إجرام
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
الإجرام لغة:
مصدر أجرم يجرم. وهو مأخوذ من مادّة (ج ر م) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك: الجرام لصرام النّخل، والجرامة ما سقط من التّمر إذا جرم، والجرم والجريمة بمعنى الذّنب من ذلك. لأنّه كسب، والكسب اقتطاع، والجسد جرم لأنّ له قدرا وتقطيعا.
وقال الرّاغب: أصل الجرم: قطع الثّمرة عن الشّجر، وقولهم: أجرم: صار ذا جرم نحو: أثمر وأتمر أي صار ذا ثمر وتمر، واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال ذلك للمحمود، ويقال: الجرم: الجسد، والجرم اللّون، والجرم: الصّوت، أمّا الجرم (بالضّمّ) فهو الذّنب، والجريمة مثله، تقول من ذلك: جرم وأجرم، واجترم بمعنى.
وقال ابن منظور: الجرم (بالضّمّ) التّعدّي، والجرم: الذّنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية، وأمّا جرم (بالضّمّ) فمعناه: عظم جرمه.
والجرم مصدر الجارم الّذي يجرم نفسه وقومه شرّا،
والجارم: الجاني، والمجرم: المذنب.
وقد أنشد أبو عبيدة للهيردان السّعديّ أحد لصوصهم:
طريد عشيرة ورهين جرم *** بما جرمت يدي وجنى لساني [مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 445)، والصحاح (5/ 1885، 1886)، والنهاية لابن الأثير (1/ 262)، ولسان العرب لابن منظور (1/ 604) ط. دار المعارف] .
الإجرام اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات في التّراث الإجرام ضمن ما ذكرته من مصطلحات، ولكنّها عرّفت الجرم: بأنّه الذّنب العظيم، وعرّفت الذّنب بأنّه: فعل محرّم يقع المرء عليه عن قصد فعل الحرام ويكون ذلك بين العبد وربّه وبين العبد والعبد [انظر الكليات للكفوى (114، 503) ] . وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنّه: فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد سواء أكان ذلك في حقّ المولى أو في حقّ العباد.
أمّا في كتب القانون والمصطلحات الحديثة، فقد أخذ مصطلح الإجرام والجريمة بعدا اجتماعيّا وقانونيّا واسعا فقيل: الجريمة: كلّ فعل يعود بالضّرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون. [معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (90) ] .وقال بعض الباحثين المحدثين: الجريمة: محظورات شرعيّة زجر اللّه عنها بحدّ أو تعزير، والمحظورات إمّا فعل منهيّ عنه، أو ترك فعل مأمور به، ومن ثمّ يكون الإجرام: إتيان فعل محرّم معاقب على فعله، أو هو: فعل أو ترك نصّت الشّريعة على تجريمه والعقاب عليه.[التشريع الجنائى الإسلامى (66) ] .
ومن ثمّ يشمل الإجرام فعل المحظورات كالسّرقة والزّنا والقتل وما أشبهها، وترك المأمورات من نحو ترك الصّلاة والامتناع عن دفع الزّكاة، أو ترك الدّين بالكلّيّة كالارتداد.
العناصر
1- معنى الإجرام .
2- عاقبة المجرمين .
3- إجرام المنافقين أعظم من إجرام سائر الكفار .
4- الإجرام كلمة عامة يدخل فيها الكافر والمنافق والفاسق .
5- إجرام من زاد في شرع الله أكبر ممن نقص منه .
6- الجهر بالمعاصي والفساد في الأرض والإعراض عن دين الله من عمل المجرمين .
7- الصد عن سبيل الله وتخويف الدعاة المصلحين من عمل المجرمين .
8- فهم الواقع ومعرفة سبيل المجرمين من الأصول التي ينبغي ألا تغفلها الدعوات الإسلامية .
9- قسوة قلوب المجرمين .
10- من وسائل الثبات على دين الله معرفة سبيل المجرمين ودراسة خطط أعداء الإسلام .
11- صور من إجرام الشيعة تبين حقدهم الدفين مع أهل السنة .
الايات
1- قول الله تعالى: (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [ الأنعام: 54- 55] .
2- قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ * ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ * ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) [ يونس: 71- 75] .
3- قوله تعالى: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ) [ هود: 115- 116] .
4- قوله تعالى: (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [ القصص: 76- 77] .
5- قوله تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [ الأنفال: 7- 8] .
6- قوله تعالى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً * لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً * وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً * وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [ مريم: 85- 95] .
7- قوله تعالى: (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ * وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) [ الأنعام: 122- 124] .
8- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [ الأعراف: 40- 41] .
9- قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) [ التوبة: 64- 66] .
10- قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [ السجدة: 22] .
11- قوله تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ * لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [ الزخرف: 74- 78] .
الاحاديث
1- عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته" [رواه البخاري- الفتح 13 (7289) ] .
2- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّه قيل لها: إنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ». قالت: وهل أبو عبد الرّحمن إنّما قال:«إنّما أهل الميّت يبكون عليه، وإنّه ليعذّب بجرمه" [رواه البخاري- الفتح (1286) ومسلم (931) وأحمد (6/ 57) ومالك في «الموطأ» (1/ 243) والنسائي (4/ 17) ] .
3- عن وائل بن حجر- رضي اللّه عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للحضرميّ: "ألك بيّنة؟" قال: لا. قال: "فلك يمينه". قال: يا رسول اللّه، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: "ليس لك منه إلّا ذلك". فانطلق ليحلف، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا أدبر: " أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ اللّه وهو عنه معرض"[رواه مسلم (139) ] .
4- عن ثعلبة بن زهدم اليربوعيّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب في أناس من الأنصار. فقالوا: يا رسول اللّه، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانا في الجاهليّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهتف بصوته: "ألا لا تجني نفس على الأخرى"[رواه النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4493) ] .
الاثار
1- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- أنّه قال: إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا.[البخاري- الفتح 11 (6308) ] .
2- قال ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما-: خمس لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها فإنّ الحليم يقليك، وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام [كتاب الصمت، لابن أبي الدنيا (ص 264- 265) ] .
القصص
1- روي عن منصور بن عمار قال: خرجت ليلة وظننت أني أصبحت، وإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير، فإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك حين عصيتك وما أنا بنكالك جاهلاً، ولا لعقوبتك متعرضاً، ولا بنظرك مستخفاً، ولكن سولت لي نفسي، وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فالآن مِن عذابك مَن يستنقذني؟ وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي؟ ويا ويلي كم أتوب وكم أعود، وقد حان لي أن أستحي من ربي. قال منصور: فلما سمعت كلامه قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم:6].
قال: فسمعت صوتاً واضطراباً شديداً, ومضيت لحاجتي، فلما أصبحنا، رجعت وإذا أنا بجنازة على الباب، وعجوز تذهب وتجيء، فقلت لها: من الميت؟ فقالت: لا تجدد علي أحزاني، قلت: إني رجل غريب، فقالت: هذا ولدي، مر بنا البارحة رجل، لا جزاه الله خيراً، فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار! سبحان من وفق للتوبة أقواماً، وثبت عليها أقداماً أيا من ليس لي منه مجير بعفوك من عذابك أستجير فإن عذبتني فبسوء فعلي وإن ترحم فأنت به جدير.
2- بسم الله قصة تهزّ الوجدان قصة من أحسن القصص ومن أصحّ القصص ما خطتها يد كاتب ولا تدخّلت فيها أيدي القصاص. هذه القصة لرجل أساء بل بالَغ في الإساءة وظلم وتجاوز الحدّ فيالظُّلم أسرف على نفسِه.أساء وتعدّى وظلم. كأني انظرُ إليه...يقطُرُ سيفَه دما. قد أحاطت به خطيئتُه. قلبُه يهزأُ بالصخر قساوةً. ومحاجِرُه قد تحجّرتْ. فلا قلبُه يَخشع، ولا عينُه تدمع. وقد استعاذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قلبٍ لا يخشع. كما عند مسلم أما الرجل صاحب القصة فرجلٌ من بني إسرائيل. خطيئتُه كُبرى. وجريمتُه نُكرى. فما خطيئتُه؟ وأيُّ ذنبٍ ارتكبَه؟وأيّ جُرمٍ أتى به؟لقد سَفَكَ الدّمَ الحرام بغير حِلِّه. وأزهق أنفُساً بريئة. أتُرونَهُ قتلَ نفساً؟لا. قتلَ عشراً؟ لا. لا والله بل قتلَ تسعةً وتسعينَ نفساً. ما أبشعه من جُرم!. وما أعظمها من خطيئة! لكنّه أحسَّ بالنّدم. وشَعَرَ بخطورةِ الأمر. وبفَدَاحةِ الخَطْب، فردّدَ: هلْ لي من توبة تساءل، وكرّرَ السؤال فدُلَّ على غيرِ دليل، دُلَّ على عابدٍ ما استنار بنور العِلم. فتعاظمَ الخطيئةَ وحَجّرَ واسعاً، فحجّر رحمة الله التي وسعت كلّ شيء. فقال: لا. أبعدَ قتلِ تسعةً وتسعينَ نفسا، ليس لك من توبة. فما كان منهُ إلا أن استلَّ سيفَه، وأطاحَ برأسِه. فأتمَّ به المائة. وعلى نفسِها جَنَتْ بَراقِش!!
غير أن السّؤالَ ما زالَ يترددُ صَدَاه، ويهتفُ به. فأعادَ السؤال وكرّره: هل لي منتوبة؟ فدُلَّ على عالمٍ قد أنارَ اللهُ بصيرتَه... قد استنار بنورِ العِلم. فقال العالِم: نَعَمْ. وقد كان هذا الجواب كافياً؛ إذ هو على قدر سؤاله. ولكن كعادة العلماء الربانييين يُشخّصون الداء، ويصفون الدواء، ويُفْتُون السائل ويُرشِدون الضال. فقال له: نعم. وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التّوْبَةِ؟ ثم زاده في الدلالة والإرشاد فقَال لهُ: انْطَلِقْ إِلَىَ أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللّهَ فَاعْبُدِ اللّهَ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرْجِعْ إِلَىَ أَرْضِكَ، فَإِنّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فانطلق الرَّجُل. لا يلوي على شيء. تحمِلُه النِّجاد. وتحطُّه الوِهاد. يُسارعُ الخُطى ويحُثُّ السير. يُريد أرضَ الخير. فلما انَتَصَفَ الطّرِيقُ دنا الأجل، وأَحسَّ بالْمَوْتِ، فنأى بِصَدْرِهِ شوقاً لتلك الدِّيار التي سمِع بها ولم يَرَها.
غيرَ أن الأجلَ كان أسرع، فوافته المنيّة. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ.
فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَىَ اللّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطّ. فأوحى الله إلى هذه أن تقرّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَ. فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ. فَإِلَىَ أَيّتِهِمَا كَانَ أَدْنَىَ، فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَىَ إِلَىَ الأَرْضِ الّتِي أَرَادَ بمسافة شبر واحد.
فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ لقد أقبلَ على الله فأقبلَ اللهُ عليه. بل خَرَقَ لأجْلِهِ نواميسَ الكونِ، بتباعدِ أرضٍ وتقارُبِ أخرى. وأنزلَ مَلَكاً يَحْكُمُ في قضيّته. أيُّ قُربةٍ تقرّبَبها ذلك الرَّجُل؟ وما العملُ الذي قدَّمه؟ لقد تقرّبَ إلى الله بتوبةٍ نصُوح. أتَرونَ اللهَ يفرحُ بتوبةِ عبده وهو سبحانه الغني عن العالمين، وعباده هم الفقراء إليه؟ قال عليه الصلاة والسلام: "للهُ أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضِ فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح" [رواه مسلم (2747)، وانظر الروايات الأخرى للحديث عند مسلم (2744)، (2746) ]. فأيُّ فضلٍ يتفضّلُ به ملِكُ الملوك على عبدٍ أساء وبالغَ في الإساءة. ثم أقبل فأقبلَ اللهُ عليه.
الاشعار
1- يقول الأستاذ أحمد سحنون أجريت عملية جراحية للأخ الكريم الشيخ "عبد اللطيف سلطاني" وهو رهن الإقامة الجبرية بمنزله "بالقبة" وبلغني النبأ الفاجع وأنا مثله رهن الإقامة الجبرية وبلغني أنه لا ينام لشدة الآلام، فبت ليلتي في أرق شديد ولما أسفر الصبح لم أشعر إلا وهذا البيت يجري على لساني:
أأنام ولي أخ لا ينام*** من جراحاته التي لا تنام؟
فنظمت على أساسه القصيدة التالية وفاء لأخوة الشيخ!
أخ لا ينام
أأنام ولي أخ لا ينام؟ *** من جراحاته التي لا تنام؟
نزعت منه قطعتان لذا في *** موضعين من جسمه آلام
قطعة من جبينه حيث يهوي *** بالسجود وكله استسلام
وأزيلت من رجله القطعة الأخرى *** فتشكو آلامها الأقدام
وإذا ما أضيف جرح بقلب *** دونه ما تحسه الأجسام
وأضيفت إليها علة السنن *** تزيد الآلام والأسقام عا
ش "عبد الطيف" يدعو إلى *** الله جريئا كأنه الضرغام
فأثار الأحقاد في الأنفس المرضى *** التي لا يروقها الإسلام
فأشارت بأن يوجه للشيخ *** اتهام يبنى عليه انتقام
نفذ الأمر ثم هوجم ليلا *** ما له جنحة ولا إجرام
وهو قد جاوز الثمانين في العمر *** فأين العقول والأحلام؟
أأنام إذن- وفي بلدي ما *** ليس يرضى وجود الإسلام؟
أأنام ملء الجفون وبيت الله *** يشكو قد غاب عنه الإمام؟
أأنام وليس في أي قطر *** من بلاد الإسلام حد يقام؟
إن إفلاسنا كبير لأنا *** لم يعد بالتراث منا اهتمام
ما بنينا مجدا ولكن هدمنا *** ما بناه لنا الجدود العظام
[ديوان الشيخ أحمد سحنون (2/221) ] .
متفرقات
إن تحليل الجريمة كسلوك واقعي لا يكون بمعزل عن دراسة شخصية صاحب هذا السلوك؛ فدراسة المجرم تساعد على إدراك وتفسير الجريمة، كما أن دراسة الجريمة غايتها علاج المجرم وتوقي خطورته. فالجريمة في جوهرها، هي تعبير عن خلل عضوي أو نفسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو جميعها معا مع بقاء بعض صور الجرائم التي تختلف من حيث طبائعها الإجرامية كون أنه توجد نماذج إجرامية تتسم من ناحية بتفرد الفاعل عن غيره من سائر المجرمين ومن ناحية أخرى بخصوصية السلوك الإجرامي ذاته عن باقي المسالك الإجرامية عموما. ولقد تعددت الاتجاهات والمذاهب في تحليلها للظاهرة الإجرامية؛ فمنها ما يرد الجريمة إلى شخصية الفرد نفسه، ومنها ما يردها إلى التكوين العضوي للمجرم.وهذا هو التحليل العضوي للجريمة إضافة إلى ذلك، قد يظل البحث عن تفسير الظاهرة الإجرامية في نطاق العوامل الداخلية ذاتها، وإنما باللجوء تحديدا إلى العوامل المتعلقة بالتكوين النفسي للفرد؛ سواء ما يتعلق بمنطقة الشعور أو اللاشعور لديه، وهذا هو التحليل النفسي للجريمة. بالإضافة إلى التحليلين العضوي والنفسي، فهناك مدارس تهتم بالعوامل الاجتماعية أي بعوامل وظروف بيئية خارجة عن الفرد في تحليل الجريمة، كما أنه تتنوع هذه المدارس فيما بينها فمنها ما يعطي الدور الأكبر إلى الظروف الاقتصادية أو الثقافية أو الجغرافية...إلى آخره، وتكون هذه المدارس قوام ما يعرف بالتحليل الاجتماعي للجريمة. لكن تجدر الإشارة إلى أن المدارس السابقة في تحليلها للظاهرة الإجرامية تقتصر على عامل بعينة فنعطى له الدور الأكبر في تفسير الظاهرة، وترفض الاعتراف بالعوامل الأخرى أو تمنحها دورا ثانويا في تفسير الجريمة، لهذا ظهرت في الدراسات الإجرامية مذاهب واتجاهات أخرى لا ننكر دور كل العوامل السابقة في إنتاج ظاهرة الجريمة، وتسمى هذه المذاهب بمدارس التحليل التكميلي. وهكذا يمكن لنا حصر مدارس تحليل الظاهرة الإجرامية في أربع: التحليل العضوي وهو يضم المدارس البيولوجية المختلفة بدءا من المدرسة اللمبروزية حتى وقتنا الحاضر والتحليل النفسي الذي يشمل كافة التفسيرات الخاصة بالجانب النفسي والسيكولوجي للإنسان، والتحليل الاجتماعي وهو يرصد دور كافة الظروف الخارجية عن الفرد، وأخيرا هناك التحليل التكميلي الذي يرى الظاهرة الإجرامية باعتبارها ناتج عن مجموعة متعددة ومتنوعة، وقد تكون متناقضة من العوامل الداخلية أو الخارجية. والتحليل العضوي للظاهرة الإجرامية هو خلاصة لدراسات قام بها العديد من الباحثين والعلماء، ارتقت وتطورت إلى حد اعتبارها نظريات تنسب لأصحابها، وصار لها أفكارها الرئيسية. ولعل أهم النظريات التي تصب في تيار التحليل الوضعي هي نظرية لمبروزو، نظرية هوتن المعروفة بالنظرية التكوينية الأمريكية، نظرية كنبرج السويدي ونظرية دي توليو المسماة بنظرية الاستعداد الإجرامي. أما التحليل النفسي للظاهرة الإجرامية فتسعى الدراسات النفسية إلى تفسير التصرفات الخارجية الانسان في علاقته مع الغير أي سلوكه الظاهري وهذا على ضوء مختلف جوانب تكوينه النفسي والتي تتمثل في مختلف العوامل الداخلية التي تأثر في تكيف الشخص مع البيئة الخارجية، ومن المدارس التي تكلمت في هذا الجانب مدرسة التحليل النفسي لدى فرويد. أيضا من النظريات الهامة في تحليل العوامل النفسية والعضوية للمجرم النظرية النفسية لدى العالم إتيان دي جريف ويعتبر العالم البلجيكي Etienne de Greef أحد رواد نظرية الانتقال إلى العمل الإجرامي théorie du passage a l'acte criminel؛ إذ يعتبر أننا لا نختار أفعالنا بحرية من بين كافة الأفعال المتاحة لنا بل الحقيقة أن هذه الأفعال تظل محكومة بغرائزنا وهي طائفتين من الغرائز متضادة فيما بينها وهما غرائز الدفاع والتي تساهم في حفظ الأنا، ويعبر عنها الفرد بالخوف أو بالهروب وأحيانا بالاعتداء على الغير. أما الثانية فهي غرائز المشاركة الوجدانية والتي تعلو على غريزة بقاء النوع وتؤدي دورها من خلال الزهد أو إهمال النفس والقبول الكامل للغير. فيفسر العالم دي جريف الظاهرة الإجرامية استنادا إلى العوامل النفسية والعضوية وفي الوقت ذاته لا ينكر التكوين الإجرامي وإنما يضيف إلى ذلك عوامل أخرى نفسية حيث يرى أن الطب النفسي أو العقلي لا يكفي لحل مشاكل على الإجرام طالما أنه هناك عدد من الوظائف النفسية غير قابلة للانحراف وتشمل الشعور بالحتمية والشعور بالمسؤولية الشخصية وبالعدالة والنظام وعليه فإن الجريمة تنتج حيث يكون نظام القيم الذي يحاول الفرد تحقيقه لنفسه متعارضا مع هذه الوظائف، فيرتكب الفرد جريمة ما؛ نظرا للشعور بعدم العدالة الذي يرتبط عادة بمرحلة الطفولة كون أن الطفل الذي يعاني نقصا عاطفيا لا يتصور أن يخضع فيما بعد لقيم معينة تفرضها الظروف الخارجية، ولا يكون الفرد عندئذ مريضا عقليا إنما يعد سويا من الناحية الاجتماعية؛ وبالتالي فإن الجريمة تعد ضمن الأفعال الانعكاسية التي تفصح عن شخصية المتهم وما يتوافر في شأنه من عدم التوازن بين عدة دوافع شعورية ولاشعورية. وإضافة لمختلف المحاولات الفردية التي تنسب في الغالب لأصحابها من العلماء ظهرت بعض الحركات الفكرية التي تفسر السلوك الإجرامي استنادا إلى مبادئ التحليل الاجتماعي ومثال ذلك المدرسة الجغرافية والمدرسة الاشتراكية وإن كان لكل منهما خصوصيتها وطابعها المميز من حيث الجانب الاجتماعي الذي ترجحه على ما عداه من الجوانب في تفسير حركة الإجرام. وقد ظهرت من بعد ذلك تحليلات أكثر علمية وأكثر تجانسا في مجال تفسير الظاهرة الإجرامية لحد وصفها بالمدارس في علم الإجرام والتي يعد القاسم المشترك فيما بينها العامل الاجتماعي الذي تركز عليه. ومن هذه النظريات الأكثر أهمية نظرية التحليل الاقتصادي للظاهرة الإجرامية ونظرية المخالطة المتفاوتة لسويزرلاند. وفي كافة الأحوال فإنه يمكننا التمييز بين منهجين لتحليل الإجرام بالعامل الاقتصادي منهج أول يرد الجريمة إلى العامل الاقتصادي كلية وهو منهج يتميز بتأصيله للعامل الاقتصادي تحديدا بالنظام الرأسمالي الذي يرد إليه ظاهرة الجريمة ويأخذ بهذا المنهج أنصار المدرسة الاشتراكية في علم الإجرام. وأما المنهج الثاني فإنه يرد الجريمة إلى العامل الاقتصادي بصرف النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي القائم. ولقد قامت هذه المدرسة على كتابات ماركس وأنجلز بهدف دراسة الروابط بين الجريمة من ناحية وبين الوسط الاقتصادي الذي يحيا فيه الفرد من ناحية أخرى. ويعتبر الإجرام في مفهوم هذه المدرسة منتجا رأسماليا شأنه في ذلك شأن مظاهر الانحراف الاجتماعي الأخرى الذي يعاني منها المجتمع الرأسمالي فالجريمة في هذا المجتمع رد فعل طبيعي ضد أشكال الظلم الاجتماعي ولا سيما الطبقات الكادحة. أما نظرية المخالطة المتفاوتة لسويزرلاند الذي ينطلق في تحليله للجريمة من كونها ظاهرة اجتماعية إذ يعد من رواد المدرسة الاجتماعية في علم الإجرام. حيث تبحث المدرسة الاجتماعية عن عوامل الإجرام في صرع النفقات والمنافسة والعقائد السياسية والدينية والاقتصادية وتقسيم الطبقات الاجتماعية واختلاف وتكوين الأفراد وتوزيع الدخل والوظيفة إذ لابد من ربط حركة الإجرام بكافة هذه العوامل الاجتماعية. فالتفسير العلمي للظاهرة الإجرامية عند سويزرلاند لا يكون إلا بموجب دراسة التصرف الدينامكي أي السلوك الإجرامي في حد ذاته وعدم الإكتفاء به لكون هذا التقسيم لم يجد نجاحا يذكر ويعود ذلك لاقترانه بالعوامل المرضية سواء أكانت شخصية أو اجتماعية فقط بل لا بد من دراسة مختلف العوامل الأخرى المهيأة لارتكاب الفعل. ولعل مزية منهج التحليل الاقتصادي أنه لا يعزي الجريمة إلى مجمل نظام اقتصادي معين، وإنما إلى أوضاع وظروف اقتصادية سمتها التغيير؛ إذ أن الجريمة في منطق هذا المنهج ليس ناتجا مباشرا للظروف والأوضاع الاقتصادية، وإنما تعتبر عاملا مهيئا إلى ارتكاب السلوك الإجرامي لكن منهج المدرسة الاشتراكية على العكس الذي أسس تفسيره على تعصب مذهبي وبالتالي انحياز اتجاهها عن الموضوعية؛ إذ هذا التفسير يشوبه القصور في تفسير بعض الجرائم ولا يصلح إلا لتفسير جرائم الأموال رغم أن تأثير العوامل الاقتصادية يكون على نوعيات الجرائم وليس على كمها. ونظراً لتعدد العوامل المؤدية إلى انحراف الأحداث فإنه يمكننا ردها إلى ثلاثة مجموعات وهي:
أ- العوامل الاجتماعية: وهي كافة الظروف الاجتماعية المحيطة بالحدث والتي قد تكون هاته الظروف خاصة بالبيئة العائلية للحدث أو بالبيئة الاقتصادية له. فبالنسبة للبيئة العائلية التي ينتمي إليها الحدث كون أن للأسرة دورا تربويا هاما بالنسبة له إذ ينعكس الدور الذي تقوم به الأسرة على الطفل سلبا وإيجابا. والواقع أن الظروف الأسرية السلبية هي التي تؤثر على الحدث وذلك منذ مرحلة مبكرة ويمكن إيجازها في ما يلي: -
الانهيار الخلقي للأسرة: فالطفل الذي ينشأ في أسرة تنعدم فيها القيم الروحية وتفتقد المثل العليا وتغيب فيها القدوة يصبح معرضا للانحراف كما أنه قد يكون سبب الانحراف ليس فقط بسبب انحراف الأب أو الأم فقد يعود ذلك لتشدد الأب وقسوته وصرامته وقد يكون على عكس من ذلك كأن يكون مسرفا في تدليل أولاده - التفكك الأسري: والذي من أهمه الطلاق أو وفاة الوالدين أو أحدهما أو غياب الأب المستمر عن المنزل إذ نجد أكثر المجرمين الأحداث وذلك بين 60% إلى 80% منهم ينتمون إلى أسر غير متماسكة. أما بالنسبة للبيئة الاقتصادية التي تحيد الحدث إذ نجد أن للفقر أثر كبير في إيقاع الحدث في مهاوي الجريمة فالفقر يعني السكن المتواضع إن لم يكن أحيانا غير الآدمي وكذلك سوء التغذية والعلاج والعرى والقلق والبأس وكل ذلك يؤثر على أحوال الأحداث الجسمية والتربوية والثقافية وعلى التكوين النفسي خصوصا.
ب- عامل التكوين العقلي والنفسي: لمظاهر الخلل التي تعتري التكوين العقلي للفرد دور في تفسير السلوك الإجرامي بصفة عامة إذ ما أثبتته بعض الأبحاث الحديثة أن المستوى الذكائي للمجرم الحدث يلعب دورا كبيرا في انحرافه إذ كلما كان مستواه ضعيف كلما كان أكثر ميولا للانحراف وإن كان بإمكان المستوى الكبير لذكاء حدث ما عاملا أساسيا في انحراف سلوكه مما يجعل بنا الحال القول بأنه لا يمكن القطع بوجود دليل ثابت على أن ضعف القوى العقلية هو سبب انحراف الأحداث إذ ما يدفع الحدث نحو الإجرام في حقيقة الأمر عدم القدرة على التكيف مع الظروف الاجتماعية.
ج- العوامل الثقافية: وهي كافة العوامل التوجيهية المؤثرة في مقومات شخصية الحدث وهي على هذا النحو مبنية الصلة بتكوينه الداخلي الأصيل عضويا كان أم نفسيا وأهم العوامل الثقافية التي يمكن أن تؤثر على شخصية الحدث المدرسة والسينما والإذاعة والتلفزيون. فالمدرسة تشكل الوسيط الاجتماعي الثاني الذي يتصل به الطفل اتصالا مباشرا بعد الأسرة خاصة وأنها تستقبل الطفل في سن مبكر إذ كلما نجحت المدرسة في أداء دورها بطريقة تربوية سليمة انعكس ذلك بالإيجاب على شخصية الطفل والعكس صحيح. وبخلاف دور المدرسة فإن للصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية دورا خطيرا بالنسبة للحدث نظرا لسهولة تأثره بما يراه وما يسمعه لاسيما وأن تكوينه النفسي لم يكتمل بعد.
ومن خلال هذه الدراسة المختصرة استطعنا أن نلقي بالضوء عن بعض العوامل التي من شأنها أن تدفع الفرد إلى انتهاج سلوك إجرامي، كما حاولنا كذلك تعداد بعض أوصاف الظاهرة وهذا لتبيان الأشكال التي تتخذها الجريمة وكذا الضوابط التي ترتبط بها كالعقوبة كنتيجة حتمية للجريمة وارتباط السلوك المجرم بسياسة جزائية ما.
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - لعدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي - دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة - الطبعة : الرابعة (9/3780) .
2- هذا ديننا لمحمد الغزالي - دار نهضة مصر الطبعة : الأولي (ص 160) .
3- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود .
4- تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم للشيخ العالم بدر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة الكناني - مكتبة مشكاة الإسلامية (ص22) .
5- المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (3/295) .
6- التفسير الواضح – د. محمد محمود حجازى - دار الجيل الجديد (2/155) .
7- التفسير القرآني للقرآن د. عبد الكريم الخطيب (2/365) .