تبين
2022-10-04 - 1444/03/08التعريف
يُطلق التثبت في اللغة ويراد به أمور منها:
أ- طلب مـا يكون بـه الثبات علـى الأمر؛ أي: لزومه وعدم التحوُّل عنه أو تجاوزه إلى غيره، وبعبارةٍ أخرى؛ طلب الدليل المُوصِلِ إلى الثبات على الأمر.
ب- التأكُّد من حقيقة ما يعين على الثبات في الأمر، وبعبارة أخرى؛ فحص الدليل الموصل إلى الثبات في الأمر: تقول: أثبتَ الأمَرَ: حقَّقه، صحَّحه، وأثبت الكتابَ: سجَّله، وأثبت الحقَّ: أقـام حُجَّتَه، وأثبت الشيءَ: عرفه حـقَّ المعرفـة.
ج- التأنِّي أو التريُّث وعدم الاستعجال، تقول: تثبَّت في الأمر والرأي، واستثبت: تأنَّى فيه ولم يَعْجَل، واستثبت في أمره: إذا شاور وفحص عنه.
كذلك التبيُّن يطلق في اللغة على نفس المعاني التي يطلق عليها التثبُّت، فهو:
أ- طلب ما يستبين به الأمر، وتنكشف حاله، تقول: تبيَّن الشيءَ، أي تأمَّله حتى اتضح.
ب- هو التأكُّد من حقيقة ما يستبين به الأمر وتنكشف حاله، تقول: تبيَّن الشيءَ: ظهر واتضح (واستبنت الشيءَ: إذا تأملته حتى تبيَّن لك).
ج- وهو التأني أو التريُّث في الأمر، وعدم الاستعجال فيه، تقول: تبيَّن القوم الأمر: تدبروه على مَهَلٍ، غير متعجلين ليظهر لهم جليًّا.
وتبيَّن في أمره: تثبَّت وتأنَّى ويؤكد أن التثبت والتبين معناهما واحد لغةً: استعمال القرآن الكريم، فقد جاء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ)[النساء:94]، "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ" (الحجرات: 6]، وأكثر الكوفيين يقرءون الآية الأولى، وكذلك عامَّة أهل المدينة يقرءون الآية الثانية ژ "فَتَثَبَّتُوا" بدلاً من فَتَبَيَّنُواْ.
وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري "والقول عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، مستفيضتان في قراءة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ؛ لأن المتثبِّت متبيِّن، والمتبين متثبت، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيبٌ صوابَ القراءةِ في ذلك".
كما يقول في موضع آخر: "والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب".
ويقول الشوكاني: "قرأ الجمهور: "فَتَبَيَّنُواْ" من التبيُّن، وقُرِئ: "فَتَثَبَّتُوا" من التثبُّت، والمراد من التبيُّن التعرُّف والتفحُّص ومن التثبت الأَنَاة وعدم العَجَلة والتبصُّر بالأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر.
ويمكن القول: إن هذه الإطلاقات اللغوية الثلاثة لكل من التثبت أو التبين، يمكن أن تُرَدَّ إلى إطلاقٍ واحدٍ، ألا وهو التأنِّي أو التريُّث في الأمر، وعدم الاستعجال فيه، فإن ذلك مطلوب في الحكم على الشيء، وفي طلب دليله، بل وفي فَحْصِ وتأمُّل هذا الدليل، فعدم التثبت أو التبين لغةً يعني: السرعة في الحكم على الشيء دون طلب دليله، ودون فحص وتأمل هذا الدليل"(انظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص78. والمعجم لإبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار (1-93)، ولسان العرب (2-19)، والمعجم الوسيط (1-80).
عدم التثبت أو التبين اصطلاحًا:
أما عدم التثبت أو التبين في الاصطلاح الإسلامي والدعوي، فهو السرعة، أو عدم التأني والتريث، في كل ما يمسُّ المسلمين بل الناس جميعًا من أحكامٍ أو تصوراتٍ، ومن تناقُلٍ وتداوُلٍ لهذه الأحكام وتلك التصورات دون فهمٍ دقيقٍ للواقع، وما يحيط به من ظروف وملابسات.
وإلى هذا أشار القرآن الكريم في تعليقه على حادثة الإفك، حين قال (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النور: 15].
لأن من المعلوم بداهة أن التلقي إنَّما يكون بالأُذُن، ثم يعرض على العقل والقلب، وحينئذ يكون الكلام باللسان أو عدم الكلام، فإذا ما عبَّر القرآن الكريم بأن التلقي إنما كان باللسان، فإنما هي لفتة إلى السرعة، وعدم التأني أو التروِّي في إصدار الحكم، بل في تداوله والتحرك به.
ولقد صوَّر سيد قطب ذلك تصويرًا بديعًا حين قال: (وهي صور فيها الخفَّة والاستهتار، وقلَّة الحَرَج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمـام: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ "لسان يتلقى عن لسان، بلا تدبُّرٍ ولا تروٍّ، ولا فحص ولا إمعانِ نظرٍ، حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا تتملاه الرءوس، ولا تتدبَّره القلـوب "وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ "بأفواهكم لا بوعيكم، ولا بعقلكم، ولا بقلبكم، إنَّما هي كلمات تقذف بها الأفواه قبل أن تستقر في المدارك، وقبل أن تتلقاها العقول..."(انظر: جامع البيان للطبري (5-139، 140)، وتفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا (5-348، 349)، وروح المعاني (5-118)، (26-145) بتصرف ، وفي ظلال القرآن (6-80).
العناصر
1- معنى التثبت والتبين.
2- أهمية حسن الفهم ودقة الاستيعاب للمراد.
3- مظاهر عدم التثبت والتبين.
4- أهمية معرفة أساليب التثبت والتبين.
5- أسباب عدم التثبت والتبين.
6- علاج عدم التثبت والتبين.
الايات
1- قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة:109].
2- قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[البقرة:187].
3- قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً)[النساء:83].
4- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً)[النساء:94].
5- قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)[التوبة: 43].
قوله تعالى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)[التوبة: 114].
6- قوله تعالى: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف: 26-27].
7- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[الإسراء:36].
8- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 4].
9- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[النور:11-17].
10- قوله تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)[النمل:27-28].
11- قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)[ص:21-24].
12- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُشصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)[الحجرات:6].
13- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)[الممتحنة: 10]
الاحاديث
1- عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الهم عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله! أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل إليّ رسول الله صلى الهف عليه وسلم رسولاً إبان كذا وكذا، ليأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ (الإبان) الذي أراد رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول فلم يأته؛ فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا بسرواتِ قومِهِ فقال لهم: إن رسول الله صلى الها عليه وسلم كان وَقَّتَ لي وَقْتًا يُرسلُ إليَّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول صلى الله عليه وسلم الخُلْفُ؛ ولا أرى حبس رسوله إلا من سُخطةٍ كانت؛ فانطلقوا فنأتي رسول صلى الله عليه وسلم. وبعث رسول الهح صلى الهن عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرِقَ، فرجع فأتى رسول الله صلى الهه عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي! فضرب رسول الله صلى الهج عليه وسلم البعث إلى الحارث. فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل من المدينة؛ لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث! فلما غشيهم، قال لهم: إلى من بُعِثتُم؟! قالوا: إليك! قال: ولم؟! قالوا: إن رسول الله صلى الهِ عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمدًا بالحق! ما رأيتُهُ بَتَّةً ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الهى عليه وسلم قال: “منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟!”. قال: لا والذي بعثك بالحق! ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس عليَّ رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ خشيت أن تكون كانت سُخطةً من الله عز وجل ورسوله، قال: فنزلت (الحجرات): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُو5 قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) إلى هذا المكان: (فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[ الحجرات: 8]، (رواه الإمام أحمد في مسنده (4-279)، وقال شعيب الأرناؤوط: (حسن بشواهده دون قصة إسلام الحارث بن ضرار، وهذا إسناد ضعيف لجهالة دينار ولد عيسى). وابن أبي عاصم في الأفراد (4-322-2353)، والطبراني في الكبير (3-310- 311) من طريق محمد بن سابق: ثنا عيسى ابن دينار به.قال الشيخ الألباني : وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في التهذيب. ولذلك قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (إنه من أحسن طرق الحديث). وقال السيوطي في الدر المنثور (6-87): سنده جيد. وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من الإصابة. انظر: السلسلة الصحيحة (9-16).
2- عن أنس بن مالك قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم أو تبسم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “ألا تسألوني من أي شيء ضحكت؟!” فقال: “عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، يقول: يا رب أليس وعدتني أن لا تظلمني؟! قال: بلى، قال: فإني لا أقبل عليّ شهادة شاهد إلا من نفسي، فيقول: أوليس كفى بي شهيدًا وبالملائكة الكرام الكاتبين؟! قال: فيردد هذا الكلام مرات فيختم على فيه وتكلم أركانه بما كان يعمل، فيقول: بعدًا لكم وسحقًا، عنكم كنت أجادل”(مستدرك الحاكم كتاب الأهوال (5-674) برقم 8839، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط مسلم).
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكلِّ ما سمع”(رواه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (1-31) برقم 7).
4- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بلغه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طلَّقَ نساءه، فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناسَ يقولون ذلك، فلم يصبِر حتى استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمه: أطلقت نساءك؟! قال: “لا” فقلت: الله أكبر... الحديث.وعند مسلم: فقلت: أطلَّقتهنَّ؟! فقال: “لا”. فقمتُ على باب المسجد فناديتُ بأعلى صوتي: لم يطلِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. ونزلت الآية[رواه البخاري، كتاب العلم، باب التناوب في العلم (1-46) برقم 89، وصحيح مسلم، كتاب الطلاق باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن.. (4-188) برقم 3764).
5- عن علي رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود فقال: “انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به”، فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، فقلت: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر النبيصلى الهل عليه وسلم فقال: “ما هذا يا حاطب؟”، قال: لا تعجل عليَّ يا رسول الله، إني كنت ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من نسب فيهم أن أتخذ يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر، فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه؛ فإنه قد خان الله ورسوله وقد نافق، فقال رسول الله صلى الها عليه وسلم: “إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، فذرفت عينا عمر. (رواه البخاري:2845، ومسلم:2494).
6- عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم ألْحنُ بحُجَّته من بعضٍ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا بقوله، فإنَّما أقطع له قطعةً من النار، فلا يأخذها" (أخرجه البخاري:٢٦٨٠ ، ومسلم:4).
7- عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي الحرقة، فصحبنا القوم فهزمناهم، ولحقتُ أنا ورجلٌ من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ الأنصاري، فطعنتُه برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟!" قلت: كان متعوِّذًا، فما زال يكررها حتى تمنَّيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. (أخرجه البخاري:4269، ومسلم:158).
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللهُ بها دَرَجاتٍ، وإنّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ"(رواه البخاري:٦٤٧٨).
9- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأدَ البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(رواه البخاري:٢٤٠٨، ومسلم:٥٩٣).
10- عن أبي قلابة عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بئسَ مطيَّةُ الرجلِ زعَموا"(رواه أبو داود:٤٩٧٢، وصححه الألباني).
11- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْواجِهِ، فأيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بها رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- معهُ، قالَتْ عائِشَةُ: فأقْرَعَ بيْنَنا في غَزْوَةٍ غَزاها فَخَرَجَ فِيها سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ما أُنْزِلَ الحِجابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ في هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنا حتّى إذا فَرَغَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن غَزْوَتِهِ تِلكَ وقَفَلَ، دَنَوْنا مِنَ المَدِينَةِ قافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ، فَمَشيتُ حتّى جاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإذا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فالتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغاؤُهُ، قالَتْ: وأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كانُوا يُرَحِّلُونِي، فاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ على بَعِيرِي الذي كُنْتُ أرْكَبُ عليه، وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّساءُ إذْ ذاكَ خِفافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، ولَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إنّما يَأْكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وحَمَلُوهُ، وكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسارُوا، ووَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنازِلَهُمْ وليسَ بها منهمْ داعٍ ولا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنزِلِي الذي كُنْتُ به، وظَنَنْتُ أنّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ، فَبيْنا أنا جالِسَةٌ في مَنزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوانِيُّ مِن وراءِ الجَيْشِ، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنزِلِي، فَرَأى سَوادَ إنْسانٍ نائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجابِ، فاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وجْهِي بجِلْبابِي، وواللَّهِ ما تَكَلَّمْنا بكَلِمَةٍ، ولا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجاعِهِ، وهَوى حتّى أناخَ راحِلَتَهُ، فَوَطِئَ على يَدِها، فَقُمْتُ إلَيْها فَرَكِبْتُها، فانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرّاحِلَةَ حتّى أتَيْنا الجَيْشَ مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وهُمْ نُزُولٌ، قالَتْ: فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلّى كِبْرَ الإفْكِ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، قالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أنّه كانَ يُشاعُ ويُتَحَدَّثُ به عِنْدَهُ، فيُقِرُّهُ ويَسْتَمِعُهُ ويَسْتَوْشِيهِ، وقالَ عُرْوَةُ أيضًا: لَمْ يُسَمَّ مِن أهْلِ الإفْكِ أيضًا إلّا حَسّانُ بنُ ثابِتٍ، ومِسْطَحُ بنُ أُثاثَةَ، وحَمْنَةُ بنْتُ جَحْشٍ، في ناسٍ آخَرِينَ لا عِلْمَ لي بهِمْ، غيرَ أنّهُمْ عُصْبَةٌ، كما قالَ اللهُ تَعالى، وإنّ كِبْرَ ذلكَ يُقالُ له: عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، قالَ عُرْوَةُ: كانَتْ عائِشَةُ تَكْرَهُ أنْ يُسَبَّ عِنْدَها حَسّانُ، وتَقُولُ: إنّه الذي قالَ: فَإنّ أبِي ووالِدَهُ وعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ قالَتْ عائِشَةُ: فَقَدِمْنا المَدِينَةَ، فاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحابِ الإفْكِ، لا أشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ، وهو يَرِيبُنِي في وجَعِي أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- اللُّطْفَ الذي كُنْتُ أرى منه حِينَ أشْتَكِي، إنّما يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فيُسَلِّمُ، ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذلكَ يَرِيبُنِي ولا أشْعُرُ بالشَّرِّ، حتّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مع أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وكانَ مُتَبَرَّزَنا، وكُنّا لا نَخْرُجُ إلّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنا، قالَتْ: وأَمْرُنا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغائِطِ، وكُنّا نَتَأَذّى بالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَها عِنْدَ بُيُوتِنا، قالَتْ: فانْطَلَقْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ، وهي ابْنَةُ أبِي رُهْمِ بنِ المُطَّلِبِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وأُمُّها بنْتُ صَخْرِ بنِ عامِرٍ، خالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُها مِسْطَحُ بنُ أُثاثَةَ بنِ عَبّادِ بنِ المُطَّلِبِ، فأقْبَلْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتي حِينَ فَرَغْنا مِن شَأْنِنا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِها فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَها: بئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقالَتْ: أيْ هَنْتاهْ ولَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قالَتْ: وقُلتُ: ما قالَ؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، قالَتْ: فازْدَدْتُ مَرَضًا على مَرَضِي، فَلَمّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: كيفَ تِيكُمْ، فَقُلتُ له: أتَأْذَنُ لي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ؟ قالَتْ: وأُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِما، قالَتْ: فأذِنَ لي رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتاهُ، ماذا يَتَحَدَّثُ النّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَواللَّهِ لَقَلَّما كانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها، لَها ضَرائِرُ، إلّا كَثَّرْنَ عَلَيْها، قالَتْ: فَقُلتُ: سُبْحانَ اللهِ، أوَلقَدْ تَحَدَّثَ النّاسُ بهذا؟ قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، ثُمَّ أصْبَحْتُ أبْكِي، قالَتْ: ودَعا رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيَّ بنَ أبِي طالِبٍ وأُسامَةَ بنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْأَلُهُما ويَسْتَشِيرُهُما في فِراقِ أهْلِهِ، قالَتْ: فأمّا أُسامَةُ فأشارَ على رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَراءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ لهمْ في نَفْسِهِ، فَقالَ أُسامَةُ: أهْلَكَ، ولا نَعْلَمُ إلّا خَيْرًا، وأَمّا عَلِيٌّ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، والنِّساءُ سِواها كَثِيرٌ، وسَلِ الجارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قالَتْ: فَدَعا رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَرِيرَةَ، فَقالَ: أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟ قالَتْ له بَرِيرَةُ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما رَأَيْتُ عَلَيْها أمْرًا قَطُّ أغْمِصُهُ غيرَ أنّها جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنامُ عن عَجِينِ أهْلِها، فَتَأْتي الدّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قالَتْ: فَقامَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن يَومِهِ فاسْتَعْذَرَ مِن عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، وهو على المِنبَرِ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي عنْه أذاهُ في أهْلِي، واللهِ ما عَلِمْتُ على أهْلِي إلّا خَيْرًا، ولقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلّا خَيْرًا، وما يَدْخُلُ على أهْلِي إلّا مَعِي. قالَتْ: فَقامَ سَعْدُ بنُ مُعاذٍ أخُو بَنِي عبدِ الأشْهَلِ، فَقالَ: أنا يا رَسولَ اللهِ أعْذِرُكَ، فإنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوانِنا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنا فَفَعَلْنا أمْرَكَ، قالَتْ: فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وكانَتْ أُمُّ حَسّانَ بنْتَ عَمِّهِ مِن فَخِذِهِ، وهو سَعْدُ بنُ عُبادَةَ، وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قالَتْ: وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صالِحًا، ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لا تَقْتُلُهُ، ولا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ، ولو كانَ مِن رَهْطِكَ ما أحْبَبْتَ أنْ يُقْتَلَ. فَقامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وهو ابنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فإنّكَ مُنافِقٌ تُجادِلُ عَنِ المُنافِقِينَ، قالَتْ: فَثارَ الحَيّانِ الأوْسُ، والخَزْرَجُ حتّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا، ورَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قائِمٌ على المِنبَرِ، قالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخَفِّضُهُمْ، حتّى سَكَتُوا وسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ يَومِي ذلكَ كُلَّهُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، قالَتْ: وأَصْبَحَ أبَوايَ عِندِي، وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا، لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، حتّى إنِّي لَأَظُنُّ أنّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي، فَبيْنا أبَوايَ جالِسانِ عِندِي وأَنا أبْكِي، فاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصارِ فأذِنْتُ لَها، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبيْنا نَحْنُ على ذلكَ دَخَلَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي مُنْذُ قيلَ ما قيلَ قَبْلَها، وقدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحى إلَيْهِ في شَأْنِي بشيءٍ، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ، يا عائِشَةُ، إنّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذا وكَذا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فاسْتَغْفِرِي اللهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ ثُمَّ تابَ، تابَ اللهُ عليه، قالَتْ: فَلَمّا قَضى رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلتُ لأبِي: أجِبْ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِّي فِيما قالَ: فَقالَ أبِي: واللهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلتُ لِأُمِّي: أجِيبِي رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيما قالَ: قالَتْ أُمِّي: واللهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلتُ: وأَنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ: لا أقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إنِّي واللهِ لقَدْ عَلِمْتُ: لقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الحَدِيثَ حتّى اسْتَقَرَّ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، فَلَئِنْ قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ، لا تُصَدِّقُونِي، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللهُ يَعْلَمُ أنِّي منه بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، فَواللَّهِ لا أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلّا أبا يُوسُفَ حِينَ قالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللهُ المُسْتَعانُ على ما تَصِفُونَ) ثُمَّ تَحَوَّلْتُ واضْطَجَعْتُ على فِراشِي، واللهُ يَعْلَمُ أنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وأنّ اللهَ مُبَرِّئِي ببَراءَتِي، ولَكِنْ واللهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنّ اللهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلى، لَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بأَمْرٍ، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرى رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في النَّوْمِ رُؤْيا يُبَرِّئُنِي اللهُ بها، فَواللَّهِ ما رامَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَجْلِسَهُ، ولا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ، حتّى أُنْزِلَ عليه، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحاءِ، حتّى إنّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمانِ، وهو في يَومٍ شاتٍ مِن ثِقَلِ القَوْلِ الذي أُنْزِلَ عليه، قالَتْ: فَسُرِّيَ عن رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يَضْحَكُ، فَكانَتْ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أنْ قالَ: يا عائِشَةُ، أمّا اللهُ فقَدْ بَرَّأَكِ. قالَتْ: فَقالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ، فَقُلتُ: واللهِ لا أقُومُ إلَيْهِ، فإنِّي لا أحْمَدُ إلّا اللهَ قالَتْ: وأَنْزَلَ اللهُ تَعالى: (إنّ الَّذِينَ جاؤُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ) العَشْرَ الآياتِ، ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ هذا في بَراءَتِي، قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وكانَ يُنْفِقُ على مِسْطَحِ بنِ أُثاثَةَ لِقَرابَتِهِ منه وفَقْرِهِ: واللهِ لا أُنْفِقُ على مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا، بَعْدَ الذي قالَ لِعائِشَةَ ما قالَ، فأنْزَلَ اللهُ: (ولا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُمْ) - إلى قَوْلِهِ - (غَفُورٌ رَحِيمٌ)، قالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلى واللهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كانَ يُنْفِقُ عليه، وقالَ: واللهِ لا أنْزِعُها منه أبَدًا، قالَتْ عائِشَةُ: وكانَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ عن أمْرِي، فَقالَ لِزَيْنَبَ: ماذا عَلِمْتِ، أوْ رَأَيْتِ. فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي، واللهِ ما عَلِمْتُ إلّا خَيْرًا، قالَتْ عائِشَةُ: وهي الَّتي كانَتْ تُسامِينِي مِن أزْواجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَعَصَمَها اللهُ بالوَرَعِ، قالَتْ: وطَفِقَتْ أُخْتُها حَمْنَةُ تُحارِبُ لَها، فَهَلَكَتْ، فِيمَن هَلَكَ قالَ ابنُ شِهابٍ: فَهذا الذي بَلَغَنِي مِن حَديثِ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قالَ عُرْوَةُ، قالَتْ عائِشَةُ: واللهِ إنّ الرَّجُلَ الذي قيلَ له ما قيلَ لَيقولُ: سُبْحانَ اللهِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما كَشَفْتُ مِن كَنَفِ أُنْثى قَطُّ، قالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذلكَ في سَبيلِ اللهِ (رواه البخاري:٤١٤١ ومسلم:٢٧٧٠).
الاثار
1- قال قتادة ررحمه الله: "لا تقل: سمعت، ولم تسمع، ولا تقل: رأيت، ولم تر؛ فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله"(رواه ابن جرير وابن المنذر. انظر: الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (5-286).
2- عن عمرو بن قيس أنه قال: "يقال للأذن يوم القيامة: هل سمعتِ؟! ويقال للعين: هل رأيتِ؟! ويقال للفؤاد مثل ذلك"(رواه ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)[الإسراء: 36].
القصص
1- عن ابن عباس قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منْزلِهِ بِمِنَى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حَجَّةٍ حجها، إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلاً أتى أميرَ المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا؟! فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، فتمَّتْ، فغضب عمرُ، ثم قال: إني ـ إن شاء الله ـ لقائم العشيةَ في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنَّ الموسمَ يجمع رَعاعَ الناس وغوغاءَهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالةً يطيِّرها عنك كل مطيِّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهِل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلتَ متمكنًا، فيعي أهلُ العلم مقالتَك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر ا: والله ـ إن شاء الله ـ لأَقُومنَّ بذلك أوَّلَ مقامٍ أقومُه بالمدينة... الحديث (رواه البخاري:6456).
2- عن جابر بن سلمة أنّ أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر في كلّ شيء حتّى قالوا: لا يحسن يصلّي، فقال سعد: أما إنّي لا آلو أن أصلّي بهم صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أطيل الأوليين، وأحذف الأخريين، فقال: الظّنّ بك يا أبا إسحاق، وكان قد بعث من يسأل عنه بمحالّ الكوفة، فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلّا أثنوا خيرا، حتّى مرّوا بمسجد لبني عبس، فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال:إنّ سعدا كان لا يسير في السّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في الرّعيّة القضيّة. فبلغ سعدا فقال: اللّهمّ إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأدم فقره، وأعم بصره وعرّضه للفتن، قال: فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقط حاجباه على عينيه، يقف في الطّريق فيغمز الجواري، فيقال له، فيقول:شيخ مفتون أصابته دعوة سعد"(البداية والنهاية لابن كثير:8- 78).
3- عن عمر بن عبد العزيز- رحمه اللّه- أنّه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الاية: إ(ِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: 6]، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الاية: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك؟. فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا. (الإحياء للغزالي:3- 156).
متفرقات
1- قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً)[ النساء: 83]إنكارٌ على من يبادر إلى الأمور قبل تحقُّقِها فيخبر بها، ويفشيها، وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.[تفسير ابن كثير (2-365).
2- قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكلِّ ما سمع" قال: "وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان؛ فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدّث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، ومذهب أهل الحق أن الكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، ولا يشترط فيه التعمد، لكن التعمد شرط في كونه إثمًا، والله أعلم"(انظر: مسلم بشرح النووي:1-34).
3- يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً)[ النساء: 83]؛ قال: "والصورة التي يرسمها هذا النص هي صورة جماعة في المعسكر الإسلامي لم تألف نفوسهم النظام، ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر، وفي النتائج التي تترتب عليها، وقد تكون قاصمة؛ لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوى الأحداث، ولم يدركوا جدية الموقف. وإن كلمة عابرة وفلتة لسان قد تجر من العواقب على الشخص ذاته وعلى جماعته كلها ما لا يخطر له ببال، وما لا يتدارك بعد وقوعه بحال، أو ربما لأنهم لا يشعرون بالولاء الحقيقي الكامل لهذا المعسكر، وهكذا لا يعنيهم ما يقع له من جراء أخذ كل شائعة والجري بها هنا وهناك وإذاعتها حين يتلقاها لسان عن لسان، سواء كانت إشاعة أمن أو إشاعة خوف، فكلتاهما قد يكون لإشاعتها خطورة مدمرة؛ فإن إشاعة أمر الأمن مثلاً في معسكر متأهب متيقظ متوقع لحركة من العدو، إشاعة أمر الأمن في مثل هذا المعسكر تحدث نوعًا من التراخي ـ مهما تكن الأوامر باليقظة ـ لأن اليقظة النابعة من التحفز للخطر غير اليقظة النابعة من مجرد الأوامر، وفي ذلك التراخي قد تكون القاضية.
كذلك إشاعة أمر الخوف في معسكر مطمئن لقوته، ثابت الأقدام بسبب هذه الطمأنينة، وقد تحدث إشاعة أمر الخوف فيه خلخلةً وارتباكًا لا ضرورة لها لاتقاء مظان الخوف، وقد تكون كذلك القاضية والقرآن يدل الجماعة المسلمة على الطريق الصحيح: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)[النساء: 83] أي: لو أنهم ردوا ما يبلغهم من أنباء الأمن أو الخوف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان معهم أو إلى أمرائهم المؤمنين، لعلم حقيقته القادرون على استنباط هذه الحقيقة، واستخراجها من ثنايا الأنباء المتناقضة، والملابسات المتراكمة.
فمهمة الجندي الطيب في الجيش المسلم، الذي يقوده أمير مؤمن ـ بشرط الإيمان ذاك وحده ـ حين يبلغ إلى أذنيه خبر، أن يسارع فيخبر به نبيه أو أميره، لا أن ينقله ويذيعه بين زملائه، أو بين من لا شأن لهم به؛ لأن قيادته المؤمنة هي التي تملك استنباط الحقيقة، كما تملك تقرير المصلحة في إذاعة الخبر ـ حتى بعد ثبوته ـ أو عدم إذاعته، وهكذا كان القرآن يربي.. فيغرس الإيمان والولاء للقيادة المؤمنة، ويعلم نظام الجندية في آية واحدة.. بل بعض آية..
فصدر الآية يرسم صورة منفّرة للجندي وهو يتلقى نبأ الأمن أو الخوف فيحمله ويجري متنقلاً مذيعًا له من غير تثبت، ومن غير تمحيص، ومن غير رجعة للقيادة.. ووسطها يعلّم ذلك ويحذرها من اتباع الشيطان الواقف بالمرصاد، الكفيل بإفساد القلوب لولا فضل الله ورحمته (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً)[ في ظلال القرآن (2-723،724).
4- يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ما اعتمد أحد أمرًا إذا همَّ بشي مثل التثبُّت؛ فإنه متى عمل بواقعه من غير تأمل للعواقب، كان الغالب عليه الندم؛ ولهذا أمر الإنسان بالمشاورة؛ لأن الإنسان بالتثبت يطول تفكيره، فتعرض على نفسه الأحوال، وكأنه شاور، وقد قيل: خمير الرأي خير من فطيره، وأشد الناس تفريطًا مَن عَمِل مبادرةً في واقعةٍ من غير تثبُّت ولا استشارةٍ، خصوصًا فيما يوجب الغضبَ، فإنه ينزفه طلب الهلاك واستتبع الندم العظيم، فاللهَ اللهَ؛ التثبُّتَ التثبُّتَ في كل الأمور والنظر في العواقب"(صيد الخاطر ص374).
5- يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) وهي صور فيها الخفَّة والاستهتار، وقلَّة الحَرَج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمـام: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) لسان يتلقى عن لسان، بلا تدبُّرٍ ولا تروٍّ، ولا فحص ولا إمعانِ نظرٍ، حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا تتملاه الرءوس، ولا تتدبَّره القلـوب: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ) بأفواهكم لا بوعيكم، ولا بعقلكم، ولا بقلبكم، إنَّما هي كلمات تقذف بها الأفواه قبل أن تستقر في المدارك، وقبل أن تتلقاها العقول... (في ظلال القرآن:6-80).
6- كان الذهبي رحمه الله يرد بعض الأخبار التي تُروَى فيها نوع من المبالغة، كما قال عما رُوِيَ أنه حُرز من يحضر مجلس ابن الجوزي بمائة ألف: "ولا ريب أن هذا ما وقع، ولو وقع لما قدر أن يُسمِعَهم)، وكما قال عما روي عن أبي منصور أنه أقرأ سبعين ألفًا من العميان: قال رحمه الله: (قلت: هذا مستحيل، والظاهر أنه أراد نفسًا، فسبقه القلم فخط ألفًا"(انظر: سير أعلام النبلاء (19-223)، و(21-37).
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس، ويتعذر على بعضهم"(منهاج السنة:6-3030).
8- قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ)[ النساء: 83] قال: "هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم غير اللائق ، و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ؛ أهل الرأي والعلم والعقل الذين يعرفون المصالح و ضدها.
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم و تحرزا من أعدائهم: فعلوا ذلك.
فإن رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه"(تفسير السعدي).
الإحالات
1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي دار النشر : دار الكتب العلمية - لبنان - 1413هـ ـ 1993م الطبعة : الأولى تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد (5/130) .
2- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي المحقق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى 1420هـ -2000 م (1/194) .
3- سلسلة لقاءات الباب المفتوح هي عبارة عن سلسلة لقاءات كان يعقدها فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - طيب الله ثراه - بمنزله كل خميس. ابتدأ الشيخ هذه اللقاءات في أواخر شوال تقريباً في العام (1412هـ) وانتهت هذه السلسلة في الخميس الرابع عشر من شهر صفر، عام (1421هـ). - واجبنا تجاه الأخبار المشاعة(38/6) .
4- فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف (1/8) .
5- دروس للشيخ نبيل العوضي المؤلف : نبيل بن علي العوضي مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net – أهمية التثبت والتبين في واقع الناس (62/2) .
6- من أمراض الدعاة المؤلف: عصام محمد خضر (1) العجب - حب الرياسة والرغبة في الصدارة - عدم التثبت أو التبين الناشر: دار الصفوة – القاهرة الطبعة الأولى (1/115-169) .
7- الإِعلامُ بـ حُرمةِ أهلِ العلمِ والإِسلامِ المؤلف: محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم الناشر: دارُ طيبة - مَكتبةٌ الكوثر، الرياض الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م (1/359) .
8- الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/123) .
9- قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة المؤلف : د. حمود بن أحمد الرحيلي (1/57) .
10- الخلاف أسبابه وآدابه المؤلف : عائض القرني عدد الصفحات : 42- عدم التثبت في الأقوال والأفعال (1/31) .
11- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود – عدم التثبت واليقين ، التثبت في نقل الأقوال وسماعها والحكم عليها .
12- جرح الرواة وتعديلهم ـالاسس والضوابط رسالة دكتوراه من اعداد محمود عيدان احمد الدليمي بأشراف الدكتور زياد محمود رشيد العاني جامعة بغداد ـ كلية العلوم الاسلامية (4/5) .