تبذير

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

التبذير لغة:

مصدر قولهم: بذّر يبذّر تبذيرا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ر) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس على معنى واحد هو نثر الشّيء وتفريقه، يقال: بذرت البذر أبذره بذرا إذا زرعته وبذّرت المال أبذّره تبذيرا، إذا فرّقته إسرافا، ويقال رجل تبذارة للّذي يبذر ماله ويفسده، ورجل بذور: يذيع الأسرار، وجمعه بذر، وهم القوم لا يكتمون حديثا، ولا يحفظون ألسنتهم، ومن ذلك قول عليّ- رضي اللّه عنه-: ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر، قال ابن فارس: فالمذاييع هم الّذين يذيعون، والبذر هم الّذين ذكرناهم [مقاييس اللغة 1/ 216، والصحاح للجوهري 2/ 587] .

وقال ابن دريد: بذّر الرّجل ماله تبذيرا إذا فرّقه، وبذّر اللّه الخلق: فرّقهم في الأرض [الجمهرة 1/ 250] . وقيل بذّر المال: خرّبه وفرّقه إسرافا [القاموس المحيط (بذر) ص 444 (ط. بيروت)، واكتفى الرازي بالقيد الثاني في التعريف فقال: بذّر المال: فرّقه إسرافا ولم يذكر التّخريب. انظر مختار الصحاح ص 45 (ط. دار الكتب) ] .

وقال ابن منظور: يقال: تفرّق القوم شذر بذر، وشذر بذر، أي في كلّ وجه، وتفرّقت إبله كذلك، وبذّر ماله أفسده وأنفقه في السّرف، وكلّ ما فرّقته وأفسدته، فقد بذّرته، يقال: فيه بذارّة وبذارة (بتشديد الرّاء وتخفيفها) أي تبذير، ورجل تبذارة أي يبذّر ماله ويفسده، وقيل أن ينفق المال في المعاصي، وقيل هو أن يبسط يده في إنفاقه حتّى لا يبقى منه ما يقتاته، وفي حديث عمر- رضي اللّه عنه- ولوليّه أن يأكل منه غير مباذر، المباذر والمبذّر هو المسرف في النّفقة، يقال من ذلك باذر مباذرة، وبذّر تبذيرا، وقول المتنخّل يصف سحابا: مستبذرا يرغب قدّامه.

فسّر بأنّه يفرّق الماء، والبذير من النّاس: الّذي لا يستطيع أن يمسك سرّه، ورجل بذير وبذور، يذيع الأسرار ولا يكتم سرّا [ لسان العرب 4/ 50 (ط. دار المعارف) ]، وفي حديث فاطمة- رضي اللّه عنها- عند وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت عائشة- رضي اللّه عنها-: إنّي إذن لبذرة: البذر هو الّذي يفشي السّرّ ويظهر ما يسمعه [النهاية لابن الأثير 1/ 110] . وبذرت الكلام بين النّاس (أي فرّقته) كما تبذر الحبوب والمعنى: أفشيته ويقال: تبذّر الماء، إذا تغيّر واصفرّ، قال ابن مقبل: تنفي الدّلاء بآجن متبذّر.

المتبذّر: المتغيّر الأصفر، وقولهم: كثير بثير وبذير، بذير قيل إتباع، وقيل لغة  [لسان العرب 4/ 51] .

أمّا التّبذير في قول اللّه تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) [الاسراء: 26].

فقد ذكر الطّبريّ أنّ أصل التّبذير هو الإنفاق في السّرف ومنه قول الشّاعر:

أناس أجارونا فكان جوارهم *** أعاصير من فسق العراق المبذّر  [تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 53] .

وقال القرطبيّ: المعنى: لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ [تفسير القرطبي 10/ 247] . ومن ثمّ يكون التّبذير المقصود في الآية الكريمة: هو النّفقة في غير وجوه البرّ الّتي يتقرّب بها إلى اللّه تعالى، وقال ابن كثير: لمّا أمر المولى سبحانه بالإنفاق في صدر الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) نهى عن الإسراف في الإنفاق بأن يكون وسطا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) [الفرقان: 67] [تفسير ابن كثير 3/ 39] .

التبذير اصطلاحا:

قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف [التوقيف على مهمات التعاريف ص 9، والتعريفات للجرحاني ص 52] . وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكلّ مضيّع لماله [انظر المفردات للراغب ص 52 (ت محمد أحمد خلف اللّه) ]، فتبذير البذر تفريق في الظّاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه ونقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه اللّه- قوله: التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير [تفسير القرطبي 10/ 247] .

وروي عن الإمام مالك- رضي اللّه عنه- قوله: التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه.

 

العناصر

 

1- معنى التبذير .

 

 

2- حكم التبذير .

 

 

3- جعل الله المال لتيسير الحياة على الناس، وأمرهم بالاستمتاع بالطيبات في اعتدال بلا إسراف ولا تبذير .

 

 

4- الدوافع الباعثة على الإسراف .

 

 

5- صور من التبذير في الإنفاق الذي ذمه الإسلام .

 

 

6- السخاء بلا تبذير، والإنفاق بلا تقتير من أعظم مفاتيح قلب الزوجة .

 

 

7- حث الإسلام على الإنفاق بلا تبذير .

 

 

8- من مضار التبذير وعواقبه .

 

 

9- الوسائل والطرق لعلاج التبذير .

 

 

10- أهمية شكر نعم الله تعالى .

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء:26-27].

 

2- قوله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً * وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) [النساء:5- 6].

 

3- قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام:141].

 

4- قوله تعالى: (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].

 

5- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان:67].

الاحاديث

1- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: أتى رجل من بني تميم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه؛ إنّي ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك وتعرف حقّ المسكين والجار والسّائل" فقال: يا رسول اللّه؛ أقلل لي. فقال: "آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا ". فقال: يا رسول اللّه؛ إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى اللّه ورسوله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدّلها" [ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 63) وقال: رواه أحمد في المسند وهو فيه في (3/ 136)، والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند الإمام أحمد(12417): رجاله ثقات رجال الشيخين].

 

2- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: "كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذّر ولا متأثّل " [رواه النسائي (2/ 216)، وأبو داود (2872)، وصححه الألباني- صحيح سنن أبي داود].

الاثار

1- عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدّقت (به)، فهو لك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظّ الشّيطان. [الدّر المنثور (5/ 275)].

 

2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) قال: هم الّذين ينفقون المال في غير حقّه. [الدّر المنثور (5/ 274)].

 

3- قال قتادة- رحمه اللّه تعالى-: التّبذير: النّفقة في معصية اللّه تعالى وفي غير الحقّ وفي الفساد. [تفسير ابن كثير (3/ 39)].

 

4- وقال مجاهد- رحمه اللّه تعالى-: لو أنفق إنسان ماله كلّه في الحقّ لم يكن مبذّرا، ولو أنفق مدّا في غير حقّ كان مبذّرا. [تفسير ابن كثير (3/ 39)].

 

5- قال السّدّيّ- رحمه اللّه تعالى- في قوله تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً(أي لا تعط مالك كلّه. [الدر المنثور (5/ 274)].

 

6- قال وهب بن منبّه- رحمه اللّه تعالى- : من السّرف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب ممّا ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو التّبذير. [الدر المنثور (5/ 274، 275(].

 

7- عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ التَّبْذِيرِ، فَقَالَ: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ [المصنف في الأحاديث والآثار المؤلف: أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235هـ) المحقق: كمال يوسف الحوت الناشر: مكتبة الرشد – الرياض الطبعة: الأولى، 1409 رقم : (26599)].

 

8- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنهما مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف... [ينظر: ابن مفلح المقدسي - الآداب الشرعية والمنح المرعية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، (1391هـ)، ج (3/201)].

الاشعار

1- رحم الله من قال:

بينَ تبذيرٍ وبخلٍ رتبةً *** فكلا هذينِ إنْ زادَ قتلْ

[الأنوار الساطعات لآيات جامعات تَأْلِيفُ : الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض (سابقًا) (1/429)].

 

2- وقال الآخر:

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

[الأنوار الساطعات لآيات جامعات تَأْلِيفُ : الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ (1/429)].

متفرقات

1- ذكر الطّبريّ في قول اللّه تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) [الاسراء: 26] أنّ أصل التّبذير هو الإنفاق في السّرف ومنه قول الشّاعر:

أناس أجارونا فكان جوارهم *** أعاصير من فسق العراق المبذّر

وقال المعنى: أي لا تفرّق يا محمّد ما أعطاك اللّه من مال في معصيته تفريقا. [تفسير الطبري (مجلد 8 ج 15 ص 53)].

 

2- قال القرطبيّ في قول اللّه تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) [الاسراء: 26] المعنى: لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ، وقال: من أنفق ماله في الشّهوات زائدا على قدر الحاجات وعرّضه بذلك للنّفاد فهو مبذّر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الرّقبة (أي الأصل) فليس بمبذّر، وقال أيضاً: من أنفق ماله في الشّهوات زائدا على قدر الحاجات وعرّضه بذلك للنّفاد فهو مبذّر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الرّقبة (أي الأصل) فليس بمبذّر، وقال- رحمه اللّه تعالى- في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) المعنى أنّهم في حكمهم، إذ المبذّر ساع في إفساد كالشّياطين، أو أنّهم يفعلون ما تسوّل لهم أنفسهم (كما تسوّل الشّياطين فعل الشّرّ)، أو أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار [تفسير القرطبي (10/ 247،248)].

 

3- قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف[التوقيف على مهمات التعاريف ص 9، والتعريفات للجرحاني ص 52].

 

4- قال ابن كثير: لمّا أمر المولى سبحانه بالإنفاق في صدر الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ..( نهى عن الإسراف في الإنفاق بأن يكون وسطا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى.. (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) [الفرقان:67]، وقال أيضاً: قال اللّه تعالى منفّرا عن التّبذير والسّرف: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) أي أشباههم في ذلك أي في التّبذير والسّفه وترك طاعته وارتكاب معصيته، ولذلك قال (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) أي جحودا لأنّه أنكر نعمة اللّه عليه ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته [تفسير ابن كثير (3/ 39 ،40)].

 

5- نقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه اللّه- قوله: التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير. وروي عن الإمام مالك- رضي اللّه عنه- قوله:التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه. [تفسير القرطبي (10/ 247)].

 

6- قال الكفويّ: الإسراف: هو صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي، أمّا التّبذير فإنّه صرف الشّيء فيما لا ينبغي وأيضا فإنّ الإسراف تجاوز في الكمّيّة إذ هو جهل بمقادير الحقوق، والتّبذير تجاوز في موضع الحقّ، إذ هو جهل بمواقعها (أي الحقوق)، يرشد إلى هذا قول اللّه سبحانه في تعليل (النّهي عن) الإسراف (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141]، وقوله عزّ وجلّ في تعليل النّهي عن التّبذير: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) [الإسراء:27]. فإنّ تعليل الثّاني فوق الأوّل. [الكليات للكفوي (1/172)].

 

7- قال أبو حيّان- رحمه اللّه تعالى-: في قوله تعالى: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) نهى اللّه تعالى عن التّبذير، وكانت الجاهليّة تنحر إبلها وتتياسر عليها، وتبذّر أموالها في الفخر والسّمعة وتذكر ذلك في أشعارها فنهى اللّه تعالى عن النّفقة في غير وجوه البرّ، وما يقرّب منه تعالى).وقال- رحمه اللّه تعالى- أيضا: وأخوّة المبذّرين للشّياطين في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ.. الآية) تعني كونهم قرناءهم في الدّنيا، وفي النّار في الآخرة، وتدلّ هذه الأخوّة على أنّ التّبذير هو في معصية اللّه تعالى (أو المعنى) أنّهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدّنيا. [تفسير البحر المحيط (6/27)].

 

8- قال ابن الجوزيّ- رحمه اللّه تعالى: العاقل يدبّر بعقله معيشته في الدّنيا، فإن كان فقيرا اجتهد في كسب وصناعة تكفّه عن الذّلّ للخلق، وقلّل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليما من منن النّاس عزيزا بينهم وإن كان غنيّا فينبغي له أن يدبّر في نفقته خوف أن يفتقر فيحتاج إلى الذّلّ للخلق، ومن البليّة أن يبذّر في النّفقة ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنّه يتعرّض بذلك- إن أكثر- لإصابته بالعين، وينبغي التّوسّط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، ولقد وجد بعض الغسّالين مالا، فأكثر النّفقة، فعلم به، فأخذ منه المال، وعاد إلى الفقر، وإنّما التّدبير حفظ المال، والتّوسّط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره. [صيد الخاطر (-صلى الله عليه وسلم-:610)].

 

9- يقول محيي الدين مستو في كتابه (الطعام والشراب بين الاعتدال والإسراف). إذا كانت التخمة تمرض وتميت، فإن الحرمان يمرض النفس ويفتر عن العبادة أما الوسطية فإنها تنشط النفس وتظهر روحانيتها. فالاعتدال توسط بين التقتير والإسراف، وبين البخل والإنفاق الزائد عن الحلال في المأكل والمشرب. وقد حث رسول الله عليه السلام على الاعتدال وحض على التقلل من الطعام والشراب، فقال عليه الصلاة والسلام: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد" [صحيح البخاري الأطعمة (5393)، صحيح مسلم الأشربة (2060)]، [الطعام والشراب (ص 27)].

 

10- إن الإسراف والتبذير والترف والمباهاة سلوكيات استهلاكية خطيرة دخلت مع الأسف حياة الناس وشملت معظم جوانب الحياة المختلفة، فهناك التنويع في الأطعمة والأشربة في الدعوات العامة والمناسبات وولائم الأعراس التي تكلف أموالا طائلة، وهناك الموائد المفتوحة المشتملة على أصناف عديدة، لقاء مبالغ محددة عن كل شخص وهناك الولائم المخصصة في حالات الوفاة والمآتم. فيا عجبا من مجتمع يقيم الأفراح والولائم والمجتمعات المسلمة تعاني من الأحزان والمآتم، وقديما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمته المشهورة: ما جاع فقير إلا بما تمتع غني [مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (60/359)].

الإحالات

1- موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29 جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن والسنة (6/149، 36/200) .

2- الأنوار الساطعات لآيات جامعات تَأْلِيفُ : الفَقِير إلى عَفْوِ رَبِّهِ عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض (سابقًا) (1/429)

3- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (14/64) .

4- الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م .

5- شعب الإيمان المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ) حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية ببومباي – الهند الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003 م (8/491) .

6- فتح الباري المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) المحقق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر : دار الفكر ( مصور عن الطبعة السلفية (9/556، 15/327) .

7- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : الملا على القاري للعلامة الشيخ ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي مع شرحه مرعاة المفاتيح للشيخ أبي الحسن عبيدالله بن العلامة محمد عبدالسلام المباركفوري حفظه الله (6/237) – باب النفقة .

8- الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت عدد الأجزاء : 45 جزءا الطبعة : ( من 1404 - 1427 هـ) (4/187، 10/58) .

9- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - معها ملحق بتراجم الأعلام والأمكنة المؤلف : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (60/339) .

10- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين المؤلف : محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى : 1332هـ) المحقق : مأمون بن محيي الدين الجنان الناشر : دار الكتب العلمية سنة النشر: 1415 هـ - 1995 م (1/219) .

11- فقه التعامل مع السفهاء في ضوء القرآن الكريم من خلال سورتي البقرة والنِّساء د. عبده محمد يوسف (1/9) .

12- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (9/4113) .

13- مجلة المقتبس أصدرها: محمد بن عبد الرزاق بن محمَّد، كُرْد عَلي (المتوفى: 1372هـ) - تبذير الكبراء (16/1) .