بيعة
2022-10-09 - 1444/03/13التعريف
اللغة: قال ابن منظور: "البيعة؛ الصفقة على إيجاب البيع وعلى المبايعة والطاعة، والبيعة المبايعة والطاعة، وقد تبايعوا على الأمر؛ كقولك أصفقوا عليه، وبايعه عليه مبايعة؛ عاهده، وبايعته من البيع والبيعة جميعا والتبايع مثله، والبيعة بالكسر كنيسة النصارى، وقيل: كنسية اليهود، والجمع ِبيع، وهو قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)[الحج:40] (ابن منظور:1-557).
وفي المعجم الوسيط: "البيعة هي التولية وعقدها"(4-79).
وقال ابـن الأثير: "إن البيعة عبارة عن المعـاقدة والمعـاهدة ، كأن كل واحد منهما بـاع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره"(النهاية في غريب الحديث والأثر، دار
ابن الجوزي،)1421هـ(، ط1).
وقال الراغب الأصفهاني: "وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة"(النهاية في غريب الحديث والأثر:1-86).
لها معان فتطلق على المبايعة على الطاعة، وتطلق على الصفقة من صفقات البيع. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)[الفتح:10]. وقال -صلى الله عليه وسلم- لمجاشع عندما سأله علام تبايعنا؟ قال: "على الإسلام والجهاد". وهي عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، وفي الاصطلاح كما عرفها ابن خلدون في المقدمة: العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي"(تاريخ ابن خلدون:1-261).
قال القلقشندي: "البيعة هي أن يجتمع أهل الحل والعقد ويعقدون الإمامة لمن يجمع شرائطها"(مآثر الأنافة في معالم الخلافة:1-39).
العناصر
1- رحمة الله للأمة بحفظها بإمام يقودها
2- اعتناء السلف بأمر الولاية العامة اجتناباً للفتن
3- مقتضيات البيعة وحقوقها
4- منهج أهل السنة في التعامل مع الأئمة
5- نعمة الأمن ووجوب المحافظة عليها
6- من المخالفات في شأن معاملة الحكام
7- من حقوق الرعية على وليّ أمرهم
الايات
1- قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التّوبَة:111].
2- قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح:10].
3- قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18].
4- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة:12].
الاحاديث
1- عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَ: وحَوْلَهُ عِصابَةٌ مِن أصْحابِهِ: تَعالَوْا بايِعُونِي على أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولا تَسْرِقُوا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ، ولا تَأْتُوا ببُهْتانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ، ولا تَعْصُونِي في مَعروفٍ، فمَن وفى مِنكُم فأجْرُهُ على اللَّهِ، ومَن أصابَ مِن ذلكَ شيئًا فَعُوقِبَ به في الدُّنْيا فَهو له كَفّارَةٌ، ومَن أصابَ مِن ذلكَ شيئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فأمْرُهُ إلى اللَّهِ، إنْ شاءَ عاقَبَهُ، وإنْ شاءَ عَفا عنْه قالَ: فَبايَعْتُهُ على ذلكَ (رواه البخاري:٣٨٩٢).
2- عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- خرَجْنا في حُجَّاجِ قَوْمِنا مِن المشرِكِينَ، وقد صلَّيْنا وفَقِهْنا، ومعنا البَرَاءُ بنُ مَعْرورٍ، كبيرُنا وسيِّدُنا، فلمَّا توجَّهْنا لسفَرِنا وخرَجْنا مِن المدينةِ، قال البَرَاءُ لنا: يا هؤلاء، إنِّي قد رأَيتُ واللهِ رأيًا، وإنِّي واللهِ ما أدري توافِقوني عليه أم لا، قال: قُلْنا له: وما ذاكَ؟ قال: قد رأَيتُ ألَّا أدَعَ هذه البَنِيَّةَ منِّي بظَهْرٍ -يَعنِي الكعبةَ- وأنْ أصلِّيَ إليها، قال: فقُلْنا: واللهِ، ما بلَغَنا أنَّ نبيَّنا يُصلِّي إلَّا إلى الشامِ، وما نُرِيدُ أنْ نخالِفَهُ، فقال: إنِّي أصلِّي إليها، قال: فقُلْنا له: لكنَّا لا نَفعَلُ، فكنَّا إذا حضَرَتِ الصلاةُ، صلَّيْنا إلى الشامِ، وصلَّى إلى الكعبةِ، حتى قَدِمْنا مكَّةَ، قال أخي: وقد كنَّا عِبْنَا عليه ما صنَعَ، وأبَى إلا الإقامةَ عليه، فلمَّا قَدِمْنا مكَّةَ، قال: يا بنَ أخي، انطلِقْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاسأَلْهُ عمَّا صنَعْتُ في سفَري هذا؛ فإنَّه واللهِ قد وقَعَ في نفسي منه شيءٌ لِمَا رأَيْتُ مِن خلافِكم إيَّايَ فيه، قال: فخرَجْنا نَسألُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكنَّا لا نَعرِفُهُ، لم نرَهُ قبْلَ ذلك، فلَقِيَنا رجُلٌ مِن أهلِ مكَّةَ، فسأَلْناه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: هل تَعرِفانِهِ؟ قال: قُلْنا: لا، قال: فهل تَعرِفانِ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ عمَّهُ؟ قُلْنا: نَعمْ، قال: وكنَّا نَعرِفُ العبَّاسَ، كان لا يَزالُ يَقدَمُ علينا تاجرًا، قال: فإذا دخَلْتُما المسجِدَ، فهو الرَّجُلُ الجالسُ مع العبَّاسِ، قال: فدخَلْنا المسجِدَ، فإذا العبَّاسُ جالسٌ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معه جالسٌ، فسلَّمْنا، ثمَّ جلَسْنا إليه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للعبَّاسِ: هل تَعرِفُ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يا أبا الفضلِ؟ قال: نَعمْ، هذا البَرَاءُ بنُ مَعْرورٍ سيِّدُ قَوْمِهِ، وهذا كعبُ بنُ مالكٍ، قال: فواللهِ، ما أنسَى قولَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الشاعرُ؟ قال: نَعمْ، قال: فقال البَرَاءُ بنُ مَعْرورٍ: يا نبيَّ اللهِ، إنِّي خرَجْتُ في سفَري هذا، وهدَاني اللهُ للإسلامِ، فرأَيْتُ ألَّا أَجعَلَ هذه البَنِيَّةَ منِّي بظَهْرٍ، فصلَّيْتُ إليها، وقد خالَفَني أصحابي في ذلك، حتى وقَعَ في نفسي مِن ذلك شيءٌ، فماذا تَرى يا رسولَ اللهِ؟ قال: لقد كنتَ على قِبْلةٍ لو صبَرْتَ عليها! قال: فرجَعَ البَرَاءُ إلى قِبْلةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فصلَّى معنا إلى الشامِ، قال: وأهلُهُ يَزعُمُون أنَّه صلَّى إلى الكعبةِ حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلَمُ به منهم، قال: وخرَجْنا إلى الحجِّ، فواعَدَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العقَبةَ مِن أوسَطِ أيَّامِ التشريقِ، فلمَّا فرَغْنا مِن الحجِّ، وكانت الليلةُ التي وعَدَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومعنا عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ حرامٍ أبو جابرٍ، سيِّدٌ مِن سادتِنا، وكنَّا نَكتُمُ مَن معنا مِن قَوْمِنا مِن المشرِكِينَ أَمْرَنا، فكلَّمْناه، وقُلْنا له: يا أبا جابرٍ، إنَّك سيِّدٌ مِن سادتِنا، وشريفٌ مِن أشرافِنا، وإنَّا نَرغَبُ بك عمَّا أنت فيه؛ أنْ تكونَ حطَبًا للنارِ غدًا، ثمَّ دعَوْتُهُ إلى الإسلامِ، وأخبَرْتُهُ بميعادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسلَمَ وشَهِدَ معنا العقَبةَ، وكان نَقِيبًا، قال: فنِمْنا تلك الليلةَ مع قَوْمِنا في رِحالِنا، حتى إذا مضَى ثُلُثُ الليلِ، خرَجْنا مِن رِحالِنا لميعادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَتسلَّلُ مُستَخْفِينَ تَسلُّلَ القَطَا، حتى اجتمَعْنا في الشِّعْبِ عند العقَبةِ، ونحن سبعون رجُلًا، ومعنا امرأتانِ مِن نسائِهم: نُسَيبةُ بنتُ كَعْبٍ، أمُّ عُمَارةَ، إحدى نساءِ بني مازنِ بنِ النجَّارِ، وأسماءُ بنتُ عمرِو بنِ عَدِيِّ بنِ ثابتٍ، إحدى نساءِ بني سَلِمةَ، وهي أمُّ مَنِيعٍ، قال: فاجتمَعْنا بالشِّعْبِ نَنتظِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتى جاءنا ومعه يومئذٍ عمُّهُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ، وهو يومئذٍ على دِينِ قومِهِ، إلَّا أنَّه أحَبَّ أنْ يَحضُرَ أمرَ ابنِ أخيه، ويَتوثَّقَ له، فلمَّا جلَسْنا، كان العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ أوَّلَ متكلِّمٍ، فقال: يا مَعشَرَ الخَزْرجِ -قال: وكانت العرَبُ ممَّا يُسَمُّون هذا الحيَّ مِن الأنصارِ الخَزْرجَ؛ أَوْسَها وخَزْرَجَها- إنَّ محمَّدًا منَّا حيث قد عَلِمْتُم، وقد منَعْناه مِن قَوْمِنا ممَّن هو على مِثلِ رَأْيِنا فيه، وهو في عِزٍّ مِن قَوْمِهِ، ومنَعةٍ في بلَدِهِ، قال: فقُلْنا: قد سَمِعْنا ما قلتَ، فتكلَّمْ يا رسولَ اللهِ، فخُذْ لنفسِكَ ولرَبِّكَ ما أحبَبْتَ، قال: فتكلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتلَا ودعَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ورغَّبَ في الإسلامِ، قال: أبايِعُكم على أن تَمنَعوني ممَّا تَمنَعون منه نِساءَكم وأبناءَكم، قال: فأخَذَ البَرَاءُ بنُ مَعْرورٍ بيدِهِ، ثمَّ قال: نَعمْ والذي بعَثَكَ بالحقِّ، لَنَمنَعَنَّكَ ممَّا نَمنَعُ منه أُزُرَنا، فبايِعْنا يا رسولَ اللهِ؛ فنَحْنُ أهلُ الحروبِ، وأهلُ الحلَقةِ، وَرِثْناها كابرًا عن كابرٍ، قال: فاعترَضَ القولَ -والبَرَاءُ يُكلِّمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أبو الهَيْثمِ بنُ التَّيِّهانِ حليفُ بني عبدِ الأشهَلِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ بَيْننا وبَيْنَ الرِّجالِ حِبالًا، وإنَّا قاطِعُوها -يَعنِي العهودَ- فهل عسَيْتَ إنْ نحن فعَلْنا ذلك، ثمَّ أظهَرَكَ اللهُ أن تَرجِعَ إلى قَوْمِكَ وتدَعَنا؟ قال: فتبسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قال: بل الدَّمُ الدَّمُ، والهَدْمُ الهَدْمُ، أنا منكم، وأنتم مِنِّي، أُحارِبُ مَن حارَبْتُم، وأُسالِمُ مَن سالَمْتُم، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أخرِجُوا إلَيَّ منكم اثنَيْ عشَرَ نَقِيبًا يكونون على قَوْمِهم، فأخرَجُوا منهم اثنَيْ عشَرَ نَقِيبًا، منهم تِسعةٌ مِن الخَزْرجِ، وثلاثةٌ مِن الأَوْسِ. وأمَّا مَعبَدُ بنُ كَعْبٍ، فحدَّثَني في حديثِهِ، عن أخيه، عن أبيه كَعْبِ بنِ مالكٍ قال: كان أوَّلَ مَن ضرَبَ على يدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ البَرَاءُ بنُ مَعْرورٍ، ثمَّ تتابَعَ القومُ، فلمَّا بايَعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، صرَخَ الشيطانُ مِن رأسِ العقَبةِ بأبعَدِ صوتٍ سَمِعْتُهُ قطُّ: يا أهلَ الجَبَاجِبُ -والجَبَاجِبُ: المَنازِلُ- هل لكم في مُذمَّمٍ والصُّبَاةِ معه؟ قد أجمَعُوا على حَرْبِكم -قال عليٌّ، يَعنِي ابنَ إسحاقَ: ما يقولُ عدوُّ اللهِ: محمَّدٌ- فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا أزَبُّ العقَبةِ، هذا ابنُ أزيَبَ، اسمَعْ أيْ عدوَّ اللهِ، أمَا واللهِ، لَأفرُغَنَّ لك، ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارفَعُوا إلى رِحالِكم، قال: فقال له العبَّاسُ بنُ عُبادةَ بنِ نَضْلةَ: والذي بعَثَكَ بالحقِّ، لئنْ شِئْتَ لَنُمِيلَنَّ على أهلِ مِنًى غدًا بأسيافِنا، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لم أُؤمَرْ بذلك، قال: فرجَعْنا فنِمْنا حتى أصبَحْنا، فلمَّا أصبَحْنا، غدَتْ علينا جِلَّةُ قُرَيشٍ حتى جاؤُونا في مَنازِلِنا، فقالوا: يا مَعشَرَ الخَزْرجِ، إنَّه قد بلَغَنا أنَّكم قد جِئْتُم إلى صاحبِنا هذا تَستخرِجونه مِن بَيْنِ أظهُرِنا، وتبايِعُونه على حَرْبِنا، واللهِ، إنَّه ما مِن العرَبِ أحدٌ أبغَضَ إلينا أنْ تَنشَبَ الحربُ بَيْننا وبَيْنه منكم، قال: فانبعَثَ مَن هنالك مِن مشرِكِي قَوْمِنا، يَحلِفون لهم باللهِ ما كان مِن هذا شيءٌ، وما عَلِمْناه، وقد صدَقُوا؛ لم يَعلَموا ما كان منَّا، قال: فبعضُنا يَنظُرُ إلى بعضٍ، قال: وقام القومُ، وفيهم الحارثُ بنُ هشامِ بنِ المغيرةِ المَخْزوميُّ، وعليه نَعْلانِ جديدانِ، قال: فقلتُ كلمةً كأنِّي أُرِيدُ أن أُشرِكَ القومَ بها فيما قالوا: ما تَستطيعُ يا أبا جابرٍ وأنت سيِّدٌ مِن سادتِنا أنْ تتَّخِذَ نَعْلَيْنِ مِثلَ نَعْلَيْ هذا الفتى مِن قُرَيشٍ، فسَمِعَها الحارثُ، فخلَعَهما، ثمَّ رمَى بهما إلَيَّ، فقال: واللهِ، لَتَنتعِلَنَّهما، قال: يقولُ أبو جابرٍ: أَحْفَظْتَ -واللهِ- الفتَى، فاردُدْ عليه نَعْلَيْهِ، قال: فقلتُ: واللهِ، لا أرُدُّهما، فَأْلٌ واللهِ صالحٌ، واللهِ، لئنْ صدَقَ الفَأْلُ، لَأسلُبَنَّهُ. (أخرجه أحمد:١٥٧٩٨، وقال شعيب الأرنؤوط: قوي).
3- عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- نِمنا تلكَ الليلَةَ – ليلةَ العقَبَةِ – مع قومِنا في رحالِنا، حتّى إذا مضى ثُلثُ اللَّيلِ، خرَجنا مِن رحالِنا لميعادِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، نتسلَّلُ تَسلُّلَ القَطا مُستَخفينَ، حتّى اجتمَعنا في الشِّعبِ عندَ العَقبَةِ، ونحنُ ثلاثةٌ وسَبعون رجُلًا، ومعَنا امرأتانِ من نسائِنا، نَسيبَةُ بنتُ كَعبٍ وأسماءُ بنتُ عمرِو بنِ عدِيٍّ. فلمّا اجتمَعنا في الشِّعبِ ننتَظِرُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، جاءَنا ومعَهُ العبّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ، وهو يومَئذٍ على دينِ قومِهِ، إلّا أنَّهُ أحبَّ أن يحضُرَ أمرَ ابنَ أخيهِ ويستوثِقَ لهُ، فلمّا جلَس كان أوَّلَ متكَلِّمٍ، قال: يا معشَرَ الخَزرَجِ إنَّ محمَّدًا منّا حيثُ قد علِمتُم، وقد منَعناهُ مِن قومِنا مِمَّنْ هو على مثلِ رأينا فيهِ، فهو في عزَّةٍ من قومِه ومنَعَةٍ في بلدِهِ، وإنَّهُ قد أبى إلّا الانحيازَ إليكُم واللُّحوقَ بكُم، فإن كنتُم تَرَونَ أنَّكُم وافونَ لهُ بما دَعوتُموه إليهِ، ومانِعوهُ ممَّن خالَفَهُ، فأنتُم وما تحمَّلتُم من ذلكَ ! ! وإِن كنتُم ترَون أنَّكُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بعدَ الخروجِ إليكُم، فمِنَ الآنَ فدَعوهُ فإنَّهُ في عزَّةٍ ومنعَةٍ مِن قومِهِ وبلَدِهِ... قال كعبٌ: فقُلنا لهُ: قَد سمِعنا ما قلتَ فتكَلَّم يا رسولَ اللهِ، فخُذ لنَفسِكَ وربِّكَ ما أحبَبتَ، فتكلَّمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فتلا القُرآنَ، ودعا إلى اللهِ، ورغَّبَ في الإسلامِ، ثُمَّ قالَ: أبايعُكُم على أَن تمنَعوني مِمّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءكُمْ. قال كعبٌ: فأخذَ البراءُ بنُ مَعرورٍ بيدِهِ وقالَ: نعَم، فوالَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنمنعنَّكَ ممّا نمنَعُ أزُرَنا، فبايِعنا يا رسولَ اللهِ، فنحنُ – واللهِ - أبناءُ الحروبِ، ورِثناها كابرًا عن كابرٍ، فاعتَرضَ هذا القولَ – والبراءُ يكلِّمُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- - أبو الهيثَمِ بنُ التَّيهانِ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إن بَيننا وبينَ الرِّجالِ – يعني اليهودَ – حبالًا وإنّا قاطعوها، فهل عَسيتَ إن فَعلنا ذلكَ ثمَّ أظهرَكَ اللهُ أن ترجِعَ إلى قومِكَ وتدَعَنا قالَ: فتبسَّمَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: بلِ الدَّمَ الدَّمَ والهدمَ الهدمَ، أنا منكُم وأنتُم مِنِّي، أحارِبُ مَن حاربتُم وأسالِمُ مَن سالمتُم... وأمرَهُم رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أن يُخرِجوا منهُم اثنَي عَشرَ نقيبًا يكونونَ على قومِهم بما فيهِم، فأخرجوا منهُم النُّقباءَ، تِسعةً من الخزرَجِ وثلاثةً مِن الأَوسِ (فقه السيرة:١٤٩، صححه الألباني)
4- عن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أنَّهُ بايَعَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ الشَّجَرَةِ (رواه البخاري:٤١٧١).
5- عن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه-، عن أبِيهِ، أنَّه كانَ مِمَّنْ بايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَرَجَعْنا إلَيْها العامَ المُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنا. (رواه البخاري:٤١٦٤).
6- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، ولا يَنْظُرُ إليهِم، ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ على فَضْلِ ماءٍ بالفَلاةِ يَمْنَعُهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، ورَجُلٌ بايَعَ رَجُلًا بسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ فَحَلَفَ له باللَّهِ لأَخَذَها بكَذا وكَذا فَصَدَّقَهُ وهو على غيرِ ذلكَ، ورَجُلٌ بايَعَ إمامًا لا يُبايِعُهُ إلَّا لِدُنْيا فإنْ أعْطاهُ مِنْها وفى، وإنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْها لَمْ يَفِ. وفي رواية: ورَجُلٌ ساوَمَ رَجُلًا بسِلْعَةٍ. (أخرجه البخاري:٧٢١٢، ومسلم:١٠٨).
7- عَنْ طارِقِ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ -رضي الله عنه-، قالَ: انْطَلَقْتُ حاجًّا، فَمَرَرْتُ بقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلتُ: ما هذا المَسْجِدُ؟ قالوا: هذِه الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بايَعَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْعَةَ الرِّضْوانِ، فأتَيْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيِّبِ فأخْبَرْتُهُ، فَقالَ سَعِيدٌ: حدَّثَني أبِي أنَّه كانَ فِيمَن بايَعَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قالَ: فَلَمّا خَرَجْنا مِنَ العامِ المُقْبِلِ نَسِيناها، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْها، فَقالَ سَعِيدٌ: إنَّ أصْحابَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَعْلَمُوها، وعَلِمْتُمُوها أنتُمْ، فأنتُمْ أعْلَمُ! (رواه البخاري:٤١٦٣).
8- عن سعيد بن المسيب قال: كانَ أَبِي مِمَّنْ بايَعَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ الشَّجَرَةِ، قالَ: فانْطَلَقْنا في قابِلٍ حاجِّينَ، فَخَفِيَ عَلَيْنا مَكانُها، فإنْ كانَتْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ فأنتُمْ أَعْلَمُ (رواه مسلم:١٨٥٩).
9- عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه-؛ أنَّه حين بايَعَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، أخَذ عليه ألّا يُشرِكَ باللهِ شيئًا، ويُقِيمَ الصلاةَ، ويُؤتيَ الزكاةَ، ويَنصَحَ المسلِمَ، ويُفارِقَ المشرِكَ (تخريج شرح السنة:١٠-٣٧٤، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).
10- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنَّ محمَّدَ بنَ مُسلمٍ سَمِعَ جابِرًا يُسْأَلُ: هلْ بايَعَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بذِي الحُلَيْفَةِ؟ فَقالَ: لا، وَلَكِنْ صَلّى بها، وَلَمْ يُبايِعْ عِنْدَ شَجَرَةٍ، إلّا الشَّجَرَةَ الَّتي بالحُدَيْبِيَةِ (رواه مسلم:١٨٥٦).
11- عن يعلى بن أمية -رضي الله عنه- جِئْتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بأبي يومَ الفَتحِ، فقُلْتُ له: يا رسولَ اللهِ، بايِعْ أبي على الهِجرةِ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: بل أُبايعُه على الجِهادِ، وقدِ انقَطَعَتِ الهِجرةُ (أخرجه أحمد:١٧٩٦٢، وحسنه شعيب الأرنؤوط).
12- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنَّ أعْرابِيًّا بايَعَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على الإسْلامِ، فأصابَ الأعْرابِيَّ وعْكٌ بالمَدِينَةِ، فأتى الأعْرابِيُّ إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبى رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبى، ثُمَّ جاءَهُ فَقالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي، فأبى، فَخَرَجَ الأعْرابِيُّ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما المَدِينَةُ كالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَها، ويَنْصَعُ طِيبُها"(رواه البخاري:٧٢١١).
13- عن عبدالله بن دينار قال: لَمّا بايَعَ النّاسُ عَبْدَ المَلِكِ كَتَبَ إلَيْهِ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: إلى عبدِ اللَّهِ عبدِ المَلِكِ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، إنِّي أُقِرُّ بالسَّمْعِ والطّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عبدِ المَلِكِ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، على سُنَّةِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ، فِيما اسْتَطَعْتُ، وإنَّ بَنِيَّ قدْ أقَرُّوا بذلكَ (رواه البخاري:٧٢٠٥).
14- ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ أنَّهُ بايَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: مَن حَلَفَ على يَمِينٍ بمِلَّةٍ غيرِ الإسْلامِ كاذِبًا فَهو كما قالَ، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ عُذِّبَ به يَومَ القِيامَةِ، وَليسَ على رَجُلٍ نَذْرٌ في شيءٍ لا يَمْلِكُهُ (أخرجه البخاري:٦٠٤٧، ومسلم:١١٠).
15- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- يُنْصَبُ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ، وإنّا قدْ بايَعْنا هذا الرَّجُلَ على بَيْعِ اللَّهِ ورَسولِهِ، وإنِّي لا أعْلَمُ غَدْرًا أعْظَمَ مِن أنْ يُبايَعَ رَجُلٌ على بَيْعِ اللَّهِ ورَسولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ له القِتالُ، وإنِّي لا أعْلَمُ أحَدًا مِنكُم خَلَعَهُ، ولا بايَعَ في هذا الأمْرِ، إلّا كانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وبيْنَهُ (رواه البخاري:٧١١١)؟
16- عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: لمّا كان يومُ فتحِ مكةَ اختبأَ عبدُاللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي السرحِ عِندَ عثمانَ بنِ عفانَ فجاءَ به حتى أوقفَهُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسولَ اللهِ بايعْ عبداللهِ فرفعَ رأسَهُ فنظرَ إليه ثلاثًا كلُّ ذلك يأبى فبايعَهُ بعدَ ثلاثٍ ثم أقبلَ على أصحابِهِ فقال أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ، يقومُ إلى هذا حيث رآني كففْتُ يَدي عن بيعتِهِ فيقتلُهُ؟ فقالوا: ما نَدري يا رسولَ اللهِ ما في نفسِكَ ألّا أومأتَ إلينا بعينِكَ ! قال: إنَّهُ لا يَنبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعينِ (رواه أبو داود:٤٣٥٩)
17- عن نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنه- قال: إنَّ النّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أنَّ ابْنَ عُمَرَ أسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وليسَ كَذلكَ، ولَكِنْ عُمَرُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ أرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إلى فَرَسٍ له عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ يَأْتي به لِيُقاتِلَ عليه، ورَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُبايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وعُمَرُ لا يَدْرِي بذلكَ، فَبايَعَهُ عبدُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إلى الفَرَسِ، فَجاءَ به إلى عُمَرَ، وعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتالِ، فأخْبَرَهُ أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُبايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قالَ: فانْطَلَقَ، فَذَهَبَ معهُ حتّى بايَعَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَهي الَّتي يَتَحَدَّثُ النّاسُ أنَّ ابْنَ عُمَرَ أسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ (رواه البخاري:٤١٨٦).
18- عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذا عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العاصِ جالِسٌ في ظِلِّ الكَعْبَةِ، والنّاسُ مُجْتَمِعُونَ عليه، فأتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، فَقالَ: كُنّا مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ، فَنَزَلْنا مَنْزِلًا؛ فَمِنّا مَن يُصْلِحُ خِباءَهُ، وَمِنّا مَن يَنْتَضِلُ، وَمِنّا مَن هو في جَشَرِهِ، إذْ نادى مُنادِي رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: الصَّلاةَ جامِعَةً، فاجْتَمَعْنا إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: إنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلّا كانَ حَقًّا عليه أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عافِيَتُها في أَوَّلِها، وَسَيُصِيبُ آخِرَها بَلاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُها بَعْضًا، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه هذِه، فمَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى النّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتى إلَيْهِ، وَمَن بايَعَ إمامًا فأعْطاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ؛ فَلْيُطِعْهُ إنِ اسْتَطاعَ، فإنْ جاءَ آخَرُ يُنازِعُهُ فاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ. فَدَنَوْتُ منه، فَقُلتُ له: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، آنْتَ سَمِعْتَ هذا مِن رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فأهْوى إلى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بيَدَيْهِ، وَقالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنايَ، وَوَعاهُ قَلْبِي، فَقُلتُ له: هذا ابنُ عَمِّكَ مُعاوِيَةُ، يَأْمُرُنا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوالَنا بيْنَنا بالباطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنا، واللَّهُ يقولُ: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: ٢٩]، قالَ: فَسَكَتَ ساعَةً، ثُمَّ قالَ: أَطِعْهُ في طاعَةِ اللهِ، واعْصِهِ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ (رواه مسلم:١٨٤٤).
19- عن عبدالله بن هشام -رضي الله عنه- وَكانَ قدْ أدْرَكَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وذَهَبَتْ به أُمُّهُ زَيْنَبُ بنْتُ حُمَيْدٍ إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، بايِعْهُ، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: هو صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، ودَعا له، وكانَ يُضَحِّي بالشّاةِ الواحِدَةِ عن جَمِيعِ أهْلِهِ (رواه البخاري:٧٢١٠).
20- عن مجاشع بن مسعود السلمي -رضي الله عنه- جِئْتُ بأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الفَتْحِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بايِعْهُ على الهِجْرَةِ، قالَ: قدْ مَضَتِ الهِجْرَةُ بأَهْلِها، قُلتُ: فَبِأَيِّ شيءٍ تُبايِعُهُ؟ قالَ: على الإسْلامِ والْجِهادِ والْخَيْرِ. قالَ أَبُو عُثْمانَ: فَلَقِيتُ أَبا مَعْبَدٍ، فأخْبَرْتُهُ بقَوْلِ مُجاشِعٍ، فَقالَ: صَدَقَ. وفي رواية: قالَ: فَلَقِيتُ أَخاهُ، فَقالَ: صَدَقَ مُجاشِعٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبا مَعْبَدٍ (رواه مسلم:١٨٦٣).
21- عن عروة بن الزبير وفاطمة بنت المنذر بن الزبير قال: خَرَجَتْ أَسْماءُ بنْتُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ هاجَرَتْ وَهي حُبْلى بعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، فَقَدِمَتْ قُباءً، فَنُفِسَتْ بعَبْدِ اللهِ بقُباءٍ، ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُحَنِّكَهُ فأخَذَهُ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- منها، فَوَضَعَهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعا بتَمْرَةٍ قالَ: قالَتْ عائِشَةُ: فَمَكَثْنا ساعَةً نَلْتَمِسُها قَبْلَ أَنْ نَجِدَها، فَمَضَغَها. ثُمَّ بَصَقَها في فِيهِ، فإنَّ أَوَّلَ شيءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قالَتْ أَسْماءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلّى عليه وَسَمّاهُ عَبْدَ اللهِ، ثُمَّ جاءَ، وَهو ابنُ سَبْعِ سِنِينَ، أَوْ ثَمانٍ، لِيُبايِعَ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَمَرَهُ بذلكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُ مُقْبِلًا إلَيْهِ، ثُمَّ بايَعَهُ (رواه مسلم:٢١٤٦).
22- عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- قال: أنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ ولّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشاوَرُوا، فَقالَ لهمْ عبدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بالَّذِي أُنافِسُكُمْ على هذا الأمْرِ، ولَكِنَّكُمْ إنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنكُمْ، فَجَعَلُوا ذلكَ إلى عبدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أمْرَهُمْ، فَمالَ النّاسُ على عبدِ الرَّحْمَنِ، حتّى ما أرى أحَدًا مِنَ النّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، ومالَ النّاسُ على عبدِ الرَّحْمَنِ يُشاوِرُونَهُ تِلكَ اللَّيالِيَ، حتّى إذا كانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتي أصْبَحْنا منها فَبايَعْنا عُثْمانَ، قالَ المِسْوَرُ: طَرَقَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البابَ حتّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقالَ: أراكَ نائِمًا! فَواللَّهِ ما اكْتَحَلْتُ هذِه اللَّيْلَةَ بكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فادْعُ الزُّبَيْرَ وسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُما له، فَشاوَرَهُما، ثُمَّ دَعانِي، فَقالَ: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَناجاهُ حتّى ابْهارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ مِن عِندِهِ وهو على طَمَعٍ، وقدْ كانَ عبدُ الرَّحْمَنِ يَخْشى مِن عَلِيٍّ شيئًا، ثُمَّ قالَ: ادْعُ لي عُثْمانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَناجاهُ حتّى فَرَّقَ بيْنَهُما المُؤَذِّنُ بالصُّبْحِ، فَلَمّا صَلّى لِلنّاسِ الصُّبْحَ، واجْتَمع أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فأرْسَلَ إلى مَن كانَ حاضِرًا مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، وأَرْسَلَ إلى أُمَراءِ الأجْنادِ، وكانُوا وافَوْا تِلكَ الحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إنِّي قدْ نَظَرْتُ في أمْرِ النّاسِ، فَلَمْ أرَهُمْ يَعْدِلُونَ بعُثْمانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَقالَ: أُبايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّهِ ورَسولِهِ، والخَلِيفَتَيْنِ مِن بَعْدِهِ، فَبايَعَهُ عبدُ الرَّحْمَنِ، وبايَعَهُ النّاسُ المُهاجِرُونَ والأنْصارُ، وأُمَراءُ الأجْنادِ والمُسْلِمُونَ (رواه البخاري:٧٢٠٧).
23- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ماتَ وأَبُو بَكْرٍ بالسُّنْحِ، -قالَ إسْماعِيلُ: يَعْنِي بالعالِيَةِ- فَقامَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما ماتَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَتْ: وقالَ عُمَرُ: واللَّهِ ما كانَ يَقَعُ في نَفْسِي إلّا ذاكَ، ولَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أيْدِيَ رِجالٍ وأَرْجُلَهُمْ، فَجاءَ أبو بَكْرٍ فَكَشَفَ عن رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَبَّلَهُ، قالَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقالَ: أيُّها الحالِفُ، على رِسْلِكَ، فَلَمّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أبو بَكْرٍ وأَثْنى عليه، وقالَ: ألا مَن كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ ماتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وقالَ: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[الزمر: ٣٠]، وقالَ: (وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ)[آل عمران: ١٤٤]، قالَ: فَنَشَجَ النّاسُ يَبْكُونَ، قالَ: واجْتَمعتِ الأنْصارُ إلى سَعْدِ بنِ عُبادَةَ في سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، فَقالوا: مِنّا أمِيرٌ ومِنكُم أمِيرٌ، فَذَهَبَ إليهِم أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ بنُ الخَطّابِ، وأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فأسْكَتَهُ أبو بَكْرٍ، وكانَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما أرَدْتُ بذلكَ إلّا أنِّي قدْ هَيَّأْتُ كَلامًا قدْ أعْجَبَنِي، خَشِيتُ ألّا يَبْلُغَهُ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ أبْلَغَ النّاسِ، فَقالَ في كَلامِهِ: نَحْنُ الأُمَراءُ وأَنْتُمُ الوُزَراءُ، فَقالَ حُبابُ بنُ المُنْذِرِ: لا واللَّهِ لا نَفْعَلُ، مِنّا أمِيرٌ، ومِنكُم أمِيرٌ، فَقالَ أبو بَكْرٍ: لا، ولَكِنّا الأُمَراءُ، وأَنْتُمُ الوُزَراءُ، هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ دارًا، وأَعْرَبُهُمْ أحْسابًا، فَبايِعُوا عُمَرَ، أوْ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرّاحِ، فَقالَ عُمَرُ: بَلْ نُبايِعُكَ أنْتَ؛ فأنْتَ سَيِّدُنا، وخَيْرُنا، وأَحَبُّنا إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فأخَذَ عُمَرُ بيَدِهِ فَبايَعَهُ، وبايَعَهُ النّاسُ، فَقالَ قائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ، فَقالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ (رواه البخاري:٣٦٦٧).
24- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قالَ لي رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبا بَكْرٍ -أَباكِ- وَأَخاكِ؛ حتّى أَكْتُبَ كِتابًا؛ فإنِّي أَخافُ أَنْ يَتَمَنّى مُتَمَنٍّ، ويقولَ قائِلٌ: أَنا أَوْلى، وَيَأْبى اللَّهُ والْمُؤْمِنُونَ إلّا أَبا بَكْرٍ"(رواه مسلم:٢٣٨٧).
25- عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لمّا قُبِضَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، قالتِ الأَنصارُ: منّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، فأَتاهم عُمَرُ، فقال: يا مَعشرَ الأَنصارِ، ألستم تَعلَمونَ أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أمَرَ أبا بَكرٍ أنْ يَؤمَّ النّاسَ؟ قالوا: بلى، قال: فأَيُّكم تَطيبُ نفْسُه أنْ يَتقدَّمَ أبا بَكرٍ؟ قالتِ الأَنصارُ: نعوذُ باللهِ أنْ نَتقدَّمَ أبا بَكرٍ (أخرجه أحمد:٣٨٤٢، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن).
26- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنه جاءَ إلى عبدِ اللهِ بنِ مُطِيعٍ حِينَ كانَ مِن أَمْرِ الحَرَّةِ ما كانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بنِ مُعاوِيَةَ، فَقالَ: اطْرَحُوا لأَبِي عبدِ الرَّحْمَنِ وِسادَةً، فَقالَ: إنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُهُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً"(رواه مسلم:١٨٥١).
الاثار
1- قال الحسن البصري رحمه الله تعالي في الأمراء: "هم يَلُون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود... والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا ؛ والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم – والله – لغبطة وأن فرقتهم لكفر"(آداب الحسن لابن الجوزي).
متفرقات
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "المقصود والواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا ،وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم"(مجموع الفتاوى:28-262).
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، أن النبي قال: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّرُوا عليهم أحدَهم". فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله - تعالى - أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة.
وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي: "أن السلطان ظل الله في الأرض" ويقال "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان. والتجربة تبين ذلك؛ ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: "لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان"(السياسة الشرعية).
3- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "أما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ، ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم ، وطاعة ربهم"(جامع العلوم والحكم).
4- قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد استفاض وتقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به صلى الله عليه وسلم من طاعة الأمراء في غير معصية الله، ومناصحتهم والصبر عليهم في حكمهم وقسمهم ، والغزو معهم والصلاة خلفهم ، ونحو ذلك من متابعتهم في الحسنات التي لا يقوم بها إلا هم ؛ فإنه من باب التعاون على البر والتقوى ، وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم ، وإعانتهم على ظلمهم ، وطاعتهم في معصية الله ونحو ذلك مما هو من باب التعاون على الإثم والعدوان"(مجموع الفتاوى:35-21).
5- قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني رحمه الله: "وأجمعوا على انه يجب نصب خليفة"(شرح فتح الباري:13-208).
6- قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً) قال: "هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة" إلى أن قال رحمه الله "ودليلنا قول الله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة)[البقرة: 30]، وقوله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض"[ص: 26]، وقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)[النور: 55] أي يجعل منهم خلفاء، إلى غير ذلك من الآي"().
إلى أن قال: "ثم إن الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة عهد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحد هذا أمر غير واجب علينا ولا عليك، فدل على وجوبها ، وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين، والحمد لله رب العالمين".
7- قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وضعفت خلافة النبوة ضعفا أوجب أن تصير ملكا فأقامها معاوية ملكا برحمة و حلم كما في الحديث المأثور: "تكون نبوة و رحمة ثم تكون خلافة نبوة و رحمة ثم يكون ملك و رحمة ثم يكون ملك" ولم يتول أحد من الملوك خيرا من معاوية؛ هو خير ملوك الإسلام و سيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده"(مجموع الفتاوى:7-452).
8- قال الإمام الماورديُّ - رحمه الله -: "لا بُدَّ للناسِ من سُلطانٍ قاهرٍ، تأتلِفُ برُمَّته الأهوِيةُ المُختلِفة، وتجتمِعُ بهَيبَتِه القلوبُ المُتفرِّقة، وتُكفُّ بسَطوَته الأيدي المُتغالِبة، وتُقمَعُ مع خوفِه النفوسُ المُتعانِدة والمُتعادِية؛ لأن في طبائِع الناس من حبِّ المُغالَبَة والقهرِ لمن عانَدُوه ما لا ينكَفُّون عنه إلا بمانعٍ قويٍّ ورادِعٍ ملِيٍّ"().
الإحالات
1- البيعة، وولاية العهد والشورى، وآثارها في تنصيب الخليفة؛ للشيخ سامي الغريري.
2- البيعة في الكتاب والسنة؛ لبدر بن إبراهيم الصالح الرخيص.
3- بيعة النساء في القرآن والسيرة؛ د. أحمد خليل جمعة.