" لا تَمْرَ في العِراق " عبد الله بن عبد العزيز الهدلق
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1431/08/10 - 2010/07/22 14:47PM
" لا تَمْرَ في العِراق "
عبد الله بن عبد العزيز الهدلق
كنتُ من قريبٍ في زيارةٍ لأخي الشيخ عبدالمحسن العسكر, فوافيتُ عنده فضيلة الدكتور العراقي نعمان السامرائي ..
ولمّا أُحضرت القهوة مع الرُّطَب تحدثنا – كعادة الناس أول ورود الرُّطب – عن أنواع التمر وما إلى ذلك , فأخذ بنا الكلام إلى تمور العراق وماهي عليه من الجودة وكثرة الأنواع , وما في العراق من غابات النخيل .. فقال الدكتور نعمان : إن إحدى قريباتي في العراق قد أرسلت إلينا هنا تطلب منا أن نبعث إليها بشيءٍ من التمر , لأن رمضان قادم ولا تمر عندهم !
فوجمتُ لِهَول ماقاله , ونظرتُ إلى أخي الشيخ عبدالمحسن فإذا به قد أصابه الذي أصابني , والْتقتْ عينانا على عِظةٍ من عِظات هذه الدنيا حُقَّ لها أن تُروى ..
أيُصدّر التمر من نجدٍ إلى العراق ؟
لقد حدّث بعض أهل التواريخ : بأن أعرابياً من بادية هذا البلد شوى – في أيام مضت – جِلْدَ نَعْله يتبلّغ به لِما مسّه من أليم الجوع , هذا في زمن كان الضيف ينزل فيه على أصحاب النخيل في البصرة ؛ فيُضيَّف في كل يوم نوعاً من التمر حتى يستوفيَ السنة ماتكرّر عليه نوع من أنواعه ..
ثم إن الدنيا دارت دورتها ؛ فأصبح بعض أهل هذه البلاد التي هجرها ناسٌ من سكانها في خاليةٍ من السنين إلى الزُّبير طلباً للرزق ؛ أصبح يطلب أطفالُه الأكل من المطعم فيوصله إليهم عامل آسيوي لاتقف الأمطار في بلاده عن الهطول أكثر السنة .. ولقد سمعتُ من أحد العامة : أن رجلاً له ثلاثةٌ من الأبناء ؛ طلب كلٌّ منهم نوعاً من الطعام من المحل الذي يُحبّ , فاتفق أن وقفت السيارات الثلاث عند الباب مجتمعةً كلُّ واحدةٍ تحمل لوناً من الطعام مختلفاً !
إننا لسنا بمنجاةٍ من طالة أقدارالله , وليس بيننا وبين الدنيا عهدٌ على ألا تدور علينا فتطحنَنا كما فعلت بغيرنا .. فالدنيا شرودٌ قُلّب , وكم من شمس يومٍ أشرقت على أهلها بغير ماغابت عنهم عليه ..
أفلا نتقي الله في هذه النِّعم التي خَوَّلنا , أفلا ننهى سفهاءنا عن هذا السَّرَف في ولائمنا .. وهذا الترف , وخِزي التفسّخ الذي عمَّ أفراحنا ؛ حتى أصبح نساؤنا يحضرن الدعوات شبه عرايا , والولع بالسفر ننثر فيه ألوف الألوف في ديار الغرب لانبالي أن صارت أعراضنا يقتات عليها أغراب الدنيا .. أفما نعوذ بالله من عادية الشّرّ أن تغتالنا , فإننا – والله - إن غادرتنا هذه النعمة فلن يرحمنا من الناس راحم ..
فسترَك اللهمّ ؛ قد أصبح العراق اليوم ولا تمر فيه ..
قال المؤرخ المقريزي في خِططه عند ذكر ابتداء أمر الفاطميين في مصر :
" وكانت أُمّ الأمراء قد وجّهت من المغرب صَبِيّةً لتباع بمصر , فعرضها وكيلها في مصر للبيع وطلب فيها ألف دينار , فحضر إليه في بعض الأيام امرأةٌ شابّة على حمار لتُقلّب الصّبِيّة , فساومته فيها وابتاعتها منه بستمئة دينار , فإذا هي ابنة الإخشيد محمد بن طُغْج , وقد بلغها خبر هذه الصبيّة , فلما رأتها شغفتها حباً فاشترتها لتستمتع بها .. فعاد الوكيل إلى المغرب وحدّث المُعزّ بذلك فأحضر الشيوخ , وأمر الوكيل فقصّ عليهم خبر ابنة الإخشيد مع الصبيّة إلى آخره , فقال المُعز : ياإخواننا انهضوا إلى مصر فلن يحول بينكم وبينها شيء , فإن القوم قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها , وماهذا إلا من ضعف نفوس رجالهم وذهاب غَيرتهم , فانهضوا لمسيرنا إليهم .. " .
المصدر: نور الإسلام
عبد الله بن عبد العزيز الهدلق
كنتُ من قريبٍ في زيارةٍ لأخي الشيخ عبدالمحسن العسكر, فوافيتُ عنده فضيلة الدكتور العراقي نعمان السامرائي ..
ولمّا أُحضرت القهوة مع الرُّطَب تحدثنا – كعادة الناس أول ورود الرُّطب – عن أنواع التمر وما إلى ذلك , فأخذ بنا الكلام إلى تمور العراق وماهي عليه من الجودة وكثرة الأنواع , وما في العراق من غابات النخيل .. فقال الدكتور نعمان : إن إحدى قريباتي في العراق قد أرسلت إلينا هنا تطلب منا أن نبعث إليها بشيءٍ من التمر , لأن رمضان قادم ولا تمر عندهم !
فوجمتُ لِهَول ماقاله , ونظرتُ إلى أخي الشيخ عبدالمحسن فإذا به قد أصابه الذي أصابني , والْتقتْ عينانا على عِظةٍ من عِظات هذه الدنيا حُقَّ لها أن تُروى ..
أيُصدّر التمر من نجدٍ إلى العراق ؟
لقد حدّث بعض أهل التواريخ : بأن أعرابياً من بادية هذا البلد شوى – في أيام مضت – جِلْدَ نَعْله يتبلّغ به لِما مسّه من أليم الجوع , هذا في زمن كان الضيف ينزل فيه على أصحاب النخيل في البصرة ؛ فيُضيَّف في كل يوم نوعاً من التمر حتى يستوفيَ السنة ماتكرّر عليه نوع من أنواعه ..
ثم إن الدنيا دارت دورتها ؛ فأصبح بعض أهل هذه البلاد التي هجرها ناسٌ من سكانها في خاليةٍ من السنين إلى الزُّبير طلباً للرزق ؛ أصبح يطلب أطفالُه الأكل من المطعم فيوصله إليهم عامل آسيوي لاتقف الأمطار في بلاده عن الهطول أكثر السنة .. ولقد سمعتُ من أحد العامة : أن رجلاً له ثلاثةٌ من الأبناء ؛ طلب كلٌّ منهم نوعاً من الطعام من المحل الذي يُحبّ , فاتفق أن وقفت السيارات الثلاث عند الباب مجتمعةً كلُّ واحدةٍ تحمل لوناً من الطعام مختلفاً !
إننا لسنا بمنجاةٍ من طالة أقدارالله , وليس بيننا وبين الدنيا عهدٌ على ألا تدور علينا فتطحنَنا كما فعلت بغيرنا .. فالدنيا شرودٌ قُلّب , وكم من شمس يومٍ أشرقت على أهلها بغير ماغابت عنهم عليه ..
أفلا نتقي الله في هذه النِّعم التي خَوَّلنا , أفلا ننهى سفهاءنا عن هذا السَّرَف في ولائمنا .. وهذا الترف , وخِزي التفسّخ الذي عمَّ أفراحنا ؛ حتى أصبح نساؤنا يحضرن الدعوات شبه عرايا , والولع بالسفر ننثر فيه ألوف الألوف في ديار الغرب لانبالي أن صارت أعراضنا يقتات عليها أغراب الدنيا .. أفما نعوذ بالله من عادية الشّرّ أن تغتالنا , فإننا – والله - إن غادرتنا هذه النعمة فلن يرحمنا من الناس راحم ..
فسترَك اللهمّ ؛ قد أصبح العراق اليوم ولا تمر فيه ..
قال المؤرخ المقريزي في خِططه عند ذكر ابتداء أمر الفاطميين في مصر :
" وكانت أُمّ الأمراء قد وجّهت من المغرب صَبِيّةً لتباع بمصر , فعرضها وكيلها في مصر للبيع وطلب فيها ألف دينار , فحضر إليه في بعض الأيام امرأةٌ شابّة على حمار لتُقلّب الصّبِيّة , فساومته فيها وابتاعتها منه بستمئة دينار , فإذا هي ابنة الإخشيد محمد بن طُغْج , وقد بلغها خبر هذه الصبيّة , فلما رأتها شغفتها حباً فاشترتها لتستمتع بها .. فعاد الوكيل إلى المغرب وحدّث المُعزّ بذلك فأحضر الشيوخ , وأمر الوكيل فقصّ عليهم خبر ابنة الإخشيد مع الصبيّة إلى آخره , فقال المُعز : ياإخواننا انهضوا إلى مصر فلن يحول بينكم وبينها شيء , فإن القوم قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها , وماهذا إلا من ضعف نفوس رجالهم وذهاب غَيرتهم , فانهضوا لمسيرنا إليهم .. " .
المصدر: نور الإسلام