" فكأنما وُتر أهله وماله "

الحمد لله القدير الغفور وسع الخلائق حِلمه رغم ما ارتكبوا من شرور ، يفرح بتوبة المذنب ويجبر المكسور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الظلمات والنور وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله زاهد ما امتلأت بألوان طعامه القدور ، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد :

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6

إخوة الإيمان : القصص فيها عبر وقد قص الله سبحانه في القرآن قصصا وقص رسوله صلى الله عليه وسلم قصصا ، وإليكم أيه الأحبة قصة رجل معاصر رواها ابنه حمدان بن محمد بن مساعد الدغيلبي العتيبي(*)



يقول الابن : كان والدي و أهله أصحاب إبل يتبعون المرعى ويقطنون في الصيف قرب القرى والماء في ديار سدير. يقول الراوي : تزوج والدي ورزق بابنتين وفي سنة السْحَبَه عمّ المرض وكثُر الموتى وهي تقريبا في الستينات الهجرية، يقول الراوي : وكان والدي وزوجته وابنتيه وقتها يقيمون في روضة سدير فأصاب ابنتيه و زوجته المرض وماتوا جميعا غفر الله لهم وشفع بابنتيه.
فانتقل والدي إلى عودة سدير حيث يقيم أخوه حمدان بن مساعد . ثم انتقل للعمل فترة في الطائف .
يقول : وبعد زمن توفي حمدان رحمه الله وله ولد واحد فأشار الناس على أبي أن يتزوج أرملة أخيه فيتأهل ويرعى ابن أخيه. وفعلا تزوجها ورزق منها ثلاثة أبناء.
يقول وفي سنة 1386 هـ كانوا يقطنون قرب وادٍ جنوب عودة سدير ، وفي يوم أسودت السماء بالسحاب فأمطرت مطرا عظيما فارتفع الماء في الوادي حتى وصل بيت الشَعَر (الوبر) وجرف الماء بعض ماشيتهم.
وأخذت المرأة صغارها الأربعة وكان حولها جيران يقطنون قربهم وكان كل منهم يصلح من حاله فقالت لهم سأصعد الجبل ولكن أحد صغارها سقط في الماء وجرفه السيل فحاولت إنقاذه و تبعها الصغار فجرفهم جميعا السيل الغزير وكان هذا آخر النهار.
يقول ولما جاء أبي أخبره الناس بالخبر وكانت مصيبة عظيمة فأخذه الناس إلى عودة سدير وصاروا حوله يصبرونه ويثبتونه تلك الليلة .
ولما صلّوا الفجر وأصبحوا أخذوا المساحي واتجهوا إلى مفيض السيل فوجدوا الجثث الخمس الأم وصغارها الأربعة فحفروا القبور و صلوا عليهم و دفنوهم غفر الله لها وشفع الله بالصغار والديهم.
يقول الراوي : ثم إن والدي ذهب إلى الطائف فعمل فترة ثم رجع وتزوج أمي وربما كان ذلك بعد سنة ونصف أو سنتين من الكارثة.
يقول فرزقه الله بستة أبناء وثلاث بنات ولله الحمد و لم يذق حزن أحد منهم إلا رضيعا واحدا.
يقول الابن راوي القصة وكانت وفاة والدي عام 1428 رحمه الله وأموات المسلمين.

معشر الكرام : أرأيتم مصيبة هذا الرجل الذي أهلك السيل بعض ماشيته وزوجته وأبناءه الثلاثة وابن أخيه ؟! إن بيننا من هو أشد مصيبة منه بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم !
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الذي تَفوتُهُ صلاَةُ العَصْرِ، كأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ" أخرجه الشيخان . وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ أي : كمن فقد أهله وماله.


وإن تساءلتَ ما المراد بفوات العصر في هذا الحديث ؟ فإليك الجواب .

أوسع ما قال أهل العلم أن هذا فيمن صلى العصر بعد غروب الشمس بلا عذر ، وقال بعض أهل العلم فواتها صلاتها بعد ذهاب وقت الاختيار ويكون من اصفرار الشمس ! وذهب بعضهم إلى أن المقصود فواتها في الجماعة .( فتح الباري ط دار السلام 2/42) (صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 122)

الله المستعان .. نسمع أن من المسلمين من ينام بعدما يخرج من الدوام في الظهيرة ولا يستيقظ إلا في الليل والعياذ بالله .
بارك الله لي ولكم ...


الحمد لله القائل {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238 ...

أما بعد : فإن الصلاة عمود الإسلام ، ولصلاة العصر خصوصا شأن عظيم وإليكم بعض ما يدل على عظمة شأنها :

فصلاة العصر هي الصلاة الوسطى ؛ ففي صحيح مسلم فعن البراءِ بنِ عازبٍ ؛ قال : نزلت هذه الآيةُ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ } . فقرأناها ما شاء اللهُ . ثم نسخها اللهُ . فنزلت : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى } . فقال رجلٌ كان جالسًا عند شقيقٍ له : هي إذنْ صلاةُ العصرِ . فقال البراءُ : قد أخبرتُك كيف نزلتْ . وكيف نسخها اللهُ . واللهُ أعلمُ .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، يومَ الأحزابِ ، وهو قاعدٌ على فُرْضةٍ من فُرَضِ الخندقِ : " شغلُونا عن الصلاةِ الوُسطَى . حتى غربتِ الشمسُ . ملأ اللهُ قبورَهم وبيوتَهم ( أو قال قُبورَهم وبطونَهم ) نارًا " رواه مسلم .
ومعنى فُرْضةٍ من فُرَضِ الخندقِ أي المدخل من مداخله والمنفذ إليه . (صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 131)

صلاة العصر تحضرها الملائكة ، يقول عليه الصلاة والسلام : " يتعاقبون فيكم : ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ ، ويجتمِعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم ، فيسألُهم ، وهو أعلمُ بهم ، كيف تركتُم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يُصلُّونَ ، وأتيناهم وهم يُصلُّونَ " .أخرجه الشيخان .
فهل نحن نستشعر صلاة الملائكة لهاتين الصلاتين وجوابهم لله سبحانه إذا سألهم ؟!

صلاة العصر خصت بوعيد شديد لمن يتركها ، أخرج البخاري بسنده عن أبي الملِيح قال : كنا مع بُرَيْدَةَ في غَزوَةٍ، في يومٍ ذي غَيمٍ، فقال : بَكِّرُوا بصلاةِ العصرِ فإن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : " من ترك صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه " . قال ابن حجر بعد أن أورد أقوالا لأهل العلم : " وأقرب هذه التأويلات قول من قال إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد .والله أعلم " اهـ( فتح الباري ط دار السلام 2 / 44 )

صلاة العصر سبب لدخول الجنة ففي الحديث : " مَن صلَّى البردَينِ دخَل الجنةَ " أخرجه الشيخان
وفي رواية لمسلم يعني : العصر والفجر . قال الخطابي : " سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سَورة الحر " (فتح الباري ط دار السلام 2/71)
ومن شديد الترهيب في صلاة العصر قول النبي عليه الصلاة والسلام " الذي تَفوتُهُ صلاَةُ العَصْرِ، كأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ " أخرجه الشيخان
صلاة العصر وقاية من النار قال عليه الصلاة والسلام : " لا يلجُ النارَ من صلى قبل طلوعِ الشمسِ وقبل غروبها " أخرجه مسلم .

صلاة العصر سبب لرؤية الله سبحانه فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ نظَر إلى القمَرِ ليلةَ البدرِ، فقال : أمَا إنكم سترَونَ ربَّكم كما ترَونَ هذا، لا تُضامُّونَ - أو لا تُضاهُونَ - في رُؤيَتِه، فإنِ استطعْتُم أن لا تُغلَبوا على صلاةٍ قبْلَ طُلوعِ الشمسِ وقبلَ غُروبِها فافعَلوا . ثم قال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } طه : 130 أخرجه الشيخان .

[font="]وختاما إخوة الإيمان لنحرص على الاهتمام بالصلوات كلها وبالذات صلاتي الفجر والعصر فالأحاديث في شأنهما كثيرة كما سمعت و العجيب أن أكثر التفريط اليوم في هاتين الصلاتين والله المستعان . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8[/font]
[font="][font="][line]-[/line][/font]


(*) يسر الله لي اللقاء بالأستاذ حمدان بن محمد الدغيلبي[font="] [/font]فروى لي القصة وذلك ليلة الاثنين 27[font="] / 7 / 1438[/font] ( حسام الجبرين ) [font="].[/font][/font]
المشاهدات 1089 | التعليقات 0