" محمد صلى الله عليه وسلم زوجا "
ناصر بن علي القطامي
1438/06/24 - 2017/03/23 21:42PM
محمد صلى الله عليه وسلم زوجا "
الخطبة الأولى
في خضم تفاصيل الحياة اليومية، وخلف أسوار البيوت والمنازل هناك الكثير من الأسرار والأحداث، أخفتها تلك المباني، وبقيت أحداثها شاهدة على تفاصيلها، ناطقة بأسرارها، فمنها ما يحكي مأساة وهما، ومنها ما يشع تميزا ونجاحا، وما عرفت البشرية بيتا تلألأت نجومه بأنوار التوفيق والسعادة، على قلة ذات اليد، وشظف العيش كما كان بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإذا تأملت وجدت أن سر التوفيق في كل البيوت يبتدأ من انسجام الزوجين، وفهم كل طرف لشخصية الآخر، فهلم بنا ندلف بيته، ونتلمّس طرفا من سيرته مع أزواجه، فقد كان صلى الله عليه وسلم القدوة في معاملته لأزواجه رضي الله عنهن، فكان وهو مَن هو! يتودد إليهن، ويبتسم لهن، ويداعبهن، ويتشاور معهن، ولم يشغله كثر أعبائه، وعِظم مسئولياته عن القيام بواجباته تجاهههن.
لقد حبا الله تعالى نبيَّه أكمل الأخلاق وأنبل الصفات؛ فكان عليه الصلاة والسلام لزوجاته الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس؛ كان عليه الصلاة والسلام يمازح نساءه في السرَّاء، ويواسيهنَّ في الضرَّاء، كان يسمع شكواهنَّ، ويكفكف دموعهنَّ، لا يؤذيهنَّ بلسانه، ولا يجرح مشاعرهنَّ بعبارته، يتحمَّل منهنَّ كما يتحمل أحدكم من أهله، وما ضرب بيده امرأةً قط. لا يتصيَّد الأخطاء، ولا يتتبَّع العثرات، ولا يضخِّم الزلاَّت، ولا يُديم العتاب.
لم يضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة الطاهرة أحداً كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا)؛ وإنما كان -عليه الصلاة والسلام- زوجاً حنوناً رحيماً يعطف على أزواجه ويرحمهن ويبتسم لهن ويعاملهن المعاملة الحسنة.
كان -عليه الصلاة والسلام في بيته مشاركا في خدمة أهله، لا يأنف أن يقوم ببعض عمل البيت ويساعد أهله، سئلت عائشة - رضي الله عنها- : ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته عندكِ؟ فأجابت رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس. كان رجلاً من رجالكم؛ إلا أنه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان يكون في مهنة أهله: يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه. فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
وفي رواية: "كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم".
وهو من قال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي).
لقد كان نبينا بشرا مثلنا، كأي زوج في بيته، قد يقع بينه وبين زوجه خلاف، لكنه
صلى الله عليه وسلم كان يَحْتَمِلُ الْهَفْوَةَ، ويُعْرِضُ ويتغافَلُ عَنْ بعضِ ما يَقَعُ مِنْ بعضِ زوجاتِهِ شفقةً ورحمةً وتَكَرُّماً، فقد وقع بين النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وزوجه أم المؤمنين عائشة ما يقع غالبا بين الرجل وامرأته من خلاف، فعلا صوتُها صوتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وراجعته في بعض الأمور، ووافقت هذه اللحظات مرور الصدِّيق رضي الله عنه بباب ابنته عائشة، فأدرك سمعه صوت ابنته عاليًا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستأذن الصدِّيق، ودخل بيت عائشة وقد امتلأ غيظًا، وهو يقول: "يا ابنة أمّ رومان"؛ لم ينسبها لنفسه من شدَّة حنقه عليها ! قال: "لا أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله"، وإذ بعائشةَ التي كانت تراجع النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلوذ بالذي كانت تراجعه، وتحتمي خلف ظهره، ورسولنا صلى الله عيه وسلم يمنع أبا بكرٍ من ابنته، ويهدئ غضبه، ويسكن نفسه، حتى خرج أبو بكر رضي الله عنه من عندهم مغضبًا، فالتفت أكرم الخَلْق، ومَنْ أَسَرَ القلوب بخُلُقه إلى عائشة وقال لها ممازِحًا ومخفِّفًا: ((يا عائشة، كيف رأيتِني أنقذتُكِ من الرجل؟)!!
فما كان من عائشة إلا أن استحيَتْ، وذهب ما كان من مراجعتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويشاء الله أن يمرَّ الصدِّيق من بيت عائشة؛ فيسمع رنين الضحكات، فيستأذن عليهما ويقول: "أدخِلاني في سِلْمِكما كما أدخلتُماني في حربكم"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد فعلنا. قد فعلنا)).
أما عن مراعاته لمشاعر زوجته، وفهمه لنفسيتها فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ذات يوم، فوجد أمَّ المؤمنين صفيَّة بنت حُيَيٍّ تبكي وتمسح الدموع من مآقيها! سألها عن سبب بكائها؛ فأخبرته أن حفصة بنت عمر جرحت مشاعرها، وقالت لها: "أنت ابنة يهوديٍّ!".
فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بضع كلمات ضمَّدت جرحها وجبرت خاطرها؛ قال: ((قولي لها: زوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى))!! والتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى حفصة وقال لها: ((اتَّقِ الله يا حفصة)).
وهكذا يعالج النبيُّ صلى الله عليه وسلم الموقفَ بحكمة وروية، وكلماتٍ معدودات، تخفف الآلام وتضمّد الجراح .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشجع الناس، وأنبلهم وأصدقهم ومع ذلك كله فقد كان حريصا على إظهار حبه لزوجاته - رضي الله عنهم- ويجهر به، وكان يعْلمه أصحابه رضي الله عنهم.
فكان يقول عن خديجة: ((إني قد رُزقت حبها)) رواه مسلم.
وكانت زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسابقن في إظهار حبه لهن، وهو يقرّهن على ذلك ولا ينكر عليهن، فقد قالت عائشة - رضي الله عنها - : أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير يومي يطلب مني ضجعًا، فدقَّ فسمعت الدق، ثم خرجت، ففتحت له، فقال: ((ما كنت تسمعين الدّق؟!)) قلت: بلى، ولكنني أحببت أن يعلم النساء أنك أتيتني في غير يومي.
أما عن مزاحه معهن حتى في لحظات الانشغال أو نزول الأزمات فقد كان لا يترك ذلك فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: خرجت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك ) رواه أحمد .
و ها هو يحن على أزواجه ويعطف علهن فعن أنس قال: (خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوِّي لها -أي: لصفية - وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) .
يا معشر الرجال .. يا معشر الأزواج ذلكم هو رسول رب العالمين، وقائد الغر الحجلين، لم يأنف أن يلين بيد زوجه، لم يستنكف أن يتواضع لامرأته، فتلك سمة من سمات الرحمة والحكمة، وحسن المعاشرة بالمعروف التي رباه الله تعالى عليها .
فأين نحن من هديه وسيرته ؟ أين نحن من صفاته وأخلاقه ؟
نعم الزوج هو، ونعم المربي هو، ونعم المعلم هو صلى الله عليه وسلم ..
الخطبة الثانية:
وبعد: فمن عاش مع هذه الأخلاق النبوية، والشمائل المحمدية، واقتبس من أنوارها، كانت له بركة وتوفيقا، ومن رام التوفيق والسعادة في حياته الزوجية، فليلزم غرزها، وليستن بهديها، ولكل زوج عاقل مع ما سلف دروس عدة منها :
أولا: أن زوجتك أمانةً في عنقكَ، أخذتَها من أهلها بأمان الله، واستحللتَ فرجها بكلمة الله؛ فاتَّقِ الله في ضعفها، وأحسِن عشرتها، واستكمل حقوقها، ولا تكلِّفها العمل بما هو فوق وسعها.
ثانيا: أن إكرام المرأة عنوان مروءة الرجل، وأصله وفائه، وأن إهانتها وظلمها برهانٌ على خِسَّة الخُلُق، وسفالة الرجولة.
ثالثا: أيها الزوج: اجعل هدي نبيِّكَ مع أهله نبراسًا لك في حياتكَ؛ إذا كرهتَ من أهلكَ خُلُقًا فتذكر الصفات الإيجابية فيهم، ولا تنسَ أن كلَّ مخلوقٍ طُبِعَ على النقص، وأن الكمال مُحال.
رابعا: تكيّف مع طبائع زوجتك، وكن حكيما في الصبر عليها، لطيفا في توجيهها، ذكيا في معرفة مفاتيح قلبها .
خامسا: أن على الرجل مهما علا منصبه، أو كانت قوة شخصيته، فعليه أن يرفق بزوجه وأولاده، وأن يتعامل معهم بشخصية الوالد الحنون، والزوج الرؤف، وأن لا يحول البيت إلى ثكنة عسكرية، أو يغلب عليه التعامل بجدية، فإن مما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: ليعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي ، فإذا ابتغي منه وُجد رجلا . رواه البيهقي في شعب الإيمان
سادسا: تعامل مع أخطاء أهلكَ بسماحةٍ ويُسْر، وعالِج الأمور بهدوءٍ واتِّزان، واجعل أمام عينيكَ دائمًا وصيةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم حين قال: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنها خُلِقْنَ من ضلعٍ، وإن أَعْوَجَ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمَه كسرتَه، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجًا))؛ فاستوصوا بالنساء خيرًا.
الخطبة الأولى
في خضم تفاصيل الحياة اليومية، وخلف أسوار البيوت والمنازل هناك الكثير من الأسرار والأحداث، أخفتها تلك المباني، وبقيت أحداثها شاهدة على تفاصيلها، ناطقة بأسرارها، فمنها ما يحكي مأساة وهما، ومنها ما يشع تميزا ونجاحا، وما عرفت البشرية بيتا تلألأت نجومه بأنوار التوفيق والسعادة، على قلة ذات اليد، وشظف العيش كما كان بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإذا تأملت وجدت أن سر التوفيق في كل البيوت يبتدأ من انسجام الزوجين، وفهم كل طرف لشخصية الآخر، فهلم بنا ندلف بيته، ونتلمّس طرفا من سيرته مع أزواجه، فقد كان صلى الله عليه وسلم القدوة في معاملته لأزواجه رضي الله عنهن، فكان وهو مَن هو! يتودد إليهن، ويبتسم لهن، ويداعبهن، ويتشاور معهن، ولم يشغله كثر أعبائه، وعِظم مسئولياته عن القيام بواجباته تجاهههن.
لقد حبا الله تعالى نبيَّه أكمل الأخلاق وأنبل الصفات؛ فكان عليه الصلاة والسلام لزوجاته الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس؛ كان عليه الصلاة والسلام يمازح نساءه في السرَّاء، ويواسيهنَّ في الضرَّاء، كان يسمع شكواهنَّ، ويكفكف دموعهنَّ، لا يؤذيهنَّ بلسانه، ولا يجرح مشاعرهنَّ بعبارته، يتحمَّل منهنَّ كما يتحمل أحدكم من أهله، وما ضرب بيده امرأةً قط. لا يتصيَّد الأخطاء، ولا يتتبَّع العثرات، ولا يضخِّم الزلاَّت، ولا يُديم العتاب.
لم يضرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة الطاهرة أحداً كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا)؛ وإنما كان -عليه الصلاة والسلام- زوجاً حنوناً رحيماً يعطف على أزواجه ويرحمهن ويبتسم لهن ويعاملهن المعاملة الحسنة.
كان -عليه الصلاة والسلام في بيته مشاركا في خدمة أهله، لا يأنف أن يقوم ببعض عمل البيت ويساعد أهله، سئلت عائشة - رضي الله عنها- : ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته عندكِ؟ فأجابت رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلْيَنَ الناس، وأكرم الناس. كان رجلاً من رجالكم؛ إلا أنه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان يكون في مهنة أهله: يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم نفسه. فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
وفي رواية: "كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم".
وهو من قال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي).
لقد كان نبينا بشرا مثلنا، كأي زوج في بيته، قد يقع بينه وبين زوجه خلاف، لكنه
صلى الله عليه وسلم كان يَحْتَمِلُ الْهَفْوَةَ، ويُعْرِضُ ويتغافَلُ عَنْ بعضِ ما يَقَعُ مِنْ بعضِ زوجاتِهِ شفقةً ورحمةً وتَكَرُّماً، فقد وقع بين النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وزوجه أم المؤمنين عائشة ما يقع غالبا بين الرجل وامرأته من خلاف، فعلا صوتُها صوتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وراجعته في بعض الأمور، ووافقت هذه اللحظات مرور الصدِّيق رضي الله عنه بباب ابنته عائشة، فأدرك سمعه صوت ابنته عاليًا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستأذن الصدِّيق، ودخل بيت عائشة وقد امتلأ غيظًا، وهو يقول: "يا ابنة أمّ رومان"؛ لم ينسبها لنفسه من شدَّة حنقه عليها ! قال: "لا أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله"، وإذ بعائشةَ التي كانت تراجع النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلوذ بالذي كانت تراجعه، وتحتمي خلف ظهره، ورسولنا صلى الله عيه وسلم يمنع أبا بكرٍ من ابنته، ويهدئ غضبه، ويسكن نفسه، حتى خرج أبو بكر رضي الله عنه من عندهم مغضبًا، فالتفت أكرم الخَلْق، ومَنْ أَسَرَ القلوب بخُلُقه إلى عائشة وقال لها ممازِحًا ومخفِّفًا: ((يا عائشة، كيف رأيتِني أنقذتُكِ من الرجل؟)!!
فما كان من عائشة إلا أن استحيَتْ، وذهب ما كان من مراجعتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويشاء الله أن يمرَّ الصدِّيق من بيت عائشة؛ فيسمع رنين الضحكات، فيستأذن عليهما ويقول: "أدخِلاني في سِلْمِكما كما أدخلتُماني في حربكم"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد فعلنا. قد فعلنا)).
أما عن مراعاته لمشاعر زوجته، وفهمه لنفسيتها فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته ذات يوم، فوجد أمَّ المؤمنين صفيَّة بنت حُيَيٍّ تبكي وتمسح الدموع من مآقيها! سألها عن سبب بكائها؛ فأخبرته أن حفصة بنت عمر جرحت مشاعرها، وقالت لها: "أنت ابنة يهوديٍّ!".
فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بضع كلمات ضمَّدت جرحها وجبرت خاطرها؛ قال: ((قولي لها: زوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى))!! والتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى حفصة وقال لها: ((اتَّقِ الله يا حفصة)).
وهكذا يعالج النبيُّ صلى الله عليه وسلم الموقفَ بحكمة وروية، وكلماتٍ معدودات، تخفف الآلام وتضمّد الجراح .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشجع الناس، وأنبلهم وأصدقهم ومع ذلك كله فقد كان حريصا على إظهار حبه لزوجاته - رضي الله عنهم- ويجهر به، وكان يعْلمه أصحابه رضي الله عنهم.
فكان يقول عن خديجة: ((إني قد رُزقت حبها)) رواه مسلم.
وكانت زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسابقن في إظهار حبه لهن، وهو يقرّهن على ذلك ولا ينكر عليهن، فقد قالت عائشة - رضي الله عنها - : أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير يومي يطلب مني ضجعًا، فدقَّ فسمعت الدق، ثم خرجت، ففتحت له، فقال: ((ما كنت تسمعين الدّق؟!)) قلت: بلى، ولكنني أحببت أن يعلم النساء أنك أتيتني في غير يومي.
أما عن مزاحه معهن حتى في لحظات الانشغال أو نزول الأزمات فقد كان لا يترك ذلك فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: خرجت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره و أنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته ، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره ، فقال للناس : تقدموا، فتقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : هذه بتلك ) رواه أحمد .
و ها هو يحن على أزواجه ويعطف علهن فعن أنس قال: (خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوِّي لها -أي: لصفية - وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) .
يا معشر الرجال .. يا معشر الأزواج ذلكم هو رسول رب العالمين، وقائد الغر الحجلين، لم يأنف أن يلين بيد زوجه، لم يستنكف أن يتواضع لامرأته، فتلك سمة من سمات الرحمة والحكمة، وحسن المعاشرة بالمعروف التي رباه الله تعالى عليها .
فأين نحن من هديه وسيرته ؟ أين نحن من صفاته وأخلاقه ؟
نعم الزوج هو، ونعم المربي هو، ونعم المعلم هو صلى الله عليه وسلم ..
الخطبة الثانية:
وبعد: فمن عاش مع هذه الأخلاق النبوية، والشمائل المحمدية، واقتبس من أنوارها، كانت له بركة وتوفيقا، ومن رام التوفيق والسعادة في حياته الزوجية، فليلزم غرزها، وليستن بهديها، ولكل زوج عاقل مع ما سلف دروس عدة منها :
أولا: أن زوجتك أمانةً في عنقكَ، أخذتَها من أهلها بأمان الله، واستحللتَ فرجها بكلمة الله؛ فاتَّقِ الله في ضعفها، وأحسِن عشرتها، واستكمل حقوقها، ولا تكلِّفها العمل بما هو فوق وسعها.
ثانيا: أن إكرام المرأة عنوان مروءة الرجل، وأصله وفائه، وأن إهانتها وظلمها برهانٌ على خِسَّة الخُلُق، وسفالة الرجولة.
ثالثا: أيها الزوج: اجعل هدي نبيِّكَ مع أهله نبراسًا لك في حياتكَ؛ إذا كرهتَ من أهلكَ خُلُقًا فتذكر الصفات الإيجابية فيهم، ولا تنسَ أن كلَّ مخلوقٍ طُبِعَ على النقص، وأن الكمال مُحال.
رابعا: تكيّف مع طبائع زوجتك، وكن حكيما في الصبر عليها، لطيفا في توجيهها، ذكيا في معرفة مفاتيح قلبها .
خامسا: أن على الرجل مهما علا منصبه، أو كانت قوة شخصيته، فعليه أن يرفق بزوجه وأولاده، وأن يتعامل معهم بشخصية الوالد الحنون، والزوج الرؤف، وأن لا يحول البيت إلى ثكنة عسكرية، أو يغلب عليه التعامل بجدية، فإن مما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: ليعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي ، فإذا ابتغي منه وُجد رجلا . رواه البيهقي في شعب الإيمان
سادسا: تعامل مع أخطاء أهلكَ بسماحةٍ ويُسْر، وعالِج الأمور بهدوءٍ واتِّزان، واجعل أمام عينيكَ دائمًا وصيةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم حين قال: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنها خُلِقْنَ من ضلعٍ، وإن أَعْوَجَ ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمَه كسرتَه، وإن تركتَهُ لم يزل أعوجًا))؛ فاستوصوا بالنساء خيرًا.
المرفقات
محمد صلى الله عليه وسلم زوجا.doc
محمد صلى الله عليه وسلم زوجا.doc