إمارة
2022-10-09 - 1444/03/13التعريف
الإمارة لغة: الإمارة بالكسر، والإمرة: الولاية، يقال: أَمَرَ الرجلُ يَأْمُرُ إِمارةً إِذا صار عليهم أَميراً [لسان العرب مادة ( أمر ) ] .
وفي الاصطلاح : الإمارة هي: الرئاسة العليا في دولة من الدول، أو في بلد من البلدان. تنقسم الإمارة إلى عامة وخاصة: أما العامة: فالمراد بها الخلافة أو الإمامة الكبرى، وهي فرض كفاية.
وأما الإمارة الخاصة: فهي لإقامة فرض معين من فروض الكفاية دون غيره، كالقضاء والصدقات والجند إذا دعت الحاجة إلى ذلك التخصيص. وقد يكون التخصيص مكانيا، كالإمارة على بلد أو إقليم خاص. كما يكون زمانيا، كأمير الحاج ونحوه. والإمارة الخاصة من المصالح العامة للمسلمين والمنوطة بنظر الإمام. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينيب عنه عمالا على القبائل والمدن، وفعل ذلك الخلفاء الراشدون. وعدها أصحاب كتب الأحكام السلطانية من الأمور اللازمة على الإمام، فيجب عليه أن يقيم الأمراء على النواحي والجيوش والمصالح المتعددة فيما لا يستطيع أن يباشره بنفسه [الموسوعة الفقهية 6/196]، [الموسوعة الجنائيةالإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بهافي المملكة العربية السعودية لسعود بن عبد العالي البارودي العتيبي عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام] .
العناصر
1- حقيقة التطلع للإمارة في ضوء النصوص الشرعية .
2- خطورة حب الرئاسة والرغبة في الصدارة .
3- مظاهر الحرص على الإمارة .
4- مفاسد الحرص على الإمارة على مستوى الفرد والجماعة .
5- أسباب الرغبة في الزعامة والتطلع للصدارة .
6- طرق العلاج لمرض حب الصدارة وطلب الإمارة .
7- التوازن بين كراهية الإمارة ووجوب قيادة الناس بالكتاب والسنة .
8- الفرق بين حب الإمارة وصدق الحرقة على العمل الدعوي .
9- وجه الجمع بين النهي عن طلب الإمارة وطلب يوسف عليه السلام من الملك أن يجعله على خزائن الأرض .
10- أهمية الكشف عن القدرات .
الايات
1- قال الله تعالى: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55].
2- قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].
الاحاديث
1- عن أَبي سعيدٍ عبدِ الرحمانِ بن سَمُرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا عَبْدَ الرَّحمان بن سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإمَارَةَ؛ فَإنّكَ إن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ) متفقٌ عَلَيْهِ.
2- عن أَبي ذرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إنِّي أرَاكَ ضَعِيفاً، وَإنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لاَ تَأمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) رواه مسلم.
3- عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله، ألا تَسْتَعْمِلُني؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبي، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنّها أمانةٌ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) رواه مسلم.
4- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتَكونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري.
5- عن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أحَدُهُمَا: يَا رسول الله، أمِّرْنَا عَلَى بَعْض مَا ولاَّكَ اللهُ عز وجل، وقال الآخَرُ مِثلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: (إنَّا وَاللهِ لاَ نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أحَداً سَألَهُ، أَوْ أحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ) متفقٌ عَلَيْهِ.
الاثار
1- عن عمر بن الخطاب قوله: " لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن ". رواه الخطيب في تاريخه.
2- قال عثمان رضي الله عنه: " إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " البداية والنهاية.
3- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة ". فقيل يا أمير المؤمنين: هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ فقال: " يقام بها الحدود وتأمن بها السبل ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء " مجموع الفتاوى.
4- قال إبراهيم بن أدهم: " الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الذهب والفضة؛ لأنك تبذلهما في تحصيلها " مواعظ الإمام إبراهيم بن أدهم للشيخ صالح الشامي.
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وطالب الرئاسة -ولو بالباطل- ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه وإن كانت باطلاً، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقاً, والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه، وتغضبه كلمة الباطل له وعليه؛ لأن الله تعالى يحب الحق والصدق والعدل ويبغض الكذب والظلم " مجموع الفتاوى.
القصص
1- عن ابن عمر، قال: بعث إلي علي، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! إنك رجل مطاع في أهل الشام، فسر فقد أمرتك عليهم.
فقلت: أذكرك الله، وقرابتي من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وصحبتي إياه، إلا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت عليه بحفصة، فأبى.
فخرجت ليلاً إلى مكة، فقيل له: إنه قد خرج إلى الشام.
فبعث في أثري، فجعل الرجل يأتي المربد، فيخطم بعيره بعمامته ليدركني.
قال: فأرسلت حفصة: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة. فسكن.
قيل: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة بعد معاوية بن يزيد، فأبى.
2- لما استخلف الوليد بن عبد الملك عزل حسان بن النعمان، وبعث نواباً عوضه، وحرضهم على الغزو.
فقدم حسان على الوليد بأموال عظيمة وتحف، وقال: يا أمير المؤمنين: إنما ذهبت مجاهداً، وما مثلي من يخون.
قال: إني رادك إلى عملك، فحلف إنه لا يلي شيئا أبداً، وكان يدعى الشيخ الأمين.
3- أن يزيد بن المهلب لما ولي خراسان قال: دلوني على رجل كامل لخصال الخير، فدُلَّ على أبي بردة الأشعري.
فلما جاء، رآه رجلاً فائقاً، فلما كلمه رأى من مخبرته أفضل من مرآته، فقال: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أيها الأمير، ألا أخبرك بشيء حدثنيه أبي، إنه سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: هاته.
قال: إنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تولى عملا وهو يعلم أنه ليس لذلك العمل بأهل، فليتبوأ مقعده من النار".
وأنا أشهد أيها الأمير أني لست بأهل لما دعوتني إليه.
فقال: ما زدت على أن حرضتنا على نفسك ورغبتنا فيك، فاخرج إلى عهدك فإني غير معفيك، فخرج ثم أقام فيهم ما شاء الله أن يقيم، فاستأذن في القدوم عليه، فأذن له، فقال: أيها الأمير ألا أحدثك بشيء حدثنيه أبي سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجراً)، وأنا سائلك بوجه الله إلا ما أعفيتني أيها الأمير من عملك، فأعفاه.
4- عن ميمون بن مهران قال: " إني وددت أن إصبعي قطعت من هاهنا، وإني لم أَلِ لعمر بن عبد العزيز، ولا لغيره ".
5- وعنه أيضاً: وددت أن إحدى عيني ذهبت، وأني لم أَلِ عملاً قط، لا خير في العمل لعمر بن عبد العزيز، ولا لغيره.
قال الذهبي: كان ولي خراج الجزيرة وقضاءها وكان من العابدين.
6- وروى حبيب بن أبي مرزوق، عن ميمون: وددت أن عيني ذهبت، وبقيت الاخرى أتمتع بها، وأني لم أل عملا قط، قلت له: ولا لعمر بن عبد العزيز؟ قال: لا لعمر ولا لغيره.
7- عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته، وعنده أشراف بني أمية، فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا من هذه الأجناد، فقال له رجل منهم: لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال: ترون بساطي هذا؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى، وإني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم، فكيف أوليكم ديني ؟ وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم ؟ هيهات هيهات، قالوا: لم أمالنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال: ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء، إلا رجل حبسه عني طول شقة.
8- أرسل عمر بن الخطاب سعيد بن عامر إلى حمص والياً وأميراً، وكان سعيد بن عامر من أزهد الناس وأعبدهم ، ومن أصدق الناس مع رب الناس ، فذهب سعيد بن عامر فتولى ولاية حمص ، ومكث عندهم سنوات ، وكان من خيرة الناس، يعيش عيشة الفقير، ومرَّ عمر على أمرائه يسألهم، ويسأل الرعايا عن الأمراء ، ويحاكمهم أمام الناس، فلما وصل إلى حمص سأل أهل حمص عن سعيد بن عامر ، فقالوا: فيه كل خير، من أصدق الناس ، ومن أعبدهم وأزهدهم لولا أن فيه أربع خصال ، قال عمر : وما هي؟ قالوا: لا يخرج لنا حتى يتعالى النهار -أي يتأخر في دوامه-، قال عمر : هذه واحدة -وعمر عنده درَّة يؤدب بها-، قال: والثانية؟، قالوا: وله يوم في الأسبوع لا يخرج إلينا فيه، قال: والثالثة؟، قالوا: لا يخرج إلينا في ليل مهما طرقنا على بابه، قال: والرابعة؟، قالوا: إذا أصبح في مجلس الحكم أُغمي عليه حتى يُرش بالماء، قال عمر -وقد ترقرقت عيناه بالدموع-: اللهم لا تخيب ظني في سعيد بن عامر، قم يا سعيد! رد على نفسك -هذا حكم ومناصفة والرعية جلوس-، قال سعيد: والله لوددتُ أن أستر هذا الأمر، لكن ما دام أنهم تكلموا؛ فأما قولهم يا أمير المؤمنين: أني لا أخرج إلا إذا تعالى النهار، فامرأتي مريضة وليس لي خادم، فأجلس في بيتي، وأصنع طعام إفطاري، أصلي الضحى، ثم أخرج إليهم، قال: والثانية؟، قال: وأما قولهم: لا أخرج لهم بليل، فقد جعلتُ لهم النهار، وجعلتُ لربي الليل أصلي وأدعو الله حتى السحر، قال: والثالثة؟، قال: وأما قولهم: إن لي يوماً لا أخرج فيه إليهم، فيوم أغسل ثيابي فيه، قال: والرابعة؟، قال: وأما الرابعة فإنني حضرتُ مقتل خبيب بن عدي في مكة وأنا مشرك وهو مسلم فما نصرتُه، فكلما تذكرتُ ذاك اليوم أُغمي عليَّ، فتهلل وجه عمر، وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك، قال سعيد بن عامر: يا أمير المؤمنين! والله لا أتولى لك ولاية بعدها أبداً.
ثم ترك الولاية وخرج، ولكن ما تركه عمر يخرج حتى حاسبه في الأموال وفي الخزائن وفي الأحكام، وعرض عليه الدواوين، فوجده ما أخذ درهماً ولا ديناراً، وإنما خرج كما دخل، بصحفة وشملة وعصا.
9- قال الزبير بن بكار كان فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس وعرض عليه أمير المؤمنين الرشيد قضاء المدينة وجائزة أربعة آلاف دينار فامتنع وأبى أمير المؤمنين إلا أن يلزمه ذلك فقال والله يا أمير المؤمنين لأن يخنقني الشيطان أحب إلي من أن ألي القضاء فقال الرشيد ما بعد هذا غاية وأعفاه من القضاء وأجازه بألفي دينار. تهذيب الكمال
متفرقات
1- قال الشيخ ابن عثيميين رداً على سؤال نصه (ما حكم الإمارة في الحضر ، مثلاً شباب في شقة أو معسكر أقيم داخل المدينة أو غيرها ويجعلون عليهم أميراً ؟) : الذي ورد تخصيص ذلك بالسفر ، لأنهم في السفر يحتاجون إلى آراء يرفعونها إلى رئيسهم أو أميرهم ، فأما في الحضر فالغالب أن كلاً منهم يشتغل بنفسه ، ولا يحتاجون إلى أمير . ويمكن أن يُرئسوا عليهم رئيساً في مجتمعهم ، إذا كانوا مثلاً في شقة يقولون : نحن نحتاج إلى تدبير أمرنا في هذه الشقة ، نجعل لك الرئاسة أو الإمارة يا فلان ، بحيث يعرضون عليه تدبير شأن المنزل ، كنوع المأكل مثلاً ، وتحديد وقت الراحة ، وتحديد المشتروات اللازمة وغيرها ، يعرضونها عليه ، وتوافقوا على رأيه صح ذلك إن شاء الله [فتاوى الإسلام سؤال وجواب بإشراف : الشيخ محمد صالح المنجد سؤال رقم (1094) ] .
2- قال الماوردي رحمه الله: فأما الإمارة الخاصة ، فهو أن يكون الأمير مقصور الإمارة على تدبير الجيش وسياسة الرعية وحماية البيضة والذب عن الحريم ، وليس له أن يتعرض للقضاء والأحكام ولجباية الخراج والصدقات . فأما إقامة الحدود فما افتقر منها إلى اختيار لاختلاف الفقهاء فيه وافتقر إلى إقامة بينة لتناكر المتنازعين فيه فليس له التعرض لإقامتها لأنها من الأحكام الخارجة عن خصوص إمارته ، وإن لم يفتقر إلى اختيار ولا بينة أو افتقر إليهما فنفذ فيه اجتهاد الحاكم أو إقامة البينة عنده فلا يخلو أن يكون من حقوق الله سبحانه أو من حقوق الآدميين . فإن كان من حقوق الآدميين كحد القذف والقصاص في نفس أو طرف كان ذلك معتبرا بحال الطالب ، فإن عدل عنه إلى الحاكم كان الحاكم أحق باستيفائه لدخوله في جملة الحقوق التي ندب الحاكم إلى استيفائها ، وإن عدل الطالب باستيفاء الحد والقصاص إلى هذا الأمير كان الأمير أحق باستيفائه ، لأنه ليس بحكم وإنما هو معونة على استيفاء الحق وصاحب المعونة هو الأمير دون الحاكم ، فإن كان هذا الحد من حقوق الله تعالى المحضة كحد الزنا جلدا أو رجما فالأمير أحق باستيفائه من الحاكم لدخوله في قوانين السياسة وموجبات الحماية والذب عن الملة ، ولأن تتبع المصالح موكول إلى الأمراء المندوبين إلى البحث عنها دون الحكام المرصدين لفصل التنازع بين الخصوم فدخل في حقوق الإمارة ولم يخرج منها إلا بنص وخرج من حقوق القضاء فلم يدخل فيها إلا بنص . وأما نظره في المظالم ، فإن كان مما نفذت فيه الأحكام وأمضاه القضاة والحكام ؛ جاز له النظر في استيفائه معونة للمحق على المبطل وانتزاعا للمحق من المعترف المماطل ، لأنه موكول إلى المنع من التظالم والتغالب ومندوب إلى الأخذ بالتعاطف والتناصف ، فإن كانت المظالم مما تستأنف فيها الأحكام ويبتدأ فيها القضاء منع منه هذا الأمير لأنه من الأحكام التي لم يتضمنها عقد إمارته وردهم إلى حاكم بلده ؛ فإن نفذ حكمه لأحدهم بحق قام باستيفائه إن ضعف عنه الحاكم ، فإن لم يكن في بلده حاكم عدل بها إلى أقرب الحكام من بلده إن لم يلحقهما في المصير إليه مشقة ، فإن لحقت لم يكفلهما ذلك واستأمر الخليفة فيما تنازعا ، ونفذ حكمه فيه . وأما تسيير الحجيج من عمله فداخل في أحكام إمارته ، لأنه من جملة المعونات التي ندب لها . فأما إمامة الصلوات في الجمع والأعياد ، فقد قيل إن القضاة بها أخص وهو بمذهب الشافعي أشبه ، وقيل إن الأمراء بها أحق وهو بمذهب أبي حنيفة أشبه ، فإن تاخمت ولاية هذا الأمير ثغرا لم يكن له أن يبتدئ جهاد أهله إلا بإذن الخليفة وكان عليه حربهم ودفعهم إن هجموا عليه بغير إذنه لأن دفعهم من حقوق الحماية ومقتضى الذب عن الحريم [الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي (1/53) ] .
3- وقال أيضاً: وشروط الإمارة الخاصة تقصر عن شروط الإمارة العامة بشرط واحد وهو العلم لأن لمن عمت إمارته أن يحكم وليس ذلك لمن خصت إمارته : وليس على واحد من هذين الأميرين مطالعة الخليفة بما أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إذا كان معهودا إلا على وجه الاختيار تظاهرا بالطاعة ، فإن حدث حادث غير معهود أوقفاه على مطالعة الإمام وعملا فيه بأمره ، فإن خافا من اتساع الخرق إن أوقفاه قاما بما يدفع هجومه حتى يرد عليهما إذن الخليفة فيما يعملان به لأن رأي الخليفة لإشرافه على عموم الأمور أمضى في الحوادث النازلة [الأحكام السلطانية المؤلف : الماوردي (1/55) ] .
4- قال الشوكاني بعد أن ذكر أحاديث الإمارة في السفر: فيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليه أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف، فمع عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى [نيل الأوطار: 8/256 ] .
5- قال الشيخ خالد بن عبدالعزيز الهويسين: مسائل الإمارة في السفر - من السنة أن يؤمَّر في السفر وقد دلت عليه الأحاديث الصحاح وهكذا كانت سيرته وفعله .
- من يصلح أن يكون أميراً في السفر ؟ أن يكون عالماً بالحلال والحرام وأن يكون ذا عقل يمنعه من التصرفات الرديئة مع الصحبة وأن يكون ذا فطنة حتى لا يخدع من صحبته ولا من غيرهم وأن يكون ذا عبادة وأن يكون حليماً رفيقاً بمن معه وأن يكون صاحب إيثار لغيره على نفسه من مطعم وأن يحاول أن يجمع قلوب رفقته بعضهم على بعض .
- ليس معنى أنه صار أميراً عليهم أن له الإمارة المطلقة .
- هذه الإمارة لها بداية ونهاية بدايتها السفر ونهايتها الرجوع من السفر .
- إذا ذهب جماعة ولم يؤمروا عليهم أحدهم فقد خالفوا السنة فقد جاء في بعض الروايات وإن كان فيها ضعف أنه يتأمر عليهم إبليس فكيف بجماعة أميرهم إبليس ؟!
- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . - إذا أمرهم بترك أمر مستحب هل يطيعونه ؟ إذا كان في ذلك مصلحة فإنهم يطيعونه من أجل جمع القلوب والكلمة وإلا فلا [مذكرة الحج أكثر من 675 مسألة فقهية في الحج لفضيلة الشيخ :خالد بن عبدالعزيز الهويسين جمعها :أبو مجاهد المضيَّاني (1/11) ] .
6- قال الشيخ علي بن نايف الشحود: حرص الإسلام على عدم تفرق الأمة حفاظاً على قوتها ولحمتها ، وذلك من خلال الأمر بتنصيب إمام يكون المسلمون كلهم تحت إمرته ، ومن الأدلة على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ( من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتةً جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها ، وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ولست منه ) .
فهذا الحديث الشريف يبين وجوب طاعة الإمام ، واعتبار من خالفه وخرج عنه من المتصفين بصفات الجاهلية ، أعاذنا الله من ذلك ، فالمسلمون يجتمعون تحت راية واحدة ، تحت نظام واحد ، تحت إمرة أمير واحد ، وإلا فالنتيجة التفرق والاختلاف ، وهذا ما ذمه الشارع ونهى المسلمين عنه ، فالمسلمون أين ما كانوا لا بد لهم من وجود نظام ينتظمون به يحافظ على وحدتهم وألفتهم ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن عمر أنه قال : ( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم ذا أمير أمره رسول الله ) .
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين. وهذا الأثر ثابت صحيح له حكم الرفع ، ولا خلاف في ذلك ، والعلة من تأمير الأمير في السفر الحفاظ على وحدة الجماعة ، إذ المسافر منقطع عن الإمارة الحقيقية ، لذا جاء تقيد الإمارة في السفر دون غيره ، مما يدلنا ذلك على وجوب اجتماع المسلمين في الحضر والسفر ، أما في الحضر ، فمن خلال طاعتهم لإمام المسلمين ، وأما حال انقطاعهم عن إمارة الأمير العام ، كأن يكونوا في سفر ، فمن خلال أمير السفر ، والجماعة اليوم قائمة وستبقى قائمة إلى يوم القيامة ، واحتمال تفرقها قائم ، وعليه لا بد للجماعة من أمير ينظم شؤونها ، ويجمع بين أفرادها حتى يتحقق لها الاجتماع ، وهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل أكبر ، فليس المجال مجال تفصيل [موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (ص 11) ] .
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها . فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ». رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة . وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم » فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع . ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة . وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم . وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ؛ ولهذا روي : أن السلطان ظل الله في الأرض. ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان . والتجربة تبين ذلك .
ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما - يقولون : لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم » . رواه مسلم . وقال : « ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم » . رواه أهل السنن .
وفي الصحيح عنه أنه قال : « الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم »
فالواجب اتخاذ الأمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله ؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات . [مجموع الفتاوى المؤلف : أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني المحقق : أنور الباز - عامر الجزار الناشر : دار الوفاء الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م (28/390) ] .
الإحالات
1- موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29 جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن والسنة (54/138) ] .
2- مذكرة الحج أكثر من 675 مسألة فقهية في الحج لفضيلة الشيخ :خالد بن عبدالعزيز الهويسين جمعها :أبو مجاهد المضيَّاني (1/11) .
3- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (ص 11) .
4- مجموع الفتاوى المؤلف : أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني المحقق : أنور الباز - عامر الجزار الناشر : دار الوفاء الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م (28/390) .