تسعير

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

التسعير في اللغة هو :

تقدير السعر ، أو هو الذي يقوم عليه الثمن ، وجمعه: أسعار ، وقد أسعروا وسعَّروا بمعنى واحد ، أي : اتفقوا على سعر. وقال الفيومي في المصباح المنير : سعَّرت الشيء (تسعيراً) : جعلت له (سعراً) معلوماً ينتهي إليه ، و (أسْعَرته) بالألف ، لغة ، وله (سعر) إذا زادت قيمته ، وليس له (سِعْر) إذا أفرط رخصه [انظر المصباح المنير : 1/277 ، وراجع مادة (سعر) في لسان العرب وأساس البلاغة] .

وفي الاصطلاح الفقهي : اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفه ، وفيما يلي بعض تعريفاتهم: 1- عرف القاضي البيضاوي السعر بأنه : القيمة التي يشيع البيع عليها في الأسواق ، والتسعير : تقدير هذه القيمة [رسائل مفتي زادة نقلاً عن : الملكية في الشريعة ، د عبد السلام العبادي : 2/ 301] .

 

2 - وبين ابن القيم حقيقة التسعير ، فقال : إنه إلزام بالعدل ومنع عن الظلم ، وهو يشمل تسعير السلع والأعمال ، ويتفق في هذا مع شيخه ابن تيمية رحمه الله [الطرق الحكمية ، لابن القيم ، ص (387) ، طبعة محي الدين عبد الحميد] .

 

3 - وعرف الشوكاني التسعير بأنه : أمر السلطان ونوابه ، أو كل من ولي من أمور المسلمين شيئاً ، أهل السوق ألا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا ، فيمنعون من الزيادة أو النقصان لمصلحة [نيل الأوطار للشوكاني : 5 / 335 ، دار الجيل ، بيروت] .

وقد ذهب جمهور العلماء : أبو حنيفة والشافعي وأحمد ، إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يسعر على الناس مطلقاً ، وإن فعل ذلك يكون فعله هذا إكراهاً يكره معه البيع والشراء ، ويمنع صحة البيع عند بعضهم .

وذهب المالكية إلى جواز التسعير في الأقوات مع الغلاء ، وقالوا : ليس لمن أتى السوق ، من أهله أو من غير أهله ، أن يبيع السلعة بأقل من سعرها ، ويمنع من ذلك . وله أن يبيع بأكثر . وذهب بعض العلماء ، كسعيد بن المسيب ، وربيعة بن عبد الرحمن : إلى جواز التسعير مطلقاً . وذهب كثير من العلماء ، كمتأخري الحنفية وبعض الحنابلة ، كابن تيمية وابن القيم إلى جواز التسعير في أحوال خاصة ، بل وإلى وجوبه أحياناً أخرى [انظر : الهداية للمرغيناني مع فتح القدير والعناية : 8/127 ، بدائع الصنائع 6/297 ، حاشية ابن عابدين : 6/399-400 ، المغني لابن قدامة : 4/ 239-240 ، منتهى الإرادات : 2 /159 ، الأحكام السلطانية للماوردي : ص (256) ، المحلى لابن حزم : 9 /672 ، سبل السلام للصنعاني : 3/32] .

العناصر

1- تعريف التسعير .

2- حكم التسعير .

3- حكم التسعير للحاجة .

4- تسعير أجور الأشخاص والعقارات .

5- حكم أراد أن يزيد عن سعر الناس أو ينقص وهل يلزم بأن يبيع كالناس؟

6- بيان ما يدخله التسعير من المبيعات .

7- مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير فعلى ولي الأمر أن يسعر عليهم .

الايات

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: 29] .

الاحاديث

1- عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله، غلا السعر فسعر لنا، فقال: « إن الله هو المسعر، القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال » [سنن الترمذي البيوع (1314),سنن أبو داود البيوع (3451),سنن ابن ماجه التجارات (2200),مسند أحمد بن حنبل (3/286),سنن الدارمي البيوع (2545) ] .

 

2- عن أبي هريرة قال: جاء رجل فقال : يا رسول الله سعر . فقال : «بل أدعو الله » . ثم جاء رجل آخر فقال : يا رسول الله سعر . فقال : « بل الله يخفض ويرفع » [سنن أبو داود البيوع (3450),مسند أحمد بن حنبل (2/337) ] .

 

3- عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من أعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد » [صحيح البخاري العتق (2386),صحيح مسلم الأيمان (1501),سنن الترمذي الأحكام (1346),سنن النسائي البيوع (4699),سنن أبو داود العتق (3940),سنن ابن ماجه الأحكام (2528),مسند أحمد بن حنبل (2/112),موطأ مالك العتق والولاء (1504) ] .

الاثار

1- عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن أبي بلتعة ، وهو يبيع زبيباً له في السوق ، فقال له عمر : إما أن تزيد في السعر ، وإما أن ترفع من سوقنا [الموطأ للإمام مالك ، ص (279) من رواية الإمام محمد بن الحسن ، و (651) من رواية يحيى الليثي] . فلما رجع عمر حاسب نفسه ، ثم أتى حاطباً في داره ، فقال : إن الذي قلت لك ليس عزمة مني ولا قضاء ، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد ، فحيث شئت فبع ، وكيف شئت فبع .

 

2- قال محمد بن الحسن الشيباني بعد سياقه لأثر عمر مع حاطب بن أبي بلتعة قال: وبهذا نأخذ، لا ينبغي أن يسعر على المسلمين، فيقال لهم: بيعوا كذا وكذا بكذا، أو يجبرون على ذلك، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا [الموطأرواية محمد بن الحسن، ص 341\ طبعة هندية] .

متفرقات

1- قال مالك: "لو أن رجلاً أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس، لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس، وإما رفعت، وأما أن يقال للناس كلهم -يعني لا تبيعوا إلا بسعر كذا- فليس ذلك بالصواب" [انظر: الطرق لحكمية لابن القيم، ص (298)، المغن (4/240)، المحلى لابن حزم: (9/673)].

 

2- قال الشافعي رحمه الله: "إن الناس مسلطون على أموالهم، ليس لأحد أن يأخذها، أو شيئاً منها؛ بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي يلزمهم الأخذ فيها، وهذا ليس منها. والله تعالى يقول: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)" [النساء: 29] [الطرق الحكمية، ص (300)].

 

3- قال قاضي زاده الحنفي: "إن الثمن حق العاقد، فإليه تقديره، فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه، إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة" [العناية للبابرتي على الهداية للمرغيناني: (8/127)].

 

4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة؛ لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء (أجرة)، ولا من يبيع طحيناً وخبزاً، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد، بل يشتريه الناس من الجلابين، ولهذا جاء في الحديث: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون" [أخرجه ابن ماجه في التجارات: (2/728) وفي إسناده: على بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، وعزاه في نصب الراية: (4/261) لإسحاق بن راهويه والدارمي وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسانيدهم، والبيهقي، ورواه العقيلي في الضفاء، وأخرجه مسلم في البيوع، باب تحريم الاحتكار في الأقوات عن معمر بن عبد الله العدوي: (لا يحتكر إلا خاطئ).] وكذلك لم يكن في المدينة حائك، بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما، فيشترونها ويلبسونها) [الطرق الحكمية، ص (298)، آراء ابن تيمية في الدولة للأستاذ محمد المبارك، ص (121)].

 

5- من احتج على منع التسعير مطلقاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر..." قيل له: هذه قضية معينة، وليست لفظاً عاماً، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه، كما جرت به العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه - فهنا لا يسعر عليهم. ثم ضرب أمثلة على جواز إخراج الشيء عن يد مالكه بعوض المثل، وقال: والمقصود أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء من ملك مالكه بعوض المثل لمصلحة تكميل العتق، ولم يُمَّكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة، فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم وهم إليها أضر ؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره [الطرق الحكمية، (303 - 304)].

 

6- قال ابن رشد في البيان والتحصيل: "لا يلام أحد على المسامحة في البيع والحطيطة فيه، بل يشكر على ذلك إن فعله لوجه الناس، ويؤجر إن فعله لوجه الله تعالى" [شرح الزرقاني على الموطأ : (3/299)].

 

7- يقول ابن القيم رحمه الله: "وأبعد الأئمة عن إيجاب المعاوضة وتقديرها هو الشافعي، مع هذا فإنه يوجب على من اضطر الإنسان إلى طعامه أن يبذله بثمن المثل، وتنازع أصحابه في جواز تسعير الطعام إذا كان بالناس حاجة إليه، ولهم فيه وجهان" [الطرق الحكمية، ص (307)، آراء ابن تيمية، ص (124)، وظاهر الأحاديث لا تفرق بين الطعام وغيره، والضرر يكون بإغلاء ثمن الطعام وغيره من الحاجيات].

 

8- قال ابن القيم رحمه الله: "وأما التسعير؛ فمنه ما هو محرم ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس، وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من... المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب. فأما القسم الأول: فمثل ما روي عن أنس: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-... فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم وقد ارتفع السعر - إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق - فهذا إلى الله، فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بحق. وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها - مع ضرورة الناس إليها - إلا بزيادة على القيمة المعروفة؛ فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، والتسعير هاهنا إلزام بالعدل الذي ألزمهم الله به، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته إلزام بالعدل ومنع من الظلم، وهذا كما أنه لا يجوز الإكراه على البيع بغير حق، فيجوز أو يجب الإكراه عليه بحق" [انظر الطرق الحكمية - (1 / 331)].

 

9- قال ابن حبيب من فقهاء المالكية، في صفة التسعير: "ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون ؟ وكيف يبيعون ؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا به... وعلى هذا أجازه من أجازه. ووجه ذلك: أن بهذا يتوصل إلى معرفة مصالح الباعة والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم ولا يكون فيه إجحاف بالناس..." [انظر: المنتقى للباجي، شرح موطأ الإمام مالك: (5/19)].

 

10- قال الرملي: "ويحرم على الإمام أو نائبه ولو قاضيا التسعير في قوت أو غيره" [نهاية المحتاج (3/ 273)].

 

11- قال عبد الرحمن بن قدامة: "وليس للإمام أن يسعر على الناس، بل يبيع الناس أموالهم بما يختارون" [المغني ومعه الشرح الكبير (4/ 51)].

 

12- عن مالك في [العتبية] في صاحب السوق "يسعر على الجزارين لحم الضأن ثلث رطل، ولحم الإبل نصف رطل وإلا أخرجوا من السوق"، قال: "إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس به، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق" [المنتقى شرح الموطأ (5/18)].

 

13- قال مالك: "على الوالي التسعير عام الغلاء" [الدر المنتقى (2/ 548)].

 

14- قال ابن العربي: "وإذا كان السعر فأراد أحد أن يزيد فإن كان جالبا فله أن يبيع كيف شاء، وإن كان بلديا قيل له: بع بسعر الناس أو تخرج من السوق، وكان الخليفة ببغداد إذا غلا السعر أمر بفتح مخازنه، وأن يباع بأقل مما يبيع الناس حتى يرجع الناس إلى ما رسم من الثمن، ثم يأمر أيضا أن يباع بأقل من ذلك حتى يرجع السعر إلى أوله أو إلى القدر الذي يصلح بالناس ويغلب الجالبين والمحتكرين بهذا الفعل، وكان ذلك من حسن نظره" [الأبي على مسلم (4/ 304)].

الإحالات

1- التسعير في الفقه الإسلامي - الحسيني سليمان جاد 22/7 مجلة البحوث الفقهية .

2- التسعير في الفقه الإسلامي وسلطة ولي الأمر - خالد الشريف رسالة علمية من كلية التربية بجامعة الملك سعود 1408 .

3- التسعير ومكانته في السياسة الشرعية - عبد الرحمن آل حسين بحث تكميلي للماجستير من معهد الدعوة والإعلام بالمدينة المنورة 1404 .

4- الطرق الحكمية - ابن القيم .

5- فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم جمع محمد بن قاسم 7/65 مطبعة الحكومة مكة المنورة الطبعة الأولى 1399 .

6- مجلة البيان ( التسعير في الفقه الإسلامي) عثمان ضميرية 26/27 .