارج السالكين:2-22).
  5. قال بشر بن الحارث: "قيل لسفيان: أيكون الرجل زاهداً، ويكون له مال؟ قال: نعم؛ إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر"؛ (صفحات مشرقة من حياة السلف أبو ياسر محمد بن مطر بن عثمان آل مطر الزهراني:1-66).
  6. قال عثمان بن عمارة: "الورع يبلغ بالعبد إلى الزهد في الدنيا، والزهد يبلغ به إلى حب الله عز وجل"؛ (كتاب الزهد الكبير للبيهقي:1/313).
  7. قال الفضيل بن عياض يقول: "جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد "؛ (كتاب الزهد الكبير للبيهقي:1-131).
  8. قيل ليحيي بن معاذ: "متى يكون الرجل زاهداً؟ فقال: إذا بلغ حرصه في ترك الدنيا حرص الطالب لها كان زاهدا"؛ (قوت القلوب لأبي طالب المكي:1-419).
  9. قال أبو عثمان: "الزهد: أن تترك الدنيا، ثم لاتبالي بمن أخذها"؛ (الرسالة القشيرية:1-55).
  10. وقال ابن الجلاء: "الزهد: هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال؛ لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها"؛ (الإتحافات السنية:1/-165).
  11. سُئل ذو النون: "ما حد الزاهد المشروح صدره ؟ فقال: ثلاثة؛ تفريق المجموع ، وترك طلب المفقود ، والإيثار عند القوت"؛ (البحر المديد - لأحمد الشاذلي الفاسي أبو العباس:8/18).
  12. قال أبو سليمان: "ليس الزاهد من ألقى هموم الدنيا واستراح منها، إنما الزاهد من زهد في الدنيا وتعب فيها للآخرة"؛ (تاريخ دمشق - ابن عساكر:34-144).
  13. قال سفيان الثوري: "الزهد في الدنيا: قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العباء"؛ (أخرجه البيهقي في الزهد:466، وأبو نعيم في الحلية 6- 386).
  14. كان أبو سليمان يقول: "إنما زهدوا في الدنيا؛ لتفرغ قلوبهم من همومها للآخرة"؛ (إحياء علوم الدين:4/229).
  15. عون بن إبراهيم قال سمعت المضاء يقول لسباع الموصلي يا أبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد قال إلى الأنس به "؛ (الزهد وصفة الزاهدين - لأبي سعيد:1-42).
  16. قال السّريّ (الرّفّاء): "إنّ الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزّهد والورع (حلّا فيه) وإلّا رحلا"؛ (مدارج السالكين:2-270).
  17. عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: "ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا؛ فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل"؛ (البخاري- الفتح:11-239).
  18. وعنه- رضي اللّه عنه- أنّه قال: "طوبى للزّاهدين في الدّنيا، والرّاغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا أرض اللّه بساطا. وترابها فراشا. وماءها طيبا، والكتاب شعارا، والدّعاء دثارا، ورفضوا الدّنيا رفضا"؛ (شعب الإيمان للبيهقى:7-372).
  19. عن عروة بن الزّبير- رضي اللّه عنهما- قال: "ما كانت عائشة أمّ المؤمنين تستجدّ ثوبا حتّى ترقّع ثوبها وتنكّسه. قال: ولقد جاءها يوما من عند معاوية ثمانون ألفا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلّا اشتريت لنا منه لحما بدرهم؟. قالت: لو ذكّرتني لفعلت [تنكسه: تلبسه منكسا أي ما كان داخلا مستترا منه يصبح من الظاهر، وما كان ظاهرا يصبح باطنا]"؛ (أخرجه الترمذي:1781، وله شواهد في الصحيحين).
  20. قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه- الدّنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له"؛ (المنهاج في شعب الإيمان:3-388).
  21. عن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنه- أنّه كان يخطب بمصر يقول: "ما أبعد هديكم من هدي نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- أمّا هو فكان أزهد النّاس في الدّنيا وأمّا أنتم فأرغب النّاس فيها"؛ (شعب الإيمان:3-389).
  22. عن موسى بن عتبة قال: "كتب أبو الدّرداء إلى بعض إخوانه، أمّا بعد، فإنّي أوصيك بتقوى اللّه، والزّهد في الدّنيا، والرّغبة فيما عند اللّه، فإنّك إذا فعلت ذلك أحبّك اللّه لرغبتك فيما عنده، وأحبّك النّاس لتركك لهم دنياهم والسّلام"؛ (شعب الإيمان:7-381).
  23. عن أبي واقد اللّيثيّ قال: "تابعنا الأعمال أيّها أفضل فلم نجد شيئا أعون على طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا"؛ (أخرجه ابن أبي شيبة:8-174، وأحمد في الزهد:200).
  24. وعن الحسن- رضي اللّه عنه-: "ليس الزّهد في الدّنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد اللّه أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو لم تصبك"؛ (بصائر ذوي التمييز:3-140).
  25. سئل الزّهريّ- رحمه اللّه- عن الزّهد في الدّنيا. فقال: "أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره، أي لا يقصّر في شكر الحلال إذا أصابه، ويصبر عن الحرام إذا اشتهاه ولا يواقعه"؛ (المنهاج في شعب الإيمان للحليمي:3-386).
  26. عن محمّد بن كعب القرظيّ: قال: "إذا أراد اللّه بعبد خيرا أزهده في الدّنيا، وفقّهه في الدّين، وبصّره عيوبه، ومن أوتيهنّ فقد أوتي خيرا كثيرا في الدّنيا والآخرة"؛ (المنهاج في شعب الإيمان للحليم:3-389).
  27. وقال يحيى بن معاذ: "الزّهد يورث السّخاء بالملك"؛ (بستان العارفين:42).
  28. قال الجنيد- رحمه اللّه-: "الزّهد خلوّ القلب عمّا خلت منه اليد"؛ (بستان العارفين:420، وبصائر ذوى التمييز:3-139).
  29. قال سفيان الثّوريّ- رحمه اللّه-: "الزّهد في الدّنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة"؛ (بستان العارفين:42، وبصائر ذوى التمييز:3-139).
  30. عن الحسن البصري قال: "كان يقول إني أدركت صدر هذه الأمة ثم طال بي عمر حتى أدركتكم فوالذي لا إله غيره لهم كانوا أبصر في دينهم بقلوبهم منكم في دنياكم بأبصاركم ولهم كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم ولهم كانوا من حسناتهم ألا تقبل منهم أشد شفقة منكم من سيئاتكم أن تؤخذوا بها""؛ (الإشراف في منازل الأشراف لأبي بكر القرشي:1-260).

القصص

  1. "حج الخليفة هشام بن عبد الملك الخليفة، وفي الطواف رأى سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب ودجلة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم؛ أتريد حاجة أقضيها لك هذا اليوم؟، قال سالم: أما تستحي من الله تعرض علي الحوائج وأنا في بيت من لا يحوجني إلى غيره؟! فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: أتريد شيئاً؟ قال: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟""؛ (دروس للشيخ عائض القرني:5-309).
  2. "لقي سفيان الثوري رابعة – وكانت مزرية الحال-، فقال لها: يا أم عمرو أرى حالاً رثة، فلو أتيت جارك فلاناً لغير بعض ما أرى، فقالت له: يا سفيان وما ترى من سوء حالي، ألست على الإسلام فهو العز الذي لا ذلَّ معه والغنى الذي لا فقر فيه، والأنس الذي لا وحشة معه؛ والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسال من لا يملكها، فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام""؛ (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان:2-268).
  3. روي أن ملكاً بنى قصراً، وقال لحاشيته: "انظروا إن كان فيه عيب فأصلحوه, فقال رجل حكيم: أرى فيه عيبين. فقالوا: وما هما؟ قال: يموت الملك ويخرب القصر، قال الملك: صدقت ثم أقبل على الله، وترك القصر، والدنيا""؛ (المستطرف في كل فن مستظرف لأبي الفتح الأبشيهي:2-608).
  4. كان مالك بن دينار يقول: إذا قيل له إنك زاهد، قال: "إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز جاءته الدنيا وملكها، فزهد فيها؛ فأما أنا ففي أي شيء زهدت؟""؛ (قوت القلوب لأبي طالب المكي:1-415).

الاشعار

  • 1- قال الحافظ أبو الحسن طاهر بن مفوِّز المعافري الأندلسي:
  • عُمْـدَةُ الدِّيْـنِ عِنْدَنَـا كَلِمَـاتٌ *** مُسْنَدَاتٌ مِنْ قَـوْلِ خَيْـرِالْبَرِيَّهْ
  • اتْـرُكِ الشُّبُهَاتِ وَازْهَـدْ وَدَعْ مَا *** لَيْـسَ يَعْنِيـكَ واعْمَلْـنَ بِنِيَّـهْ
  • (انظر: الفتوحات الربانية لابن علان:1/64، وشرح السيوطي لسنن النسائي:7/242).
  • 2- قال أبو العتَاهِية:
  • إِذَا كُنْتَ بِالدُّنْيَـا بَصِيـرًا فَإِنَّمَـا *** بَلاغُـكَ مِنْهَا مِثْلُ زَادِ الْمُسَافِـرِ
  • (جامع بيان العلم وفضله للقرطبي:2-46).
  • 3- قال الشافعي رحمه الله تعالى:
  • إِنَّ للهِ عِـبَـــادًا فُـطَـنَــا *** تَرَكُـوا الدُّنْيَـا وَخَافُـوا الْفِتَنَـا
  • نَظَـرُوا فِيْهَـا فَلَـمَّـا عَلِـمُـوا *** أَنَّـهَـا لَيْسَـتْ لِحـيٍّ وَطَنَـا
  • جَعَـلُـوهَـا لُجَّـةً وَاتَّـخُـذُوا *** صَالِـحَ الأَعْمَـالِ فِيهَـا سُفُنَـا
  • (نفح الطيب من غصن الأندلس للتلمساني:2-86).
  • 4- قال أبو جعفر  محمد الرُّؤاسي:
  • أَلا يَا نَفْـسُ هَـلْ لَكِ فِي صِيَـامِ *** عَـنْ الدُّنْيَـا لَعَلَّـكِ تَهْتَـدِيْنَـا
  • يَكُونُ الْفِطْرُ وَقْتَ الْمَـوْتِ مِنْهَـا *** لَعلَّـكِ عِـنْـدَهُ تَسْتَبْشِـرِينَـا
  • أَجِيبِينِـي هُدِيـتِ وَأَسْعِفِـيـنِ! *** لَعَلَّكَ فِـي الْجِنَـانِ تُخَلَّـدِيْنَـا
  • (إنباه الرواة على أنباه النحاة:4/109).
  • 5- ما أحسن ما قال مسلم بن عمرو:
  • مَـا أَقْبَـحَ التَّزْهِيـدَ مِـنْ وَاعِظٍ *** يُـزَهِّـدُ النَّـاسَ وَلا يَـزْهَـدُ
  • لَوْ كَـانَ فِـي تَزْهِيـدِهِ صَادِقًـا *** أَضْحَـى وَأَمْسَـى بَيْتَه الْمَسْجِدُ
  • (تفسير القرآن العظيم لابن كثير:1-250).
  • 6- رحم الله من قال:
  • طُوبَى لِعَبْـدٍ بِحَبْـلِ اللهِ مُعْتَصَمَـه *** عَلى صِراطٍ سَـوِيٍّ ثَابِتٍ قَدَمُـهْ
  • رَثَّ اللِّبَاسِ جَدِيـدَ الْقَلْـبِ مُسْتَتِرٍ *** فِي الأَرْضِ مُشْتَهِرٍ فَوْقَ السَّمَاءِ سِمُهْ
  • مَا زَالَ يَسْتَحْقِـرُ الدُّنْيَـا بِهِمَّتِـهِ *** حَتَّى تَرَقَّتْ إِلَى الأُخْرَى بِهِ هِمَمُهْ
  • فذاكَ أَعْظَـمُ مِـنْ ذِي التَّاجِ مُتَّكِئًا *** عَلَى النَّمَارِقِ مُحْتَفًّا بِـهِ حَشَمُـهْ
  • (اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى ابن رجب:1/38).

متفرقات

  1. قال الإمام أحمد بن حنبل: "الزهد على ثلاثة أوجه الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين""؛ (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين:2/12).
  2. قال ابن الجوزي في قول ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يأخذ نفقة سنة " (رواه البخاري ومسلم من حديث عمر). قال: "فيه جواز ادخار قوت سنة، ولا يقال هذا من طول الأمل؛ لأن الإعداد للحاجة مستحسن شرعاً وعقلاً, وقد استأجر شعيبُ موسى عليهما السلام، وفي هذا رد على جهلة المتزهدين في إخراجهم من يفعل هذا عن التوكل, فإن احتجوا بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخر لغد؛ فالجواب أنه كان عنده خلق من الفقراء فكان يؤثرهم""؛ (الآداب الشرعية والمنح المرعية - لابن مفلح المقدسي:3-312).
  3. قال ابن القيم: "وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمُك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويَزِينُ، ويضر ذمُّه ويشين إلا الله وحده؛ كما قال ذلك الأعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن مدحي زين وذمي شين فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ذلك الله -عز وجل""؛ (أحمد:3-488، 6- 394)، من حديث الأقرع بن حابس - رضي الله عنه -، وإسناده حسن، ورواه الترمذي وحسنه، برقم: (3267) من حديث البراء، وصححه الألباني في صحيح الترمذي:2605) فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يَشِينُك ذمه، وارغب في مدح مَنْ كلُّ الزَّينِ في مدحِه، وكل الشَّينِ في ذمه""؛ (الفوائد لابن القيم ص: (218).
  4. قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: "الزّهد المشروع: هو ترك الرّغبة فيما لا ينفع في الدّار الآخرة، وهو فضول المباح الّتي لا يستعان بها على طاعة اللّه، كما أنّ الورع المشروع: هو ترك ما قد يضرّ في الدّار الآخرة. وهو ترك المحرّمات والشّبهات الّتي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها، كالواجبات، فأمّا ما ينفع في الدّار الآخرة، فالزّهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (لمائدة:87). كما أنّ الاشتغال بفضول المباحات، هو ضدّ الزّهد المشروع، فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو فعل محرّم كان عاصيا، وإلّا كان منقوصا عن درجة المقرّبين إلى درجة المقتصدين""؛ (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:10-21).
  5. قال ابن القيّم: "إنّ الزّهد سفر القلب من وطن الدّنيا، وأخذه في منازل الآخرة. وعلى هذا صنّف المتقدّمون كتب الزّهد، كالزّهد لعبد اللّه بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهنّاد بن السّريّ، ولغيرهم.ومتعلّقه ستّة أشياء لا يستحقّ العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها: وهي المال، والصّور، والرّياسة، والنّاس، والنّفس، وكلّ ما دون اللّه.  وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود- عليهما السّلام- من أزهد أهل زمانهما. ولهما من المال والملك والنّساء مالهما. وكان نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- من أزهد البشر على الإطلاق. وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب، وعبد الرّحمن بن عوف، والزّبير وعثمان- رضي اللّه عنهم- من الزّهّاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير""؛ (مدارج السالكين:2-13-14).
  6. قال الإمام الغزاليّ: "الزّهد هو عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه. وكلّ من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنّما عدل عنه لرغبته عنه، وإنّما عدل إلى غيره لرغبته فيه، فحاله بالإضافة إلى المرغوب (المعدول) عنه تسمّى زهدا، وبالإضافة إلى المعدول إليه (المرغوب فيه) يسمّى رغبة وحبّا، ومن ثمّ يستدعي حال الزّهد مرغوبا عنه ومرغوبا فيه هو خير من المرغوب عنه، وشرط المرغوب عنه أن يكون هو أيضا مرغوبا فيه بوجه من الوجوه، ومن رغب عمّا ليس مطلوبا في نفسه لا يسمّى زاهدا، وشرط المرغوب فيه أن يكون عنده خيرا من المرغوب عنه""؛ (إحياء علوم الدين:4-217).
  7. قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: "الزّهد أقسام: زهد في الحرام: وهو فرض عين، وزهد في الشّبهات: وهو بحسب مراتب الشّبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبّا، وزهد في الفضول، وهو زهد فيما يعني من الكلام والنّظر والسّؤال واللّقاء وغيره، وزهد في النّاس، وزهد في النّفس حيث تهون عليه نفسه في اللّه، وزهد جامع لذلك كلّه، وهو الزّهد فيما سوى ما عند اللّه، وفي كلّ ما يشغلك عن اللّه، وأفضل الزّهد إخفاء الزّهد، وأصعبه الزّهد في الحظوظ""؛ (الفوائد:118).
  8. قال الإمام الغزاليّ- رحمه اللّه-: "الزّهد: عبارة عن الرّغبة عن حظوظ النّفس كلّها إلى ما هو خير منها، علما بأنّ المتروك حقير بالإضافة إلى المأخوذ""؛ (بستان العارفين:42).
  9. عن الرّبيع بن سليمان عن الشّافعيّ رحمه اللّه- قال: يا ربيع عليك بالزّهد، فللزّهد على الزّاهد أحسن من الحليّ على المرأة النّاهد (شعب الإيمان:7-389).

الإحالات

1- الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي 2/241 مؤسسة قرطبة . 2- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف – المنذري تحقيق مصطفى عمارة 4/156 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 . 3- تلبيس إبليس – ابن الجوزي ص 150 دار الكتب العلمية . 4- تهذيب مدارج السالكين – عبد المنعم العزي 283 وزارة العدل والشئون الإسلامية بالإمارات . 5- جامع الأصول – ابن الأثير 4/670 الرئاسة العامة 1389 . 6- جامع العلوم والحكم – ابن رجب حديث 31 مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية 1412 . 7- الدلائل النورانية لطالب الربانية – عدنان الرومي ، علي الهزاع ص 95 مكتبة المنار الإسلامية الطبعة الأولى 1405 . 8- رياض الصالحين – النووي ص 210 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1404 . 9- سلاح اليقظان لطرد الشيطان – عبد العزيز السلمان ص 189 الطبعة الأولى 1408 . 10- صيد الخاطر – ابن الجوزي ص 63، 386، 25، 471 . 11- طريق الهجرتين وباب السعادتين – ابن القيم تحقيق عمر بن محمود أبو عمر ص 251 دار ابن القيم الدمام الطبعة الأولى 1409 . 12- عيون الأخبار- ابن قتيبة تحقيق يوسف طويل 2/287 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 . 13- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب – السفاريني 2/538 مؤسسة قرطبة . 14- الفوائد – ابن القيم تحقيق بشير عيون ص 215 مكتبة دار البيان الطبعة الأولى 1408 . 15- كتاب الزهد – ابن المبارك تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ص 151 المكتبة العلمية . 16- كتاب الزهد – أحمد بن حنبل تحقيق محمد زغلول دار الكتاب العربي الطبعة الأولى 1406 . 17- كتاب الزهد – وكيع بن الجراح تحقيق عبد الرحمن الفريوائي ص 223، 577 مكتبة الدار الطبعة الأولى 1404 . 18- مجموع الفتاوى – ابن تيمية 36/202 الطبعة الأولى 1398 . 19- مختصر شعب الإيمان – أبو المعالي القزويني تحقيق عبد القادر الأرناؤوط ص 133 دار ابن كثير الطبعة الثانية 1405 . 20- مختصر منهاج القاصدين – ابن قدامة تحقيق علي عبد الحميد ص 411 دار الفيحاء الطبعة الأولى 1406 . 21- مدارج السالكين – ابن القيم تحقيق محمد حامد الفقي 2/8 دار الكتاب العربي 1392 . 22- مفيد العلوم ومبيد الهموم – القزويني تحقيق عبد القادر عطا ص 201 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 . 23- المنتقى النفيس من تلبيس إبليس – علي حسن عبد الحميد ص 191 دار ابن الجوزي . 24- موارد الظمآن – عبد العزيز السلمان 2/328 الطبعة الثامنة عشر 1408 . 25- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين – القاسمي ص 436 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 . 26- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء – محمد حسن موسى ص 1748 دار الأندلس جدة الطبعة الأولى 1411 . 27- الوصايا – المحاسبي ص 238 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .