حِلْم
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
الحِلْم: بالكسر: العقل [القاموس المحيط، باب الميم، فصل الحاء، ص1416]، وحلم حلماً: تأنَّى وسكن عند الغضب أو مكروه مع قدرة، وقوة، وعقل [المعجم الوسيط، مادة: حلم، 1/ 194]، ومن أسماء اللَّه تعالى: (الحليم)، وهو الذي لا يستخفّه شيء من عصيان العباد، ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقداراً فهو منتهٍ إليه [النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، حرف الحاء مع اللام، 1/ 434].
والحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب [المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة حلم، ص129.].
والحلم: هو حالة متوسطة بين رذيلتين: الغضب، والبلادة، فإذا استجاب المرء لغضبه بلا تعقّل ولا تبصّر كان على رذيلة، وإن تبلّد، وضيّع حقه ورضي بالهضم والظلم كان على رذيلة، وإن تحلّى بالحلم مع القدرة وكان حلمه مع من يستحقه كان على فضيلة. وهناك ارتباط بين الحلم وكظم الغيظ، وهو أن ابتداء التخلق بفضيلة الحلم يكون بالتحلم: وهو كظم الغيظ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة، لما في كظم الغيظ من كتمان ومقاومة واحتمال، فإذا أصبح ذلك هيئة راسخة في النفس، وأصبح طبعاً من طبائعها كان ذلك هو الحلم، واللَّه أعلم [مفردات غريب القرآن ص129، وأخلاق القرآن للشرباصي، 1/ 182، والأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني، 2/ 326].
وقد وصف اللَّه نفسه بصفة الحلم في عدة مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [آل عمران: 155]. ونلاحظ أن الآيات التي وصفت اللَّه بصفة الحلم قد قرنت صفة الحلم - في أغلب هذه الآيات - بصفة المغفرة أو العفو، ويأتي هذا الاقتران في الغالب بعد إشارة سابقة إلى خطأ واقع، أو تفريط في أمر محمود، وهذا أمر يتفق مع الحلم؛ لأنه تأخير عقوبة، قال سبحانه: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) [فاطر: 45].
ونجد أيضاً أن عدداً من الآيات التي وصفت اللَّه بالحلم قد قرن فيها ذكر الحلم بالعلم، كقوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [الحج: 59]، وهذا يفيد - واللَّه أعلم بمراده - أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم، وهذا من أعظم مقومات الداعية الناجح، ومن أعظم أركان الحكمة [انظر: أخلاق القرآن للشرباصي، 1/ 185]، [انظر أيضاَ الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني (1/103، 104) ].
العناصر
1- حقيقة الحلم .
2- فضل الحلم في الإسلام .
3- الحلم منه ما هو فطري ومنه ما هو مكتسب .
4- حلم الله تعالى على عباده .
5- المؤمن الحق ذو حلم و عفو و أناه .
6- عظم حلم النبي صلى الله عليه وسلم .
7- أصناف الناس باعتبار الحلم والغضب .
8- الرفق والحلم هو الأساس الصحيح للتعامل مع الآخرين .
9- لا يغتر الانسان بحلم الله و تركه له .
10- إنما الحلم بالتحلم.
الايات
1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ) [آل عمران: 134 ].
2- قال تَعَالَى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ) [الأعراف:199].
3- قال تَعَالَى: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].
4- قال تَعَالَى: (وَلَمنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [الشورى:43].
الاحاديث
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: (إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأنَاةُ) رواه مسلم.
2- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه) متفقٌ عَلَيْهِ.
3- وعنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) رواه مسلم.
4- وعنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ) رواه مسلم.
5- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: بَال أعْرَابيٌّ في المسجدِ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (دَعُوهُ وَأرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) رواه البخاري.
(السَّجْلُ) بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وَهِيَ الدَّلو الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً، وَكَذلِكَ الذَّنُوبُ.
6- عن أنس رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا) متفقٌ عَلَيْهِ.
7- عن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: (مَنْ يُحْرَمِ الرِفْقَ، يُحْرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ) رواه مسلم.
8- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أوْصِني. قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ)، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: (لاَ تَغْضَبْ) رواه البخاري.
9- عن أَبي يعلى شَدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ) رواه مسلم.
10- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: مَا خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إثماً، فَإنْ كَانَ إثماً، كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. وَمَا انْتَقَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أن تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله، فَيَنْتَقِمَ للهِ تَعَالَى. متفقٌ عَلَيْهِ.
11- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ، هَيّنٍ، لَيِّنٍ، سَهْلٍ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
الاثار
1- قال عمر رضي الله عنه: " تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم " إحياء علوم الدين.
2- قال علي رضي الله عنه: " إن أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل " إحياء علوم الدين.
3- قال معاوية رضي الله عنه: " لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمُه جهلَه، وصبرُه شهوتَه، ولا يبلغ ذلك إلا بالعلم " البداية والنهاية.
4- قال معاوية: " إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أرجح من حلمي " الآداب الشرعية.
5- قال الشعبي: " زين العلم حلم أهله " الآداب الشرعية.
6- قال رجاء بن أبي سلمة: " الحلم أرفع من العقل؛ لأن الله تعالى تسمى به " الآداب الشرعية.
7- كان الأحنف إذا عجبوا من حلمه قال: " إني لأجد ما تجدون ولكني صبور " الآداب الشرعية.
8- قال أكثم بن صيفي: " وعامة العقل الحلم، وجماع الأمر العِبَر ".
9- قال أحدهم: " من غرس شجرة الحلم - اجتنى ثمرة السلم ".
10- عن الفضيل قال: " من أخلاق الأنبياء: الحلم، والأناة، وقيام الليل " سير أعلام النبلاء.
11- قال عبدالله بن المبارك: " كاد الأدب يكون ثلثي الدين " صفة الصفوة لابن الجوزي.
12- قال أعرابي: " من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به من المكروه ما نزل بغيره: العجلة واللجاجة والعجب والتواني؛ فثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذلة " الجوهر النفيس لابن الحداد.
13- قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: " غريزة عقل "، قلت: فإن لم يكن؟ قال: " حسن أدب "، قلت: فإن لم يكن؟ قال: " أخ شفيق يستشيره "، قلت: فإن لم يكن؟ قال: " صمت طويل "، قلت: فإن لم يكن؟ قال: " موت عاجل "إحياء علوم الدين.
14- قال أبو حاتم: " من أراد الثواب الجزيل، واسْتِرهانَ الوُدِّ الأصيل، وتوقعَ الذكر الجميل - فليتحمل من ورود ثِقَلِ الردى، ويتجرع مرارة مخالفة الهوى، باستعمال السُّنة التي ذكرناها في الصلة عند القطع، والإعطاء عند المنع، والحلم عند الجهل، والعفو عند الظلم؛ لأنه من أفضل أخلاق أهل الدين والدنيا " روضة العقلاء.
15- وقال أيضاً: " العجلة تكون من الحدة وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما، والعجل لا يسير إلا مناكباً للقصد، منحرفاً عن الجادة، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مساراً، يحكم حكم الورهاء، ويناسب أخلاق النساء " روضة العقلاء.
16- وقال أيضاً: " العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة، واستفاد مذمة؛ لأن الزلل مع العجل، والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، ولا يكون العجول محمودا أبداً، والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي فيتجنبهما معا، ويجعل لنفسه مسلكاً بينهما " روضة العقلاء.
القصص
1- مرَّ المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود، فقالوا له شراًّ، فقال لهم خيراً، فقيل له: إنهم يقولون شراَّ وأنت تقول خيراً؟! فقال: كلٌّ ينفق مما عنده.
2- سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلما فرغ قال: يا عكرمة؛ هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكَّس الرجل رأسه واستحى ".
3- ضَرَب رجلٌ قدمَ حكيمٍ فأوجعه، فلم يغضب، فقيل له في ذلك، فقال: أقمته مقام حجرٍ تعثرت به فذبحت الغضب.
4- أمر مصعب بن الزبير بقتل رجل، فقال: ما أقبح بي أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة، ووجهك هذا الذي يستضاء به، فأتعلق بأطواقك، وأقول: أي ربِّ؛ سلْ مصعباً لمَ قتلني؟ فقال: أطلقوه، فلما أطلقوه، قال: أيها الأمير؛ اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض عيش، قال: قد أمرت لك بمائة ألف درهم! فقال:
أنا المذنب الخَطَّاء والعفو واسع *** ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
5- حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق عن عبد الله ابن عياش عن أبيه قال: شهد أعرابي عند معاوية بشهادة، فقال معاوية: كذبت، فقال الأعرابي: إن الكاذب للمتزمل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من يعجل.
6- عن قبيصة عن جابر، قال: صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه
7- كان زياد معظما للاحنف، فلما ولي بعده ابنه عبيدالله تغير أمر الاحنف، وقدم عليه من هو دونه، ثم وفد على معاوية في الاشراف فقال لعبيد الله: أدخلهم علي على قدر مراتبهم.
فأخر الاحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته.
وقال: إلي يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيدالله بن زياد، وسكت الاحنف.
فقال له: لم لا تتكلم ؟ قال: إن تكلمت خالفتهم.
قال: اشهدوا أني قد عزلت عبيدالله.
فلما خرجوا كان فيهم من يروم الامارة.
ثم أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كل واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر ؟ قال: إن وليت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله.
فقال: قد أعدته.
قال: فخلا معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت !؟ فلما رجع عبيد الله جعل الأحنف صاحب سره.
8- قال الأحنف: لست بحليم، ولكني أتحالم.
9- وكان (عبد الله بن صفوان بن أمية) سيد أهل مكة في زمانه لحلمه وسخائه وعقله.
10- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً كثيراً.
11- عن هشام بن عروة قال: كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها.
12- قال الجعد بن درهم: ما كلمت عالماً قط إلا غضب، وحل حبوته، غير وهب بن منبه.
13- قال غالب القطان: خُذوا بحلم ابن سيرين، ولا تأخذوا بغضب الحسن.
14- عن مالك قال: كان في نافع مولى ابن عمر حدة، ثم حكى مالك أنه كان يلاطفه ويداريه ويقال كان في نافع لُكْنةٌ وعُجمة.
15- قال الأوزاعي: كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يُعاقب رجلاً حبسه ثلاثاً، ثم عاقبه كراهية أن يُعجّل في أول غضبه.
16- غضب هشام بن عبد الملك مرة على رجل، فقال: والله لقد هممت أن أضربك سوطاً.
17- عن إبراهيم بن سعد قال: جئت صالح بن كيسان في منزله وهو يكسر لهرة له يُطعِمها، ثم يفت لحمامات له ولحمام يطعمه.
18- عن القعنبي قال: كان عبد الله بن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل قال: بارك الله فيك.
19- سمعت نصر بن علي يقول: دخلت على المتوكل، فإذا هو يمدح الرفق، فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنشدني الأصمعي:
لم أر مثل الرفق في لينه أخرج للعذراء من خِدرها
من يستعن بالرفق في أمره يستخرج الحية من جحرها
فقال: يا غلام، الدواة والقرطاس، فكتبها.
20- وقيل: كان الرجل إذا امتلأ غيظاً يقول: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت.
21- وبلغنا أن شيخ المعتزلة: أبا القاسم الكعبي شيخ أهل الكلام، لما قدم نسف أكرموه، ولم يأتِ إليه أبو يعلى، فقال الكعبي: نحن نأتي الشيخ، فلما دخل لم يقم له، ولا التفت من محرابه، فكسر الكعبي خجله، وقال: بالله عليك أيا الشيخ لا تقم. ودعا له وأثنى قائماً، وانصرف.
الاشعار
أنت وحسبي أنت تعلم أن لي *** لساناً أمام المجد يبني ويَهدم
وليس حليماً من تقبَّل كفه *** فيرضى ولكن من تُعَضُّ فيحلُمُ.
[ابن المغربي الأديب]
شريت الصّبا والجهل بالحلم والتقى *** وراجعت عقلي والحليم يُراجع
أبى الشيب والإسلام أن أتبع الهوى *** وفي الشيب والإسلام للمرء وازع
[يزيد بن الحاكم أبي العاص]
لم أر مثل الرِّفقِ في لِينِه *** أخرج للعذراء من خِدرها
من يَسْتَعِن بالرفق في أمْره *** يستخرج الحيَّة من جُحْرها
[الأصمعي]
تأنَّ في الأمر لا تكن عجلا *** فمن تأنى أصاب أو كادا
وكُن بحبل الإله معتصماً *** تأمن من بغي كيدِ من كادا
فكم رجاه فنال بُغيته *** عبدٌ مسيءٌ لنفسه كادا
ومن تَطُل صحبةُ الزمان له *** يلقَ خُطوباً به وأنكاداً
[ابن جبير الكناني]
قَـدْ يُـدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ *** وَقَـدْ يَكُـونُ مَـعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
وَرُبَّمَا فَاتَ بَعْضَ الْقَـوْمِ أَمْرُهُـم *** مَعَ التأَنِّي وَكَـانَ الرَّأْيُ لَـوْ عَجَـلُوا
[القُطَامي]
وَالـرِّفْـقُ يُمْـنٌ وَالأَنَاةُ سَعَـادَةٌ *** فَتَـأَنَّ فِـي رِفْـقٍ تَنَـالُ نَجَـاحًا
[النابغة الذبياني]
خَلِيلَـيَّ لا تَسْتَعْجِـلا وانْظُرَا غَـدًا *** عَسَى أَنْ يَكُونَ الرِّفْقُ في الأَمْرِ أَرْشَدَا
[تميم بن أبي مُقبِل]
إِنِّي لأَرْجُـو مِنْـكَ شَيئًـا عَاجِلا *** والنَّفْـسُ مُولَعَـةٌ بِحُـبِّ الْعَاجِـلِ
[جرير بن الخطفي]
الـرِّزْقُ يَأْتِـي قَـدَرًا عَلَى مَهَـلْ *** والْمَـرْءُ مَطْبُـوعٌ عَلَى حُبِّ الْعَجَلْ
[..........]
وإِذَا هَمَمْتَ بِـأَمْـرِ شَـرٍّ فَـاتَّئِدْ *** وَإِذَا هَمَمْتَ بِـأَمْـرِ خَيْرٍ فَاعْجَـلِ
[عبد قيس بنْ خفاف]
لا يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ *** وَلا يَنَـالُ الْعُلا مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ
[عنترة بن شداد]
وَلَمْ أَرَ فِـي الأَعْدَاءِ حِينَ اخْتَبَرْتُهُمْ *** عَدُوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِن الْغَضَبْ
[الكريزي]
مَتَى تَـرِدِ الشِّفَـاءَ بِكُـلِّ غَيْـظٍ *** تَكُـنْ مِمَّا يُغِيظُـكَ فِي ازْدِيَـادِ
[ثعلب]
وَإِذَا غَضِبْتَ فَكُـنْ وَقُـورًا كَاظِمًا *** لِلْغَيْـظِ تُبْصِرْ مَا تَقُولُ وَتَسْمَـعُ
فَكَفَى بِـهِ شَرَفًـا تَصَبُّـرُ سَاعَـةٍ *** يَرْضَى بِهَا عَنْـكَ الإِلَـهُ وَتُرْفَعُ
[العرجي]
خُـذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَديِمِي مَوَدَّتِي *** وَلا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِيْنَ أَغْضَبُ
[أبو الأسود الدؤلي]
وَمَا غَضَبُ الإِنْسَانِ إِلا حَمَـاقَـةٌ *** إِذَا كَانَ فِيمَـا لَيْـسَ للهِ يَغْضَبُ
[..........]
تَمَلأْتَ مِنْ غَيْظٍ عَلَـيَّ فَلَمْ يَـزَلْ *** بِكَ الْغَيْظُ حَتَّى كِدْتَ بالغَيْظِ تَشْتَوِي
[يزيد بن الحكم الثقفي]
[بابُ النَّهْي عَنِ الْفُحْشِ]
أُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الْفَوَاحِشَ سَمْعُـهُ *** كَـأَنَّ بِهِ عَـنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا
[سالم بن وابصة المُرّي]
وَإِذَا الْفَـاحِشُ لاقَـى فَـاحِشًـا *** فَبِهَـذَا وَافَـقَ الشَّـنُّ الطَّبَـقْ
إِنَّمَا الْـفُـحْـشُ وَمَـنْ يَعْتَـادُهُ *** كَغُرَابِ السَّـوْءِ مَا شَـاءَ نَعَـقْ
أَوْ حِمَـارِ السَّـوْءِ إِنْ أَشْبَعْـتَـهُ *** رَمَـحَ النَّـاسَ وَإِنْ شَـاءَ نَعَـقْ
أَوْ غُـلامِ السِّـوْءِ إِنْ جَوَّعْـتَـهُ *** سَرَقَ الْجَـارَ وَإِنْ يَشْبَعْ فَسَـقْ
[مِسْكين الدارمي]
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْرِضْ عَنِ الْجَهْلِ وَالْخَنَا *** أَصَبْتَ حَلِيمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِـلُ
[زُهير بن أبي سُلْمى]
حُشْدٌ عَلَى الْحَقِّ عَنْ قَوْلِ الْخَنَا خُرُسٌ *** وَإِنْ أَلَمَّتْ بِهِمْ مَكْرُوهَـةٌ صَبَرُوا
[الأخطل]
إِذَا قِيْلَـتِ الْعَـوْرَاءُ أَغْضَى كَأَنَّـهُ *** ذَلِيلٌ بِـلا ذُلٍّ وَلَـوْ شَاءَ لانْتَصَرْ
[ابن عنقاء الفزاري]
أَعْرِضْ عَـنِ الْعَـوْرَاءِ إِنْ أُسْمِعْتَهَا *** وَاسْكُتْ كَأَنَّـكَ غَافِلٌ لَمْ تَسْمَعِ
[............]
وَعَوْرَاءَ قَدْ قِيلَتْ فَلَـمْ أَسْتَمِـعْ لَهَا *** وَمَا الْكِلْمَةُ الْعَـوْرَاءُ لِي بِقَبُـولِ
[كعب بن سعد]
كُـلُّ حِلْـمٍ أَتَى بِغَيْـرِ اقْـتِـدَارٍ *** حُـجَّـةٌ لاجِـئٌ إِلَيْهَـا اللِّئَـامُ
[المُتَنَبِّي]
وَلا خَيْـرَ فِي حِلْـمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ *** بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْـوَهُ أَنْ يُكَـدَّرَا
وَلا خَيْـرَ فِي جَهْـلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ *** حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْـرَ أَصْـدَرَا
فَفِي الحِلْمِ خَيْرٌ فِي أُمُـورٍ كَثِيـرَةُ *** وَفِي الْجَهْلِ أَحْيَانًا إِذَا مَا تَعَذَّرَا
[النَّابِغَةَ الجَعْدِيّ]
وَفِي الْحِلْمِ إِدْهَـانٌ وَفِي الْعَفْوِ دُرْبَةٌ *** وَفِي الصِّدْقِ مَنْجَاةٌ مِنْ الشَرِّفَا صْدُقِ
[زُهَيرُ بن أَبِي سُلْمَى]
وَاسْتَشْعِرِ الْحِلْمَ فِي كُـلِّ الأُمُورِ وَلا *** تُسْرِعْ بِبَادِرَةٍ يَوْمًـا إِلَى رَجُـلِ
وإِنْ بُلِيتَ بِشَخصٍ لا خَـلاقَ لـهُ *** فَكُنْ كَأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ يَقُـلِ
[صلاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيّ]
قُلْ مَا بَدَا لَكَ مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَـذِبٍ *** حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْـرُ صَمَّـاءِ
[بشَّار]
وَمَا الْحِلْمُ إِلاَّ رَدُّكَ الْغَيْظَ فِي الْحَشَا *** وَصَفْحُكَ بِالمَعْرُوفِ وَالصَّدْرُ وَاغِرُ
[.......]
وَلَيْسَ يَتِـمُّ الْحِلْـمُ لِلْمَـرْءِ رَاضِيًا *** إِذَا هُوَ عِنْدَ السُّخْـطِ لَمْ يَتَحَلَّمِ
كَمَا لا يَتِمُّ الْجُـودُ لِلْمَـرْءِ مُوسِرًا *** إِذَا هُوَ عِنْـدَ الْعُسْـرِ لَمْ يَتَجَشَّمِ
[.......]
وَلَرُبَّمَـا ضَحِـكَ الْحَلِيمُ مِنَ الأذَى *** وَفُـؤادُهُ مِـنْ حَـرِّهِ يَـتَـأَوََّهُ
وَلَرُبَّمَـا شَكَـلَ الْحَلِيـمُ لِسَانَـهُ *** حَـذَرَ الْجَـوَابِ وَإِنَّهُ لَمُفَـوَّهُ
[الأحنف بن قيس]
أَرَى الْحِلْـمَ فِي الْمَـواطِـنِ ذِلَّةً *** وفِي بَعْضِهَا عِـزًّا يُسَوَّدُ فَاعِلُـهُ
[الْخُزَيْمِي]
أَحْلامُنَـا تَـزِنُ الْجِبَـالَ رَزَانَـةً *** وَتَخَالُنَـا جِنًّـا إِذَا مَا نَجْهَـلُ
[الفَرَزْدَقْ]
شَمْسُ الْعَدَاوَةِ حَتَّى يُسْتَقَـادَ لَهُـمْ *** وَأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلامًا إِذَا قَـدَرُوا
[الأَخْطَل]
لَيْسَتْ الأَحْـلامُ فِي حَـالِ الرِّضَا *** إِنَّمَا الأَحْلامُ فِي حَـالِ الْغَضَبْ
[........]
جَهُـولٌ إِذَا أَزْرَى التَّحَلُّمُ بِالْفَتَـى *** حَلِيمٌ إِذَا أَزْرَى بِذِي الْحَسَبِ الْجَهْلُ
[.......]
لَهُـمْ جَهْـلُ السِّبَاعِ إِذَا الْمَنَايَـا *** تَمَشَّتْ فِي الْقَنَـا وَحُلُـومُ عَادِ
[أبو تَمَّام]
لَئِنْ كُنْتُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحِلْـمِ إِنَّنِي *** إِلَى الْجَهْلِ فِي بَعْضِ الأَحَايينِ أَحْوجُ
وَلِـي فَـرَسٌ لِلْحِلْـمِ مُلْـجَـمٌ *** وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ شَاءَ تَقْويِمِـي فَإِنِّـي مُقَـوّمٌ *** وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيـجِي فَإنِّي مُعَـوّجُ
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وصَاحِبًا *** وَلَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِيـنَ أُحْـرَجُ
[صَالِح بْن جناح]
إذَا الْحِلْمُ لَمْ يَغْلِبْ لَكَ الْجَهْلَ لَمْ تَزَلْ *** عَلَيْكَ بُـرُوقٌ جَمَّـةٌ وَرَوَاعِـدُ
[مُحَمَّد بن أَبِي شِحَاذ]
وَلَرُبَّمَـا اِعْتَضَدَ الْحَلِيمُ بِجَـاهِـلٍ *** لا خَيْـرَ فِـي يُمْنَى بِغَيْرِ يَسَـارِ
[أبو الْحَسَنْ التِهَامِيّ]
وَأَحْلُـمُ عَنْ خِلِّـي وَأَعْلَـمُ أَنَّـهُ *** مَتَى أَجْزِهِ حِلْمًا عَلَى الْجَهْلِ يَنْدَمُ
[المُتَنَبِّي]
إِنِّي أَرَى الْحِلْـمَ مَحْمُـودًا مَغَبَّتُـهُ *** والْجَهْلُ أَفْنَى مِنَ الأَقْوَامِ أَقْوَامَـا
[.......]
وَمَا الْعِلْـمُ إِلا بِالتَّعَلُّـمِ فِي الصِّبَا *** وَمَا الْحِلْمُ إِلا بِالتَّحَلُّـمِ فِي الْكِبَر
[نِفْطَوَيْه]
تَحَلَّمْ عَنْ الأَدنَيْنَ وَاسْتَبْـقِ وُدَّهُـمْ *** وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الْحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّمَا
[الْمُتَلَمِّس]
إِذَا كُنْتَ بَيْنَ الْحِلْمِ وَالْجَهْلِ مَائِـلاً *** وَخُيِّرْتَ أَنِّى شِئْتَ فَالْحِلْمُ أَفْضَلُ
وَلَكِنْ إِذَا أَنْصَفْتَ مَـنْ لَيْسَ مُنْصِفًا *** وَلَمْ يَرْضَ مِنْكَ الْحِلْمَ فَالْجَهْلُ أَفْضَلُ
[صَالِحْ بنْ جناح]
وَفِي الحِلْـمِ وَالإسْلامِ للْمَرءِ وَازِعٌ *** وأَخْلاقُ صِدْقٍ عِلْمُهَـا بِالتَّعَلُّـمِ
[.......]
فَـلا يَغْرُرْكَ طُـولُ الْحِلْـمِ مِنِّـي *** فَمَـا أَبَـدًا تُصَـادِفُنِي حَـلِيمًا
[......]
إِذَا قِيلَ رِفْقًـا قَالَ لِلْحِلْمِ مَـوْضِـعُ *** وَحِلْمُ الْفَتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ
[المتنَبِّي]
تَرَى السَّفِيهَ بِهِ عَنْ كُـلِّ مُحْكَمَـةٍ *** زَيْـغٌ وَفِيـهِ إِلَى التَّشْبِيهِ إِصغَـاءُ
[........]
لا تَتَّبِـعْ سُبُـلَ السَّفَاهَـةِ وَالخَنَـا *** إِنَّ السَّفِيـهَ مُعَـنِّـفٌ مَشْتُـومُ
[المتوكّل اللّيثيّ]
فَاتْـرُكْ مُجَـارَاةَ السَّفِيـهِ فَإِنَّهَـا *** نَـدَمٌ وَغِبٌّ بَعْـدَ ذَاكَ وَخِيـمُ
فَإِذَا جَرَيْتَ مَعَ السَّفِيهِ كَمَا جَـرَى *** فَكِلاكُمَا فِـي جَرْيِـهِ مَذْمُـومُ
[أَبُو الأَسْوَد الدؤليّ]
إِذَا نَطَـقَ السَّفِيـهُ فَـلا تُجِـبْـهُ *** فَخَيـرٌ مِـنْ إِجَابَتِهِ السُّكُـوتُ
[الشَّافِعيّ]
مُتَـارَكَـةُ السَّفِيـهِ بِـلا جَـوَابٍ *** أَشَـدُّ عَلَى السَّفِيـهِ مِنَ الْجَوَابِ
[........]
يُخَاطِبُنِـي السَّفِيـهُ بِكُـلِّ قُبْـحٍ *** فَـأَكْرَهُ أَنْ أَكُـونَ لَهُ مُجِيـبَـا
يَزِيـدُ سَفَـاهَـةُ وَأَزِيـدُ حِلْمًـا *** كَعُـودٍ زَادَهُ الإِحْـراقُ طِيـبَـا
[الشَّافعيّ]
وَإِنَّكَ سَـوْفَ تَحْلُـمُ أَوْ تَنَـاهَى *** إِذَا مَا شِئْتَ أَوْ شَـابَ الْغُـرَابُ
[النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ]
أَلا لا يَـجْـهَـلَـنْ أَحَدٌ عَلَيْنَـا *** فَنَجْهَـلَ فَـوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
[عمرو بن كلثوم]
وَبَعْـضُ الـدَّاءِ مُلْتَمَـسٌ شِفَـاهُ *** وَدَاءُ الـنَّـوْكِ لَيْـسَ لَـهُ دَوَاءُ
[قَيْس بْن الْخَطِيم]
لِكُـلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ يُسْتَـطَـبُّ بِـهِ *** إِلا الْحَمَاقَةَ أَعْيَتْ مَنْ يُدَاوِيهَـا
[........]
اِحْـذَرِ الأَحْمَـقَ أَن تَصْحَـبَـهُ *** إِنَّمَا الأَحْمَقُ كَالثَّـوْبِ الْخَلِـقْ
كُلَّمَـا رَقَّـعْـتَـهُ مِـنْ جَـانِبٍ *** زَعْزَعَتْهُ الرِّيـحُ يَوْمًـا فَـانْخَرَقْ
أَوْ كَصَـدْعٍ فِـي زُجَـاجٍ فَاحِشٍ *** هَلْ تَرَى صَـدْعَ زُجَاجٍ يَلْتَصِـقْ
فَـإِذَا عَاتَـبْـتَـهُ كَيْ يَرْعَـوِي *** زَادَ شَرًّا وَتَمَـادَى فِي الْحُمُـقْ
[أبو العتاهية]
لا تَيْـأَسَنَّ مِـنَ اللَّبِيبِ وَإِنْ جَفَـا *** وَاقْطَعْ حِبَالَكَ مِنْ حِبَالِ الأَحْمَـقِ
فَـعَـدَاوَةٌ مِـنْ عَاقِـلٍ مُتَجَمِّـلٍ *** أَوْلَى وَأَسْلَمُ مِنْ صَدَاقَـةِ أَخْـرَقِ
[.......]
لَـنْ تَبْلُغَ الأَعْـدَاءُ مِـنْ جَاهِـلٍ *** مَا يَبْلُـغُ الْجَاهِـلُ مِـنْ نَفْسِـهِ
[.......]
تَجَنَّـبِ الأَحْمَـقَ ذَا الْفَضِيحَـهْ *** وَإِنْ بَـدَتْ مِنْـهُ لَكَ النَّصِيحَهْ
قُـرَّةُ عَيْـنِ الأَحْمَـقِ الْحَمَاقَـهْ *** كُـلُّ فَـتَى مُـلائِمٌ أَخْلاقَـهْ
[عبد الله السَّابُورِيّ]
ألا إن حلـم المرء أكـرم نسـبة *** تسـامى بها عنـد الفـخار حليم
فياربِّ هـب لي منـك حلماً فإنني *** أرى الحلـم لم ينـدم عليه كريم
[.........]
والحلـم آفتـه الجهـل المضرُّ به *** والعقـل آفـته الإعجاب والغضب
[.........]
متفرقات
1- قال أبو حاتم: من أراد الثواب الجزيل، واسْتِرهانَ الوُدِّ الأصيل، وتوقعَ الذكر الجميل فليتحمل من ورود ثِقَلِ الردى، ويتجرع مرارة مخالفة الهوى، باستعمال السُّنة التي ذكرناها في الصلة عند القطع، والإعطاء عند المنع، والحلم عند الجهل، والعفو عند الظلم؛ لأنه من أفضل أخلاق أهل الدين والدنيا [روضة العقلاء].
2- قال الماورديّ رحمه اللّه تعالى: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد. وأسباب الحلم الباعثة عليه عشرة وهي:
(1) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال.
(2) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة.
(3) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة. وقد قيل: إنّ اللّه تعالى سمّى نبيّه يحيى عليه السّلام سَيِّداً وذلك لحلمه ولذلك قال الشّاعر:
لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا *** حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة *** لا صفح ذلّ ولكن صفح أحلام
(4) الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر ومن مستحسنه ما روي أنّ مصعب بن الزّبير لمّا وليّ العراق جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى: أين عمرو بن جرموز؟ وهو الّذي قتل أباه الزّبير بن العوّام رضي اللّه عنه فقيل له: إنّه قد تباعد في الأرض. فقال: أو يظنّ الجاهل أنّي أقيده بأبي عبد اللّه؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفّرا. (5) الاستحياء من جزاء الجواب، والباعث عليه صيانة النّفس وكمال المروءة، ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم.
(6) التّفضّل على السّابّ، ويبعث عليه الكرم وحبّ التّألّف، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنّه قال: ما عاداني أحد قطّ إلّا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى منّي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه.
(7) استنكاف السّبابّ وقطع سببه، والباعث عليه الحزم، وقد قال الشّعبيّ رحمه اللّه تعالى: ما أدركت أمّي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحدا فيسبّها ولذلك قيل: في إعراضك صون أعراضك. وقد قال الشّاعر: وفي الحلم ردع للسّفيه عن الأذى *** وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا وقال آخر: قل ما بدا لك من زور ومن كذب *** حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء
(8) الخوف من العقوبة على الجواب، ويبعث عليه ضعف النّفس وربّما أوجبه الرّأي واقتضاه الحزم وقد قيل: الحلم حجاب الآفات. وقال الشّاعر في هذا: ارفق إذا خفت من ذي هفوة خرقا *** ليس الحليم كمن في أمره خرق
(9) الرّعاية ليد سالفة وحرمة لازمة: والباعث عليه الوفاء وحسن العهد.
(10) المكر وتوقّع الفرص الخفيّة: ويبعث عليه الدّهاء، وقد قال بعض الأدباء: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله.
قال إياس بن قتادة:
تعاقب أيدينا ويحلم رأينا *** ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم
فهذه عشرة أسباب تدعو إلى الحلم، وبعض الأسباب أفضل من بعض، وإذا كان بعض أسبابه مفضولا؛ فإنّ ذلك لا يقتضي أنّ نتيجته من الحلم مذمومة، وإنّما الأولى بالإنسان أن يدعوه للحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا، وإن عري الحلم عن أحد هذه الأسباب كان ذلّا ولم يكن حلما، ولذلك قال الشّاعر:
من يدّعي الحلم أغضبه لتعرفه *** لا يعرف الحلم إلّا ساعة الغضب
ومن أحكم أبيات في تدبير الحلم والغضب ما قال أبو حاتم:
إذا أمن الجهّال جهلك مرّة *** فعرضك للجهّال غنم من الغنم
فعمّ عليه الحلم والجهل والقه *** بمنزلة بين العداوة والسّلم
إذا أنت جاريت السّفيه كما جرى *** فأنت سفيه مثله غير ذي حلم
ولا تعضبن عرض السّفيه وداره *** بحلم فإن أعيا عليك فبالصّرم
فيرجوك تارات ويخشاك تارة *** ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم
فإن لم تجد بدّا من الجهل فاستعن *** عليه بجهّال فذاك من العزم
وقال الماورديّ: وهذه من أحكم أبيات وجدتها في تدبير الحلم والغضب، وهذا التّدبير إنّما يستعمل فيما لا يجد الإنسان بدّا من مقارفته ولا سبيل إلى اطّراحه ومتاركته، إمّا لخوف شرّه، أو للزوم أمره. وأمّا من أمكن اطّراحه، ولم يضرّ إبعاده فالهوان به أولى، والإعراض عنه أصوب، وهو في هذه الحال استفاد بتحريك الغضب فضائله وأمن بكفّ نفسه عن الانقياد له، وصار الحلم مدبّرا للأمور المغضبة، بقدر لا يعتريه نقص بعدم الغضب، ولا يلحقه زيادة بفقد الحلم ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب فيه، وضعف رأيه عن خبرة أسبابه ودواعيه حتّى يصير بليد الرّأي مغمور الرّويّة مقطوع الحجّة مسلوب العزاء، قليل الحيلة مع ما يناله من أثر ذلك في نفسه وجسده حتّى يصير أضرّ عليه ممّا غضب له، فينبغي لذي اللّبّ السّويّ والحزم القويّ أن يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل دواعي شرّته بحزمه فيردّها ليسعد بحميد العاقبة [أدب الدنيا والدين (303- 310) بتصرف] .
3- قال الغزاليّ رحمه اللّه تعالى: الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأنّ كظم الغيظ عبارة عن التّحلّم أي تكلّف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلّا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوّد ذلك صار ذلك اعتيادا فلا يهيجه الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهذا هو الحلم الطّبيعيّ، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوّة الغضب وخضوعها للعقل، ويكون ابتداؤه التّحلّم وكظم الغيظ تكلّفا ويعتاد ذلك حتّى يصير خلقا مكتسبا [إحياء علوم الدين (3/ 176) بتصرف].
4- قال الجاحظ: وهذه الحال (أي حال الحلم) محمودة ما لم تؤدّ إلى ثلم جاه أو فساد سياسة وهي بالرّؤساء والملوك أحسن؛ لأنّهم أقدر على الانتقام من مغضبهم، ولا يعدّ فضيلة حلم الصّغير عن الكبير وإن كان قادرا على مقابلته في الحال؛ فإنّه وإن أمسك فإنّما يعدّ ذلك خوفا لا حلما [تهذيب الأخلاق (23)].
5- قال ابن حبّان رحمه اللّه تعالى: الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، وهو يشتمل على المعرفة والصّبر والأناة والتّثبّت، ومن يتّصف به يكون عظيم الشّأن، رفيع المكان، محمود الأجر، مرضيّ الفعل، ومن أجل نفاسته تسمّى اللّه به فسمّي حليما [روضة العقلاء (308) ] .
6- قال ابن الجوزي رحمه اللّه تعالى: الكمال عزيز والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق، فالطّبائع: العفّة، والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره، والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل. فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص [صيد الخاطر (289) ] .
7- قال بعض العلماء: ليس الحليم من ظلم فحلم، حتّى إذا قدر انتقم، ولكنّ الحليم من ظلم فحلم حتّى إذا قدر عفا [الإحياء (3/ 184) ] .
?
الإحالات
1- الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/103، 104) .
2- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة المؤلف : هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم الناشر : دار طيبة - الرياض ، 1402 تحقيق : د. أحمد سعد (3/489) .
3- أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة د/محمود عبد الرازق الرضواني السابع من شعبان سنة 1426هـ الحادي عشر من سبتمبر سنة 2005م الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م (2/190) .
4- موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29 جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن السنة (57/273) .
5- الأدب المفرد بالتعليقات بتعليقات العلامة / محمد ناصر الدين اللباني رحمه الله وبعض التوضيحات المهمة من كتاب فضل الله الصمد . للعلامة/ فضل الله الجيلاني (1/138) .
6- سنن النسائي الكبرى المؤلف : أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 – 1991 تحقيق : د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن (4/391) .
7- شعب الإيمان المؤلف : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1410 تحقيق : محمد السعيد بسيوني زغلول (6/335) .
8- الحلم- ابن أبي الدنيا المؤلف : عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان أبو بكر الناشر : مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت الطبعة الأولى ، 1413 تحقيق : محمد عبد القادر أحمد عطا
9- العقل وفضله - ابن أبي الدنيا المؤلف : عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا البغدادي الناشر : دار الراية – الرياض الطبعة الأولى ، 1409 تحقيق : لطفي محمد الصغير .
10- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين المؤلف : محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى : 1057هـ) – باب الحلم (5/95) .
11- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي المؤلف: أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى (المتوفى: 1353هـ) الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت (6/128) .
12- الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ) الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر (2/130) .
13- دراسات وتوجيهات إسلامية المؤلف: أحمد سحنون (المتوفى: 1424هـ) الناشر: المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر الطبعة: الثانية، 1992 م (1/134) .
14- الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني أصل الكتاب: رسالة ماجستير، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1423هـ (1/54) .
15- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net (1/206) .