ذريعة
2022-10-12 - 1444/03/16التعريف
تعريف لفظه ذرائع: من تأمل فيما ذكره اللغويون من معاني مادة (ذرع)، متحريًا البحث عما يصلح أن يكون معنى لها، وجد في كتب اللغة المعتبرة، مثل الصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور وغيرهما: أن من المعاني التي جرى الأمر على اعتبارها، خاصة مميزة للفظة (ذريعة): هي وسيلة. فالذريعة في اللغة هي الوسيلة إلى الشيء يقال: تذرع فلان بذريعة أي: توسل بوسيلة إلى مقصده.
ويقال أيضًا: جعلت ذريعتي لفلان فلانًا أي: وسيلتي إليه، وجمعها: (ذرائع) (تهذيب الأسماء واللغات للنووي (مادة - ذرع). ثم أطلقت (الذريعة) على كل شيء دنا من شيء، أو قرب منه (لسان العرب: مادة - ذرع).
ومعنى هذا المركب الإضافي سد الذريعة: هو حسم مادة وسائل الفساد، منعًا منها ودفعًا لها، إذا كان الفعل السالم من المفسدة، وسيلة إلى مفسدة (حاشية العطار على جمع الجوامع لابن السبكي: 2-198).
وهناك تعريفات أخرى للذريعة من حيث اللغة: فهي: من ذرع وهو أصل يدل على الامتداد والتحرك إلى الأمام وكل ما تفرع عن هذا الأصل يرجع إليه (لسان العرب: مادة (ذرع)، وتهذيب لسان العرب: 1-443).
فالذرائع: العضو الممتد من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، وذرع الرجل في سباحته تذريعًا: اتسع ومد ذراعيه. والذرع والذراع: الطاقة والوسع، ومنه قولهم ضاق بالأمر ذرعه وذراعه وضاق به ذرعاَ وذراعًا ضعفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مخلصًا (الكليات للكفوي: 463).
وأصل الذرع كما يقول الجوهري: إنما يرجع إلى بسط اليد فكأنك تريد أن تقول: مددت يدي إلى الشيء فلم أنله... فقلت: ضقت ذرعًا. واستعملت الذريعة بمعنى السبب تقول: فلان ذريعتي إليك... بمعنى سببي ووصلتي الذي أتسبب به إليك. وأصل السبب في اللغة يدل على الطول والامتداد.
واستعملت الذريعة بمعنى الوسيلة إلى الشيء فمن تذرع بذريعة أو توسل بوسيلة. ومعنى الوسيلة في اللغة: الدرجة والقربة وما يتوصل به إلى الشيء. تقول: توسل إليه بوسيلة، إذا تقرب إليه بعمل.
وتوسل إليه بكذا: إذا تقرب إليه بحرمة آصرة تعطفه عليه. واستعملت الذريعة بمعنى الناقة التي يستتر بها رامي الصيد ليظفر بصيده عن قرب. وبالتأمل في هذه التعريفات يتبين أنه، لا تطلق الذريعة إلا بعد أن تتوافر عناصر ثلاثة.
العنصر الأول: أمر ما- من فعل أو شيء أو حالة، أي ما يتخذ وسيلة وهو غير ممنوع لنفسه.
العنصر الثاني: تحرك، وامتداد، وانتقال ولكن قويت التهمة في التطرق به.
العنصر الثالث: أمر آخر غير الأول - مقصود إليه أو ما يتوسل إليه وهو ما يفضي إلى الممنوع. وبناء على ما تقدم نخلص إلى القول: بأن الذريعة كل ما يتخذ وسيلة إلى غيره. وبقيد الاتخاذ: يخرج ما يؤدي عفويًا إلى أمر، فلا يكون ذريعة إليه في عرف اللغة (البرهاني: سد الذرائع: ص 560).
ج- التعريف الشرعي للذريعة: لقد جرى عرف العلماء، على تسمية الألفاظ المستعملة في معان وضعها لها الفقهاء وأهل علم الأصول، بالاصطلاحات الشرعية أن علماء الإسلام يعتبرون المعاني الشرعية، متفرعة عن المعاني اللغوية، وثيقة الصلة بها. ولسوف يكون من باب الإطالة، أن نذكر جميع التعريفات الشرعية، التي تقر هذا المبدأ، أو الأصل، ولهذا نجتزئ منها ببعضها، وهي التي تنص على هذا فالأصل في ألفاظ تامة الوضوح (الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 1/48-61).
وللعلماء في تعريف الذرائع اتجاهان:
الاتجاه الأول: النظر إلى الذرائع من جهة سدها فقط، دون النظر إلى جانب فتحها، ومن ذلك تعريفها: بأنها "الأشياء التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور"(المقدمات الممهدات، لابن رشد 2-39). وأكثر العلماء على هذا الاتجاه، يعرفون الذرائع بمعناها الخاص بسدها(انظر: أحكام القرآن، لابن العربي 2-331، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي 2/57-58، الموافقات، للشاطبي 5-183)، قال ابن تيمية بعدما عرف الذريعة: "لكن صارت في عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم"(بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص283).
الاتجاه الثاني: النظر إلى الذرائع بمعناها العام؛ ومن ذلك تعريف القرافي، وابن تيمية، وابن القيم للذريعة: بأنها "ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء"(بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص283، إعلام الموقعين، لابن القيم 3-109.. وانظر: شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص449).
وهذا الاتجاه في تعريف الذريعة هو المختار؛ لأنه يجمع بين نوعي الذريعة، فكما يجب سد الذرائع المفضية إلى المحرم، يجب فتح الذرائع المفضية إلى الواجب، قال القرافي: "واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها...فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب واجبة"(الفروق: للقرافي2-33). وقد اختار هذا الاتجاه في تعريف الذريعة عدد من المعاصرين (منهم: محمد أبو زهرة، ووهبة الزحيلي، وعبدالله الجديع. انظر: أصول الفقه، لمحمد أبو زهرة، ص253، أصول الفقه الإسلامي، للزحيلي 2/ 173، تيسير علم أصول الفقه، للجديع، ص203).
العناصر
1- تعريف سد الذرائع تعريف وبيان معنى سدها.
2- حجية سد الذرائع، والفرق بينها وبين الحيل.
3- أقسام سَدّ الذّرائع.
4- أثر سد الذرائع في الأحكام.
5- بعض الفروع الفقهية المبنية على سد الذرائع.
6- أثر الاختلاف في سد الذرائع في اختلاف الفقهاء.
7- تطبيقات فقهيّة على قاعدة سدّ الذَّرائع.
الايات
1- قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108].
2- قوله تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور: 31].
3- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا) [البقرة: 104].
4- قوله تعالى: (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 163].
5- قول الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)[الأنعام: 152].
الاحاديث
1- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من الكبائر شتم الرجل والديه” قالوا: يا رسول الله هل يشتم الرجل والديه؟ قال: “يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه”(أخرجه البخاري: 1480، ومسلم: 2368).
2- عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين فسمعها الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما هذا؟" فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دعوها فإنها منتنة” قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر ثم كثر المهاجرون بعد فقال عبد الله بن أبي: أوقد فعلوا؟! والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”(رواه البخاري: 4907) فكف -صلى الله عليه وسلم- عن قتل المنافقين مع أن قتلهم مصلحة في ذاته؛ لئلا يكون ذلك ذريعة لنفور الناس عنه.
3- عن الشعبي قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها (رواه النسائي: 3298، وصححه الألباني).
4- عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي -رضي الله عنهما- ما حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حفظت منه: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”(رواه النسائي: 5711، وصححه الألباني).
5- عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كان كالواقع في الحمى يوشك أن يقع فيه” وقوله: “ألا لكل ملك حمى وأن حمى الله محارمه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه”(أخرجه البخاري: 50، ومسلم: 2996).
6- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلًا على خيبر فجاءه بتمر (جنيب) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أكل تمر خيبر هكذا؟” قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا”(رواه البخاري: 2202).
7- عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قالَ: قالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ"(رواه مسلم: ٨٣٢).
8- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالَ: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والجلوسَ في الطرقات". فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدَّث فيها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله! قال: "غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(البخاري: ٢٤٦٥، ومسلم: ٢١٢١).
9- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. إذْ جاءَ أعْرابِيٌّ فَقامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فقالَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَهْ مَهْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ" فَتَرَكُوهُ حتّى بالَ، ثُمَّ إنّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دَعاهُ فقالَ له: "إنّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنّما هي لِذِكْرِ اللهِ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ"، أوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: فأمَرَ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجاءَ بدَلْوٍ مِن ماءٍ فَشَنَّهُ عليه (رواه مسلم: ٢٨٥).
10- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "يا عائِشَةُ، لَوْلا أنّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ"(أخرجه البخاري: ١٥٨٦، ومسلم: ١٣٣٣).
11- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلّوا محارم الله بأدنى الحِيَل"(أخرجه ابن بطة: ص 46، وصححه ابن باز).
12- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات اسْتَبْرَأَ لدينه وعِرْضِه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن يَرْتَعَ فيه، ألا وإن لكل ملك حِمَى، ألا وإن حِمَى الله محارمه"(أخرجه البخاري: ٥٢، ومسلم: ١٥٩٩).
13- عن عطية السعدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس"(أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم، وقد نُوزع لضعف الإسناد).
14- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي الطَّعَامَ-، يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ، حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ"(رواه البخاري: 2137).
15- عن زينب، امرأة عبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا"(رواه مسلم: 443).
الاثار
1- أن الخليفتين أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهية أن يظن من رآهما وجوبها (الموافقات: 3-300).
2- أتم عثمان رضي الله عنه الصلاة بالناس في الحج ثم خطب وقال : إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكن حدث طغام فخفت أن يستنوا (كنز العمال 4 : 239 وتعليل الأحكام للشيخ محمد مصطفى شلبي 45).
3- نهى عمر عن نكاح نساء أهل الذمة سدًا لذريعة مواقعة المومسات منهن وما يجلبه ذلك من ضياع الولد بإفساد خلقه، وتزوج حذيفة بن اليمان بيهودية فكتب إليه سيدنا عمر أن خل سبيلها، فكتب إليه حذيفة أحرام هي؟ فكتب إليه عمر لا ولكني أخشى مواقعة المومسات منهن (أحكام القرآن للجصاص 2-397).
4- ما قضي به عمر رضي الله عنه في الرجل الذي تزوج بالمرأة في عدتها بتطليقها منه وتحريمها عليه تحريمًا مؤبدًا زجرًا لغيره وسدًا لذريعة الفساد، وروى الإمام مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار : أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحها غيره في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بمخفقته وفرق بينهما ثم قال : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر خاطبًا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان ابدًا (الموطأ بشرح السيوطي 2-9).
5- ضرب عمر رضي الله عنه لصبيغ العراقي حين كان يطوف حاملًا القرآن ليسأله الناس عن مشكلة منعًا له من ذلك وسداّ لذريعة الاشتغال بما لا ينبني عليه عمله (الاعتصام للشاطبي 3-54).
6- قال الحسن: "مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام"(جامع العلوم والحكم: 313).
متفرقات
1- قال الترمذي: "ورأى بعض أهل العلم أن للصائم إذا مَلَك نفسه أن يُقَبِّل، وإلا فلا؛ ليسلم له صومُه"(فتح الباري: 4/150-151).
2- قال محمد بن الحسن: "ليس من أخلاق المسلمين الفرارُ من أحكام الله بالحيل الموصِلة إلى إبطال الحق"(فتح الباري؛ لابن حجر: ١٢-٢٩٢).
3- قال الإمام القَرافيُّ: "إن الذريعة كما يجبُ سدُّها فإنه يجبُ فتحُها، ويُكرَه ويُندَب"(شرح تنقيح الفصول: ص449).
4- قال القرافي: "يراد بسد الذرائع وهو المصطلح الذي يدور الحديث حوله : الحيلولة دون الوصول إلى المفسدة إذا كانت النتيجة فسادًا لأن الفساد ممنوع . وفي إطار ذلك فإن كل شيء مباح يمنع إذا أدى إلى محظور حسمًا لمادة الفساد ودفعًا لها" (الفروق للقرافي 2-32).
5- قال ابن تيمية -رحمه الله-: "لقد تأمَّلتُ ما أوقعَ الناسَ في الحِيَل فوجدتُّه أحدَ شيئين:
إما ذنوبٌ جُوزوا عليها بتضييقٍ في أمورهم، فلم يستطيعوا دفعَ هذا الضيق إلا بالحِيَل، فلم تزِدهم الحِيَلُ إلا بلاءً، كما جرى لأصحاب السبت، وهذا الذنب ذنبٌ عمليٌّ.
وإما مُبالغةٌ في التشدُّد لما اعتقَدوه من تحريم الشارع، فاضطَّرهم هذا الاعتقادُ إلى الاستحلال بالحِيَل، وهذا من خطأ الاجتهاد، وإلا فمن اتقى الله وأخذ ما أحلَّه له وأدَّى ما وجبَ عليه فإنه لا يُحوِجُه إلا الحِيَل المُبتدَعة أبدًا، فإنه سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرجٍ، وإنما بعثَ نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السَّمحة.
فالسببُ الأول: هو الظلم، والسببُ الثاني: هو عدم العلم؛ فالظلمُ والجهلُ هما وصفٌ للإنسان المذكور في قوله تعالى: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72]"( مجموع الفتاوى لابن تيمية: 17-23).
6- يقول ابن القيم: "وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان: أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان: أحدهما ما يكون منهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى سد المفسدة، فصار سد الذرائع مفضي إلى الحرام أحد أرباع الدين".
7- قال ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسبابٍ وطرقٍ تُفضِي إليها كانت طرقها وأسبابُها تابعةً لها مُعتبرةً بها، فإذا حرَّم الربُّ تعالى شيئًا وله طرقٌ ووسائل تُفضِي إليه فإنه يُحرِّمها ويمنع منها؛ تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يُقربَ حِماه، ولو أباحَ الوسائل والذرائع المُفضِية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمةُ الله تعالى وعلمُه يأبى ذلك كل الإباء"(إعلام الموقعين: 3-108).
8- قال أبو زهرة في سد الذرائع: "هذا أصل من الأصول التي أكثر من الاعتماد عليها في استنباطه الفقهي الإمام مالك رضي الله عنه، وقاربه في ذلك الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه".
أما الحنفية، فلم ينصوا على اعتبارها من أصولهم، إلا أن من المقرر عندهم أن "الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء". فهذا إعمال للذرائع في مذهب الحنفية، وقد أعملوها في فروعهم الفقهية، فقد منعوا الشابة من الخروج للجماعات؛ "لأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام". ومنعوا المظاهر من لمس زوجته، وتقبيلها حتى يُكفّر؛ "لأنه لما حرم الوطء إلى أن يكفّر حرم الدواعي للإفضاء إليه؛ ولأن الأصل أن سبب الحرام حرام"، وذكر الشاطبي أنه لا يلزم من خلاف أبي حنيفة في بعض التفاصيل "تركه لأصل سد الذرائع".
أما الشافعية فقد نصوا على عدم اعتبارها أصلًا، إلا أنهم أعملوها في فروعهم الفقهية؛ فقد منعوا مباشرة الحائض ما بين السرة والركبة؛ قال السيوطي: "قال الأئمة: وإنما كان التحريم أحب؛ لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم". ومنعوا من قرض الجارية؛ لأن "تجويز ذلك يفضي إلى أن يصير ذريعة أن يطأها وهو يملك ردها...وفيه منع الذرائع"، وجاء عن الشافعي: "وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين: أحدهما: أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى، فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام...والمعنى الأول أشبه". وهذا النص من الشافعي يدل على اعتباره للذرائع، وقد حمل السبكي كلام الشافعي على "تحريم الوسائل، لا سد الذرائع، وأن الوسائل تستلزم المتوسل إليه"، و لا يسلم له؛ لأنه بالرجوع إلى مصطلح الذريعة والذرائع عند الشافعي في كتابه الأم نجد أنه استخدمها ست عشرة مرة ، وكلها بالمعنى المعروف لها والذي يستخدمه غيره من المذاهب؛ مما يدل على أن المراد بها هنا الذريعة بمعناها المعروف. وعلى فرض التسليم فقد ذكر السبكي بعد كلامه السابق أن "الذريعة ثلاثة أقسام: أحدها: ما يقطع بتوصله إلى الحرام؛ فهو حرام عندنا وعند المالكية"، فهذا دليل منه أن الوسيلة التي يقصدها قسم من أقسام الذريعة، وأن الشافعية يعتدون بأصل الذرائع، وإن اختلفوا مع غيرهم في الأقسام الأخرى للذريعة، وجاء عن السبكي في موضع آخر أن "الذرائع هي الوسائل" وأنها "قد تكون واجبة، وقد تكون حرامًا، وقد تكون مكروهة، ومندوبة، ومباحة"، فالوسائل التي ذكر السبكي عن الشافعي تحريمها هي الذرائع، أو قسم من أقسام الذرائع، وفيه دلالة على إعمالها في المذهب الشافعي.
وقد نقل الشافعي في الأم محاورة رجل له عن فروع أعمل الشافعي فيها الذريعة، وذكر الشافعي أن دليله القياس، ثم لما سأله الرجل: أفتقول بالذريعة؟ قال: لا. "ولا معنى في الذريعة، إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم، أو القياس عليه، أو المعقول"، فالشافعي يُعمل الذرائع لكنه لا يجعلها دليلًا بل يستدل بأدلة أخرى؛ كالخبر، والقياس، والمعقول، والفقهاء الذين يستدلون بالذريعة لا تخرج أدلتهم عن هذه الأدلة التي ذكرها الشافعي، إلا أنهم، بدلًا من أن يقولوا في كل وسيلة تؤول لمحرم بأن الخبر، أو القياس، أو العقل، دلّ على أن للوسيلة حكم ما تؤول إليه، يقتصرون على النهي "سدًا للذريعة". فالنتيجة واحدة وهي إعمال الذرائع عند الشافعية وعند غيرهم، والتطبيقات الفقهية عند المذاهب الفقهية تدل على اعتبارهم للذرائع، وإن اختلفوا في المصطلح فلا مشاحة في الاصطلاح.
لقد تبين "أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة"، والخلاف بين العلماء إنما هو اختلاف في المناط الذي يتحقق فيه التذرع؛ قال القرافي: "فليس سد الذرائع خاصًا بمالك، بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه".
(بحث: سد الذرائع وفتحها؛ د. مرضي بن مشوح العنزي. المصدر: موقع الألوكة).
9- "الفرق بين الذرائع والحيل يتلخص في أن الذرائع أعم من الحيل، وأن وجه أهميتها هو أنها تشتمل المقصود وغير المقصود مما تفضي إليه، أما الحيل فتختص بالمقصود ابتداءً"(الفروق في أصول الفقه، لعبداللطيف الحمد: ص443).
10- يقول الدكتور إسماعيل محمد علي عبد الرحمن بعد سرد أدلة الفريقين: ومما تقدم يكون الراجح عندي : ما عليه الجمهور أصحاب المذهب الأول القائلون بأن الذرائع حجة وأنه يجب قطعها فيما يوصل إلى الحرام. أني أرجح عدم اعتبار سد الذرائع دليلا مستقلا كما ذهب الشافعية والحنفية؛ لأنها تابعة في ذلك لمقدمة المحظور والحرام، فتسد وتحرم قياسا على مقدمة الواجب، حيث لم يقل أحد أنها دليل . كما أرجح وجوب سد الذرائع في كل ذريعة تفضي إلى الحرام قطعا، أما إذا لم تكن كذلك فيختلف حكم كل حالة بحسب نسبة إفضائها إلى الحرام: فإن غلب الظن على أنها توصل إلى الحرام كان سدها وقطعها هو الأولى، وإن غلب الظن على أنها لا توصل إلى الحرام كان عدم قطعها وسدها هو الأولى كما أرجح ـ أيضا ـ عدم التوسع في سد الذرائع؛ حتى لا نضيق واسعا ولا نغلق أبوابا كثيرة من الحلال. وفي ذلك يقول أبو زهرة رحمه الله تعالى:" وإن الأخذ بالذرائع لا تصح المبالغة فيه؛ فإن المغرق فيه قد يمتنع عن أمر مباح أو مندوب أو واجب خشية الوقوع في ظلم : كامتناع بعض العادلين عن تولي أموال اليتامى أو أموال الأوقاف خشية التهمة من الناس أو خشية على أنفسهم من أن يقعوا في ظلم، ولأنه لوحظ أن بعض الناس قد يمتنع عن أمور كثيرة خشية الوقوع في الحرام (أصول الفقه لأبي زهرة: 275 وانظر الكوكب الساطع في قاعدة سد الذرائع (39،40).
11- تنقسم الذرائع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ذرائع معتبرة اتفاقًا؛ وهي ما تفضي إلى المقصود قطعًا؛ كحفر الآبار في طرق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم، فهذه يجب سدها، وكجلب البضائع إلى السوق، وإنشاء البنوك الإسلامية لحفظ أموال المسلمين، فهذه يجب فتحها.
القسم الثاني: ذرائع ملغاة اتفاقًا؛ وهي ما تفضي إلى المقصود نادرًا؛ كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر، وأكل الأغذية التي غالب أصولها لا تضر، فهذه لا يجوز سدها.
القسم الثالث: ذرائع مختلف فيها؛ وهي ما تفضي إلى المقصود كثيرًا؛ كالتورق، فقد اختلف فيه العلماء بين من يسده، ومن يفتحه.
وهذا القسم موضع نظر والتباس عند العلماء، والاختلاف فيه يرجع إلى تحقيق المناط الذي يتحقق به التذرع، وليس إلى أصل العمل بالذرائع؛ وذلك بالنظر إلى مكان العالم، وعادات الناس في زمانه، فقد يختلف الإفضاء إلى المقصود كثرة وقلة، من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان.
ويلاحظ أن أكثر الأمثلة التي يذكرها العلماء للذرائع إنما هي في الذرائع إلى المحرم (بحث: سد الذرائع وفتحها؛ د. مرضي بن مشوح العنزي. المصدر: موقع الألوكة).
الإحالات
1- سد الذرائع؛ محمد البرهاني.
2- فتح الذرائع وأثره في الفقه الإسلامي، لمحمد الطبقجلي.
3- المعاملات المالية المعاصرة وأثر نظرية الذرائع في تطبيقها، لأختر زيتي بنت عبدالعزيز
4- قاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها المعاصرة، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 26، العدد 87، 1433ه.
5- اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي، لوليد الحسين.
6- سد الذرائع - التحرير 27/217 مجلة البحوث الفقهية.
الحكم
قيل: "تحت الرّغوة اللبنُ الصريح".