بر
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
البر لغة:
البرّ مصدر برّ يبرّ وهو مأخوذ من مادّة (ب ر ر) الّتي تدلّ على معان عديدة، ومن هذه المعاني الصّدق، يقول ابن فارس: فأمّا الصّدق فقولهم: صدق فلان وبرّ، وبرّت يمينه صدقت، وأبرّها أمضاها على الصّدق، وتقول برّ اللّه حجّك وأبرّه، وحجّة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصّادق، ومن ذلك قولهم: يبرّ ربّه أي يطيعه وهو من الصّدق. قال الشّاعر:
لا همّ لولا أنّ بكرا دونكا *** يبرّك النّاس ويفجرونكا
[مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 176)]. ومنه قوله تعالى: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) [البقرة: 177]. وقال القرطبيّ في تفسير هذه الاية: البرّ هنا اسم جامع للخير، وتقدير الاية (ولكنّ البرّ برّ من آمن) حذف المضاف كما حذف في قوله سبحانه (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف: 82] أي أهل القرية، وقيل المعنى: (ولكنّ ذا البرّ) كما في قوله تعالى: (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) [آل عمران: 163]، وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، وحدّت الحدود أنزل اللّه هذه الاية فقال (ما معناه): ليس البرّ كلّه أن تصلّوا، ولا تعملوا (شيئا) غير ذلك، ولكنّ ذا البرّ من آمن باللّه... إلخ. قال بذلك ابن عبّاس ومجاهد والضّحّاك وغيرهم، ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البارّ والبرّ، لأنّ المصدر قد يطلق ويراد به اسم الفاعل، كما يقال: رجل عدل أي عادل، وفي التنزيل العزيز: (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) [الملك: 30] أي غائرا، وهذا اختيار أبي عبيدة [تفسير القرطبي ( 2/ 238)].
وأمّا قول النّابغة: عليهنّ شعث عامدون لبرّهم فقالوا: أراد الطّاعة وقيل: أراد الحجّ.. وقولهم للسّابق: الجواد المبرّ هو من هذا؛ لأنّه إذا جرى صدق وإذا حمل عليه صدق [مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 176)]. ومن معاني البرّ أيضا حسن الخلق كما جاء في الحديث "البرّ حسن الخلق»
والبرّ الخير، والبرّ: الصّلاح، يقال برّ يبرّ إذا صلح، والبرّ: الصّلة، يقال: برّ رحمه يبرّه إذا وصله، والبرّ الطّاعة، كما في قولهم: برّ ربّه، يقال: رجل برّ بذي قرابته. وبارّ من قوم بررة وأبرار، والمصدر البرّ. وتبارّوا، تفاعلوا: من البرّ، وفي حديث الاعتكاف: "آلبرّ يردن»، أي الطّاعة والعبادة، ومنه الحديث: "ليس من البرّ الصّيام في السّفر». وفي كتاب قريش والأنصار: وإنّ البرّ دون الإثم أي أنّ الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنّكث. وبرّت يمينه: صدقت. وأبرّها: أمضاها على الصّدق. والبرّ: الصّادق [انظر: الصحاح للجوهري (2/ 588) والنهاية لابن الأثير (1/ 116). ولسان العرب لابن منظور (4/ 51- 54)].
البر اصطلاحا:
وقد اختلف العلماء في تفسير البرّ فقال بعضهم: البرّ الصّلاح، وقال بعضهم: البرّ الخير، قال ابن منظور: ولا أعلم تفسيرا أجمع منه؛ لأنّه يحيط بجميع ما قالوا، قال: وجعل لبيد البرّ التّقى حيث يقول: وما البرّ إلّا مضمرات من التّقى. قال أبو منصور: البرّ خير الدّنيا والاخرة فخير الدّنيا ما ييسّره اللّه تعالى للعبد من الهدى والنّعمة والخيرات، وخير الاخرة الفوز بالنّعيم الدّائم في الجنّة، جمع اللّه لنا بينهما بكرمه ورحمته [النهاية لابن الأثير (1/ 116)].
قال ابن الأثير في أسماء اللّه تعالى (البرّ) وهو العطوف على عباده ببرّه ولطفه [انظر النهاية لابن الأثير (1/ 116)]. والأبرار معناها المتّقون [كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 171)].
العناصر
1- استحباب التعاون على البر والتقوى.
الايات
1- قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [سورة البقرة:177].
2- قوله تعالى: ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة البقرة:189].
3- قوله تعالى: ( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92].
4- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) [المائدة:2].
5- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9].
6- قوله تعالى: ( لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة:8-9].
7- قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة:242].
8- وله تعال: (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ * رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران:193- 194].
9- قوله تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ * لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) [آل عمران:196- 198].
10- قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ * وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:18-28].
الاحاديث
1- عن رفاعة- رضي اللّه عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المصلّى فإذا النّاس يتبايعون، بكرة فناداهم: "يا معشر التّجّار»، فلمّا رفعوا أبصارهم ومدّوا أعناقهم قال: "إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى اللّه وبرّ وصدق" [رواه ابن ماجة (2146). وصححه الألباني].
2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: "أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة فإنّ البرّ ليس بالإيضاع" [البخاري- الفتح 3 (1671) واللفظ له. ومسلم (1282)].
3- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال أهللنا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحجّ خالصا ليس معه عمرة، فقدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صبح رابعة مضت من ذي الحجّة. فأمرنا أن نحلّ. قال عطاء: قال "حلّوا وأصيبوا النّساء". قال عطاء: ولم يعزم عليهم. ولكن أحلّهنّ لهم فقلنا: لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ. قال: فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فينا. فقال: "قد علمتم أنّي أتقاكم للّه وأصدقكم وأبرّكم. ولولا هديي لحللت كما تحلّون. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلّوا" فحللنا وسمعنا وأطعنا. قال جابر: فقدم عليّ من سعايته. فقال: "بم أهللت؟" قال: بما أهلّ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فأهد وامكث حراما" قال: وأهدى له عليّ هديا. فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول اللّه ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: "لا أبد" [البخاري- الفتح 13 (7367). مسلم (1216) واللفظ بعضه للبخاري وبعضه لمسلم].
4- عن النّوّاس بن سمعان- رضي اللّه عنه- قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البرّ والإثم، فقال: "البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس" [مسلم (2553)].
5- عن جابر- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة" قيل: وما برّه؟ قال: "إطعام الطّعام وطيب الكلام" [قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن. وابن خزيمة والحاكم باختصار، وقال: صحيح الإسناد. انظر المتجر الرابح (ص: 286، 287)].
6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجنّ يطلبني بشعلة من نار، كلّما التفتّ إليه رأيته". فقال جبريل: ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، فتنطفىء شعلته ويخرّ لفيه؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بلى" فقال جبريل: قل: أعوذ بوجه اللّه الكريم، وبكلمات اللّه التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن فتن اللّيل والنّهار، ومن طوارق اللّيل، إلّا طارقا يطرق بخير يا رحمن" [أحمد في المسند (2/ 419) وقال محقق جامع الأصول (4/ 367): حديث حسن].
7- عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَجُلاً مِنَ الأعْرَابِ لَقِيَهُ بطَريق مَكَّةَ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ عبدُ الله بْنُ عُمَرَ ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ ، وَأعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأسِهِ ، قَالَ ابنُ دِينَار : فَقُلْنَا لَهُ : أصْلَحَكَ الله ، إنَّهُمُ الأعرَابُ وَهُمْ يَرْضَوْنَ باليَسير ، فَقَالَ عبد الله بن عمر : إن أَبَا هَذَا كَانَ وُدّاً لِعُمَرَ بنِ الخطاب وإنِّي سَمِعتُ رَسُول الله يقول: "إنَّ أبرَّ البِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أهْلَ وُدِّ أبِيهِ" وفي رواية عن ابن دينار ، عن ابن عمر : أنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلةِ ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأسَهُ ، فَبيْنَا هُوَ يَوماً عَلَى ذلِكَ الحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أعْرابيٌّ ، فَقَالَ : ألَسْتَ فُلاَنَ بْنَ فُلاَن ؟ قَالَ : بَلَى. فَأعْطَاهُ الحِمَارَ ، فَقَالَ : ارْكَبْ هَذَا ، وَأعْطَاهُ العِمَامَةَ وَقالَ : اشْدُدْ بِهَا رَأسَكَ ، فَقَالَ لَهُ بعضُ أصْحَابِهِ : غَفَرَ الله لَكَ أعْطَيْتَ هَذَا الأعْرَابيَّ حِمَاراً كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيهِ ، وعِمَامةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأسَكَ ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعتُ رَسُول الله ، يَقُولُ : " إنَّ مِنْ أبَرِّ البِرِّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبيهِ بَعْدَ أنْ يُولِّيَ " وَإنَّ أبَاهُ كَانَ صَديقاً لعُمَرَ.[رَوَى هذِهِ الرواياتِ كُلَّهَا مسلم انظر تطريز رياض الصالحين فَيْصَلْ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ آل مُبَارَك (1/239) ].
8- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ. وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند اللّه صدّيقا. وإيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار. وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند اللّه كذّابا" [البخاري- الفتح 10 (6094). ومسلم (2607) واللفظ له].
9- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: "العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما ، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة" [البخاري- الفتح 3 (4372)، ومسلم (1349) واللفظ له].
10- عن ثوبان- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها" [رواه الترمذي (2139) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (90) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73). والحاكم في المستدرك (1/ 493) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحّحه محقق «جامع الأصول»].
11- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة. والّذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه «5»، وهو عليه شاقّ له أجران" [مسلم (798)].
الاثار
1- عن مالك بن دينار قال: إن صدور المؤمنين تغلي بأعمال البر وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله [الزهد أحمد حنبل الشيباني الناشر دار الريان للتراث سنة النشر 1408 مكان النشر القاهرة (1/323)].
2- عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها [الجواب الكافي (53)].
3- قال كعب الأحبار: لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: وما هنّ؟ قال: أعوذ بوجه اللّه العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات اللّه التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء اللّه الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ [جامع الأصول (4/ 372)].
4- عن الحسن البصريّ- رحمه اللّه- قال: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] قال: كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البرّ وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب اللّه [الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 390)].
القصص
1- عن هشام قال: كانت حفصة تترحم على هذيل وتقول: كان يعمد إلى القصب فيقشره ويجففه في الصيف، لئلا يكون له دخان، فإذا كان الشتاء جاء حتى قعد خلفي وأنا أصلي، فيوقد وقوداً رفيقاً ينالني حره ولا يؤذيني دخانه، وكنت أقول له: يا بني، الليلة اذهب إلى أهلك، فيقول: يا أماه أنا أعلم ما يريدون، فأدعه فربما كان ذلك حتى يصبح. وكان يبعث إلي بحلبة الغداة، فأقول، يا بني تعلم أني لا أشرب نهاراً فيقول: أطيب اللبن ما بات في الضرع، فلا أحب أن أؤثر عليك، فابعثي به إلى من أحببت.فمات هذيل، فوجدت عليه وجداً شديداً، وكنت أجد مع ذلك حرارة في صدري لا تكاد تسكن. قالت: فقمت ليلة أصلي، فاستفتحت النحل، فأتيت إلى قوله تعالى: (ما عِندَكُم يَنفَدُ وَما عِندَ اللَهِ باقٍ وَلنَجزِيَنَّ الَّذينَ صَبَروا أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلُون).فذهب عني ما كنت أجد البر والصلة لابن الجوزي ( ص 87) ] .
2- عن أنس بن النضر الأشجعي: استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة، فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح [بر الوالدين لابن الجوزي (ص 5) ] .
3- عن ظبيان بن علي الثوري - وكان من أبر الناس بأمه - قال: لقد نامت لليلة وفي صدرها عليه شيء، فقام على رجليه يكره أن يوقظها، ويكره، أن يقعد، حتى إذا ضعف جاء غلامان من غلمانه، فما زال معتمداً عليهما حتى استيقظت. وكان يسافر بها إلى مكة، فإذا كان يوم حار حفر بئراً، ثم جاء بنطع فصب فيه الماء، ثم يقول لها: أدخلي تبردي في هذا الماء [انظر بر الوالدين ابن الجوزي ص5، 6] .
4- جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أماً بلغ بها الكبر، وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضئها، وأصرف وجهي عنها؛ فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ فقال عمر رضي الله عنه: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها.
5- جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال: " حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها مناسك الحج أتراني جزيتها، قال: لا، ولا طلقة من طلقاتها ".
6- هذا ابن عمر رضي الله عنهما لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُداً لعمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ ودِّ أبيه ".
7- عن أُسير بن عمرو ويقال ابن جابر قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس -رضي الله عنه-، فقال له: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال نعم، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل "، فاستغفِرْ لي، فاستغفَرَ له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبَّ إليَّ، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركتُه رثَّ البيت قليلَ المتاع، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويساً، فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي؟ قال لي: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. رواه مسلم.
8- عن أبي مُرَّة مولى أم هانئ بنت أبي طالب: " أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بـ " العقيق " فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أماه، تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: " يا بني! وأنت فجزاك الله خيرًا ورضي عنك كما بررتني كبيرًا ".
9- هذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعينكان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها ".
10- جاء عن أبي حنيفة رحمه الله في بره بأمه حيث كانت تأمره أن يذهب بها إلى حلقة عمر بن ذر حتى تسأله عما أشكل عليها مع أن ابنها فقيه زمانه، ومع ذلك قال أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة: رأيت أبا حنيفة يحمل أمه على حمار إلى مجلس عمر بن ذر؛ كراهية أن يرد على أمه أمرها.
11- جاء عن محمد بن بشر الأسلمي أنه قال: لم يكن أحد بالكوفة أبر بأمه من منصور بن المعتمر وأبي حنيفة، وكان منصور بن المعتمر يفلي رأس أمه.
12- هذا حيوة بن شريح أحد الأئمة الأعلام فقد كان يقعد في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج، فيقوم ويترك التعليم.
13- ورد أن الحارث العلكي بكى في جنازة أمه، فقيل له: تبكي؟ قال: ولم لا أبكي وقد أغلق عني باب من أبواب الجنة.
14- عن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بنُ الحسن عقرباً في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر ليأخذها، فجعلت تضر به، فقيل له ما أردت إلى هذا؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغَها.
15- قال هشام بن حسان: " حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصِّبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثياباً، وما رأيته رافعاً صوته عليها، كان إذا كلمها كالمصغي ".
16- عن بعض آل سيرين قال: " ما رأيت محمد بن سيرين يكلِّم أمَّه قط إلا وهو يتضرع ".
17- عن ابن عون أن محمداً كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضاً من خفض كلامه عندها.
18- عن ابن عـون قـال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد؟ أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا؛ ولكن هكذا يكون عنـد أمه ".
19- روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر: أنه كان يضع خدَّه على الأرض، ثم يقول لأمَّه: قومي ضعي قدمك على خدي ". وعن ابن عون المزني: " أن أمه نادته، فأجابها، فعلا صوتُه صوتَها فأعتق رقبتين ".
20- قال محمد بن المنكدر: بات أخي عمر يصلي وبت أغمز رجل أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته.
21- كان حجر بن الأدبر يلمس فراش أمه بيده ويتقلب بظهره عليه ليتأكد من لينه وراحته ثم يضجعها عليه.
22- هذا الإمام ابن عساكر محدث الشام فقد سئل عن سبب تأخر حضوره إلى بلاد أصبهان فقال: لم تأذن لي أمي.
23- قيل لعمر بن ذر: " كيف كان برُّ ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشـى أمـامي، ولا رقـى سطحاً وأنا تحته ".
24- حضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدثه، ويكثر من قوله: " أبي رحمه الله " فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين. فقال له: لا ألومك؛ فإنك لم تذق حلاوة الآباء. فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم.
25- قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: " سمعت بنداراً يقول: أردت الخروج ـ يعني الرحلة لطلب العلم ـ فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه.
26- من البارين بوالديهم بُندار المحدث، قال عنه الذهبي: " جمع حديث البصرة، ولم يرحل، براً بأمه ".
27- قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبلٌ يستقي بدلو لا تطيقه الإبل، في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شابٌ في يده رشاءٌ ـ حبل ـ من قدٍّ ملويٍّ يَضْرِبُه بِهِ، وقد شقَّ ظهره بذلك الحبل. فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من مد هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيراً. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس. ثم جُلْتُ حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة فيزقه كما يُزَقُّ الفرخ، فقلت: ما هذا؟ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبر العرب.
28- كان طلق بن حبيب من العباد والعلماء، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالاً لها.
29- قال عامر بن عبد الله بن الزبير: " مات أبي فما سألت الله حولاً كاملاً إلا العفو عنه ".
30- كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي. فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15].
31- أخرج البخاري في الأدب المفرد والبيهقي عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه أتا رجل فقال: " إنى خطبت امرأة فأبت أن تنكحني وخطبها غيري فاحبت أن تنكحه فغرت عليها فقتلتها فهل لي من توبة؟ قال: " أمك حية؟ " قال: لا، قال: " تب إلى الله وتقرب إليه ما استطعت "، فذهبت فسألت ابن عباس رضي الله عنهما لم سألت عن حياة أمه؟ فقال: " إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة ".
32- عن أبي عبد الرحمن الحنفي قال: رأى كهمس بنُ الحسن عقرباً في البيت فأراد أن يقتلها، أو يأخذها، فسبقته، فدخلت في جحر، فأدخل يده في الجحر؛ ليأخذها، فجعلت تضربه، فقيل له: ما أردت إلى هذا؟ قال: خفت أن تخرج من الجحر، فتجيء إلى أمي، فتلدغها.
33- هذا أبو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو المسمى بزين العابدين، وكان من سادات التابعين – كان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أمك، فقال: أخاف أن تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه؛ فأكون قد عققتها.
34- قال هشام بن حسان: حدثتني حفصة بنت سيرين، قالت: كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصِّبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيد صبغ لها ثياباً، وما رأيته رافعاً صوته عليها، كان إذا كلمهاكالمصغي. وعن بعض آل سيرين قال: ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتعرض.
35- عن ابن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد؟ أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا؛ ولكن هكذا يكون عند أمه.
36- روى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر: أنه كان يضع خدّه على الأرض، ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي.
37- حضر صالح العباسي مجلس المنصور، وكان يحدثه، ويكثر من قوله: أبي رحمه الله. فقال له الربيع: لا تكثر الترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين، فقال له: لا ألومك؛ فإنك لمتذق حلاوة الآباء. فتبسم المنصور، وقال: هذا جزاء من تعرض لبني هاشم.
38- قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنتأطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء -حبل- من قدّ -سوط- ملويٍّ يضربه به، وقد شقّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من مدّ هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيراً. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعق الناس. ثم جُلْتُ حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيل فيه شيخ؛ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة، فيزقُّه كما يُزَقُّ الفرخ، فقلت: ما هذا؟ قال: أبي وقد خرف، وأنا أكفله، قلت: هذا أبر العرب.
39- هذه قصة رجل يقص حادثة صارت له يقول: كنت موظفاً في إحدى?الشركات، فقدمت استقالتي فأعطوني حقوقي 3200دينار، يقول: استلمت المبلغ ولا أملك?غيره طوال حياتي. فلما رجعت إلى البيت كان الوقت قبل حج عام 1424هـ?لما دخلت البيت أخبرت والدي بهذه المكافأة من العمل. فقال لي?والدي ووالدتي: نريد أن تدفع هذا المبلغ لأجل أن نحج. يقول: دفعت المبلغ?ووالله ما أملك غير هذا المبلغ. فذهبت إلى مكاتب السفر?التي تهتم بأمر الحجاج في الأردن ودفعت المبلغ وودعت والدي ووالدتي. وبعد?أسبوعين ولما رجعوا دخلت في عمل آخر، والعجيب أنه اتصل عليَّ مدير الشركة?السابقة. وقال لي: لك مكافأة ولابد?أن تأتي تستلمها. لاحظ الآن لا يملك شيئاً، وكل?المبلغ صرفه لوالديه في الحج. يقول: ذهبت إليهم توقعته?مبلغاً يسيراً؛ لأني لم أتوقع أن لي مكافأة، ثم دخلت على?المدير وأعطاني الشيك وإذا فيه 3200 دينار.
40- هنالك طالب يدرس في ثالث ثانوي هذا الطالب بار بوالديه غاية البر وفي اخر السنة الدراسية أتت الاختبارات وفي أول يوم اختبار الرياضيات والكل يعرف الرياضيات أنها أصعب مادة عند أكثر الطلاب بالنسبة لهذا الطالب لم يذاكر المادة دخل الاختبار ولم يكن يعرف أي شي فماذا فعل؟ قام بتعبئة الدفتر المخصص للمادة بالحل؛ ولكن ماهو الحل؟ هل كتب حلاً للمسائل؟
الجواب: لا، لم يكتب ولا حرف يخص المادة فماذا كتب؟ هذا الطالب كتب قصة أحد الصحابة مع أن الاختبار رياضيات، وليس له علاقة بالصحابة وقصصهم. عند تصحيح الأوراق كان المدرسين الذين يصححون الأوراق يجلسون على طاولة كبيرة فلما تناول المعلم دفتر الإجابة وهو لا يعلم من هو؛ لأن اسم الطالب مشمع عليه، وليس من صلاحية المدرس فتح الشمع فلما تناول الدفتر ليصححه قام بتناول كوب من الماء، فسقط الكوب على الدفتر، وأخفى كل ما هو مكتوب لم يرو غير الحبر الأزرق الذي يوحي بأن هذا الطالب قد بذل جهده وحل الأجوبة. تكونت لجنة لفحص الأوراق وقام مدير اللجنة بإعطاء هذا الطالب الدرجة الكاملة! وهذا لبره بوالديه وفقه الله.
41- شخص يسير بسيارته سيراً عادياً, وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة، ترجّل من سيارته لإصـلاح العطل في أحد العجلات، وعندما وقف خلف السيارة لكي ينزل العجلة السليمة، جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف، سقط مصاباً إصابات بالغة. يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق: حضرت أنا وزميلي وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله شاب في مقتبل العمر، متديّن يبدو ذلك من مظهره، عندما حملناه سمعناه يهمهم، ولعجلتنا لم نميز ما يقول , ولكن عندما وضعناه في السيارة، وسرنا سمعنا صوتاً مميزاً إنه يقرأ القرآن وبصوتٍ ندي؛ سبحان الله لا تقول هذا مصاب، الدم قد غطى ثيابه، وتكسرت عظامه، بل هو على ما يبدو على مشارف الموت. استمرّ يقرأ القرآن بصوتٍ جميل يرتل القرآن، لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة، أحسست أن رعشة سرت في جسدي وبين أضلعي. فجأة سكت ذلك الصوت، التفت إلى الخلف فإذا به رافعاً إصبع السبابة يتشهد، ثم انحنى رأسه. قفزت إلى الخلف، ولمست يده وقلبه، فإذا به فارق الحياة. نظرت إليه طويلاً، وسقطت دمعة من عيني، فأخفيتها عن زميلي، التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات، انطلق زميلي في بكاء، أما أنا فقد شهقت شهقة، وأصبحت دموعي لا تقف، أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثر. وصلنا إلى المستشفى، فأخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل، الكثيرون تأثروا من حادثة موته، وذرفت دموعهم، الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه؛ ليتمكنوا من الصلاة عليه، اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى، كان المتحدث أخوه، قال عنه: إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة قي القرية، وكان يتفقد الأرامل والأيتام والمساكين، وكانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر؛ لتوزيعها على المحتاجين، حتى حلوى الأطفال لا ينساها؛ ليفرحهم بها، وكان يرد على من يثنيه عن السفر، ويُذكَر له طول الطريق، فيقول: إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية، وإنني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها. من الغد غص المسجد بالمصلين.!
الاشعار
1- قال امرؤ القيس:
واللهُ أَنْجَحُ مَا طَلَبْتَ بِهِ *** وَالْبِرُّ خَيْرُ حَقِيبةِ الرَّحْلِ
[الشعر والشعراء المؤلف : ابن قتيبة الدينوري (1/14)].
2- قال لبيد بن ربيعة:
وَمَا الْبِرُّ إِلا مُضْمَرَاتٌ مِنَ التُّقَى *** وَمَا الْمَالُ إِلا مُعْمَرَاتٌ وَدَائِعُ
[هو في ديوانه: 169. وورد في "تهذيب اللغة" 1/ 307 (بر)، "اللسان" 1/ 252 (برر). والمُضْمَر: الهزيل. من: (ضَمَرَ، يضمُرُ، ضمورًا)، و (الضُمْرُ، والضُمُرُ): الهزال. والمعمرات: من قول العرب: (هذه الدار لك عُمْرَى)؛ أي: لك ما عمرت، فإذا مت، فلا شيء. (ضمر) "التهذيب" 3/ 2133، "القاموس" (429)]
3- قال سابق البربري :
إِنَّ التُّقَى خَيْرُ زَادٍ أَنْتَ حَامِلُهُ *** وَالْبِرُّ أَفْضَلْ شَيءٍ نَالَهُ بَشَرُ
[مجموعة القصائد الزهديات المؤلف: أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422ه) الناشر: مطابع الخالد للأوفسيت – الرياض الطبعة: الأولى، 1409 ه (1/477)].
4- قال زهير:
وَالإِثْمُ مِنْ شَرِّ مَا يُصَالُ بِهِ *** وَالْبِرُّ كَالْغَيْثِ نَبْتُهُ أَمِرُ
[المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها المؤلف : أبو الفتح عثمان بن جنى الناشر : وزارة الأوقاف - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1420ه - 1999م (2/16)].
5- قال يحي بن نصر السعدي:
تَقْوَى الإِلَهِ ذَخِيرَةٌ لِلْمُوئِلِ *** وَالْبِرُّ خَيْرُ مَطِيّةِ الْمُتَحَمِّلِ
[دمية القصر وعصرة أهل العصر المؤلف : الباخرزي (1/60)].
6- قال الأصمعي:
واسْتَشْعِرِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى تُعَدُّ بِهَا *** حَتَّى تَنَالَ بِهِنَّ الْفَوزَ وَالرِّفَعَا
[أخبار أبي القاسم الزجاجي المؤلف : الزجاجي (1/19)].
7- قال الشّاعر:
إنّ المكارم أخلاق مطهّرة *** فالعقل أوّلها، والدّين ثانيها
والعلم ثالثها، والحلم رابعها *** والجود خامسها، والعرف ساديها
والصّبر سابعها، والبرّ ثامنها *** والشّكر تاسعها واللّين عاشيها
والنّفس تعلم أنّي لا أصدّقها *** ولست أرشد إلّا حين أعصيها
[نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (3/766)].
متفرقات
1- قال ابن جرير : إن بر المؤمن من أهل الحرب ، ممن بينه وبينه قرابة نسب ، أو من لا قرابة بينه وبينه ولا نسب ، غير محرم ولا منهي عنه ، إذا لم يكن في ذلك تقوية للكفار على المسلمين ، أو دلالة على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح. [جامع البيان للطبري (28 / 66 ) ط مصطفى الحلبي].
2- قال الشيخ أحمد ابن عبدالرحيم الدهلوي: البر كل عمل يفعله الإنسان قضية لانقياده للملأ الأعلى واضمحلاله في تلقي الإلهام من اللّه وصيرورته فانيا في مراد الحق ، وكل عمل يجازى عليه خيراً في الدنيا أو الآخرة ، وكل عمل يصلح الارتفاقات التي بني عليها نظام الإنسان ، وكل عمل يفيد حاله الانقياد ، ويدفع الحجب [حجة الله البالغة للإمام الكبير: الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبدالرحيم الدهلوي راجعه وعلق عليه: الشيخ محمد شريف سكر (1/124)].
3- يقول الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني: توحيد الله في الاسم يوجب على العبد أن يراعي في تعامله مع ربه الحرص على أنواع البر؛ فيفعل الخيرات ويجتنب المنكرات، ولا يجعل همه فيما لا يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع، قال تعالى: ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) [البقرة:177]، وكذلك يتعامل مع الآخرين بحسن الخلق وصفاء النية وهذا من أعظم البر، روى مسلم من حديث النواس - رضي الله عنه - أنه قال: سألت رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم، فقال: " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " [مسلم في البر والصلة والأدب، باب تفسير البر والإثم (4/1980) (2553)]. ومن أعظم البر أيضا بر الوالدين كما قال تعالى عن يحيا - عليه السلام -: ( وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً ) [مريم:14]، وعند البخاري من حديث أَبِى هريرة - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: " أُمُّكَ " قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمُّكَ " ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمُّكَ " ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَبُوكَ " [البخاري في كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة 5/2227 (5626)]، [أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة د/محمود عبد الرازق الرضواني السابع الطبعة الأولى 1426ه - 2005م (3/79)].
4- لن ينال العبدُ برَّ الله تعالى به في الآخرة إلا باتباع ما يُفضي إلى بره ومرضاته ورحمته، قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92]، [ولله الأسماء الحسنى- الشيخ الجليل (1/452)].
5- ذكر عقيل عقيل بن سالم الشمري جملة فوائد من حديث البر حسن الخلق فقال:
الفائدة الأولى: فيه فضل حسن الخلق وأنه البر.
الفائدة الثانية: الأخلاق تختلف في الحسن، وكلما كان الخلق حسناً كلما كان أعظم في البر.
الفائدة الثالثة: البر عليه نور يعرفه كل أحد، والإثم يسبب شكاً وقلقاً.
الفائدة الرابعة: الشريعة في مجملها واضحة بينه من حيث البر والإثم بحيث لا يلتبس الحق بالباطل.
الفائدة الخامسة: الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله، والنفرة من ضده وذلك في الجملة، ولهذا قال في الحديث "البر ما اطمأنت إليه النفس".
الفائدة السادسة: دل على أن النفس تطمئن للخير والبر، ولذلك يصلح لها ولحياتها.
الفائدة السابعة: من علامات البر ارتياح النفس له واطمئنانها به وسكونها إليه في داخلها، وهذا مجرد علامة لا أن ذلك دليل، وإنما في جملة الأمر إذا كان من البر فيسبب راحة للضمير.
الفائدة الثامنة: من علامات الإثم أنه يسبب حرجاً للنفس وضيقاً لها.
الفائدة التاسعة: البر لا يُستحى من فعله في خلوات الإنسان وفي المجتمعات العامة بخلاف الإثم فإن فعله في الخلوة يسبب الحرج والضيق وفعله في العلانية يستحى منه، ولهذا قال عن الإثم "ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" كما في رواية.
الفائدة العاشرة: الحديث أصل في باب الورع.
الفائدة الحادية عشر: البر يشمل القيام بحقوق الله، والقيام بحقوق الخلق، ويدل على ذلك اختلاف الروايتين في تفسير البر فقال - في الرواية الأولى "البر حسن الخلق" وهذا القيام بحقوق الخلق. - وفي الرواية الثانية " البر ما اطمأنت إليه النفس" وهذا القيام بحقوق الله، لأنه فيما بين الإنسان وبين ربه.
الفائدة الثانية عشر: يدل على أن الإنسان لا يفعل مثلما يفعل سائر الناس سواء كان الفعل حلالاً أو حراماً، بل يتأنى ويستفت أهل العلم، فإن لم يجد نظر في ذلك الفعل أي العلامات تنطبق عليه، علامات البر أم الإثم؟ وهذا يعرف أحياناً من خلال المصالح المترتبة عليه والمفاسد وهكذا.
الفائدة الثالثة عشر: يدل على أن الإنسان في فتواه قد يجانب الصواب، ومع ذلك لم يحكم بتأثيمه او انتقاصه ما دام بذل وسعه واجتهد، ولهذا قال "وإن أفتاك الناس وأفتوك".
الفائدة الرابعة عشر: الطاعات تجلب السعادة للمؤمن لأنها من البر الذي تطمئن إليه النفس.
الفائدة الخامسة عشر: المعاصي والذنوب تجلب الشقاء للإنسان لأنها من الإثم الذي يتردد في الصدر ويسبب الحرج والضيق.
الفائدة السادسة عشر: دل على أن الإكثار من أعمال البر والخير يزيد النفس طمأنينة وسكوناً وانشراحاً [تعليقات تربوية على الأربعين النووية عقيل بن سالم الشمري (1/50، 51)].
6- قال النووي : قال العلماء : البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى الصدقة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق [سبل السلام (7/21)].
7- قال القاضي عياض : حسن الخلق مخالقة الناس بالجميل والبشر والتودد لهم والإشفاق عليهم واحتمالهم والحمل عنهم والصبر عليهم في المكاره وترك الكبر والاستطالة عليهم ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة [سبل السلام (7/21)].
8- كلمة البر لتعلم أنها كلمة عامة يدخل فيها أشياء كثيرة والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا اللفظ شيئا مما يدخل في هذه الكلمة فذكر حسن الخلق وهذه كلمة البر ، وكذلك ما تعرف فيها هي من الكلمات الواسعة ، الكلمة هذه مثلثة : البر بالكسر ويقال البر بالفتح ويقال البر بضم الباء وهذه الكلمة بتثليثها الذي سمعته لو تأملت معانيها لوجدتها في كل واحدة من هذه المعاني تدل على شيء واسع وعلى شيء نفيس... [شرح الأربعين النووية و تتمة ابن رجب فضيلة الشيخ الدكتور: عبدالرحمن بن صالح الدهش عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود].
9- يقول الشيخ عطية بن محمد سالم: يقولون: البر من أسماء الجنة كما قال الله: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران:92]، وقد يكون اسماً جامعاً لجميع أعمال الخير كما قال الله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان) [المائدة:2]، وانظر المقابلة!
قالوا: البر ما كان للخلق في التعامل: من اللطف، والمسايرة، والمجاملة، وطلاقة الوجه، واصطناع المعروف، وغير ذلك، والتقوى: ما كان بينك وبين الله، فتجمع بين الأمرين: حسن المعاملة بينك وبين الخلق، وبينك وبين الخالق، أو أن البر أمر إيجابي في فعل المعروف، والتقوى أمر سلبي في اجتناب المحرمات، أي: تعاونوا على فعل المأمورات، وتعاونوا على ترك المنهيات، فبفعل المأمورات تأتون على البر، وبترك المنكرات تأتون على التقوى؛ لأن التقوى اتخاذ الوقاية بترك المعاصي، ويقابلها قوله: (ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ) [المائدة:2] أي: من الذنوب التي بين الإنسان وبين ربه، (والْعُدْوَان) [المائدة:2] أي: من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآخرين. وقال بعض العلماء: البر فضائل الأعمال، وقيل: البر كل ما كان فيه قربة لله من الفرائض والمندوبات والنوافل. قال الشاعر ويروى عن عمر : أبني إن البر شيء هين وجه طليق وقول لين وفي رواية للبيت أخرى: أبني إن البر شيء هين فعل جميل وقول لين فكلاهما علامة على حسن الخلق [شرح الأربعين النووية المؤلف : عطية بن محمد سالم (المتوفى : 1420ه) (60/4)].
10- قال الإمام ابن تيميّة: لفظ البرّ إذا أطلق تناول جميع ما أمر اللّه به كما في قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار: 13]، وقوله سبحانه: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) [البقرة:] وأيضا فإنّ البرّ إذا أطلق كان مسمّاه مسمّى التّقوى، والتّقوى إذا أطلقت كان مسمّاها مسمّى البرّ ثمّ قد يجمع بينهما كما في قوله تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المائدة: 2]، [الفتاوى (7/ 165)]، فعطف التّقوى على البرّ، وعطف الشّيء على الشّيء في القرآن الكريم وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراكهما في الحكم الّذي ذكر لهما [الفتاوى (7/ 172)] ، وقد يكون مسمّاه إذا أطلق هو مسمّى الإيمان فقد روي أنّهم سألوا عن الإيمان فأنزل اللّه هذه الاية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177]، وقد فسّر البرّ بالإيمان، وفسّر بالتّقوى، وفسّر بالعمل الّذي يقرّب إلى اللّه، والجميع حقّ، فقد روي مرفوعا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه فسّر البرّ بالإيمان وجاء فى الأثر أنّ رجلا جاء إلى أبي ذرّ فسأله عن الإيمان فقرأ الاية السّابقة لَيْسَ الْبِرَّ... إلخ الاية فقال الرّجل: ليس عن البرّ سألتك، فقال (أبو ذرّ): جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن الّذي سألتني عنه، فقرأ الّذي قرأت عليك، فقال له الّذي قلت لي، فلمّا أبى أن يرضى قال له: إنّ المؤمن الّذي إذا عمل الحسنة سرّته، ورجا ثوابها، وإذا عمل السّيّئة ساءته وخاف عقابها [الفتاوى (7/ 181)].
والرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يشير في هذا الحديث إلى ما يسبّبه فعل الحسنة أو الخير من إحساس نفسيّ بالسّعادة، وما يعقبه من راحة قلبيّة غامرة، الأمر الّذي يعكس بدوره فاعليّة الإيمان- وكذلك البرّ الّذي بمعناه- في تنمية قوّة الشّعور بالالتزام الخلقيّ تجاه عمل الخير، كما ترى أبعاد هذا الشّعور لدى النّفس المؤمنة، حتّى إذا ما عمل هذا المؤمن عملا خلقيّا فاضلا، ظهرت عليه الاثار النّفسيّة النّاتجة عن إنجاز ذلك العمل من سرور وسكينة، والأمر بالعكس بالنّسبة لفعل السّيّئة أو الشّرّ، لأنّ الأصداء النّفسيّة الّتي يسبّبها تراخي قبضة الإلزام الخلقيّ، والتّهاون فيه، تظهر سماتها في مظاهر الحزن والهمّ والقلق الّتي تبدو لدى المؤمن [النظرية الخلقية عند ابن تيمية لمحمد عبد اللّه عفيفي ( 91- 92)].
الإحالات
1- الآداب – البيهقي – تحقيق عبد القدوس نذير ص 5 مكتبة الرياض الطبعة الأولى 1407 .
2- الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي 1/433، 436، 453 مؤسسة قرطبة .
3- إحياء علوم الدين – الغزالي 2/216 دار المعرفة .
4- الأخلاق الإسلامية – عبد الرحمن الميداني 2/18 دار القلم الطبعة الأولى 1399 .
5- إصلاح المجتمع – البيحاني ص 232 مكتبة أسامة بن زيد الطبعة الثانية 1392 .
6- بدائع الفوائد – أبو بكر الطرطوشي – تحقيق محمد القاضي مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الأولى 1406 .
7- بر الوالدين – عبد الرؤوف الحناوي .
8- بر الوالدين – نظام سكجها المكتبة الإسلامية .
9- بهجة المجالس وأنس المجالس – القرطبي 2/756 دار الكتب العلمية .
10- ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته – عوني الشريف – علي حسن عبد الحميد 2/360 مكتبة المعارف الطبعة الأولى 1406 .
11- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف – المنذري تحقيق مصطفى عمارة 3/324 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .
12- تفسير وبيان مفردات القرآن – محمد حسن الحمصي 277 دار الرشيد- مؤسسة الإيمان .
13- تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين – ابن النحاس ص 1320 الطبعة الثالثة 1407 .
14- جامع الأصول – ابن الأثير 1/397 الرئاسة العامة 1389 .
15- خطب مختارة ص 407 الإفتاء 1407 .
16 رياض الصالحين – النووي تحقيق الألباني ص 158 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1404 .
17- الزواجر عن اقتراف الكبائر – ابن حجر الهيثمي 2/74 دار المعرفة .
18- شرح الفقه الأكبر – ملا على القارئ ص 300 .
19- الضياء اللامع من الخطب الجوامع – ابن عثيمين ص 501 الرئاسة العامة الطبعة الثانية 1400 .
20- عودة الحجاب – محمد المقدم 2/167 دار طيبة .
21- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب – 1/373، 1/376 مؤسسة قرطبة .
22- فتح الباري – ابن حجر – ابن حجر 6/476 ، 10/400 دار الفكر .
23- فتاوى ابن الصلاح 1/199 .
24- فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد فضل الله الجيلاني 1/36 مكتبة ابن تيمية الطبعة الثالثة 1407 .
25- مجموع الفتاوى – ابن تيمية 33/112 الطبعة الأولى 1398 .
26- مختصر شعب الإيمان – أبو المعالي القزويني – عبد القادر القادر الأرناؤوط ص 112 دار ابن كثير الطبعة الثانية 1405 .
27 – مفيد العلوم ومبيد الهموم – القزويني تحقيق محمد عبد القادر عطا – دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 .
28- موارد الظمآن لدروس الزمان – عبد العزيز السلمان 2/593 ، 2/620 الطبعة الثامنة عشرة 1408 .
29- الموسوعة الفقهية 8/63 وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت الطبعة الثانية 1404 .
30- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين – القاسمي ص 230 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .
31- كتاب الورع – أحمد بن حنبل – تحقيق زينب القاروط ص 48، 105، 168 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1403 .