احتقار
2022-10-04 - 1444/03/08التعريف
التحقير لغة:
مصدر قولهم: حقّر الشّيء أي قلّل من شأنه ونسبه إلى الحقارة، وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ر) الّتي تدلّ على معنى واحد هو “استصغار الشّيء” يقال: شيء حقير أي صغير، وقيل: صغير ذليل، تقول منه: حقر (بالضّمّ) حقارة وحقرة هان قدره فلا يعبأ به، وحقره واستحقره: استصغره، وتحاقرت إليه نفسه: تصاغرت، والتّحقير: التّصغير. والمحقّرات: الصّغائر.
وحقر إذا صار حقيرا أي ذليلا، والحقير أيضا ضدّ الخطير (مقاييس اللغة:2-92، الصحاح:2-365، المصباح المنير:1-143، ولسان العرب (حقر) (ص 939).
التحقير اصطلاحا:
التّحقير: هو أن يستصغر شخص شخصا آخر أو ما يصدر عنه من معروف يسديه أو هديّة يعطيها (انظر فتح الباري:10-459).
وقد يكون التّحقير أيضا للذّات وما يصدر عنها من معروف أو هديّة.
العناصر
1- تعريف الاحتقار
2- تحريم الإسلام احتقار المسلم وخطره
3- أسباب الاحتقار
4- صور الاحتقار
5- مساوئ الاحتقار
6- سبل الابتعاد عن الاحتقار
الايات
1- قول الله تعالى: (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)[هود:27].
2- قوله تعالى: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ)[هود:31].
3- قوله تعالى: (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الشعراء:111-115].
4- قوله تعالى: (وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)[الزمر:45].
الاحاديث
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اللّه إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التّقوى هاهنا” ويشير إلى صدره ثلاث مرّات “بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه”(رواه مسلم (2564).
2- عن أبي جريّ جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه ، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قلت: عليك السّلام يا رسول اللّه. مرّتين، قال: “لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك” قال: قلت: أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: “أنا رسول اللّه، الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشف عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء ، أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك”. قلت: اعهد إليّ. قال: “لا تسبّنّ أحدا”. قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: “لا تحقرنّ شيئا من المعروف وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار فإنّها من المخيلة، وإنّ اللّه لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه فإنّما وبال ذلك عليه”(رواه أبو داود:4084، وصححه الألباني).
3- عن ابن عمر-رضي اللّه عنهما- أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “من سمّع النّاس بعمله سمّع اللّه به سامع خلقه وصغّره وحقّره” فذرفت عينا عبد اللّه (رواه أحمد:6473 وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح).
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة”(رواه البخاري:6017، ومسلم:1030).
5- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حسبك من صفيّة كذا وكذا تعني قصيرة- فقال: “لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: “ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا، وأنّ لي كذا وكذا”(رواه أبو داود:4875، وصححه الألباني).
6- عن أبي مسعود البدريّ -رضي اللّه عنه- قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ اللّه لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء. فنزلت: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)[التوبة: 79]، (رواه البخاري4668، ومسلم:1018).
7- عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا يدخل الجنّة من كان في قلبه ذرّة من كبر” قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: “إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس”(رواه مسلم:91).
8- عن عبد اللّه بن عمر -رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللّقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنّك منافق. لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونزل القرآن. قال عبد اللّه بن عمر: وأنا رأيته متعلّقا بحقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول اللّه إنّما كنّا نخوض ونلعب! ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)[التوبة:65]، (تفسير ابن جرير14/333-334 وجاء في حاشيته: إسناده صحيح. وابن كثير:2-368 واللفظ له، وذكره مقبل بن هادي في الصحيح المسند من أسباب النزول:78، وعزاه كذلك لابن أبي حاتم وقال: إسناده حسن).
الاثار
1- قال عيسى -عليهِ السلام-: "لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية"(تاريخ مدينة دمشق 1-37 ج26 - صفحة 133).
القصص
1- دخلت عليه ، فهش في وجهي وهششت ، عانقني بحرارة ، وقال لي: الحمد لله ... مَنّ الله عليّ بالهداية ، وصرت برحمته سبحانه مسلماً بعد أن كنت نصرانياً ، وأصبحت أعمل في حقل الدعوة إلى الله في أوساط أقاربي وزملائي بعد أن تعلمت شيئاً من أمر ديني ، وما زلت أسعى إلى المزيد . قلت له: لله الفضل والمنة ، ولكن حدثني كيف أسلمت ؟
قال: قصتي عجيبة: كنت طالباً في المدرسة الثانوية الكاثولكية ، فوجدت في مكتبتها كتاب ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة السواحلية ؛ ولست أدري من وضعه دون أن يعلم القس عن ذلك شيئاً ؛ فتعجبت من وجوده ، ودعاني فضولي إلى تصفحه مبتدئاً بقراءة المقدمة ومعاني سورة الفاتحة ، ومطلع سورة البقرة ، فأدهشني وضوح الفكرة وعمقها ، فأغلقت الكتاب ، والتفت يميناً ويساراً ، وعلى حينَ غفلة من الحضور أخذت الكتاب وخرجت إلى غرفتي في سكن الثانوية الداخلي . حدثت زملائي الستة بما قرأت ، وأريتهم الكتاب ، فعجبوا ، ومكثنا مدة شهرين نقرأ فيه ، ونتناقش إلى أن أتممنا قراءة معاني سورة البقرة .
عند ذلك قررنا جميعاً الدخول في الإسلام ، فدخلنا وواجهتنا محن وإحن ؛ إذ طُرِدْتُ من المدرسة والمنزل ، وأصبحت أواجه العقبات والشدائد الواحدة تلو الأخرى ، ولكنني كنت مقتنعاً بالإسلام ديناً ؛ فعاهدت ربي على اشتراء الآخرة بالدنيا ، وأسأله سبحانه أن يثبتني على ذلك .
انتهى حديث صاحبي فتذكرت عندها قوله في الحديث: عن أبي ذر رضي الله عنه: “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”(أخرجه مسلم:2626).
وجلست أتأمل واقع فئتين من الدعاة: فئة تبذر الخير ، وفئة تحجم عن ولوج طرق كثيرة من أبواب الخير وهي قادرة على ذلك ؛ بحجة أنه لا فائدة تشاهدها من طَرْق تلك الأبواب وولوجها ، أو أن فائدتها يسيرة وأثرها محدود لا يستحق البذل والعطاء . وأدركت عندها من قصة هذا الأخ خطأ الفئة الأخيرة في حق نفسها وأمتها ؛ لأنها تستوعب أن مهمة الرسل عليهم السلام والدعاة تبع لهم استفراغ الوسع في البلاغ ، والبلاغ وحده ، كما قال عز وجل: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ)[المائدة: 99] ، أما النتائج وتحقيق المكاسب فأمره إلى الله عز وجل كما قال مخاطباً نبيه: (إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)[القصص: 56].
ولا يعني ذلك دعوة إلى ترك التخطيط للدعوة وعدم أهمية ترتيب الأولويات ؛ فذاك أمر متحتم على الدعاة والمصلحين . كما لا يعني ذلك دعوة إلى عدم التخصص في بعض الأعمال الدعوية التي تشعبت واتسعت وصار واجباً على الدعاة فعلُ ذلك لإسقاط الواجب الكفائي على الأمة في القيام بها (مجلة البيان المؤلف: تصدر عن المنتدى الإسلامي لا تحقرن من المعروف شيئاً بقلم: أيمن بن سعيد:120-135).
الاشعار
1- رحم الله من قال: رأيت أذى احتقار الناس أقسى *** عليهم من أذى الموت الزؤام
(جريدة البصائر سنة 1937وانظر ديوان محمد العيد آل خليفة المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ) الناشر: دار الهدى، عين مليلة – الجزائر عام النشر: 2010 (1/142).
2- قال ابن المعتز ناظما:
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماش فوق *** أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
(موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29 جمع وإعداد: علي بن نايف الشحود (36/494).
متفرقات
1- قال أبو حازم -رحمه اللّه تعالى-: "لا تكون عالما حتّى يكون فيك ثلاث خصال: لا تبغ على من فوقك، ولا تحتقر من دونك، ولا تؤثر على علمك دنيا.(رواه الدارمي:1-100).
2- قال ابن كثير- رحمه اللّه تعالى- في معنى قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ ..) الآية. [الحجرات:11]. ينهى تعالى عن السّخرية بالنّاس واحتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: “الكبر بطر الحقّ وغمط النّاس” والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام، فإنّه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند اللّه تعالى وأحبّ إليه من السّاخر منه، المحتقر له ولهذا قال اللّه تعالى: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم: 11] أي أنّه يحتقر النّاس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنّميمة.(تفسير ابن كثير).
الإحالات
1- أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة د/محمود عبد الرازق الرضواني السابع من شعبان سنة 1426هـ الحادي عشر من سبتمبر سنة 2005م الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م (3/119) .
2- مدخل إلى علم العقيدة تأليف : د. محمد يسري (1/185) .
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ) المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: دار الحديث – القاهرة الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995 م (7/346) .
4- شرح السنة المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 516هـ) تحقيق: شعيب الأرنؤوط-محمد زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - دمشق، بيروت الطبعة: الثانية، 1403هـ - 1983م (13/84) .
5- مجلة البيان المؤلف : تصدر عن المنتدى الإسلامي لا تحقرن من المعروف شيئاً بقلم :أيمن بن سعيد (120/135) .
6- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (9/4135) .
7- مفسدات الأخوة تأليف: أبي عاصم هشام بن عبد القادر بن محمد آل عقدة .
8- مجلة البيان، العدد (200)، ربيع الآخر 1425 - مايو - يونيو 2005 لا تحقرن نفسك - نجيب الحيدري .
9- رسائل ابن حزم الأندلسي المؤلف : ابن حزم المحقق : إحسان عباس الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر عنوان الناشر : بناية برج الكارلتون - ساقية الجنزير- بيروت - لبنان - ت 807900/1. برقياً - موكيالي - بيروت - ص.ب: 11/546 بيروت (1/348) .
10- فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر : دار المعرفة - بيروت ، 1379 تحقيق : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (10/445) .