أبو بكر رضي الله عنه
2022-10-12 - 1444/03/16التعريف
- نسبه:
- هو: "عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان التيمي القرشي (أسد الغابة للجزري:3-310، والإصابة لابن حجر العسقلاني:4/144-145).
- أبوه: "أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي"، وأم أبي قحافة: "قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب (إكمال الكمال - ابن ماكولا:7-30، ونسب قريش لمصعب الزبيري:1-122).يلتقي مع النبي محمد في الجد السادس مرة بن كعب (سيرة وحياة الصديق، مجدي فتحي السيد:29).
- ولادته:
- ولد أبو بكر في مكة سنة 573م بعد عام الفيل الذي وُلد فيه النبي محمد بسنتين وستة أشهر، (فتح الباري:7-9، الإصابة:2-341).
- وكان أصغر عُمراً منه، ولم يختلف العلماء في أن أبا بكر وُلد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم قال بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر. (سيرة وحياة الصديق، مجدي فتحي السيد، ص29، وتاريخ الخلفاء؛، للإمام جلال الدين السيوطي:56).
- نشأته:
- وقد نشأ أبو بكر وترعرع في مكة، وكان من رؤساء قريش وأشرافها في الجاهلية، محبباً فيهم، مألفاً لهم، وكان إليه الأشناق في الجاهلية، والأشناق هي الدِّيات، وكان إذا حمل شيئاً صدَّقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيرُه خذلوه ولم يصدقوه (أسد الغابة؛ لابن الأثير:3-310).
- زوجاته وأولاده:
- تزوج أبو بكر الصديق رضي الله عنه أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهن على التوالي:
- 1- قتيلة بنت عبد العزى: اختلف في إسلامها، وقد ولدت له عبدالله وأسماء وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية وهي التي جاءت بعد الإسلام بهدايا لابنتها في المدينة فأبت أسماء أن تصلها لكونه كافرة حتى سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: "نعم صلي أمك" (رواه البخاري).
- 2- أم رومان بنت عامر بن عويمر: من بني كنانة، مات عنها زوجها بمكة، فتزوجها بعده أبوبكر -رضي الله عنه-، وولدت له عبد الرحمن وعائشة -رضي الله عنهم-، وقد أسلمت أم رومان قديما، وبايعت، وتوفيت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، سنة ست من الهجرة.
- 3- أسماء بنت عميس: أم معبد، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديما قبل دخول دار الأرقم، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وبعدما استشهد جعفر في غزوة مؤتة تزوجها أبو بكر، وولدت له محمدا في ذي الحليفة في حجة الوداع.
- 4- حبيبة بنت خارجة بن زيد، الأنصارية الخزرجية، وهي التي ولدت بعد وفاته أم كلثوم بنت أبي بكر، وقد كان الصديق يقيم عندها بالسنح (أسد الغابة؛ لابن الأثير).
- وفاته:
- كانت وفاة أبي بكر -رضي الله عنه- لثماني ليال بقين من جمادى الآخرة ليلة الثلاثاء، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو الصحيح، وقيل غير ذلك، وكان قد سمه اليهود في أرز، وقيل في حريرة، وهي الحسو، فأكل هو والحارث بن كلدة، فكف الحارث وقال لأبي بكر: أكلنا طعاما مسموما سم سنة. فماتا بعد سنة.
- وقيل: إنه اغتسل وكان يوما باردا، فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، فأمر عمر أن يصلي بالناس. ولما مرض قال له الناس: ألا ندعو الطبيب؟ قال: قد أتاني وقال لي: أنا فاعل ما أريد. فعلموا مراده وسكتوا عنه، ثم مات.
- وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وقيل: كانت سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، وكان مولده بعد الفيل بثلاث سنين.
- وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وابنه عبد الرحمن، وأن يكفن في ثوبيه ويشترى معهما ثوب ثالث، وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة والصديد.
- وكان آخر ما تكلم به: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101].
- دفن ليلا، وصلى عليه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم-، ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة، وجعل رأسه عند كتفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وألصقوا لحده بلحد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعل قبره مثل قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- مسطحا (الكامل في التاريخ؛ لابن الأثير).
العناصر
- نسبه رضي الله عنه
- أخلاقه وصفاته.
- إسلامه
- زوجاته وأولاده
- ملازمته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهجرته معه ودفاعه عنه.
- اجتماع الفضائل في أبي بكر
- أنواع وأشكال نصرته لدين الإسلام
- شهوده المعارك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمارته الحجيج
- كيفية توليه الخلافة وبيان أحقيته بتوليتها
- أعماله العظام وقت توليه الخلافة.
- وفاته، وتوليته عمر بعده -رضي الله عنهم-
الايات
- قال الله -تعالى-: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون)[الحشر:8].
- قال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[الزمر:33-36].
- قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة:40].
- قال تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور:22]
- قال تعالى: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الزمر: 33]
- قال الله -تعالى-: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)[الليل:17-21].
الاحاديث
- قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لا يَلْبَثُ بَعْدِي إِلا قَلِيلا وَصَاحِبُ رَحَا دَارِ الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا وَيَمُوتُ شَهِيدًا فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ" (السنة - لأبي عاصم، 2-558، رقم:1169).
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَيْلَةَ الْجِنِّ نُعِيَتْ إِلَيَّ وَاللَّهِ نَفْسِي فَقُلْتُ يَقُومُ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَسَكَتَ فَقُلْتُ يَقُومُ بِالنَّاسِ عُمَرُ فَسَكَتَ فَقُلْتُ يَقُومُ بِالنَّاسِ عَلِيٌّ فَقَالَ "لا يَفْعَلُونَ وَلَوْ فَعَلُوا دَخَلُوا الْجَنَّةَ أَجْمَعِينَ" (السنة؛ لأبي عاصم:2-5638، رقم:1181).
- عن نافع عن ابن عمر قال: ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- طوبى فقال: "يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى؟" قال: الله -عز وجل- ورسوله أعلم قال: "طوبى: شجرة في الجنة لا يعلم ما طولها إلا الله عز وجل، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا، ورقها الحلل يقع عليها طير كأمثال البخت " قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: إن هناك لطيرا ناعما يا رسول الله؟ فقال: " أنعم منه من يأكله، وأنت منهم إن شاء الله يا أبا بكر" (الشريعة للآجري:2-1088، رقم:626).
- عن أبي محجن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أرأف الناس بهذه الأمة أبو بكر الصديق، وأقواها بأمر الله عز وجل عمر، وأشدها حياء عثمان، وأعلمها بقضاء علي بن أبي طالب، وأعلمها بحساب الفرائض زيد بن ثابت" (الشريعة للآجري:4-2074، رقم:1515).
- عن عبدالله بن الزبير أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم- نظَر إلى أبي بكرٍ رضي اللهُ عنه فقال: "هذا عَتيقُ اللهِ منَ النَّارِ"؛ فمن يومئِذٍ سُمِّي عَتيقًا وكان قبلَ ذلك اسمُه عبدَ اللهِ بنَ عثمانَ؛ (أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رجاله ثقات).
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن نبيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَعِدَ أُحُدًا فتبِعَه أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، فرجَفَ بهم، فضربَه نبيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- برجلِه وقال: "اثبُتْ أحدٌ فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ وشهيدان"؛ (رواه أبو داود:4651، وصححه الألباني).
- قال عَمرو بنُ عبسةَ السُّلَميُّ: قلت لمحمد: ما أنت؟ قال: "أنا نبيٌّ" فقلتُ: وما نبيٌّ؟ قال: "أرسلَني اللهُ" فقلتُ: وبأيِّ شيءٍ أرسلَك؟ قال: "أرسلني بصلةِ الأرحامِ وكسرِ الأوثانِ وأن يُوحَّدَ اللهُ لا يشركُ به شيئًا" قلتُ له: فمن معك على هذا؟ قال "حُرٌّ وعبدٌ". قال: ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٌ ممَّن آمن به؛ (رواه مسلم:832).
- قيل لعبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أخبِرْني بأشدِّ ما صنَع المُشرِكون برسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-. قال: بينا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُصلِّي بفِناءِ الكعبةِ إذ أقبَل عُقبَةُ بنُ أبي مُعَيطٍ فأخَذ بمَنكِبِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ولوى ثوبَه في عُنُقِه فخنَقه خَنقًا شديدًا، فأقبَل أبو بكرٍ فأخَذ بمَنكِبِه ودفَع عن رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)؛ (رواه البخاري:4815).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نفعَني مالٌ قطُّ، ما نفَعَني مالُ أبي بَكْرٍ"؛ فبَكَى أبو بَكْرٍ، وقالَ: هَل أَنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ؛ (رواه أحمد في مسنده:13/183، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائمٌ رأيتني على قليبٍ عليْها دلوٌ فنزعتُ منْها ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ أخذَها ابنُ أبي قحافةَ فنزعَ بِها ذنوبًا أو ذنوبينِ وفي نزعِهِ -واللَّهُ يغفرُ لَهُ- ضعفٌ ثمَّ استحالت غربًا فأخذَها ابنُ الخطَّابِ فلم أرَ عبقريًّا منَ النَّاسِ ينزعُ نزعَ عمرَ بنِ الخطَّابِ حتَّى ضربَ النَّاسُ بعَطنٍ"؛ (رواه البخاري:3664، ومسلم:2392).
- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- جلس على المِنبرِ فقال: "إن عبدًا خَيَّرَهُ اللهُ بينَ أن يؤتيَه من زَهرةِ الدنيا ما شاء، وبين ما عِندَه، فاختار ما عِندَه". فبكى أبو بكرٍ وقال: فَدَيْناكَ بآبائِنا وأمهاتِنا. فعَجِبْنا له، وقال الناسُ: انظُروا إلى هذا الشيخِ، يُخْبِرُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن عبدٍ خَيَّرَهُ اللهُ بينَ أن يؤتيَه من زَهرةِ الدنيا وبينَ ما عندَه، وهو يقولُ: فَدَيْناكَ بآبائِنا وأمهاتِنا، فكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هو المُخَيَّرَ، وكان أبو بكرٍ هو أعلمَنا به، وقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إن مِن أَمَنِّ الناسِ عَلَيَّ في صحبتِه ومالِه أبا بكرٍ، ولو كنتُ مُتَّخِذًا خليلًا من أمتي لاتخَذْتُ أبا بكرٍ، إلا خُلَّةَ الإسلامِ، لا يَبْقَيَنَّ في المسجدِ خَوْخَةٌ إلا خَوْخَةَ أبي بكرٍ"؛ (رواه البخاري:3904، ومسلم:2382).
- عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ذَهَب إلى بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ؛ لِيُصلِحَ بَينَهم، فَحانَتِ الصَّلاةُ، فَجاء الْمُؤذِّنُ إلى أبي بكرٍ، فَقال: أتُصلِّي للنَّاسِ فأُقيمَ؟ قال: نَعَم، فَصلَّى أبو بكرٍ، فَجاء رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- والنَّاسُ في الصَّلاةِ، فتَخلَّص حتَّى وَقَف في الصَّفِّ، فصَفَّق النَّاسُ، وكان أَبو بكرٍ لا يَلتفِتُ في صَلاتِه، فلمَّا أَكثرَ النَّاسُ التَّصفيقَ الْتَفَتَ، فَرَأى رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فأَشارَ إليه رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: أنِ امكُثْ مَكانَك. فرَفعَ أبو بَكرٍ -رَضي اللهُ عنهُ- يَديهِ، فحَمِد اللهَ على ما أَمَرَه به رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مِن ذلكَ، ثُمَّ استَأخَرَ أبو بكرٍ حتَّى اسْتَوى في الصَّفِّ، وتَقدَّم رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فَصلَّى، فلمَّا انصَرَف قال: "يا أبا بَكرٍ، ما مَنعَك أن تَثبُتَ إذْ أَمرتُك؟" فَقال أبو بكرٍ: ما كان لابنِ أبي قُحافَةَ أن يُصلِّيَ بينَ يَدَيْ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ (رواه البخاري:684، ومسلم:421).
- عن عمرَ بنَ الخطَّابِ قال: أمرَنا رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يومًا أن نتصدَّقَ، فوافقَ ذلِكَ مالًا عندي، فقلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بَكْرٍ إن سبقتُهُ يومًا، فَجِئْتُ بنصفِ مالي، فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-: "ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟"، قلتُ: مثلَهُ، قالَ: وأتى أبو بَكْرٍ -رضيَ اللَّهُ عنهُ- بِكُلِّ ما عندَهُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-: "ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ؟" قالَ: أبقَيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسابقُكَ إلى شيءٍ أبدًا؛ (رواه أبو داود:1678، وحسنه الألباني).
- عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنه- قال: نظرتُ إلى أقدامِ المشركين على رؤوسِنا ونحن في الغارِ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدمَيه أبصَرَنا تحت قدمَيه. فقال: "يا أبا بكرٍ ! ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثُهما"؛ (رواه البخاري:3653، ومسلم:2381).
- عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: "اقتَدوا باللَّذينِ مِن بَعدي أبي بكرٍ، وعُمرَ"؛ (رواه الترمذي:3662، وصححه الألباني).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم اليومَ صائمًا؟" قال أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه-: أنا. قال: "فمن تبع منكم اليومَ جنازةً؟" قال أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه-: أنا. قال: "فمَن أطعم منكم اليومَ مسكينًا؟" قال أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه-. أنا. قال: "فمن عاد منكم اليومَ مريضًا؟". قال أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ عنه-: أنا. فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ما اجتمَعْنَ في امرئٍ، إلا دخل الجنَّةَ"؛ (رواه مسلم:1028).
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت: "اهجوا قريشًا فإنَّهُ أشدُّ عليْهم من رَشقٍ بالنَّبلِ"، فأرسلَ إلى ابنِ رواحةَ فقالَ: "اهجُهم" فَهجاهم فلم يُرض،ِ فأرسلَ إلى كعبِ بنِ مالِكٍ، ثمَّ أرسلَ إلى حسَّانَ بنِ ثابتٍ، فلمَّا دخلَ عليْهِ قالَ حسَّانُ: قد آنَ لَكم أن تُرسلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بذنَبِهِ، ثمَّ أدلعَ لسانَهُ، فجعلَ يحرِّكُهُ، فقالَ: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فريَ الأديمِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "لا تعجل فإنَّ أبا بَكرٍ أعلَمُ قريشٍ بأن.." الحديث (رواه مسلم:2490).
- عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- أن رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لَقِيَ الزبيرَ في رَكْبٍ من المسلمينَ، كانوا تُجَّارًا قافِلِين من الشأمِ، فكسا الزبيرُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأبا بكرٍ ثيابَ بَياضٍ، وسَمِعَ المسلمون بالمدينةِ بمَخْرَجِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من مكةَ، فكانوا يَغْدُونَ كلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّةِ، فينتظرونه حتى يَرُدَّهم حَرُّ الظهيرةِ، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالوا انتظارَهم، فلما أَوَوْا إلى بيوتِهِم، أَوْفَى رجلٌ من يهودٍ على أُطُمٍ من آطامِهِم، لأمرٍ ينظرُ إليه، فبصر برسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأصحابِه مُبَيَّضِينَ يزولُ بهم السَّرَابُ، فلم يَمْلِكِ اليهوديُّ أن قال بأعلى صوتِه: يا معاشرَ العربِ، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون، فثار المسلمونَ إلى السلاحِ، فتَلَقَّوْا رسولَ اللهِ بظَهْرِ الحَرَّةِ، فعدَل بهم ذاتَ اليمينِ، حتى نزل بهم في بني عمرو بنِ عوفٍ، وذلك يومُ الاثنينِ من شهرِ ربيعٍ الأولِ، فقام أبو بكرٍ للناسِ، وجلس رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صامتًا، فطَفِق من جاء من الأنصار - مِمَّن لم يَرَ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يُحَيِّي أبا بكرٍ، حتى أصابت الشمسُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فأقبل أبو بكرٍ حتى ظلل عليه برِدائِه، فعرف الناسُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عند ذلك، فلبِث رسولُ اللهِ- -صلى الله عليه وسلم-- في بني عمرو بنِ عوفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ليلةً، وأَسَّسَ المسجدَ الذي أُسِّسَ على التقوى، وصلى فيه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ثم رَكِب راحلتَه، فسار يمشي معه الناسُ حتى بَرَكت عند مسجدِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالمدينةِ، وهو يصلي فيه يومَئِذٍ رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَدًا للتمرِ، لسُهَيْلٍ وسَهْلٍ غلامين يتيمين في حِجْرِ أَسْعَدِ بنِ زُرارةَ، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- حين بَرَكت به راحلتُه: "هذا إن شاء الله المنزِلُ". ثم دعا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- الغلامين فساومهما بالمِرْبَدِ ليتخذَه مسجدًا، فقالا: لا، بل نَهَبُه لك يا رسولَ اللهِ، فأبى رسولُ اللهِ أن يقبلَه منهما هبةً حتى ابتاعَه منهما، ثم بناه مسجدًا، وطَفِقَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ينقلُ معهم اللَّبِنَ في بنيانِه ويقولُ، وهو ينقلُ اللَّبِنَ: "هذا الحِمالُ لا حِمالَ خيبرْ، هذا أَبَرُّ ربَّنا وأطهرْ. ويقولُ: اللهم إن الأجرَ أجرُ الآخِرهْ، فارحَمِ الأنصارَ والمهاجرهْ". فتمثل بشِعْرٍ رجلٍ من المسلمين لم يُسَمَّ لي.
الاثار
- عن محمد عبد الرحمن بن ابي حاتم قال: سألت ابي وابا زرعة عن مذاهب أهل السنة في اصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله عز وجل وخير هذه الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام- أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن ابي طالب -عليهم السلام- (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي:1-176، رقم:321).
- عن عروة عن عائشة قالت لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه وفتنوا بذلك عن دينهم وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس؟ فقال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قد قال ذلك لقد صدق، قالوا: وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة رجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه فلذلك سمي أبو بكر الصديق (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي:4-773، رقم:1430).
- قال أبو هريرة -رضي الله عنه- في قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة): أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (الأسماء والصفات – للبيهقي:1-83).
- عن عمرو بن دينار عمن أخبره عن عبد الله بن شداد قال قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إن الله عز وجل خلق الخلق فجعلهم نصفين فقال لهؤلاء ادخلوا الجنة وقال لهؤلاء ادخلوا النار ولا أبالي (الإبانة لابن بطة:2-126).
- عن حنظلة بن علي الأسلمي قال بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد وأمره أن يقاتل الناس على خمس فمن ترك واحدة منهن قاتله عليها كما يقاتله على الخمس على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت (الإيمان لأبي عمر العدني:1-67).
- عن ميمون بن مهران قال أتي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحه جناحيه ويقول ما صيد من مصيد ولا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح (العظمة لابن حيان الأصبهاني:5-1737).
- عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: إن أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كان أول من جمع القرآن بين اللوحين (الشريعة للآجري:4-1738، رقم:1216).
- عن الشعبي قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنه-: من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة *** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلاخير البرية أتقاها وأعدلها *** بعد النبي وأولاها بما حملاالثاني التالي المحمود مشهده *** وأول الناس منهم صدق الرسلا (الشريعة للآجري:4-1793، رقم:1221).
- عن عروة قال: سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فقالوا: هذا صاحبك، يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس، ثم رجع من ليلته، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: أو قال ذاك؟ قالوا: نعم، قال أبو بكر: فأنا أشهد إن كان قال ذاك لقد صدق. قالوا: تصدقه بأنه جاء إلى الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: نعم أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة وعشية، فلذلك سمي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (الشريعة للآجري:4-1800، رقم:1233).
- عن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- من صلاة العصر بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بليال، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي -رضي الله عنه- وهو يلعب مع الغلمان، فاحتمله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على رقبته، وجعل يقول: بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي (الشريعة للآجري:5-2147، رقم:1586).
- قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم" (أخرجه أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر عن قوله تعالى (وفاكهة وأبا) فقال: "أي سماء.." وذكره. انظر الدر المنثور للسيوطى: 6-317، وذكره الذهبي في التذكرة عن الزهرى ص:3، وذكره البغوي في شرح السنة بدون سند وقال محققه: أخرجه الطبري رقم:78-79، من طريق أبي معمر عن أبي بكر وهو منقطع، كما حكم أيضا على سند أبي عبيد بالانقطاع:1-244، وقد سبقه إلى - هذا الحكم الحافظ ابن حجر في فتح الباري:13-271، وذكر أن عبد بن حميد رواه من طريقين وبذلك يتقوى سنده).
- قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "السنة حبل الله المتين فمن تركها فقد قطع حبله من الله" (متن كِتَابُ اَلشَّرْحِ وَالْإِبَانَةِ؛ لابن بطة العنكبري:1-117).
- كان أبو بكر الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- ينفق ويتصدق على مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لقرابته منه، فلما شارك المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالإفك وبرأها الله، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ الله -تعالى-: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَي وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور:22] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "بَلَى، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي"، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِى عَلَيْهِ (رواه البخاري:2518).
- قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في أول خطبة له: "أيها الناس أني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" (تاريخ الخلفاء؛ للسيوطي:690).
- قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "إياكم والكذب؛ فإن الكذب مجانب الإيمان" (شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي:6-1090، رقم:1873).
- سئل صدّيق الأمّة وأعظمها استقامة أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- عن الاستقامة فقال: "ألّا تشرك باللّه شيئا" يريد الاستقامة على محض التّوحيد (مدارج السالكين:2-108، وبصائر ذوي التمييز:4-312).
- عن عرفجة قال: قال أبو بكر الصّدّيق -رضي اللّه عنه-: "من استطاع منكم أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليتباك" (الزهد؛ لابن المبارك:42).
- قال أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه-: "وجدنا الكرم في التّقوى، والغنى في اليقين، والشّرف في التّواضع" (إحياء علوم الدين:3-343).
- رأى أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- ولده عبد الرّحمن وهو يناصي جارا له، فقال: "لا تناص جارك؛ فإنّ هذا يبقى والنّاس يذهبون" (إحياء علوم الدين:2-214). وناصى جاره أي أخذ بناصيته.
- عن ميمون بن مهران، قال: "كان أبو بكر الصّدّيق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب اللّه، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنّة رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السّنّة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم" (فتح الباري:13-354).
- كان أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- يضع حصاة في فيه، يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: "هذا الّذي أوردني الموارد" (إحياء علوم الدين:3-120).
- قال أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- في وصيّته لعمر حين استخلفه: "إنّ أوّل ما أحذّرك: نفسك الّتي بين جنبيك" (جامع العلوم والحكم:172).
- يروى أن أبا بكر قد رأى رؤيا عندما كان في الشام، فقصها على بحيرى الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأي شيء أنت؟ قال: تاجر، قال: إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأَسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه (الخلفاء الراشدون؛ لمحمود شاكر:34).
- سأل أحدُ الناس أبا بكر: هل شربت الخمر في الجاهلية؟، فقال: "أعوذ بالله"، فقيل: ولم؟ قال: "كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً لعرضه ومروءته" ().
- نقل ابن ظفر في أنباء نجباء الأبناء: أن القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد الزبيدي روى بإسناده في كتابه المسمى معالي العرش إلى عوالي الفرش أن أبا هريرة قال: اجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله فقال أبو بكر: وعيشك يا رسول الله أني لم أسجد لصنم قط وقد كنت في الجاهلية كذا وكذا سنة وإن أبا قحافة أخذ بيدي وانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام فقال: هذه آلهتك الشم العلى فاسجد لها وخلاني ومضى. فدنوت من الصنم فقلت: إني جائع فأطعمني فلم يجبني. فقلت: إني عار فاكسني فلم يجبني. فأخذت صخرة فقلت: إني ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهاً فامنع نفسك فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه " (مرقاة المفاتيح؛ لملا علي القاري:11/178).
- عن ابن مسعود أنه قال: " أول من أظهر إسلامه سبعة رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فمنعه الله بعمه أبو طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد" (رواه أحمد في مسنده: 5/319، رقم: 65647، وابن ماجه: 122، وصححه الألباني).
- عن زيد بن أرقم أنه قال: "أول من صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق" (البداية والنهاية؛ لابن كثير:3-37، وقال: رواه أحمد والترمذي والنسائي).
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمِع خُطبةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حينَ جلَس على المِنبَرِ، وذلك الغَدَ مِن يومٍ توفيَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فتَشهَّدَ وأبو بكرٍ صامتٌ لا يتَكلمُ، قال: "كنتُ أرجو أنْ يعيشَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حَتى يَدْبُرَنا، يُريدُ بذلك أن يكونَ آخرهم، فإن يكُ مُحمدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قدْ ماتَ، فإن الله تعالى قدْ جعلَ بينَ أظهُرِكم نورًا تهتدونَ بهِ بما هَدَى اللهَ محمدًا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، وإنَّ أبا بكرٍ صاحبُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ثانيَ اثنينِ، فإنَّهُ أوْلَى المسلمينَ بأُمورِكم، فقوموا فبايعوهُ"، وكانتْ طائفةٌ منهُم قد بايَعوهُ قبل ذلك في سَقِيفَةِ بَني ساعِدَةَ، وكانت بَيْعَةُ العامَّةِ على المنبرِ. قال الزُّهْرِيُّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ: سمعتُ عمرَ يقولُ لأبي بكرٍ يومَئِذٍ: "اصعدِ المنبرَ"، فلم يزل بهِ حتى صعدَ المنبرَ، فبايَعَهُ الناسُ عامَّةً (رواه البخاري:7219).
القصص
- عن عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها وصلى الله على بعلها ونبيها-، قالت: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الأنصار ليصلح بينهم فحضرت العصر، فقال بلال لأبي بكر -رضي الله عنه-: قد حضرت الصلاة وليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهدا، هل لك أن أؤذن وأقيم وتصلي. بالناس. قال: إن شئت. فأذن بلال وأقام وتقدم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فصلى بالناس، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدما فرغ فقال: " أصليتم؟ " قالوا: نعم. قال: " ومن صلى؟ " بكم؟ قالوا: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-. قال: " أحسنتم، لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر -رضي الله عنه- أن يؤمهم أحد غيره" (المطالب العالية لابن حجر العسقلاني:15-666، رقم:3860، وضعفه).
- عن عبدالملك بن عمير عن أسيد بن صفوان وكانت له صحبة برسول الله قال لما قبض أبو بكر الصديق -رحمه الله- وسجى عليه ارتجت المدينة بالبكاء قال علي بن حرب ودهش الناس كيوم قبض النبي فجاء علي بن أبي طالب -رحمه الله- باكيا مسرعا وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر -رحمه الله- قال علي بن حرب مسجا فقال رحمك الله أبا بكر كنت ألف رسول الله وأنسه ومستراحه ونعته وموضعا لسره ومشاورته وأول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا وأخوفهم لله وأعظمهم غنى في دين الله وأحوطهم على رسول الله وأحدبهم على الإسلام وأيمنهم على أصحابه وأحسنهم صحبة وأكثرهم مناقبا قال علي بن حرب وأفضلهم مناقبا وأفضلهم سوابقا قال علي بن حرب وأكثرهم سوابقا وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة وأشبههم برسول الله هديا وسيفا درجة وفضلا قال علي بن حرب وأقربهم من رسول الله مجلسا وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا وأشرفهم منزلة وأكرمهم علية وأوثقهم عنده فجزاك الله عن الإسلام خيرا (السنة - أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال أبو بكر الناشر: دار الراية – الرياض الطبعة الأولى، 1410 تحقيق: د. عطية الزهراني رقم: (350)، (1-284).
- عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة زوج النبي قالت: خرج أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يريد رسول الله وكان له صديقاً في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك، واتهموك بالعيب لآبائها، وأديانها. فقال الرسول إني رسول الله أدعو إلى الله '. فلما فرغ رسول الله أسلم أبو بكر -رضي الله عنه-، وما بين الأخشبين أكثر من سروراً بإسلام أبي بكر -رضي الله عنه-، ومضى أبو بكر فراح بعثمان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص فأسلموا وجاء من الغد بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة ابن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم فأسلموا. قالت: فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله في الظهور فقال: ' يا أبا بكر إنا قليل '، فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجل معه عشيرته، وقام أبو بكر -رضي الله عنه- خطيباً، ورسول الله جالس، وكان أول خطيب دعا إلى الله عز وجل وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبه بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، وأثر على وجه أبي بكر حتى ما يعرف أنفه من وجهه وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه، ولا يشكون في موته، ورجعت بنو تيم فدخلوا المسجد فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبه، ورجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافه وبنو تيم يكلمون أبا بكر -رضي الله عنه- حتى أجابهم فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله فنالوه بألسنتهم، وعذلوه وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه، فلما خلت به، والحت جعل يقول: ما فعل رسول الله؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك. قال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فسليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضى معك إلى ابنك فعلت. قالت: نعم. فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فرنت أم جمل وأعلنت بالصياح وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله؟ قالت: هذه أمك تسمع. قال: فلا عين عليك منها. قالت: سالم صالح. قال: فأين هو؟ قالت في دار الأرقم. قال: فإن الله علي البتة لا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله. فأمهلنا حتى إذا هدأت الرجل، وسكن الناس خرجاً به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي قال: فانكب عليه فقبله وأكب عليه المسلمون ورق رسول الله رقة شديدة، ورق المسلمون رقة شديدة. فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمي، ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي. هذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله، ثم دعاها إلى الله فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله في ذلك شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً، وكان حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أسلم يوم ضرب أبو بكر ودعا رسول الله لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسلم عمر يوم الخميس فكبر رسول الله، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة، وخرج أبو الأرقم وهو وأعمى كافر. فقال عمر -رضي الله عنه-: يا رسول الله على ما تخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل، فقال يا عمر: ' إنا قليل وقد رأيت ما لقينا '. فقال عمر -رضي الله عنه-: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان. ثم خرج فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرون فقال أبو جهل: زعم فلان أنك صبوت. فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فوثب المشركون إليه فوثب عمر على عتبة فبرك عليه فجعل يضربه، وأدخل أصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس عنه، فقام عمر -رضي الله عنه- فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي. فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت الإيمان غير هائب ولا خائف، فخرج رسول الله، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي إلى دار الأرقم، وعمر -رضي الله عنه- معه. فصل في ذكر ما روي عن علي -رضي الله عنه-، وأهل البيت في فضل أبي بكر -رضي الله عنه- (الحجة للأصبهاني:2-363، رقم:324).
- لم أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إلا وهما يَدِينانِ الدِّينَ، ولم يَمُرَّ علينا يومٌ إلا يأتينا فيه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- طَرَفَيِ النهارِ، بُكْرَةً وعَشِيَّةً، فلما ابتُلِيَ المسلمون خرج أبو بكرٍ مُهاجرًا نحوَ أرضِ الحَبَشةِ، حتى إذا بَرْكَ الغِمَادُ لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَّةِ، وهو سَيِّدُ القارَّةِ، فقال: أين تريدُ يا أبا بكرٍ؟ فقال أبو بكرٍ: أَخْرَجَني قومي، فأريدُ أن أَسِيحَ في الأرضِ وأعبدَ ربي. قال ابنُ الدَّغِنَّةِ: فإن مِثْلَكَ يا أبا بكرٍ لا يَخرُجُ ولا يُخْرَجُ، إنك تَكْسِبُ المعدومَ، وتَصِلُ الرحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الحَقِّ، فأنَا لك جارٌ، ارجِع واعبدْ ربَّك ببلدِكَ. فرجع وارتحل معه ابنُ الدَّغِنَّةِ. فطاف ابنُ الدَّغِنَّةِ عَشِيَّةً في أَشرافِ قريشٍ، فقال لهم: إن أبا بكرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُه ولا يُخْرَجُ، أَتُخرِجون رجلًا يَكْسِبُ المعدومَ، ويَصِلُ الرحِمَ، ويَحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضيفَ، ويُعينُ على نوائبِ الحقِّ. فلم تكذبْ قريشٌ بِجِوارِ ابنِ الدَّغِنَّةِ، وقالوا لابنِ الدَّغِنَّةِ: مُرْ أبا بكرٍ فليعبدْ ربَّه في دارِه، فلْيُصَلِّ فيها ولْيَقْرَأْ ما شاء، ولا يُؤْذِينا بذلك ولا يَسْتَعْلِن به، فإنا نَخْشَى أن يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا. فقال ذلك ابنُ الدَّغِنَّةِ لأبي بكرٍ، فلبِث بذلك يعبدُ ربَّه في دارِه، ولا يستعلنُ بصلاتِه ولا يقرأُ في غيرِ دارِه، ثم بدا لأبي بكرٍ، فابتَنَى مسجدًا بفناءِ دارِه، وكان يصلي فيه، ويقرأُ القرآنَ، فيَنْقَذِفُ عليه نساءُ المشركين وأبناؤُهم، وهم يَعْجَبونَ منه وينظرون إليه، وكان أبو بكرٍ رجلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عينيه إذا قرأ القرآنَ. وأفزع ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركينَ، فأرسلوا إلى ابنِ الدَّغِنَّةِ فقَدِم عليهم، فقالوا: إنا كنا أَجَرْنا أبا بكرٍ بجِوارِك، على أن يعبدَ ربَّه في دارِه، فقد جاوز ذلك، فابتَنَى مسجدًا بفِناءِ دارِه، فأَعْلَنَ بالصلاةِ والقراءةِ فيه، وإنا قد خَشِينا أن يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا، فانهَهُ؛ فإن أَحَبَّ أن يقتصرَ على أن يعبدَ ربَّه في دارِه فعل، وإن أَبَى إلا أن يُعْلِنَ بذلك، فَسَلْهُ أن يَرُدَّ إليك ذِمَّتَك، فإنا قد كَرِهنا أن نُخْفِرَكَ، ولَسْنا مُقِرِّينَ لأبي بكرٍ الاستِعلانَ. قالت عائشةُ: فأتى ابنُ الدَّغِنَّةِ إلى أبي بكرٍ فقال: قد عَلِمْتَ الذي عاقَدْتُ لك عليه؛ فإما أن تقتصرَ على ذلك، وإما أن تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي؛ فإني لا أحبُّ أن تسمعَ العربُ أني أُخْفِرْتُ في رجلٍ عَقَدْتُ له. فقال أبو بكرٍ: فإني أَرُدُّ إليك جِوارَكَ، وأَرْضَى بجِوارِ اللهِ -عز وجل-، والنبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يَوْمَئِذٍ بمكةَ، فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- للمسلمينَ: "إني أُرِيتُ دارَ هجرتِكم، ذاتَ نخلٍ بين لابَتَيْنِ". وهما الحَرَّتانِ، فهاجر مَن هاجر قِبَلَ المدينةِ، ورجع عامَّةُ مَن كان هاجر بأرضِ الحبشةِ إلى المدينةِ، وتجهز أبو بكرٍ قِبَلَ المدينةِ، فقال له رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "على رِسْلِكَ، فإني أرجو أن يُؤْذَنَ لي". فقال أبو بكرٍ: وهل تَرْجُو ذلك بأبي أنت؟ قال: "نعم". فحبس أبو بكرٍ نفسَه على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لِيَصْحَبَهُ، وعَلَف راحلتينِ كانتا عنده وَرَقَ السَّمُرِ، وهو الخَبْطُ، أربعةَ أشهرٍ. قال ابنُ شهابٍ: قال عروةُ: قالت عائشةُ: فبينما نحن يومًا جلوسٌ في بيتِ أبي بكرٍ في نَحْرِ الظهيرةِ، قال قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مُتَقَنِّعًا، في ساعةٍ لم يكنْ يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ: فِداءٌ له أبي وأمي، واللهِ ما جاء به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ. قالت: فجاء رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فاستأذن، فأَذِنَ له فدخل، فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لأبي بكرٍ: "أَخْرِجْ مَن عندَك". فقال أبو بكرٍ: إنما هم أهلُك، بأبي أنت يا رسولَ اللهِ، قال: "فإني قد أُذِنَ لي في الخروجِ". فقال أبو بكرٍ: الصحابةُ بأبي أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "نعم". قال أبو بكرٍ: فَخُذْ -بأبي أنت يا رسولَ اللهِ- إحدى راحِلَتَيَّ هاتين، قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "بالثَّمَنِ". قالت عائشةُ: فجَهَّزْناهما أَحَثَّ الجِهازِ، وصَنَعْنا لهما سُفْرَةً في جِرابٍ، فقطعتْ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قِطعةً من نِطاقِها، فربَطَتْ به على فَمِ الجِرابِ، فبذلك سُمِّيَتْ ذاتُ النِّطاقَيْنِ، قالت ثم لَحِقَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأبو بكرٍ بغارٍ في جَبَلِ ثَوْرٍ، فكَمَنا فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيتُ عندَهما عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، وهو غلامٌ شابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فيُدْلِجُ مِن عندِهما بسَحَرٍ، فيُصبِحُ مع قريشٍ بمكةَ كبائتٍ، فلا يسمعُ أمرًا يُكتادانِ به إلا وَعاهُ، حتى يأتيَهما بخَبَرِ ذلك حين يختَلِطُ الظلامُ، ويَرْعَى عليهما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مولى أبي بكرٍ مِنحَةً من غَنَمٍ، فيُرِيحُها عليهما حين تذهبُ ساعةٌ من العِشاءِ، فيَبِيتانِ في رِسْلٍ، وهو لبنُ مِنحتِهِما ورَضِيفِهِما، حتى يَنعِقَ بها عامرُ بنُ فهيرةَ بغَلَسٍ، يفعلُ ذلك في كلِّ ليلةٍ من تلك الليالي الثلاثِ، واستأجر رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وأبو بكرٍ رجلًا من بني الدَّيْلِ، وهو من بني عبدِ بنِ عَدِيٍّ، هاديًا خِرِّيتًا، والخِرِّيتُ الماهرُ بالهدايةِ، قد غَمَس حِلْفًا في آلِ العاصِ بنِ وائلٍ السَّهْمِيِّ، وهو على دينِ كفارِ قريشٍ، فأمِنَّاهُ فدفعا إليه راحِلَتيهما، وواعداه غارَ ثَوْرٍ بعد ثلاثِ ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صُبحَ ثلاثٍ، وانطلق معهما عامرُ بنُ فهيرةَ، والدليلُ، فأخذ بهم طريقَ السواحلِ؛ (رواه البخاري:3905).
- أن أبا بكر لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءنا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر إني رسول الله ونبيه بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق؛ فو الله إنه للحق، أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا يعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته"، وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق؛ (البداية والنهاية:3-37).
- كنتُ جالسًا عِندَ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذ أقبَلَ أبو بكرٍ آخِذًا بطَرَفِ ثوبِه، حتى أبدَى عن رُكبتِه، فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "أما صاحبُكم فقد غامَر". فسلَّم وقال: إني كان بيني وبين ابنِ الخطابِ شيءٌ، فأسرَعتُ إليه ثم ندِمْتُ، فسألتُه أن يغفِرَ لي فأبَى عليَّ، فأقبَلْتُ إليك، فقال: "يغفِرُ اللهُ لك يا أبا بكرٍ"، ثلاثًا. ثم إن عُمَرَ ندِمَ فأتَى منزِلَ أبي بكرٍ، فسَأل: أثَمَّ أبو بكرٍ، فقالوا: لا، فأتَى إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فسلم، فجعَل وجهُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يتمَعَّرُ، حتى أشفَقَ أبو بكرٍ، فجَثا على رُكبتَيه فقال: يا رسولَ اللهِ، واللهِ أنا كنتُ أظلَمَ، مرتين، فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "إن اللهَ بعثَني إليكم فقُلْتُم كذبْتَ، وقال أبو بكرٍ صدَق. وواساني بنفسِه ومالِه، فهل أنتم تارِكوا لي صاحِبي" مرتين؛ فما أوذِيَ بعدَها. وفي رواية: "كانت بين أبي بكرٍ وعُمَرَ محاورةٌ، فأغضَب أبو بكرٍ عُمَرَ، فانصَرَف عنه عُمَرُ مُغضبًا، فاتَّبَعه أبو بكرٍ يَسأَلُه أن يستغفِرَ له فلم يَفعَلْ، حتى أغلَقَ بابَه في وجهِه، فأقبَل أبو بكرٍ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-.. الخ (البخاري:4640).
- عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مات وأبو بَكرٍ بِالسُّنْحِ- قال إِسماعيلُ: يَعني بالعاليَةِ- فَقام عُمرُ يَقولُ: واللهِ ما مات رَسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قالت: وَقال عُمرُ: واللهِ ما كان يَقَعُ في نَفسي إلَّا ذاكَ، ولَيَبعَثنَّهُ اللهُ، فلَيُقَطِّعنَّ أَيديَ رِجالٍ وأَرجُلَهم-. فَجاء أبو بكرٍ، فَكَشَف عَن رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فَقبَّله، قال: بِأَبي أنتَ وأمِّي، طِبْتَ حيًّا وميِّتًا، والَّذي نَفسي بِيدِه، لا يُذيقَنَّك اللهُ الْمَوتَتينِ أبدًا، ثُمَّ خَرَج فَقال: أيُّها الحالِفُ، على رِسْلِك، فلمَّا تَكلَّم أبو بكرٍ جلَسَ عُمرُ، فحَمِد اللهَ أبو بكرٍ وأَثْنى عليهِ، وقال: ألَا مَن كان يَعبُدُ مُحمَّدًا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فإنَّ مُحمَّدًا قَد مات، ومَن كان يَعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يَموتُ، وقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهمْ مَيِّتُونَ)، وَقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِه الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). فنَشَجَ النَّاسُ يَبْكونَ، قال: واجتَمَعَتِ الأَنصارُ إلى سَعدِ بنِ عُبادةَ في سَقيفةِ بَني ساعِدةَ، فَقالوا: منَّا أَميرٌ ومِنكُم أَميرٌ، فَذهَب إليهم أبو بكرٍ وعُمرُ بنُ الخطَّاب وأَبو عُبيدَةَ بنُ الجرَّاحِ، فذَهَب عُمرُ يَتكلَّم، فأَسكَتَه أبو بَكرٍ، وَكان عُمرُ يَقولُ: واللهِ ما أَرَدْتُ بِذلك إلَّا أنِّي قد هيَّأتُ كلامًا قد أَعجَبَني، خَشِيتُ أن لا يَبلُغَه أبو بَكرٍ، ثُمَّ تكلَّم أبو بَكرٍ فتكلَّم أَبلَغُ النَّاسِ، فَقال في كَلامِه: نحنُ الأُمَراءُ وأنتُمُ الوُزراءُ، فَقال حُبابُ بنُ المُنذِر: لا وَاللهِ لا نَفعَلُ؛ مِنَّا أَميرٌ، ومِنكُم أَميرٌ، فَقال أبو بَكرٍ: لا، ولَكِنَّا الأُمراءُ، وأَنتُم الوُزارءُ، هُم أوسَطُ العَربِ دارًا، وأَعرَبُهم أَحسابًا، فَبايِعوا عُمرَ أو أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ، فَقال عُمرُ: بَل نُبايِعُك أنتَ؛ فأَنت سيِّدُنا، وخَيْرُنا، وأَحبُّنا إلى رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فَأَخذ عُمرُ بِيدِه، فَبايَعه، وبايَعه النَّاسُ، فَقال قائلٌ: قَتلْتُم سعدًا، فَقال عُمرُ: قَتلَه اللهُ! وَقال عبدُ اللهِ بنُ سالمٍ، عنِ الزُّبَيديِّ: قال عَبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ: أَخبَرني القاسِمُ، أنَّ عائشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنها- قالتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ثُمَّ قال: في الرَّفيقِ الأَعلى؛ ثلاثًا، وقصَّ الحَديثَ. قالت: فَما كانتْ مِن خُطبَتِهما مِن خُطبةٍ إلَّا نَفَعَ اللهُ بِها، لَقد خوَّف عُمرُ النَّاسَ، وإنَّ فيهم لَنِفاقًا، فردَّهُم اللهُ بِذَلك، ثُمَّ لَقد بَصَّر أبو بكرٍ النَّاسَ الهُدى وعرَّفَهم الحقَّ الَّذي عَليهِم، وخَرَجوا به يَتْلونَ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)... إلى: (الشَّاكِرِينَ)؛ (رواه البخاري:3667).
الاشعار
- 1- قال الإمام المقري -رحمه الله تعالى-:
- ومما به قد خصه الله رحمة *** وفضلا وفخرا قد قضى الله خلده
- صحابته الغر الألي سعدوا ففي *** قلوبهم قد أسكن الله وده
- هم نصروا دين الهدى بسيوفهم *** كما خذلوا نسر الضلال ووده
- وأولهم سبقا وحيدهم حلى *** وأوجههم عند الإله وعنده
- مقربه محبوب مصطفاه من *** جميعهم لا خلق يعلم نده
- خليفته في المسلمين الذي له *** مناقب عود الطيب تنسى ونده
- ميمم ضلال اليمامة غازيا *** ليروى دما قضب الحديد وملده
- فما سلم الكذاب منها رئيسهم *** مسيلم خنزير الضلال وقرده
- أقاويله الزورية اللاء قد دجت *** ورأس الدجى لا شك بالنور يشده
- مقاتل أهل الردة الرجس الألى *** نحو سد باب حرم الله سده
- أبو بكر الصديق أصدق صاحب *** وأبدلهم في نصرة الدين جهده
- (أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض المؤلف: المقري (1-320).
- 2- قال الدكتور عباس الجنابي (قصيدة ثاني اثنين):
- الثاني اثنين تبجيلا لهُ نَقــفُ *** تعْظيمُهُ شَرَفٌ ما بعْدَهُ شَـَرفُ
- هُوَ الذي نَصـَرَ المُختـارَ أيّدَهُ *** مُصَدقا حَيْثُ ظـنّوا فيه واختلفوا
- يُزلزلُ الأرضَ إنْ خَطْبٌ ألمّ به *** ويبذلُ الروحَ إنْ ديستْ لهُ طرفُ
- وَيشْهَدُ الغارُ والخيْط ُالذي نَسَجَتْ ***ِ منْـه العناكِبُ سِتْراً ليس يَنْكَشِفُ
- بأنّهُ الصاحبُ المأمونُ جانِبُــهُ *** مهْما وَصَفْتُ سَيَبْدو فوقَ ما أصِفُ
- سلِ الصحابة َعنْ بّدْرٍ وإخوتها *** سلِ الذين على أضْلاعِهِمْ زَحَفوا
- مَنْ شاهرٌ سيفَهُ فوْقَ العريشِ وَمَنْ *** يَحُفـّه النصرُ بلْ بالنصر يَلتحِفُ
- هُوَ الذي خَصَّهُ الرحمنُ مَنْـزلَة ً *** هيَ المَعية ُإذْ نصَّت بها الصُحُفُ
- هذا العتيقُ الذي لا النـارُ تلْمَسُهُ *** ولا تلبَّـسَ يوما قلبَــه الوَجَفُ
- كُلُّ الصحـابةِ آخـوهُ وأوَّلـُهُمْ *** هذا الذي شُرِّفَتْ في قبره النَّجَفُ
- أمْسُ استضافت عيوني طيفَهُ وأنا *** مِنْ هيبةِ الوجهِ حتى الآن أرْتَجِفُ
- ومرَّ بيْ قائلا:لا تَبْتَئِــسْ أبدا *** بما يُخَرِّفُ مَعْـتوهٌ وَمُنَحـرِفُ
- يا سيّدي قلتُ: عهدُ الله يُلزمُني *** منْ كُلّ أخرقَ سبَابٍ سأنتصِفُ
- سأكتبُ الشعرَ في الأرحام ِأزْرَعُهُ *** حتى تُحَدِّثَ عَنْ أخباركَ النُطَفُ
- 3- قال حسان رضي الله عنه:
- إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثقة ٍ*** فاذكرْ أخاكَ أبا بكرٍ بما فعلا
- التاليَ الثانيَ المحمودَ مشهدهُ *** وأولَ الناسِ طراً صدقَ الرسلا
- والثانيَ اثنينِ في الغارِ المنيفِ *** وقدْ طافَ العَدُوُّ بهِ إذْ صَعَّدَ الجَبَلا
- وكان حبَّ رسولِ اللهِ قد علموا *** من البَرِيّة ِ لمْ يعدِلْ بهِ رَجُلا
- خَيْرُ البَرِيّة ِ أبْقاها وأرْأفُها *** بَعْدَ النبيّ، وأوْفاها بما حَمَلا
- عاش حَمِيداً، لأمرِ اللَّهِ مُتَّبعاً *** بهَديِ صاحبِه الماضي، وما انْتَقلا
متفرقات
- يقول أبو الحسن الأشعري -رحمه الله تعالى-: "إن الإمام الفاضل بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وأن الله -سبحانه وتعالى- أعز به الدين وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون بالإمامة كما قدمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصلاة وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ثم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأن الذين قتلوه قتلوه ظلما وعدوانا ثم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلافتهم خلافة النبوة" (الإبانة لأبي الحسن الأشعري).
- قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: "وأفضل الناس بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب الفاروق ثم عثمان بن عفان ذو النورين ثم علي بن أبي طالب المرتضى رضوان الله -تعالى- عليهم أجمعين. عابدين ثابتين على الحق ومع الحق نتولاهم جميعا" (الفقه الأكبر؛ لأبي حنيفة:303).
- قال الإمام السمعاني: "من أكثر الصحابة علما بالأنساب الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يستعين بأبي بكر؛ ليرد على كفار قريش؛ لعلمه بأنسابهم، وفي حديث أبى بكر وكان رجلا نسابة النسابة: البليغ العلم بالأنساب والهاء فيه للمبالغة مثلها في العلامة" (الأنساب للسمعاني:1-5).
- قال الإمام عليّ بن المدينيّ: "أيَّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة" (الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومسنده للصويان:1-20).
- قال عنه الحافظ أبو نعيم: "أبو بكر الصديق، السابق إلى التصديق، الملقب بالعتيق، المؤيد من الله بالتوفيق، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحضر والأسفار، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار، وعامة الأبرار، وبقى له شرفه على كرور الأعصار، ولم يسم إلى ذروته همم أولى الأيد والأبصار، حيث يقول عالم الأسرار: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)[التوبة:40] إلى غير ذلك من الآيات والآثار، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار، التي غدت كالشمس في الانتشار، وفضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه: قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)[الحديد:10]. توحد الصديق، في الأحوال بالتحقيق، واختار الاختيار من الله حين دعاه إلى الطريق، فتجرد من الأموال والأعراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفا، وللبلاء غرضا، وزهد فيما عز له جوهرا كان أو عرضا، تفرد بالحق، عن الالتفات إلى الخلق، وقد قيل إن التصوف الاعتصام بالحقائق، عند اختلاف الطرائق" (حلية الأولياء لأبي نعيم).
- قال النووي -رحمه الله- عند شرحه لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينا أنا نائمٌ رأيتني على قليبٍ عليْها دلوٌ فنزعتُ منْها ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ أخذَها ابنُ أبي قحافةَ فنزعَ بِها ذنوبًا أو ذنوبينِ وفي نزعِهِ -واللَّهُ يغفرُ لَهُ- ضعفٌ ثمَّ استحالت غربًا فأخذَها ابنُ الخطَّابِ فلم أرَ عبقريًّا منَ النَّاسِ ينزعُ نزعَ عمرَ بنِ الخطَّابِ حتَّى ضربَ النَّاسُ بعَطنٍ"؛ (رواه البخاري:3664، ومسلم:2392). قال: "قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم-ا في خلافتهما، وحسن سيرتهما، وظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بركته، وآثار صحبته. فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره، وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأنزل الله -تعالى- اليوم أكملت لكم دينكم ثم توفي -صلى الله عليه وسلم-، فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا، وهو المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ذنوبا أو ذنوبين"، وهذا شك من الراوي، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى. وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم، واتساع الإسلام. ثم توفي فخلفه عمر -رضي الله عنه-، فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله. فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم" (شرح صحيح مسلم للنووي:15-161).
- قال ابن كثير رحمه الله: "وكان رجلاً تاجراً ذا خُلُق ومعروف، وكان رجالُ قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر: لعلمه وتجارته وحسن مجالسته" (البداية والنهاية؛ لابن كثير:3-39).
الإحالات
- أبو بكر الصديق أفضل الصحابة، وأحقهم بالخلافة؛ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم.
- الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق شخصيته وعصره؛ د.علي محمد الصلابي.
- جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه عاطف بن عبدالوهاب حماد.
- الآيات والأحاديث الواردة في شأن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- د.سالم أحمد سلامة.
- ( ثاني اثنين ) تأملات في دلالة آية الغار على فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه د.طه حامد الدليمي.
- ذروة التحقيق في الذب عن خلافة الصديق أبو زيد العراقي.
- أبو بكر الصديق، المؤلف: علي الطنطاوي، الناشر: دار المنارة – جدة، سنة النشر: 1406 – 1986، رقم الطبعة: 3.
- فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه المؤلف: تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ) المحقق: د. عبد العزيز بن محمد الفريح الناشر: مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة الطبعة: المجلد 13، العدد 22، ربيع الأول 1422هـ.