تواضع
2022-10-10 - 1444/03/14التعريف
التواضع لغة:
مصدر تواضع أي أظهر الضّعة، وهو مأخوذ من مادّة (وض ع) الّتي تدلّ على الخفض للشّيء وحطّه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها. والوضائع قوم ينقلون من أرض إلى أرض يسكنون بها، والوضيع الرّجل الدّنيّ، والدّابة تضع في سيرها وضعا وهو سير سهل يخالف المرفوع قال الشّاعر:
مرفوعها زول وموضوعها *** كمرّ صوب لجب وسط ريح
[البيت ينسب إلى طرفة بن العبد (ديوانه ص 171) تحقيق د. الجندي] .
وقال الرّاغب في مفرداته: الوضع أعمّ من الحطّ ومنه الموضع قال تعالى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [النساء: 46] و[المائدة: 13] وقد يستعمل هذا في الإيجاد والخلق كما في قوله سبحانه: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) [الرحمن:10]. ويقال رجل وضيع بيّن الضّعة في مقابل: رفيع بيّن الرّفعة، وقال في الصّحاح «ووضع الرّجل (بالضم) يوضع ضعة وضعة أي صار وضيعا، ووضع منه فلان أي حطّ من درجته والتّواضع التّذلّل، والاتّضاع أن تخفض رأس البعير لتضع قدمك على عنقه فتركب قال الكميت:
إذا اتّضعونا كارهين لبيعة *** أنا خوا لأخرى والأزمّة تجذب
ورجل موضّع أي مطّرح ليس بمستحكم الخلق [المقاييس لابن فارس (6/ 118)، والمفردات (525 وما بعدها)، والصحاح (3/ 1300)].
قلت: وصيغة تفاعل من هذا الأصل تدلّ على الإظهار كما في تغافل بمعنى أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا على الحقيقة وكما في تعامى أي أظهر العمى، وتباكى أظهر البكاء، ومن هنا تكون صفة التّواضع سمة لمن أظهر الضّعة والذّلّ للّه ورسوله والمؤمنين وإن كان المرء عزيزا في نفسه كما قال تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة: 54].
واصطلاحا:
إظهار التّنزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وفي الرّسالة القشيريّة: التّواضع هو الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم [مدارج السالكين (6/ 134). وفتح الباري (11/ 341)، دليل الفالحين لابن علان (3/ 50)] .
العناصر
1- الإسلام يورث التّواضع ويكسو المسلم ثوب العزّة .
2- درجات التواضع .
3- الفرق بين التواضع والذل والمهانة .
4- حد التواضع .
5- الأسباب التي تعين على التواضع .
6- صور التواضع .
7- أثر خلق التواضع على النفس والمجتمع .
الايات
1- قَالَ الله -تَعَالَى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
2- قوله -تَعَالَى-: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود: 3].
3- قوله -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا) [التحريم:8].
4- قوله -تعالى-: (وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [فصلت:36].
5- قوله -تعالى-: (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201].
6- قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلينَ) [آل عمران:135-136].
7- قوله -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
8- قوله -تعالى-: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 117].
9- قوله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118].
الاحاديث
1- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ: سمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً " [صحيح البخاري في الدعوات، باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة (5/2324) (5948)].
2- عن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ" [أخرجه مسلم في صحيحه باب الذكر والدعاء (4/2076) قوله: "واستغفروه" ليس في الصحيح، إنما هو في مسند أحمد وغيره من رواية أبي بردة عن رجل من المهاجرين].
3- عن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ- خادِمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ" [البخاري 8/ 84 (6309)، ومسلم 8/ 93 (2747) (7) و (8)]. وفي رواية لمُسْلمٍ: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس، فأتي شجرة فاضطجع في ظلها وقد آيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك أخطأ من شدة الفرح" [حديث رقم:(6895)].
4- عن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم،قَالَ: "إِنَّ الله تعالى يَبْسُط يدَه بالليل ليَتوبَ مُسِيءُ النهار، ويَبسُط يده بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتى تَطلعَ الشمسُ من مَغرِبها " [مسلم في كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت: (2759)].
5- عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ " [مسلم في الذكر والدعاء والتوبة، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه (4/2076) (2703)].
6- عن أبي عبد الرحمان عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ يقبل توبةَ العبد ما لم يغرغر" [الترمذي (3537) كتاب الدعوات، باب: في فضل التوبة، وقال: حسن غريب وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (1903)].
7- عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِىَّ أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ فَقُلْتُ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ فَقَالَ إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ. قُلْتُ إِنَّهُ حَكَّ فِى صَدْرِى الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَكُنْتَ امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَجِئْتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ فِى ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَوْ مُسَافِرِيِنَ أَنْ لاَ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ فِى الْهَوَى شَيْئًا قَالَ نَعَمْ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِىٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِىٍّ يَا مُحَمَّدُ. فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ هَاؤُمُ وَقُلْنَا لَهُ وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا. فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَغْضُضُ. قَالَ الأَعْرَابِىُّ الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ. قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". فَمَازَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا قَالَ سُفْيَانُ قِبَلَ الشَّامِ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَفْتُوحًا يَعْنِى لِلتَّوْبَةِ لاَ يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ " [الترمذي حديث رقم: (3535) وَقالَ: حديث حسن صحيح وقال الشيخ الألباني حسن انظر التعليق الرغيب (4/73)].
8- عن أبى سعيد الخدرى أن نبى الله -صلى الله عليه وسلم- قال " كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا. فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك فى صورة آدمى فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التى أراد فقبضته ملائكة الرحمة " [مسلم المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي حديث رقم: (7184)].
9- عن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عَمى - قال: سمعت كعب بن مالك يحدّث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غيرها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر، ولم يعاتَب أحدٌ تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عِير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد، ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذْكَر في الناس منها وأشهر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازًا، واستقبل عدوا كثيرًا فَجَلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وَجْهَه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب: فَقَلّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله، عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل، وأنا إليها أصعر. فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فأقول لنفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمَّر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، وقلت: الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي. ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل ذلك يَتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم - وليت أنّي فعلتُ - ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فَطُفتُ فيهم يحزنني ألا أرى إلا رجلا مَغْموصا عليه في النفاق، أو رجلا ممن عذره الله، عز وجل، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فعل كعب بن مالك؟" قال رجل من بني سَلمة: حبسه يا رسول الله بُرْداه، والنظر في عَطْفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئسما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تَوجَّه قافلا من تبوك حضرني بَثّي فطفقت أتذكر الكَذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا؟ أستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلّ قادما، زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا. فأجمعتُ صدقه، وصَبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له -وكانوا بضعة وثمانين رجلا -فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى، حتى جئت، فلما سلَّمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: "تعال"، فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال لي: "ما خلَّفك، ألم تك قد اشتريت ظهرك"؟ قال: فقلت: يا رسول الله، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سَخَطه بعذر، لقد أعطيتُ جَدَلا ولكنه والله لقد علمتُ لئن حَدّثتك اليوم حديث كَذب ترضى به عني، ليوشكن الله يُسْخطك علي، ولئن حدثتك بصدق تَجدُ عَليّ فيه، إني لأرجو أقرب عقبى ذلك عفوًا من الله، عز وجل والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك". فقمت وبادرني رجال من بني سلمة واتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عَجَزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنّبوني حتى أردت أن أرجع فأُكذِّب نفسي: قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلتَ، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قلت: فمن هما؟ قالوا: مُرَارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي - قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين من تخلف عنه، فاجتنَبنَا الناس وتغيّروا لنا، حتى تنكرَتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَب القوم وأجلَدهم، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم، وأقول في نفسي: حَرّك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرَض، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مَشَيت حتى تسورت حائط أبي قتادة - وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي - فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدُك الله: هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت. قال: فعدتُ فنشدته فسكت، فعدت فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. قال: ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطِيٌّ من أنباط الشام، ممن قَدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ قال: فطفِقَ الناس يشيرون له إليّ، حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان، وكنت كاتبا فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هَوان ولا مَضْيَعة، فالحق بنا نُواسكَ. قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء. قال: فتيممت به التنور فَسَجرته حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها ولا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: "لا ولكن لا يقربَنَّك" قالت: وإنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب؟ قال: فلبثنا بعد ذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا قال: ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا: قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر. قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَل صاحبيّ مبشرون، وركض إلي رجُل فرسًا، وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، فنزعت ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة، يقولون: لِيَهْنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهرول، حتى صافحني وهَنَّأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرُق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مَرّ عليك منذ ولدتك أمّك". قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا بل من عند الله". قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، حتى يعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك". قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كَذبَةً منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: وأنزل الله -تعالى-: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألا أكون كَذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كَذَبوه حين كَذَبُوه؛ فإن الله تعالى قال للذين كَذَبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، قال الله -تعالى-: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 95، 96]. قال: وكنا خُلّفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسولُ الله أمرَنا، حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خُلِّفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه، فقبل منه.[المسند (3/456 - 459) وصحيح البخاري برقم (889) وبرقم (2757) وصحيح مسلم برقم (2769)].
10- عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب اللهُ على من تاب" [البخاري المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر الناشر: دار طوق النجاة الطبعة: الأولى 1422ه حديث رقم: (96439)].
11- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ" [البخاري 4/ 28 (2826)، ومسلم 6/ 40 (128) و (129)].
الاثار
1- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع [إحياء علوم الدين (3/ 343)].
2- قال عمر رضي الله عنه: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته [مصنف ابن أبي شيبة الناشر: مكتبة الرشد - الرياض الطبعة الأولى، 1409 تحقيق: كمال يوسف الحوت (7/96)].
3- وقال رضي الله عنه: انتعش رفعك الله، وإذا تكبر وعدا طوره رهصه الله في الأرض [إحياء علوم الدين الناشر دار المعرفة (3/341)].
4- وقال رضي الله عنه: اخسأ خسأك الله؛ فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى إنه لأحقر عندهم من الخنزير [إحياء علوم الدين الناشر دار المعرفة (3/341)].
5- قالت عائشة رضي الله عنها: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادات: التواضع [إحياء علوم الدين الناشر دار المعرفة (3/341)].
6- قال جرير بن عبد الله: انتهيت مرة إلى شجرة تحتها رجل نائم قد استظل بنطع له وقد جاوزت الشمس النطع فسويته عليه، ثم إن الرجل استيقظ فإذا هو سلمان الفارسي، فذكرت له ما صنعت فقال لي: يا جرير تواضع لله في الدنيا فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة [إحياء علوم الدين الناشر دار المعرفة (3/341)].
7- قال عبدالله بن المبارك: رأس التواضع: أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا؛ حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا؛ حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه فضل عليك [ إحياء علوم الدين (3/ 343)].
8- قال يوسف بن أسباط: "يجزئ قليل الورع من كثير العمل، ويجزى قليل التواضع من كثير الاجتهاد" [التواضع والخمول - ابن أبي الدنيا الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1409 - 1989 تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا (1/117)].
9- قال الفضيل وقد سئل عن التواضع ما هو؟ فقال: "أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته" [التواضع والخمول - ابن أبي الدنيا الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1409 - 1989 تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا (1/118)].
10- قال أيضاً: "من أحب الرياسة لم يفلح أبداً" [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
11- قال قتادة: "من أعطى مالاً أو جمالاً أو ثياباً أو علماً، ثم لم يتواضع فيه - كان عليه وبالاً يوم القيامة" [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
12- قال بشر بن الحارث: "ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير" [أخرجه البيهقي في الشعب (6/298)].
13- قال كعب: "ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله - إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا، ورفع بها درجة في الآخرة، وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها، ولم يتواضع بها لله - إلا منعه الله نفعها في الدنيا، وفتح له طبقاً من النار؛ يعذبه إن شاء الله، أو يتجاوز عنه" [الشكر لله عز وجل - ابن أبي الدنيا. المحقق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول دار النشر: مؤسسة الكتب الثقافية البلد: بيروت الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1413ه، 1993م. (1/72)].
14- قيل لعبد الملك بن مروان: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن قدرة وزهد عن رغبة وترك النصرة عن قوة [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
15- قال بعض السلف: "من تكبَّر بعلمه وترفَّع وضعه الله، ومن تواضع بعلمه رفعه الله به" [أدب الدنيا والدين للماوردىّ (ص 80) طبعة مكتبة الرياض الحديثة].
16- دخل ابن السماك على هارون فقال: يا أمير المؤمنين إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، فقال: ما أحسن ما قلت! فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأ أتاه الله جمالاً في خلقته، وموضعاً في حسبه، وبسط له في ذات يده؛ فعف في جماله، وواسى من ماله، وتواضع في حسبه - كُتِب في ديوان الله من خالص أولياء الله، فدعا هارون بدواة وقرطاس وكتبه بيده [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
17- قال بعضهم: "كما تكره أن يراك الأغنياء في الثياب الدون فكذلك فاكره أن يراك الفقراء في الثياب المرتفعة" [التواضع والخمول - ابن أبي الدنيا الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1409 - 1989 تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا (1/142)].
18- قال مجاهد: إن الله تعالى لما أغرق قوم نوح عليه السلام شمخت الجبال وتطاولت وتواضع الجودي فرفعه الله فوق الجبال وجعل قرار السفينة عليه [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
19- قال يونس بن عبيد وقد انصرف من عرفات: لم أشك في الرحمة لولا أني كنت معهم إني أخشى أنهم حرموا بسببي [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
20- يقال: "أرفع ما يكون المؤمن عند الله أوضع ما يكون عند نفسه، وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه" [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
21- يقال: "من يرى لنفسه قيمة - فليس له من التواضع نصيب" [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
22- قال زياد النمري: "الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر" [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
القصص
1- قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة الثانية، 1393 - 1973 تحقيق: محمد حامد الفقي (2/330)].
2- قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله، فقيل للرجل: كيف تقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال لهم عمر: دعوه والله لا خير فيكم إن لم تقولوها لنا، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم [الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة - أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي المحقق: عثمان عبد الله آدم الأثيوبي الناشر: دار الراية للنشر - السعودية الطبعة: الثانية، 1418ه (1/19)].
3- روى حماد بن زيد عن أيوب قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة، فإن قضى الله موتا، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلاً [سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي المحقق: مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرناؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة (9/162)].
4- قال موسى بن القاسم: كانت عندنا زلزلة، وريح حمراء، فذهبت إلى محمد بن مقاتل، فقلت: يا أبا عبد الله أنت إمامنا، فادع الله عز وجل لنا، فبكى، ثم قال: ليتني لم أكن سبب هلاككم، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: إن الله عز وجل رفع عنكم بدعاء محمد بن مقاتل [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/342)].
5- كان عطاء السلمي إذا سمع صوت الرعد - قام وقعد، وأخذه بطنه؛ كأنه امرأة ماخض، وقال: هذا من أجلي يصيبكم؛ لو مات عطاء لاستراح الناس مقاتل [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (4/186)].
6- دعا رجل لعبد الله بن المبارك فقال أعطاك الله ما ترجوه، فقال: إن الرجاء يكون بعد المعرفة؛ فأين المعرفة؟! [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/343)].
7- أتى رجلٌ ميمون بن مهران فقال له: لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما كنتَ فيهم! قال: لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما اتقوا الله. حلية الأولياء - أبو نعين الأصبهاني المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة الرابعة، 1405 (4/90)].
8- تفاخرت قريش عند سلمان الفارسي رضي الله عنه يوماً، فقال سلمان: لكنني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم أتى الميزان؛ فإن ثقُل فأنا كريم، وإن خفَّ فأنا لئيم [إحياء علوم الدين - محمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر دار المعرفة (3/343)].
9- عن عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلاً راكباً بغلة وبين يديه غلمان وإذا هم يعنفون الناس، قال: ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمله فقال لي: مالك تنظر إلي؟ فقلت له: شبهتك برجل رأيته بمكة، ووصفت له الصفة، فقال له: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال إني ترفعت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله حيث يترفع الناس [إحياء علوم الدين (3/ 343)].
10- من تواضع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- أن المسؤولين أرادوا أن يستبدلوا سيارته الممنوحة من الدولة بأحدث منها فقال لهم: وما عِلَّتُها؟ فقالوا له: انتهت مدتها؛ فماذا تريدون بدلاً عنها يا سماحة الشيخ ؟ فيَسْأَل: وما أنواع السيارات ؟ فيذكر له الكاديلاك، والمرسيدس، والفورد، والبيوك، وغيرها فيقول: والكابرس ؟ فيقال له: لا يليق بمقامك، فيقول: لماذا ؟ أليس القبر واحداً ؟! [جوانب من سيرة ابن باز تأليف: الشيخ د. محمد بن إبراهيم الحمد (1/81)].
11- طُلب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- تغيير بيته الذي في الطائف؛ لأنه صغير، ومجلسه صغير، ويحتاج إلى زيادة منازل للضيوف ولموظفي مكتب البيت فلم يوافق على ذلك، وقال: فيه بركة [جوانب من سيرة ابن باز تأليف: الشيخ د. محمد بن إبراهيم الحمد (1/81)].
12- في عرفة في حج عام 1418ه كان جالساً في المصلى، ومئات الناس حوله، فجيء له بفاكهة مقطعة؛ لأن عادته في المشاعر في الحج أنه لا يأكل في الغالب إلا الفاكهة، والتمر، واللبن. فلما وضع أمامه قال: أكُلُّ الحاضرين وضع لهم مثل هذا ؟ قالوا: لا، فقال: أبعدوه، وغضب [جوانب من سيرة ابن باز تأليف: الشيخ د. محمد بن إبراهيم الحمد (1/82)].
13- اتصل شاب صغير بسماحة الشيخ، وقال: يا سماحة الشيخ ! الناس بأشد الحاجة إلى علماء يُفتُونهم، وأقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتياً؛ ليسهل الاتصال. فقال له سماحة الشيخ: ما شاء الله، أصلحك الله، كم عمرك ؟ فقال: ثلاثة عشر عاماً [جوانب من سيرة ابن باز تأليف: الشيخ د. محمد بن إبراهيم الحمد (1/82)].
الاشعار
1- قال العُدَيل بْن الفَرْخ العِجْليّ:
فَكُنْتُ كَمُهْرِيقِ الذي فِي سِقَائِهِ *** لِرَاقْرَاقِ آلٍ فَوْقَ رَابِيةٍ صَلْدِ
[تفسير القرطبي دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان 1405 هـ (12/282)].
2- قال حسان بن ثابت:
دَلاَّهُمُ بِغُرُورٍ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ *** إِنَّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالاهُ غَرَّارُ
وَقَالَ:
إِنِّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ *** شَرَّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْيُ وَالْعَارُ
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ) الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت - لبنان عام النشر: 1415 هـ - 1995 م (2/103)].
3- كان سفيان بن عيينة بعد ما أسن يتمثل بهذا البيت
يُعمَّرُ وَاحِدٌ فَيَغُرُّ قَوْمًا *** وَيُنْسَى مَنْ يَمُوتُ مِنَ الصغار
[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة الرابعة، 1405 (7/277)].
4- قال الشافعي رحمه الله:
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ *** وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأتِي بِهِ الْقَدَرُ
وَسَاعَدَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَا *** وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الْكَدَرُ
[بيان المعاني - الشيخ العلامة عبد القادر ملاحويش آل غازى الفراتي الديرزوري الناشر: مطبعة الترقى مكان الطبع: دمشق سنة الطبع: 1382 ق (1/375)].
5- قال أبو العتاهية:
أَلا يَا طَوِيلَ السَّهْوِ أَصْبَحْتَ سَاهيًا *** وَأَصْبَحْتَ مُغْتَرًّا وَأَصْبَحْتَ لاهِيَا
[مجموعة القصائد الزهديات - أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان الناشر: مطابع الخالد للأوفسيت - الرياض الطبعة: الأولى، 1409 ه (1/274)].
6- أنشد يعقوب:
لا يَغُرَّنْكَ عِشَاءٌ سَاكِنٌ *** قَدْ يُوَافِي بِالْمَنيَّاتِ السَّحَرْ
[تفسير القرطبي دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان 1405 ه (3/236)].
7- قال أبو العتاهية:
عِشْ ما بَدَا لَكَ سَالِمًا *** فِي ظِلِّ شَاهِقَةِ الْقُصُورِ
يُسْعَى عَلَيْكَ بِمَا اشْتَهَيْتَ *** لَدَى الرَّوَاحِ أَوِ الْبُكُورِ
فَإِذَا النُّفُوسُ تَقَعْقَعَتْ *** فِي ظِلِّ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ
فَهُنَاكَ تَعَلَمُ مُوقِنًا *** مَا كُنْتَ إِلاَّ فِي غُرُورِ
[المجالسة وجواهر العلم - أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الناشر: جمعية التربية الإسلامية (البحرين - أم الحصم )، دار ابن حزم (بيروت - لبنان) تاريخ النشر: 1419ه (4/427)].
8- قال الشاعر:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لاحَ لِنَاظِرٍ *** عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ
ولا تَكُ كَالدُّخَّانِ يَعْلُو بِنَفْسِهِ *** إِلَى طَبَقَاتِ الْجَوِّ وَهْوَ وَضِيعُ
[مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ - خالد بن جمعة بن عثمان الخراز الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت الطبعة: الأولى، 1430 ه - 2009 م (1/301)].
9- رحم الله من قال:
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَزْدَادَ قَدْرًا وَرِفْعَةً *** فَلِنْ وَتَوَاضَعْ وَاتْرُكِ الْكِبْرَ وَالْعُجْبَا
[جواهر الأدب - أحمد الهاشمي (2/61)].
10- قال يوسف بن أسباط:
وَكَفَى بِمُلْتَمِسِ التَّوَاضُعِ رِفْعَةً *** وَكَفَى بِمُلْتَمِسِ الْعُلُوِّ سَفَالا
[روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - محمد بن حبان البستي أبو حاتم الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، 1397 - 1977 تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد (1/62)].
11- قال يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري الأنصاري:
تَواضَعْ لِرَبِّ الْعَرْشِ عَلَّكَ تُرْفَعُ *** فَمَا خَابَ عَبْدٌ لِلْمُهَيْمِنِ يَخْضَعُ
[اجتماع الجيوش الإسلامية - ابن قيم الجوزية الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1404 - 1984 (1/200)].
12- قد أجاد من قال:
وَلا تَمْشِ فَوْقَ الأَرْضِ إِلاَّ تَوَاضُعًا *** فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمُ مِنْكَ أَرْفَعُ
فَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ وَمَنْعَةٍ *** فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمُ مِنْكَ أَمْنَعُ
[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393ه) الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت - لبنان عام النشر: 1415 ه - 1995 م (3/157)].
13- رحم الله من قال:
تَوَاضَعْ إِذَا مَا نِلْتَ فِي النَّاسِ رِفْعَةً *** فَإِنَّ رَفِيعَ الْقَوْمِ مَنْ يَتَواضَعُ
[مكتبة الخطيب والداعية من الشعر أمير بن محمد المدري إمام وخطيب مسجد الايمان /اليمن /عمران (1/39)].
14- قال فتيان الشاغوري:
الْكِبْرُ تُبْغِضُهُ الْكِرَامُ وَكُلُّ مَنْ *** يُبْدِي تَوَاضُعَهُ يُحَبُّ وَيُحْمَدُ
خَيْرُ الدَّقِيقِ مِنَ الْمَنَاخِلِ نَازِلٌ *** وَأَخَسُّهُ وَهْي النًّخَالَةُ تُعْصَدُ
[مجمع الحكم والأمثال المؤلف: أحمد قبش (1)].
15- قال أحمد بن محمد الواسطي
كَمْ جَاهِلٍ مُتَواضِعٍ *** سَتَرَ التَّوَاضُعُ جَهْلَهُ
[مدح التواضع وذم الكبر - ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر المحقق: محمد عبد الرحمن النابلسي الناشر: دار السنابل، سورية - دمشق الطبعة: الأولى، 1413هـ 1993م (1/42)].
متفرقات
1- قال عبد اللّه بن المبارك -رحمه اللّه-: رأس التّواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمّن هو فوقك في الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس له بدنياه عليك فضل [إحياء علوم الدين (3/ 343)].
2- قال أبو عليّ الجوزجانيّ: النّفس معجونة بالكبر والحرص والحسد. فمن أراد اللّه تعالى هلاكه منع منه التّواضع والنّصيحة والقناعة. وإذا أراد اللّه تعالى به خيرا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التّواضع من نصرة اللّه تعالى. وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النّصيحة مع توفيق اللّه- عزّ وجلّ- وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون اللّه عزّ وجلّ [إحياء علوم الدين (3/ 362)].
3- قال أحد العلماء: التّواضع في الخلق كلّهم حسن وفي الأغنياء أحسن. والتّكبّر في الخلق كلّهم قبيح وفي الفقراء أقبح [إحياء علوم الدين (3/362)].
4- قال د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني: فعلى الدعاة أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان متواضعاً في دعوته مع الناس، فكان يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم، وتأخذه بيده الأمة فتنطلق به حيث شاءت، وكان في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، فكان متواضعاً من غير ذلّة، جواداً من غير سَرَف، رقيق القلب رحيماً بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم، فيجب على الدعاة إلى الله عز وجل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم [مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة - مفهوم، ونظر، وتطبيق (1/341)، و انظر مدارج السالكين لابن القيم (2/ 328 - 329)].
5- الأسباب التي تعين على التواضع:
(1) تقوى الله: وهذا من أول الأمور والأسباب التي تعين المرء على التواضع، وتردعه عن أخلاق أهل السفه والكبر. لأن التقوى وقاية من كل ما يغضب الله تعالى، وفعل جميع الطاعات التي أمر الله تعالى بها، فالكبر كبيرة من الكبائر ولا يتصف بها أهل التقوى، والتواضع من محاسن الأخلاق وحتماً ولابد أنه يكون في أهل التقوى. وهذا شيء يجب أن يكون مركوزاً في فطرة كل إنسان، وخاصة إذا كان بالمرء تيه وعجب، عليه أن يعلم أن الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، فلا ينبغي للعاقل أن يفرح بدنيا أقبلت عليه ومن ثم يشمخ بها، ويتعالى بنعم الله على عباد الله والله يقول: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140] فمن تذكر دائماً هذه السنة الكونية خضع لإخوانه ولعامة الناس، وخفض جناحه لهم، لأنه ربما تقلبت به الدنيا، فيذل بعد أن كان عزيزاً، ويفتقر بعد أن كان غنياً، ويعلو عنه من كان يترفع عليه، فلم الكبر والتيه والعجب؟! قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص: 83].
(2) عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به: مما لا شك فيه أن المرء يحب أن يتواضع له الناس، ويخفضوا جناحهم له، ويعاملوه برفق ولين، ويبغض من ناحية أخرى، من يغلظ له، ومن يتكبر عليه بأي صورة من الصور. ولو كان المرء جراباً حشي كبراً لتألم وتأفف أيضاً ممن يتكبر عليه، فلم الكيل بمكيالين؟!!
(3) التفكر في أصل الإنسان: إذا عرف الإنسان نفسه، علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه نظرة في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئاً مذكوراً، بعد أن كان لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني شيئاً، فقد ابتدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبفقره قبل غناه. وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا بقوله: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) [عبس: 18، 19] ثم امتن عليه بقوله: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) [عبس: 20]. وبقوله: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان: 2]. لقد أحياه الله بعد موت، وأحسن تصويره، وأخرجه إلى الدنيا، فأشبعه وأرواه، وكساه وهداه، وقواه. فمن هذا بدايته، فأي وجه لتكبره وفخره وخيلائه؟! قال ابن حبان رحمه الله: وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة، وآخره يعود إلى جيفة قذرة، وهو بينهما يحمل العذرة. اه [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 61)].
(4) معرفة الإنسان قدره: قال تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) [الإسراء: 37]. قال العلامة الشنقيطي: أي أنت أيها المتكبر المختال: ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين أنت عاجز عن التأثير فيها، فالأرض التي تحتك لا تقدر أن تؤثر فيها بشدة وطئك عليها، والجبال الشامخة فوقك لا يبلغ طولك طولها، فاعرف قدرك، ولا تتكبر، ولا تمش في الأرض مرحاً. اه [أضواء البيان: 3/ 592].
(5) تذكر الأمراض والأوجاع والمصائب: وما أجمل التواضع واللين!! فلو رأيت أهل البلاء بشتى صنوفهم للمست التواضع يعلو وجوههم وأبدانهم! انظر إلى من غله المرض، واستوثق منه الوجع، وهده الألم، انظر إليه إذا جاء الزائر يزوره! وطالع محياه، فسترى فاقة وكسرة وحاجة إلى كل إنسان! فهو يأنس بهذا! ويشد على يد هذا! ويطلب الدعاء من آخر! ويتشوف إلى رنين الهاتف فلربما سمع كلمة تشد من أزره أو ربما سعد بدعوة مجابة أو... أليس في هذا الحال درس لكل من اختال يوماً، أو تطاول حيناً، أو تكبر زمناً؟! بلى والله. وما قيل هنا، يقال في أهل المصائب كافة، فلماذا التجمل بالتواضع عند الضر، والافتخار والمباهاة والأشر والكبر عند الرخاء والنعمة في العلن والسر؟!
(6) تطهير القلب: القلب إذا صلح صلح العمل كله بإذن الله تعالى فعلى من أراد اكتساب خلق التواضع أن يطهر قلبه من الأمراض التي عصفت به من حقد وحسد وعجب وغرور لأن القلب هو موطن هذه الأمراض كلها [موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1/160)] ].
6- قال أبو حاتم: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لأبي حاتم البستي. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - محمد بن حبان البستي أبو حاتم الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، 1397 - 1977 تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد].
7- قال الشافعي: أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه [شعب الإيمان - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1410 تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول (6/304)].
8- قال -رحمه الله-: إذا أنت خفت على عملك العجب - فانظر رضا من تطلب، وفي أي ثواب ترغب، ومن أي عقاب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر؛ فإنك إذا تفكرت في واحدة من هذه الخصال، صغر في عينك عملك [تاريخ دمشق - ابن عساكر الطبعة: الاولى 1419 - ه - 1998 م دار الفكر - بيروت - لبنان دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع (51/413)].
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (4/1255) .
2- الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف: مجدي الهلالي الناشر: دار الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع، مصر الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م (1/12) .
3- مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة - مفهوم، ونظر، وتطبيق المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/339) .
4- رَحمةٌ للعَالَمِين مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سَيِّدُ النَّاسِ أَجمَعِين نَبيُّ الرَّحمةِ، الرَّحمَةُ المُهدَاةُ خَاتم المرسَلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشأتهُ، وَأخلاقه، وَمُعجزاته، وَعُمُوم رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ضوء الكتاب والسُّنَّة المؤلف: د. سعيد بن على بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/138) .
5- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net (1/160) . 6- التواضع في ضوء القرآن والسنة الصحيحة (ص: 31، 32) سليم الهلالي، دار ابن القيم، الدمام.
7- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (15/119) .
8- الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م (11) .
9- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم تأليف الإمام الحافظ الفقيه زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب المتوفى سنة ( 795 ) ه حقق نصوصه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه الدكتور ماهر ياسين الفحل – الحديث الحادي عشر والثالث عشر والسادس عشر .
10- إحياء علوم الدين محمد بن محمد الغزالي أبو حامد سنة الولادة 450/ سنة الوفاة 505 تحقيق الناشر دار المعرفة سنة النشر مكان النشر بيروت (3/340) .
11- التذكرة في الوعظ المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي الناشر : دار المعرفة – بيروت الطبعة الأولى ، 1406 – 1986 تحقيق : أحمد عبد الوهاب فتيح (1/97) .
12- رياض الصالحين المؤلف : النووي المحقق : د. ماهر ياسين الفحل رئيس قسم الحديث - كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار (1/356) .