رؤيا
2022-10-12 - 1444/03/16التعريف
تعريف الرؤيا:
قال ابن منظور -رحمه اللَّه-: "والرؤيا والحُلْم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح [لسان العرب" (12/ 145)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 434)، و "القاموس المحيط" (4/ 99، 331)، و"الصحاح" للجوهري (5/ 1903)، (6/ 2349)، و"المصباح المنير" (1/ 204،337)، و"تفسير الكشاف" (2/ 302) ] .
تعريف الرؤيا اصطلاحا:
قال القاضي أبو بكر بن العربي: (الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعباراتها وإما تخليط ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة وهذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق [عقيدة التوحيد في فتح الباري ص (320) ] .
العناصر
1- آداب الرؤيا الصالحة والمكروهة .
2- كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا جاءت مثل فلق الصبح .
3- الرؤيا الصالحة للمؤمن بشرى من الله .
4- رؤيا المؤمن جزء من ستة واربعين جزءا من النبوة فهي من أقسام الوحي .
5- الرؤيا الصالحة قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام وقت التشريع .
6- الرؤيا الصالحة تختلف بحسب صلاح الرائي وما يكتنف رؤياه من القرائن والشواهد الدالة على صدق الرؤيا.
7- رؤيا المؤمن عند اقتراب الزمان لا تكاد تكذب .
8- الرؤيا الصالحة لا يسوغ العمل بها، إلا إذا وافقت نصاً شرعياً.
9- الذي تنسب رؤياه إلى أجزاء النبوة هو المؤمن الصالح، أما الكافر والفاسق فلا تنسب رؤياهم إلى النبوة، وإن صدقت .
10- فضل الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرى له .
الايات
1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [الروم:23].
2- قوله تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ...) إلى قوله تعالى: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) [يوسف:36-41] .
3- قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ...) إلى قوله: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [يوسف 43-49].
4- قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) [الإسراء: 60 ] .
5- قوله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ) [الفتح: 27] .
6- قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64] .
الاحاديث
1- عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» [صحيح البخاري التعبير (6983)، صحيح مسلم الرؤيا (2264) ] .
2- عن أَبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقول: «إِذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤيَا يُحِبُّهَا، فَإنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا – وفي رواية: فَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ – وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فإنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ؛ فَإنَّهَا لا تَضُرُّهُ» [عقيدة التوحيد في فتح الباري ص (333) ] .
3- عن أبي سلمة قال لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث به أحدا فإنها لا تضره» [عقيدة التوحيد في فتح الباري ص (333) ] .
4- عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن قوله: (لهم البشرى في الحياة الدنيا) قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» [رواه الترمذي (2275)، وحسنه، وصححه الألباني] .
5- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبوَّةِ إِلاَّ المُبَشِّرَاتِ»قالوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» [رواه البخاري (6990) ] .
6- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا من تحزين الشيطان، والرؤيا مما يحدث بها الرجل نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل ولا يحدث بها الناس» قال: «وأحب القيد في النوم وأكره الغل» [سنن الترمذي (2270) وقال الألباني صحيح] .
7- عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي» قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: إذا رآه في صورته. [صحيح البخاري (6993) ] .
8- عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ, فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ» [مسند أحمد (16182) وقال شعيب الأرناؤوط حسن لغيره] .
الاثار
1- عن أبي سليمان الداراني قال: إنما يجيء الوسواس وكثرة الرؤيا إلى كل ضعيف، فإذا أخلص انقطع عنه الرؤيا وكثرة الوسواس؛ قال أبو سليمان: وربما أقمت سنين لا أرى الرؤيا [حلية الأولياء] .
2- قال محمد بن الحسن: في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «الرؤيا الصالحة من اللّه، والحلم من الشيطان» قال رحمه الله: فيه بيان أنه ليس كل ما يراه الإِنسان في منامه يكون صحيحاً، إنما الصحيح فيه ما كان من اللّه يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أمّ الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها، وهي على أنواع: قد يكون من فعل الشيطان يلعب بالإِنسان، أو يريه ما يحزنه، وأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك بأن يبصق عن يساره، ويتعوذ باللّه منه كأنه يقصد به طرده إخزاءً، وقد يكون من حديث النفس كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر، والعاشق يرى معشوقه، وقد يكون ذلك من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والرعاف والحمرة، ومن غلبه الصفراء يرى النار والأشياء الصفر، ومن غلب عليه السوداء يرى الظلمة والأشياء السود، والأهوال والموت، ومن غلب عليه البلغم يرى البياض والمياه والثلج، ولا تأويل لهذه الأشياء [موطأ مالك] .
3- قال المزوري: والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، فإذا خلقها فكأنما جعلها علما على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال. ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أن الله تعالى خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر والعلم عند الله تعالى [فتح الباري] .
القصص
1- حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملاً، فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجي خرج تاجراً فتركني حاملاً، فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت وأني ولدت غلاماً أعور.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيراً.. يرجع زوجك عليك إن شاء الله صالحاً وتلدين غلاماً باراً".. فكانت تراها مرتين أو ثلاثاً.. كل ذلك تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لها ذلك. فيرجع زوجها وتلد غلاماً.. فجاءت كما كانت تأتيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، وقد رأت تلك الرؤيا، فقلت لها: عم تسألين رسول الله يا أمة الله؟ فقالت: رؤيا كنت أراها؛ فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها فيقول: "خيراً" فيكون كما قال.. فقلت: فأخبرني ما هي؟ قالت: حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرضها عليه كما كنت أعرض، فوالله ما تركتها حتى أخبرتني، فقلت: والله لئن صدقت رؤياك، ليموتن زوجك وتلدين غلاماً فاجراً، فقعدت تبكي، فقال لها - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – (ما لها يا عائشة؟) فأخبرته الخبر، وما تأولته لها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مه يا عائشة.. إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على الخير، فإن الرؤيا على ما يعبرها صاحبها) فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدت غلاماً فاجراً ".
2- عبر الصديق ـ رضي الله عنه ـ للرجل الذي يرى أنه يبول دماً فقال له: أنت تأتي امرأتك وهي حائض؛ فاستغفر الله، ولا تعد .
3- بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس مع أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن أبي طالب وجماعة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فالتفت إليهم، فقال : إني سائلكم عن خصال فأخبروني بها : أخبروني عن الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه, وعن الرجل يحب الرجل ولم يلقه وعن الرؤيتين إحداهما حق والأخرى أضغاث, وعن ساعة من الليل ليس أحد إلا وهو فيها مروع وعن الرائحة الطيبة مع الفجر فسكت القوم فقال : ولا أنت يا أبا الحسن ؟ فقال: بلى والله إن عندي من ذلك لعلماً: أما الرجل بينما هو يذكر الشيء إذ نسيه فإن على القلب طخاء كطخاء القمر فإذا سري عنه ذكر, وإذا أعيد عليه نسي وغفل. وأما الرجل يحب الرجل ولم يلقه فإن الأرواح أجناد مجندة, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. وأما الرؤيتان إن إحداهما حق والأخرى أضغاث, فإن في ابن آدم روحين, فإذا نام خرجت روح فأتت الحميم والصديق والبعيد والقريب والعدو فما كان منها في ملكوت السموات فهي الرؤيا الصادقة, وما كان منها في الهواء فهي الأضغاث. وأما الروح الأخرى فللنفس والقلب. وأما الساعة من الليل التي ليس فيها أحد إلا وهو فيها مروع فإن تلك الساعة التي يرتفع فيها البحر يستأذن في تغريق أهل الأرض فتحسه الأرواح فترتاع لذلك. وأما الريح الطيبة مع الفجر إذا طلع خرجت ريح من تحت العرش حركت الأشجار في الجنة فهي الرائحة الطيبة خذها يا عمر.
4- قال هشام بن حسان : كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول : اتق الله وأحسن في اليقظة, فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم وكان يجيب في خلال ذلك ويقول : إنما أجيبه بالظن, والظن يخطئ ويصيب.
5- لما استشهد ثابت بن قيس -رضي الله عنه في معركة اليمامة وكانت عليه درع نفيسة، فأخذها أحد المسلمين.. فبينما أحد المسلمين نائم، إذ أتاه في منامه وقال له: "أوصيك بوصية فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه..! إني لما قٌتلت مر بي رجل من المسلمين وأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله (أي يمرح في حبله المشدود)، وقد كفأ على الدرع برمة (قدر) وفوق البرمة رحل، فأت خالداً فمُره أن يبعث إليَّ درعي فيأخذها، فإذا قدمت إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر فقل له: إن عليَّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق" فأتى الرجل خالداً فأخبره، فبعث إلى الدرع فأُتي بها، وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته بعد موته.. ولذا قيل: لا يُعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس رضي الله عنه.
6- ذكر الليث بن سعد: " أن رجلاً أتى سعيد بن المسيب فقال: إني رأيت على شرفات المسجد حمامة بيضاء، فعجبت من حسنها، فأتى صقر فاحتملها. فقال ابن المسيب: إن صدقت رؤياك، تزوج الحجاج بن يوسف بنت عبد الله بن جعفر، فما مضى إلا يسير حتى تزوجها، فقيل له: يا أبا محمد كيف خلصت إلى هذا؟ فقال: إن الحمامة امرأة، والبيضاء نقية الحسب، فلم أر أحداً من النساء أنقى حسباً من ابنة الطيار في الجنة، ونظرت في الصقر فإذا هو طائر عربي ليس من طير الأعاجم، فلم أر أصقر من الحجاج..!
7- جاءت امرأة إلى ابن سيرين وهو يتغذى، فقالت له: يا يا أبا بكر، رأيت رؤيا، فقال: تقصين أو تتركيني حتى آكل؟ قالت: أتركك، فأكل ثم قال: قصي، قالت: رأيت القمر قد دخل في الثريا، فنادى مناد من خلفي: ائتي ابن سيرين فقصي عليه، قال: فقصلت يده عن الطعام، وقال: ويلك، كيف رأيت؟ فأعادت عليه، فتغير لونه، وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت أخته: مالك؟ فقال: زعمت هذه المرأة، أني ميت إلى سبعة أيام، قال الأشعث: فعددنا سبعة أيام، فدفناه في اليوم السابع!.
8- قال ابن مفلح: كان إبراهيم الحميدي رجلاً صالحاً، فدخل عليه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقال له: إن أمي رأت لك كذا وكذا، وذكر الجنة، فقال الإمام أحمد: يا أخي إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج سهل إلى سفك الدماء ثم قال له: "الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره.
9- رؤيا الرجلين اللذين رأى كل منهما أنه يؤذن، فقال ابن سيرين للسيئ منهما: أنت تسرق.. وقال للصالح: أنت تحج.. فقال له جلساؤه: كيف فرقت بينهما والرؤيا واحدة؟ قال: رأيت للأول سيما حسنة فتأولت (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)، ولم أر هيئة للثاني فتأولت (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ).
10- رأى بِسْطَام بن قَيْس رؤيا في منامه فقال: "الدَّلْوُ تَأْتِي الغَرَبَ المَزَلَّة"، فقال له نقيذ: هلا قلت: "ثم تعود باديا مُبْتَلَّة"، فتَكْسِر الطِيرَةَ عنك؟!، فقُتِلَ في صبيحة تلك الليلة.
متفرقات
1- جعل ابن القيم الرؤيا على ثلاثة أنواع هي:
1 - رؤيا رحمانية وهي الرؤيا التي من الله وهي من أسباب هداية العبد إلى الحق ومنها رؤيا الأنبياء وهي وحي معصوم من الشيطان.
2 - رؤيا نفسانية وهي أضغاث الأحلام.
3 - رؤيا شيطانية وهي التي تكون من الشيطان. أما الرؤيا الصادقة فهي لا تكون إلا موافقة للوحي لا سيما إذا تواطأت وتكون إما منبهة على ما يوافق الوحي أو منبهة على اندراج قضية خاصة في حكمة لم يعرف الرائي اندراجها فيه فينبه على ذلك بالرؤيا ومما يعين على صدق الرؤيا تحري الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأمر والنهي، والنوم على طهارة، ومستقبل القبلة، وذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن الرؤيا والحالة هذه لا تكاد أن تكذب.[مدارج السالكين (2/ 51، 52) ] .
2- قال القرطبي: والمسلم الصادق الصالح هو الذي ناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب أما الكافر والفاسق والمخلط فلا ولو صدقت رؤياهم أحيانا فذاك كما قد يصدق الكذوب وليس كل من حدث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن أو المنجم [عقيدة التوحيد في فتح الباري ص (321، 322) ] .
3- قال الحافظ ابن الحجر: محاصيل ما ذكره في أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء، أن يحمد الله عليها وأن يستبشر بها وأن يحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء: أن يتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا ولا يذكر لأحد أصلا. ووقع عند المصنف (يعني البخاري) عن أبي هريرة خامسة وهي الصلاة) [عقيدة التوحيد في فتح الباري ص (334) ] .
وزاد مسلم سادسة (وهي التحول عن جنبه الذي كان عليه) قال صلى الله عليه وسلم: «وليتحول عن جنبه الذي كان عليه » [صحيح البخاري التعبير (7044)، صحيح مسلم الرؤيا (2261)] . قال الحافظ: ورأيت في بعض الشروح ذكر سابعة وهي قراءة آية الكرسي ولم يذكر لذلك سندا[انظر مشتهى الخارف الجائي ص (91) ] .
4- يقول الدكتور عمر الأشقر: وكثير من الناس اليوم يبادرون بالتكذيب بالرؤى والأحلام، ويزعمون أن الرؤى المنامية ليست إلا انعكاسات لما يجول في فكر الإنسان في حال يقظته، وما يختزن في فكره الباطن، فإذا ما استسلم للرقاد، وطاف في أودية الكرى، فإن عقله الباطن يعمل، فيحقق المرء في نومه ما لم يستطع تحقيقه في عالم اليقظة. ونحن لا ننكر أن قسما كبيرا من الرؤى ليس إلا انعكاسات لأحاديث النفس وخواطرها التي تمر بها في اليقظة، ولكننا نرفض رفضا قاطعا أن تكون جميع الرؤى كذلك، ونقول: إن هذا تحكم يعلم كذبه كل من تفكر في رؤاه التي مرت به، أو التي سمع الناس يروونها، ويحدثون بها عن أنفسهم، كيف بالله نفسر رؤيا امرأة رأت وليدها يسقط من سطح منزل، وفي الصباح يخرج فلا يعود؛ لأن سيارة داهمته، وأودت بحياته؟! وكيف نفسر رؤيا رجل يري نفسه وقد سافر إلى بلد، وسكن منزلا معينا رأي في المنام معالمه، فلا تمضي شهور حتى يكون في ذلك المنزل الذي رآه في منامه؟ وكيف نفسر رؤيا رجل رأى أنه سافر، وتعطلت سيارته على صورة ما، وينسى الرؤيا، ولا يذكرها إلا حينما يرى المشهد الذي رآه في المنام حقيقة ماثلة؟! أذكر أن "محمد أسد"؛ وكان كاتبا يهوديا، ثم اعتنق الإسلام، حدث في كتابه "الطريق إلى مكة" عن رؤيا رآها قبل إسلامه، وقام من منامه، وسجلها، وقد تحققت فيما بعد، على الرغم من طولها، وكثرة أحداثها. إذن، ليس كل الرؤى انعكاسات لأحاديث النفس وخواطرها وهواجسها، بل الأمر أعمق من ذلك. والإنسان ليس بمطيق بعقله وفكره أن يصل إلى أعماق نفسه؛ ففي النفس الإنسانية مجاهيل يعجز الإنسان عن الإحاطة بها، علي الرغم من أنها أقرب الأمور إليه. والرؤى لها علاقة بالنفوس الإنسانية، وفيها جانب غيبي، لا يخضع للعلم المادي المبني على النظر والتأمل والبحث المادي [جولة في رياض العلماء ص (107، 108) ] .
5- قال شيخ الإسلام: إذا تواطأت رؤيا المؤمنين كانت حقاً, كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم [منهاج السنة] .
6- قال ابن تيمية: إذا نام الإنسان فإن له سببا تجري فيه الروح، وأصله في الجسد فتبلغ حيث شاء الله، ما دام ذاهبا فالإنسان نائم، فإذا رجع إلى البدن انتبه الإنسان فكان بمنزلة شعاع هو ساقط بالأرض وأصله متصلة بالشمس [مجموع الفتاوى] .
7- قال ابن تيمية: قال ابن منده: وأخبرنا عن عبد الله السمرقندي عن علي بن يزيد السمرقندي - وكان من أهل العلم والأدب وله بصر بالطب والتعبير- قال: إن الأرواح تمتد من منخر الإنسان، ومراكبها وأصلها في بدن الإنسان، فلو خرج الروح لمات، كما أن السراج لو فرقت بينها وبين الفتيلة لطفئت، ألا ترى أن تركب النار في الفتيلة وضوؤها وشعاعها ملأ البيت، فكذلك الروح تمتد من منخر الإنسان في منامه حتى تأتي السماء وتجول في البلدان وتلتقي مع أرواح الموتى، فإذا رآها الملك الموكل بأرواح العباد أراه ما أحب أن يراه وكان المرء في اليقظة عاقلا ذكيا صدوقا لا يلتفت في اليقظة إلى شيء من الباطل رجع إليه روحه فأدى إلى قلبه الصدق بما أراه الله عز وجل على حسب صدقه، وإن كان خفيفا نزيقا يحب الباطل والنظر إليه فإذا نام وأراه الله من خير أو شر رجع روحه، فحيث ما رأى شيئا من مخاريق الشيطان أو باطلا وقف عليه كما يقف في يقظته وكذلك يؤدي إلى قلبه فلا يعقل ما رأى، لأنه خلط الحق بالباطل [مجموع الفتاوى] .
8- قال الشاطبي: إن فائدة الرؤيا في البشارة والنذارة لا التشريع والأحكام والقضاء .
9- قال القرطبي في سبب أن الرؤى جزء من أجزاء النبوة، فقال: لأن فيها ما يعجز ويمتنع،كالطيران وقلب الأعيان والاطلاع على شيء من علم الغيب.. ولا خلاف بين أهل الحق أن الرؤيا الصادقة حق وأنها من الله،لا ينكرها إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة [تفسير القرطبي] .
10- قال ابن بطال: كون الرؤيا جزءاً من أجزاء النبوة مما يستعظم، ولو كانت جزءاً من ألف جزء فيقال: إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء -وهو الإعلام لغةً- فعلى هذا فالمعنى أن الرؤيا خبر صادق من الله لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة نبأ صادق من الله لا يجوز عليه الكذب، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر [شرح ابن بطال] .
11- قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: كل رؤيا تدل قرائن على صدقها فلا مانع من إجازتها .
12- يقول الدكتور عبد الستار أبو غدة، أستاذ الشريعة بجامعة الكويت: وحتى لا تختلط أضغاث الأحلام بالرؤيا الصادقة ذكر العلماء علامات للرؤيا الصادقة، تعرف بها وتدل عليها فقالوا: إن علامات الرؤيا الصادقة سرعة انتباه الرائي عندما يدرك الرؤيا، كأنه يعاجل الرجوع إلى الحس باليقظة، ولو كان مستغرقاً في نومه لثقل ما ألقي عليه من ذلك الإدراك. ومن علاماتها: ثبوت ذلك الإدراك ودوامه بانطباع تلك الرؤيا بتفاصيلها في حفظه .
13- قال الشيخ عبد الله السدحان: الرؤيا إذا تكررت مع وقوعها فلا تخلو من أربعة أشياء:
1- تذكير بنعمة الله
2- تحذير من معصية
3- تنبيه عن دين على الميت.
4- دلالة على أثر عين " القواعد الحسنى في تأويل الرؤى.
الإحالات
1- الآداب – البيهقي تحقيق عبد القدوس نذير ص 364 مكتبة الرياض الطبعة الأولى 1407 .
2- الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي 3/445 مؤسسة قرطبة .
3- ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته – عوني الشريف ، علي حسن عبد الحميد 3/310 مكتبة المعارف الطبعة الأولى 1406 .
4- التقرريب – بكر أبو زيد ص 30،93 مطابع دار الهلال الطبعة الأولى 1401 .
5- ثلاثة كتب في الرؤى والأحلام – خالد العنبري .
6- جامع الأصول – ابن الأثير 2/515 الرئاسة العامة 1389 .
7- شرح السنة – البغوي 12/202 المكتب الإسلامي .
8- صيد الخاطر – ابن الجوزي ص 428 المكتبة العلمية بيروت .
9- طرح التثريب في شرح التقريب – العراقي 8/205 دار إحياء التراث العربي .
10- فتح الباري – ابن حجر 12/351 دار الفكر .
11- كتاب الزهد – ابن المبارك تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ص 151 دار الكتب العلمية .
12- كشاف تحليلي – مشهور سليمان ، جمال الدسوقي ص 271 مكتبة الصديق الطبعة الأولى 1408 .
13- مجموع الفتاوى – ابن تيمية 36/206، 233 الطبعة الأولى 1398 .
14- مدارج السالكين – ابن القيم تحقيق محمد حامد الفقي 1/50 دار الكتاب العربي 1392 .