" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " 4 / 8 / 1439هـ
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " 4 / 8 / 1439هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة
إخوة الإيمان : أعظم النعم الهداية إلى صراط الله المستقيم ، و العبد في اضطرار لهداية الله له ، إنها الهداية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم ربه و أرشد أصحابه إلى طلبها ، الهداية التي يسألها المصلي ربه كل ركعة ! {اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6 وحديثنا اليوم عباد الرحمن عن الثبات على الهداية !
نعم ! فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه و أخبر عنه النواس بن سمعان وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم أخبروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر سؤال الله الثبات ! ؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يُكثِرُ أن يقول: «يا مُقلِّبَ القلوب! ثبِّت قلبي على دينِك». فقلتُ: يا نبيَّ الله! آمنَّا بك وبما جئتَ به، هل تخافُ علينا؟ قال: «نعم، إن القلوبَ بين أُصبعين من أصابِع الله يُقلِّبُها كيف يشاء» أخرجه أحمد و الترمذي وحسنه الألباني . واستعاذ عليه الصلاة والسلام من الحَور بعد الكور !
إخوة الإيمان : ولهذا كان خوف الزيغ والضلال بعد الهدى هاجسا في صدور المتقين بل والراسخين في العلم ! { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ . رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران7 ، 8 ، وإن فتن الشبهات والشهوات ما انتشرت والله أعلم في زمن مثل انتشارها في زماننا ، تقذف بها وسائل مقروءة ومرئية ومسموعة !
من كفار ومنافقين وملاحدة وجُهّال وأصحاب أهواء !
معشر الكرام : والفتن على نوعين : فتن شهوات وفتن شبهات ، و الأكثر فتن الشهوات ، والأخطر فتن الشبهات ، لأنها تصل أحيانا إلى الإلحاد والكفر ومن فتن الشبهات ما يشكك في ثوابت الوحيين أو يعطلها ومنها تأويلات ضعيفة للنصوص توافق هوى في النفوس ، ومن فتن الشبهات ما وقع في الأمة من تكفير بغير حق وتخريب وتفجير واستباحة للدماء المعصومة .
عباد الرحمن : والفتن تتفاوت ، أخبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس مجلسًا يتحدث عن الفتنِ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وهو يعُدُّ الفتنَ " منهن ثلاثٌ لا يكدن يذَرْن شيئًا . ومنهن فتنٌ كرياحِ الصيفِ . منها صغارٌ ومنها كبارٌ " أخرجه مسلم .
إخوة الإسلام : والحكمة من الفتن ابتلاء والاختبار {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.} العنكبوت1-3 وقال سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}المائدة 94 والصراع بين الحق والباطل قديم ومستمر !
معشر الكرام : هل تعرفون صيغة اليمين التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الحلف بها ؟!
يقول ابن عمر رضي الله عنهما : أكثرُ ما كان النبيُُّّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَحلِفُ : ( لا ومُقَلِّبِ القُلوبِ ) . أخرجه البخاري ، وأخرج النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كانَت يمينُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الَّتي يَحلِفُ بِها : " لا ! ومصرِّفِ القلوبِ" كيف وهو المُنزَل عليه قول الله سبحانه {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} الإسراء من 73-75 اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } ، واستغفروا الله إنه كان غفورا رحيما
الحمد لله الولي الكافي ، المجيب الشافي الخبير الهادي القائل {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }إبراهيم27 والقائل { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }الصف5 وصلى الله وسلم على نبينا التقي ، ذي الشرف العلي والهدى الجلي وعلى آله وأصحابه أما بعد عباد الرحمن : فالثبات على الهدى توفيق من الله سبحانه وله أسباب وعلى العبد أن يفعلها العبد طلبا للثبات على الهدى :
فمن أسباب تثبيت الله : شعور العبد بفقره وضعفه وحاجته لله وسؤال ربه الثبات وفي ما ذكرنا قبل قليل كفاية .
ومن أسباب الثبات على الهدى : العمل بشرائع الدين كلها ! {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً. وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيما} النساء 66-68
{ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ} فالمهم بعد سماع المواعظ العمل بها لا مجرد السماع فقط ! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً }البقرة208
ومن أسباب الثبات زمن الفتن : الاهتداء بالقرآن الكريم قال تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل102
ومن أسباب الثبات عند عواصف الفتن والشهوات : أصحاب أتقياء تتواصى معهم بالحق وبالصبر {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
ومن أسباب الثبات على الهدى : ترطيب جفاف النفس بتعاهد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وسير الصحابة و ومن بعدهم من الصادقين {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ }هود120
ومن أسباب الثبات والنجاة من الفتن : التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الصحيح : " فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها ، وعضوا عليها بًالنواجذ " ( أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وصححه ابن حبان )
ومن أسباب الثبات عن تقلب رياح فتن الشهوات أو الشبهات : البعد عن مواطنها وفي الحديث الصحيح: " من سمِع بالدَّجَّالِ فلينْأَ عنه " ( أحمد وأبو داوود ) قال العلماء : وفي الحديثِ: النهيُ عن حُضورِ مواطنِ الفتنِ وأماكنها، وبيانُ أنَّ مِن أعظمِ أسبابِ النَّجاةِ مِن الفتنِ الابتعادَ عنها وعن أماكنِها.
وختاما من أعظم أسباب الثبات : صلاح القلب والإخلاص لله سبحانه ؛ ففي الحديث الصحيح " إن الرجل لَيعملُ عمَلَ أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة))؛ رواه البخاري ومسلم. فقوله : "فيما يبدو للناس" إشارة إلى أن الباطن بخلاف ذلك؛ فسوءُ النية تدرك صاحبَها فتحرفه عن الهدى إلى الضلال ..
ثم صلوا وسلموا ....
المرفقات
يا-مقلب-القلوب-ثبت-قلبي-على-دينك
يا-مقلب-القلوب-ثبت-قلبي-على-دينك