"وطنية أم جاهلية" خطبة مميزة جمعتها مع تصرف من خطبتي البصري والفريان
عبدالرحمن اللهيبي
1433/11/04 - 2012/09/20 19:30PM
"وطنية أم جاهلية"
خطبة مميزة بحق جمعتها من خطبتين قديمتين للشيخين الفاضلين البصري والفريان
وأرجو أن لا أكون مخطئا .. مع تصرف فيها يسير .. صياغة وحذفا وإضافة حسب ما يقتضيه السياق
جعلها الله خالصة لوجه الكريم ونفع بها الخطباء وعامة المسلمين
إليكم الخطبة مكتوبة ومرفقة في ملف وورد
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ
عِبَادَ اللهِ ، أُمَّةُ الإِسلامِ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ ، أَخرَجَهَا اللهُ لِتَكُونَ مِنَ الأُمَمِ في مَوضِعِ القِيَادَةِ ، وَأَرَادَ لها مِن دُونِ النَّاسِ الرِّيَادَةَ والسيادة ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ لِجَمَاعتِهَا وَاجتِمَاعِهَا رايةً واحدةً تنطوي تحت لوائها وهي راية الإسلام فحسب لا راية القومية ولا العروبة ولا الوطنية، وعقد لها رابطةً واحدة تعقِد عليها ولاءها وانتماءها وهي رابطة الأخوة في الدين فقط لا في النسب ولا في الوطن, وجعل ولايتها لله ولرسوله وللمؤمنين لا لأجل الوطن وغيره, فَإِنْ هِيَ أَقَامَت تِلكَ الرَّكَائِزَ وتمسكت برايتها وَاجتَمَعَت تحت لوائها, وعقد عليها ولاءها ,ونحَّت كل راية جاهلية , وشعارات عُمَّية ، فَهِيَ أَهلٌ لقيادة البشرية, وتبليغ شريعة رب البرية ، وَإِنْ هِيَ رَضِيَت باستبدال راية الدين ورابطة الأخوة بغيرها من رايات الجاهلية ، فقد تَفَرَّقَت وجَعَلَت أَمرَهَا شِيَعًا ،ونَادَت بِغَيرِ مَا يُرِيدُهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنهَا ، وحينها فَلا وَاللهِ لا مَكَانَ لها في قِيَادَةٍ وَلا هِي أَهلٌ لِلرِّيَادَةِ ، وَلا وَاللهِ تَزدَادُ إِلاَّ ضَعفًا وَوَهنًا.
معاشر المسلمين: إِنَّ أَعظَمَ مَا تَجتَمِعُ عَلَيهِ أُمَّةُ الإِسلامِ مِمَّا أَوصَاهُمُ اللهُ بِهِ وَرَبَّاهُم عَلَيهِ رَسُولُهُ ، هي راية الدين ولواء الإسلام ورابطة الإخوة فيه إِنَّهَا أُخُوَّةٌ في اللهِ خَالِصَةٌ ، تَضمحل عِندَهَا كُلُّ رَابِطَةٍ ، وَتَنقَطِعُ بَعدَهَا كُلُّ آصِرَةٍ ، وَيَكُونُ بها الاجتِمَاعُ للهِ وَفي ذَاتِ اللهِ ، وَمِنهَا تَنشَأُ أُمَّةٌ مُسلِمَةٌ صَامِدَةٌ متماسكة تجمعها راية واحدة ، فلا تَنظُرُ إِلى أَيِّ تَجَمُّعٍ تحت راية مُغَايِرٍة ، وَمَهمَا دُعِيَ إِلى أَيِّ راية أخرى أَو أُظهِرَت عَلَى أَنَّهُا الجَامِعُ المُخَلِّصُ ، فَإِنَّهَا لا تَلتَفِتُ إِلَيهِا وَلا تَأخُذُ بِهِا ، إِذْ مَا هُوَ في نَظَرِهَا الصَّحَيحِ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ الشعارات المنحرفة ، وَالَّتي لم تُغنِ يَومًا عَمَّن تَمَسَّكَ بها ، وَلَن تَنفَعَ مَن سَيَأخُذُ بها ، لأَنَّهَا رايات عُقدت لأسباب دنيوية فلا تَفتَأُ أَن تَنقَطِعَ حِبَالُهَا لأَيِّ سَبَبٍ دُنيَوِيٍّ !
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يقول الله تبارك وتعالى" وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ "
ففي هذه الآية الآنفة أَمَرَ اللهُ المُؤمِنِينَ بالاعتِصَامِ بِحَبلِهِ وَنَهَاهُم عَنِ التَّفَرُّقِ ، وذَكَّرَهُم بِنِعمَةِ الأُخُوَّةِ فِيهِ ، حَيثُ كَانُوا قَبلَهَا أَعدَاءً مُتَنَافِرِينَ فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم فَأَصبَحُوا مُجتَمِعِينَ مَتَحَابِّينَ تحت لواء الإسلام وراية الدين ، ثُمَّ حَذَّرَهُم ـ تَعَالى ـ مِنَ التَّشَبُّهِ بِأَهلِ التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ ، مِمَّن لا هم لهم إلا النَّفخُ في القَبَلِيَّاتِ وَالعَصَبِيَّاتِ وَالقَومِيَّاتِ والوطنيات.
أَلا فَمَا بَالُ فِئَاتٍ مِنَ المُجتَمَعِ يقرؤون القرآن ويمرون بمثل هذه الآيات ثم هم يرفعون رايات جَاهِلِيَّةٍ حَذَّرَ الإِسلامُ مِنهَا ؟ وَأَرَادُوا إِعَادَةَ جَمعِ النَّاسِ تَحتَ رَايَاتٍ عُمِّيَّةٍ قَد أَنقَذَهُمُ اللهُ مِنهَا ؟
مَا كُلُّ هَذَا التَّلمِيعِ لِمَا يُسَمَّى بِالوَطَنِيَّةِ اليوم ، تِلكَ الراية الجديدة الَّتي شُغَل بها المُسلِمِونَ ، ورفعت الدعوة إِلى تَمجِيدِهَا وَرَفعِ شَأنِهَا والاجتماع تحت لوائها وأصبحت رايةٌ تجمع وتفرق غير أن ذلك ليس على حساب الدين .., مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ مِن أَكبَرِ دَعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ الَّتي حَارَبَهَا الإِسلامُ وَوَاجَهَهَا بِقُوَّةٍ وَذَمَّهَا بِشِدَّةٍ وَنَفَّرَ مِنهَا ، مَا يَدعُونَ إِلَيهِ وَيَنشُرُونَهُ وَيَحتَفِلُونَ بِهِ كُلَّ عَامٍ ، مِن جَعلِ العمل والترك والاجتماعِ وَالتَّفرِقَةِ كل ذلك عَلَى أَسَاسِ الوَطَنِ وَالانتِمَاءِ إِلَيهِ .
اعلموا يا أهل الإسلام: أَنَّ العِبرَةَ في شَرعِ اللهِ لَيسَت بِجِنسِيِّةٍ وَلا بوَطَنٍ وَلا بأَيِّ انتِمَاءٍ قَبَلِيٍّ أَو وطني أو عُنصُرِيٍّ أَو مَذهَبيٍّ ، فلا راية تجمع المسلمين غير الإسلام (( هو سماكم المسلمين)) فلا يرضون بغير هذا الاسم بديلا ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لم يَكُنْ يَسمَحُ لأَيِّ رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ أَن تَطفُوَ عَلَى السَّطحِ أَو يَكُونَ لها وُجُودٌ أَو ظُهُورٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ
وقال تعالى" إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا فَضلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ ، وَلا لأَحمَرَ عَلَى أَسوَدَ ، وَلا لأَسوَدَ عَلَى أَحمَرَ إِلاَّ بِالتَّقوَى " صَحَّحهُ الأَلبَانيُّ . وقال عليه الصلاة والسلام « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ .. مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)) وَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : كُنَّا في غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلمُهَاجِرِينَ . وَقَالَ الأَنصَارِيُّ : يَا لَلأَنصَارِ . فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعوَى الجَاهِلِيَّةِ ؟ " قَالُوا : رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنتِنَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَكَذَا يُقَرِّرُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ أَيَّ دَعوَى إِلى رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ ، فَإِنَّمَا هِيَ دَعوَى مُنتِنَةٌ ، لا خَيرَ فِيهَا وَإِنْ كَانَت مِن أَفضَلِ الرَّوَابِطِ وَأَهلُهَا مِن خَيرِ أَهلِ الأَرضِ ، نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ لا يَجُوزُ أَن تَكُونَ أَيُّ رَابِطَةٍ دُونَ الإِسلامِ مَجَالاً لِتَجَمُّعِ فِئَةٍ دُونَ أُخرَى فيكون عملهم لأجلها واجتماعهم لأجلها وولاؤهم لأجلها،
حَتَّى وَلَو كَانَ الارتِبَاطُ عَلَى رَابِطَةٍ شَرِيفَةٍ كَالهِجرَةِ أَو نَصرِ النَّبيِّ ، فأولئك قالوا يا للمهاجرين والآخرون قالوا يا للأنصار فالروابط التي انتسبوا إليها روابطُ شريفة وجليلة فَكَيفَ بِوَطَنِيَّةٍ أَو عَصَبِيَّةٍ أَو قَومِيَّةٍ ؟! واعلموا يا مسلمون أنه لا يُؤَلِّفُ بَينَ النَّاسِ مَهمَا تَحَضَّرُوا وَتَمَدَّنُوا إِلاَّ الإِسلامُ وَحدَهُ ، وَلا يَجمَعُ شَتَاتَ قُلُوبِهِم وَيُذهِبُ تَنَافُرَهَا إِلاَّ الاعتِصَامُ بِحَبلِ اللهِ ، الَّذِي مَتى اعتَصَمُوا بِهِ أَصبَحُوا بِنِعمَةِ اللهِ إِخوَانًا ، وَمَتى أَفلَتُوهُ وَخَلَت مِنهُ أَيدِيهِم وَنُزِعَ مِن قُلُوبِهِم ، رَجَعُوا إِلى نَبشِ أَحقَادِهِمُ التَأرِيخِيَّةِ المَورُوثَةِ ، وَأَظهَرُوا ثَارَاتِهِمُ القَبَلِيَّةَ المَدفُونَةَ ، وتَوَلَّتهُمُ الأَطمَاعُ الشَّخصِيَّةُ والمَصَالِحُ الفَردِيَّةُ ، وَعَبَثَت بِهِمُ الرَّايَاتُ العُنصُرِيَّةُ الجَاهِلِيَّةِ .
ﭧ ﭨ ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ هَكَذَا جَاءَ الإِسلامُ وَهَكَذَا يُرِيدُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...
لَقَد هَاجَرَ المُسلِمُونَ إِلى الحَبَشَةِ ثُمَّ إِلى المَدِينَةِ مَعَ حُبِّهِم لِوَطَنِهِمُ الأَصلِيِّ وَهُوَ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ ، فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقِيمُوا دِينَهُم ، بَل خَرَجَ مِنهَا الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهَا خَيرُ أَرضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرضِ اللهِ إِليه ، وَتَرَكَهَا وَأَمَرَ أَصحَابَهُ بِتَركِهَا وَالخُرُوجِ مِنهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهَا بَعدَ سَنَوَاتٍ لِيَفتَحَهَا بِجَيشٍ جُلُّ أَفرَادِهِ لَيسُوا مِن أَبنَائِهَا ، وَانتَصَرَ بِهِم عَلَى أَهلِ وَطَنِهِ وَأَبنَاءِ عُمُومَتِهِ . وَفي المُقَابِلِ وَجَدنَا الأَنصَارَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ قَد أَحَبُّوا المُهَاجِرِينَ وَفَضَّلُوهُم حَتَّى عَلَى أَنفُسِهِم وَأَهلِيهِم ، وقدموهم على أنفسهم في أوطانهم وَهُمُ الَّذِينَ مِن أَجلِ الدِّينِ أَبغَضُوا مَن كَانَ مَعَهُم في المَدِينَةِ مِنَ اليَهُودِ وَكَرِهُوهُم وَعَادَوهُم ، وَأَخرَجُوهُم مِنهَا وَأَجلَوهُم ، إِنَّ كُلَّ هَذَا لَيَغرِسُ في قُلُوبِ الأُمَّةِ وَيُحيِي في نُفُوسِهَا أَنَّهُ لا وَلاءَ وَلا انتِمَاءَ إلا للدين ، فَمَرحَبًا بِالدِّينِ وَأُخُوَّةٍ عَلَى الدِّينِ ، فَعِبَادَةُ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هِيَ الغَايَةُ ، وَمَنهَجُ خَيرِ خَلقِ اللهِ هُوَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ في أَيِّ مَكَانٍ وَوَطَنٍ ،
فلَمَّا تَعَذَّرَ بَقَاءُ النبي صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ لتحقيق العُبُودِيَّةِ للهِ ـ سُبحَانَهُ وَصَارَت عُبُودِيَّتُهُ لِرَبِّهِ تَتَحَقَّقُ بِالهِجرَةِ مِنهَا هَاجَرَ وَتَرَكَهَا ، وَلَمَّا صَارَت هَذِهِ العُبُودِيَّةُ تَتَحَقَّقُ بِمُقَاتَلَةِ أَهلِهَا ثُمَّ بِفَتحِهَا قَاتَلَهُمُ ثُمَّ فَتَحَهَا ، فَتَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هُوَ الأَصلُ ، وَلِهَذَا فَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَاقِبَةَ مَن تَمَسَّكُوا بِالأَرضِ وَالوَطَنِ وَلم يُهَاجِرُوا لِيَتَمَكَّنُوا مِن إِقَامَةِ دِينِهِم ، فَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ في الأَرضِ قَالُوا أَلَم تَكُنْ أَرضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيرًا " فَهَل عَلِمَ دُعَاةُ الوَطَنِيَّةِ أَيَّ خطأ يَجنُونَهُ عَلَى أَنفُسِهِم وَعَلَى مُجتَمَعِهِم إِذْ يُرِيدُونَ العَودَةَ بِهِ إِلى الجَاهِلِيَّةِ العَميَاءِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَعلَمْ أَنَّ الوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكُلِّ مُسلِمٍ بَرٍّ تَقِيٍّ أَيًّا كَانَ وَطَنُهُ ، وَالبَرَاءَ مِن كُلِّ فَاجِرٍ شَقِيٍّ وَلَو كَانَ أَقرَبَ قَرِيبٍ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا .
وَلَو أَنَّا كَتَبنَا عَلَيهِم أَنِ اقتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا وَإِذًا لآتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ..
وَأَمَّا الوَطَنِيَّةُ بِمَفهُومِهَا الَّذِي يُرِيدُهُ كَثِيرٌ مِنَ المُنَادِينَ بها اليَومَ وَيُرَوِّجُونَ لَهَا ، بإحياء الاحتفالات المبتدعة والمَهرَجَانَاتٌ التي يختَلِطُ فِيهَا الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ ، وَتُرفَعُ فِيهَا أَصوَاتُ المَزَامِيرِ وَالغِناءِ ، وَيحصُلُ بَعدَهَا مَا يَحصُلُ مِن هَرجٍ وَمَرجٍ وَازدِحَامٍ وَإِيذَاءٍ لِلآخَرِينَ ، وَفوضَى عَامَّةٍ وَجَهَالاتٍ عَارِمَةٍ وَتَكسِيرٍ وَتَصوِيرٍ ، فَمَا كُلُّ هَذَا إِلاَّ تَجَنٍّ عَلَى الوَطَنِ وَإِزرَاءٌ بِهِ ، وَشَغلٌ لِلأُمَّةِ وَالمُجتَمَعِ بِدَعَاوَى فَارِغَةٍ ، وَهَدرٌ لِلأَموَالِ العَامَّةِ وَعَبَثٌ بِالمُقَدَّرَاتِ ، لا يَرضَاهُ مُسلِمٌ تَقِيٌّ وَلا يَفعَلُهُ عَاقِلٌ نَقِيٌّ ، وَلا يُشَجِّعُهُ مَن يُرِيدُ لِمُجتَمَعِهِ الخَيرَ .
وهنا نتساءل بكل أسف وحزن: هل حب الوطن في الفوضى وتكسير المحلات وسرقتها، والتفحيطِ والإخلال بالأمن في الطرقات؟ هل حب الوطن في الاعتداء على النساء وسد الطرق على المارة
هل حب الوطن في الإزعاج والرقص وهز الوسط على الموسيقى المحرمة؟
وإني والله لأتعجب كل العجب من رجال يخرجون بنسائهم إلى مثل هذه المحافل حيث انفلات الشباب ونزوات الفساق وغياب الأمن أليس ثم غيرة أو عقل
فاللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن يَستَمسِكُونَ بما أُوحِيَ إِلَيهِم وَيَثبُتُونَ عَلَيهِ ، وَجَنِّبْنَا البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ وَالمُنكَرَاتِ ، وَأَلزِمْنَا سُنَّةَ نَبِيِّكَ وَهَديَهُ الكَرِيمَ ، وَاجمَعْ قُلُوبَنَا عَلَى الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا بِهِ إِخوَةً مُتَحَابِّينَ .
خطبة مميزة بحق جمعتها من خطبتين قديمتين للشيخين الفاضلين البصري والفريان
وأرجو أن لا أكون مخطئا .. مع تصرف فيها يسير .. صياغة وحذفا وإضافة حسب ما يقتضيه السياق
جعلها الله خالصة لوجه الكريم ونفع بها الخطباء وعامة المسلمين
إليكم الخطبة مكتوبة ومرفقة في ملف وورد
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ
عِبَادَ اللهِ ، أُمَّةُ الإِسلامِ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ ، أَخرَجَهَا اللهُ لِتَكُونَ مِنَ الأُمَمِ في مَوضِعِ القِيَادَةِ ، وَأَرَادَ لها مِن دُونِ النَّاسِ الرِّيَادَةَ والسيادة ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلَ ـ سُبحَانَهُ ـ لِجَمَاعتِهَا وَاجتِمَاعِهَا رايةً واحدةً تنطوي تحت لوائها وهي راية الإسلام فحسب لا راية القومية ولا العروبة ولا الوطنية، وعقد لها رابطةً واحدة تعقِد عليها ولاءها وانتماءها وهي رابطة الأخوة في الدين فقط لا في النسب ولا في الوطن, وجعل ولايتها لله ولرسوله وللمؤمنين لا لأجل الوطن وغيره, فَإِنْ هِيَ أَقَامَت تِلكَ الرَّكَائِزَ وتمسكت برايتها وَاجتَمَعَت تحت لوائها, وعقد عليها ولاءها ,ونحَّت كل راية جاهلية , وشعارات عُمَّية ، فَهِيَ أَهلٌ لقيادة البشرية, وتبليغ شريعة رب البرية ، وَإِنْ هِيَ رَضِيَت باستبدال راية الدين ورابطة الأخوة بغيرها من رايات الجاهلية ، فقد تَفَرَّقَت وجَعَلَت أَمرَهَا شِيَعًا ،ونَادَت بِغَيرِ مَا يُرِيدُهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنهَا ، وحينها فَلا وَاللهِ لا مَكَانَ لها في قِيَادَةٍ وَلا هِي أَهلٌ لِلرِّيَادَةِ ، وَلا وَاللهِ تَزدَادُ إِلاَّ ضَعفًا وَوَهنًا.
معاشر المسلمين: إِنَّ أَعظَمَ مَا تَجتَمِعُ عَلَيهِ أُمَّةُ الإِسلامِ مِمَّا أَوصَاهُمُ اللهُ بِهِ وَرَبَّاهُم عَلَيهِ رَسُولُهُ ، هي راية الدين ولواء الإسلام ورابطة الإخوة فيه إِنَّهَا أُخُوَّةٌ في اللهِ خَالِصَةٌ ، تَضمحل عِندَهَا كُلُّ رَابِطَةٍ ، وَتَنقَطِعُ بَعدَهَا كُلُّ آصِرَةٍ ، وَيَكُونُ بها الاجتِمَاعُ للهِ وَفي ذَاتِ اللهِ ، وَمِنهَا تَنشَأُ أُمَّةٌ مُسلِمَةٌ صَامِدَةٌ متماسكة تجمعها راية واحدة ، فلا تَنظُرُ إِلى أَيِّ تَجَمُّعٍ تحت راية مُغَايِرٍة ، وَمَهمَا دُعِيَ إِلى أَيِّ راية أخرى أَو أُظهِرَت عَلَى أَنَّهُا الجَامِعُ المُخَلِّصُ ، فَإِنَّهَا لا تَلتَفِتُ إِلَيهِا وَلا تَأخُذُ بِهِا ، إِذْ مَا هُوَ في نَظَرِهَا الصَّحَيحِ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ الشعارات المنحرفة ، وَالَّتي لم تُغنِ يَومًا عَمَّن تَمَسَّكَ بها ، وَلَن تَنفَعَ مَن سَيَأخُذُ بها ، لأَنَّهَا رايات عُقدت لأسباب دنيوية فلا تَفتَأُ أَن تَنقَطِعَ حِبَالُهَا لأَيِّ سَبَبٍ دُنيَوِيٍّ !
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يقول الله تبارك وتعالى" وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ "
ففي هذه الآية الآنفة أَمَرَ اللهُ المُؤمِنِينَ بالاعتِصَامِ بِحَبلِهِ وَنَهَاهُم عَنِ التَّفَرُّقِ ، وذَكَّرَهُم بِنِعمَةِ الأُخُوَّةِ فِيهِ ، حَيثُ كَانُوا قَبلَهَا أَعدَاءً مُتَنَافِرِينَ فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم فَأَصبَحُوا مُجتَمِعِينَ مَتَحَابِّينَ تحت لواء الإسلام وراية الدين ، ثُمَّ حَذَّرَهُم ـ تَعَالى ـ مِنَ التَّشَبُّهِ بِأَهلِ التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ ، مِمَّن لا هم لهم إلا النَّفخُ في القَبَلِيَّاتِ وَالعَصَبِيَّاتِ وَالقَومِيَّاتِ والوطنيات.
أَلا فَمَا بَالُ فِئَاتٍ مِنَ المُجتَمَعِ يقرؤون القرآن ويمرون بمثل هذه الآيات ثم هم يرفعون رايات جَاهِلِيَّةٍ حَذَّرَ الإِسلامُ مِنهَا ؟ وَأَرَادُوا إِعَادَةَ جَمعِ النَّاسِ تَحتَ رَايَاتٍ عُمِّيَّةٍ قَد أَنقَذَهُمُ اللهُ مِنهَا ؟
مَا كُلُّ هَذَا التَّلمِيعِ لِمَا يُسَمَّى بِالوَطَنِيَّةِ اليوم ، تِلكَ الراية الجديدة الَّتي شُغَل بها المُسلِمِونَ ، ورفعت الدعوة إِلى تَمجِيدِهَا وَرَفعِ شَأنِهَا والاجتماع تحت لوائها وأصبحت رايةٌ تجمع وتفرق غير أن ذلك ليس على حساب الدين .., مُتَغَافِلِينَ عَن أَنَّ مِن أَكبَرِ دَعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ الَّتي حَارَبَهَا الإِسلامُ وَوَاجَهَهَا بِقُوَّةٍ وَذَمَّهَا بِشِدَّةٍ وَنَفَّرَ مِنهَا ، مَا يَدعُونَ إِلَيهِ وَيَنشُرُونَهُ وَيَحتَفِلُونَ بِهِ كُلَّ عَامٍ ، مِن جَعلِ العمل والترك والاجتماعِ وَالتَّفرِقَةِ كل ذلك عَلَى أَسَاسِ الوَطَنِ وَالانتِمَاءِ إِلَيهِ .
اعلموا يا أهل الإسلام: أَنَّ العِبرَةَ في شَرعِ اللهِ لَيسَت بِجِنسِيِّةٍ وَلا بوَطَنٍ وَلا بأَيِّ انتِمَاءٍ قَبَلِيٍّ أَو وطني أو عُنصُرِيٍّ أَو مَذهَبيٍّ ، فلا راية تجمع المسلمين غير الإسلام (( هو سماكم المسلمين)) فلا يرضون بغير هذا الاسم بديلا ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لم يَكُنْ يَسمَحُ لأَيِّ رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ أَن تَطفُوَ عَلَى السَّطحِ أَو يَكُونَ لها وُجُودٌ أَو ظُهُورٌ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ
وقال تعالى" إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا فَضلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ ، وَلا لأَحمَرَ عَلَى أَسوَدَ ، وَلا لأَسوَدَ عَلَى أَحمَرَ إِلاَّ بِالتَّقوَى " صَحَّحهُ الأَلبَانيُّ . وقال عليه الصلاة والسلام « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ .. مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)) وَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : كُنَّا في غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلمُهَاجِرِينَ . وَقَالَ الأَنصَارِيُّ : يَا لَلأَنصَارِ . فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعوَى الجَاهِلِيَّةِ ؟ " قَالُوا : رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنتِنَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . هَكَذَا يُقَرِّرُ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ أَنَّ أَيَّ دَعوَى إِلى رَابِطَةٍ غَيرِ رَابِطَةِ الإِسلامِ ، فَإِنَّمَا هِيَ دَعوَى مُنتِنَةٌ ، لا خَيرَ فِيهَا وَإِنْ كَانَت مِن أَفضَلِ الرَّوَابِطِ وَأَهلُهَا مِن خَيرِ أَهلِ الأَرضِ ، نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ لا يَجُوزُ أَن تَكُونَ أَيُّ رَابِطَةٍ دُونَ الإِسلامِ مَجَالاً لِتَجَمُّعِ فِئَةٍ دُونَ أُخرَى فيكون عملهم لأجلها واجتماعهم لأجلها وولاؤهم لأجلها،
حَتَّى وَلَو كَانَ الارتِبَاطُ عَلَى رَابِطَةٍ شَرِيفَةٍ كَالهِجرَةِ أَو نَصرِ النَّبيِّ ، فأولئك قالوا يا للمهاجرين والآخرون قالوا يا للأنصار فالروابط التي انتسبوا إليها روابطُ شريفة وجليلة فَكَيفَ بِوَطَنِيَّةٍ أَو عَصَبِيَّةٍ أَو قَومِيَّةٍ ؟! واعلموا يا مسلمون أنه لا يُؤَلِّفُ بَينَ النَّاسِ مَهمَا تَحَضَّرُوا وَتَمَدَّنُوا إِلاَّ الإِسلامُ وَحدَهُ ، وَلا يَجمَعُ شَتَاتَ قُلُوبِهِم وَيُذهِبُ تَنَافُرَهَا إِلاَّ الاعتِصَامُ بِحَبلِ اللهِ ، الَّذِي مَتى اعتَصَمُوا بِهِ أَصبَحُوا بِنِعمَةِ اللهِ إِخوَانًا ، وَمَتى أَفلَتُوهُ وَخَلَت مِنهُ أَيدِيهِم وَنُزِعَ مِن قُلُوبِهِم ، رَجَعُوا إِلى نَبشِ أَحقَادِهِمُ التَأرِيخِيَّةِ المَورُوثَةِ ، وَأَظهَرُوا ثَارَاتِهِمُ القَبَلِيَّةَ المَدفُونَةَ ، وتَوَلَّتهُمُ الأَطمَاعُ الشَّخصِيَّةُ والمَصَالِحُ الفَردِيَّةُ ، وَعَبَثَت بِهِمُ الرَّايَاتُ العُنصُرِيَّةُ الجَاهِلِيَّةِ .
ﭧ ﭨ ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ هَكَذَا جَاءَ الإِسلامُ وَهَكَذَا يُرِيدُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...
لَقَد هَاجَرَ المُسلِمُونَ إِلى الحَبَشَةِ ثُمَّ إِلى المَدِينَةِ مَعَ حُبِّهِم لِوَطَنِهِمُ الأَصلِيِّ وَهُوَ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ ، فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقِيمُوا دِينَهُم ، بَل خَرَجَ مِنهَا الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهَا خَيرُ أَرضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرضِ اللهِ إِليه ، وَتَرَكَهَا وَأَمَرَ أَصحَابَهُ بِتَركِهَا وَالخُرُوجِ مِنهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهَا بَعدَ سَنَوَاتٍ لِيَفتَحَهَا بِجَيشٍ جُلُّ أَفرَادِهِ لَيسُوا مِن أَبنَائِهَا ، وَانتَصَرَ بِهِم عَلَى أَهلِ وَطَنِهِ وَأَبنَاءِ عُمُومَتِهِ . وَفي المُقَابِلِ وَجَدنَا الأَنصَارَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ قَد أَحَبُّوا المُهَاجِرِينَ وَفَضَّلُوهُم حَتَّى عَلَى أَنفُسِهِم وَأَهلِيهِم ، وقدموهم على أنفسهم في أوطانهم وَهُمُ الَّذِينَ مِن أَجلِ الدِّينِ أَبغَضُوا مَن كَانَ مَعَهُم في المَدِينَةِ مِنَ اليَهُودِ وَكَرِهُوهُم وَعَادَوهُم ، وَأَخرَجُوهُم مِنهَا وَأَجلَوهُم ، إِنَّ كُلَّ هَذَا لَيَغرِسُ في قُلُوبِ الأُمَّةِ وَيُحيِي في نُفُوسِهَا أَنَّهُ لا وَلاءَ وَلا انتِمَاءَ إلا للدين ، فَمَرحَبًا بِالدِّينِ وَأُخُوَّةٍ عَلَى الدِّينِ ، فَعِبَادَةُ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هِيَ الغَايَةُ ، وَمَنهَجُ خَيرِ خَلقِ اللهِ هُوَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ في أَيِّ مَكَانٍ وَوَطَنٍ ،
فلَمَّا تَعَذَّرَ بَقَاءُ النبي صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ لتحقيق العُبُودِيَّةِ للهِ ـ سُبحَانَهُ وَصَارَت عُبُودِيَّتُهُ لِرَبِّهِ تَتَحَقَّقُ بِالهِجرَةِ مِنهَا هَاجَرَ وَتَرَكَهَا ، وَلَمَّا صَارَت هَذِهِ العُبُودِيَّةُ تَتَحَقَّقُ بِمُقَاتَلَةِ أَهلِهَا ثُمَّ بِفَتحِهَا قَاتَلَهُمُ ثُمَّ فَتَحَهَا ، فَتَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ هُوَ الأَصلُ ، وَلِهَذَا فَقَد بَيَّنَ اللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ عَاقِبَةَ مَن تَمَسَّكُوا بِالأَرضِ وَالوَطَنِ وَلم يُهَاجِرُوا لِيَتَمَكَّنُوا مِن إِقَامَةِ دِينِهِم ، فَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قَالُوا كُنَّا مُستَضعَفِينَ في الأَرضِ قَالُوا أَلَم تَكُنْ أَرضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيرًا " فَهَل عَلِمَ دُعَاةُ الوَطَنِيَّةِ أَيَّ خطأ يَجنُونَهُ عَلَى أَنفُسِهِم وَعَلَى مُجتَمَعِهِم إِذْ يُرِيدُونَ العَودَةَ بِهِ إِلى الجَاهِلِيَّةِ العَميَاءِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَعلَمْ أَنَّ الوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكُلِّ مُسلِمٍ بَرٍّ تَقِيٍّ أَيًّا كَانَ وَطَنُهُ ، وَالبَرَاءَ مِن كُلِّ فَاجِرٍ شَقِيٍّ وَلَو كَانَ أَقرَبَ قَرِيبٍ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا .
وَلَو أَنَّا كَتَبنَا عَلَيهِم أَنِ اقتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنهُم وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا وَإِذًا لآتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا . وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ..
يا أهل الإسلام يجبُ علينا ألا نسيرَ بغفلةٍ خلف الشعاراتِ المستوردة والمصطلحات الدخيلة، وإن المفهوم المستورد للوطنية مفهومٌ يرفضه الإسلام، وهو مستحدث في ثقافتنا وحضارتنا، وهو معنى فاسد حين يَـجعلُه الإنسان وثنًا تُسخَّر له كلُّ المبادئ ولو عارضت الإسلام، فالوطنية ليست ولاء وبراءً فوق العقيدة، وليست مجرد احتفالاتٍ مبتدعة ومظاهرَ شكليةٍ،
أما إن كان يقصد بالوطنية حب الوطن وأنها بيعة في العنق لولاة الأمر، وأداء للحق ، وولاء وطاعة بالمعروف.. وعدمُ خروجٍ على الجماعة.. فكل هذا صواب مما جاءت به شريعتنا الغراء ، والواجب أن يكون الدافع إلى تحقيق ما سبق هو الانتماء للدين لا لغيره من الدعوات فما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل
معاشر المسلمين إنَّ من الخطر أن تختطفَ الوطنيةُ، وتُبْتدعَ لها المعايير الشكليّة، ثمَّ يفتنُ الناس بها ويمتحنون بناء عليها، فتُربط الوطنية بتعليق الصور أو تحية العلم الوطني أو الاحتفال بيوم الوطن، وتجعل هذه الأمور هي محكاتُ المواطنة الصحيحة، فمن قام بها فهو المواطن المخلص، ومن تحرّج منها فهو الخائن لبلده، الخارج عن الجماعة والخالع للبيعة من عنقه،
فهل علماؤنا الكبار الذين أفتوا بتحريم هذه المسائل كالوقوف تعظيما للعلم والاحتفال باليوم الوطني من أمثال الإمام ابن إبراهيم مفتي عام المملكة سابقا وابن باز وابن عثيمين واللجنة الدائمة للإفتاء في هيئة كبار العلماء وغيرهم من العلماء المخلصين الذين قالوا ببدعية تخصيص يوم من العام للاحتفال باليوم الوطني وأنه يعتبر بذلك عيد من الأعياد المبتدعة هل هؤلاء خوارج خونه حاشاهم بل هم من أكثر من نصح لهذا البلد وأهله؟.
إنه لأَمرٌ يَدعُو لِلأَسَفِ حَقًّا أَن تُختَزَلَ الوَطَنِيَّةُ في حَفَلاتٍ رَاقِصَةٍ ، أَو أوبريتات غنائية في البلد الحرام ، أَو ِتَصَرُّفَاتٍ شَبَابِيَّةٍ هَوجَاءَ وَحَرَكَاتٍ صِبيَانِيَّةٍ رَعنَاءَ !!
إن حبَّ الوطن يكون بالقيام بمسؤولياته وحفظ أماناته وأدائها إلى أهلها، ويكون ذلك لأجل الله لا لغيره وليس بسرقة الوطن والمواطنين.
إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه وعن الدين الذي أسس عليه والسعي لتحقيق شرائع الدين من العدل ورفع الظلم
إن حب الوطن يكون بحفظ نظامه، وإصلاح أهله وليس بإفسادهم.
إن حبَّ الوطن باحترام الكبير والعطف على الصغير، واحترام الجار واحترام النظام ونظافة الشارع وعدم مضايقة المسلمين.
إنَّ حبَّ الوطن بالحرص على كل ممتلكاته والتعامل بأخلاق المسلم مع المسلم في كل مكان.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُنكَرُ مَا جُبِلَ عَلَيهِ الإِنسَانُ مِن حُبِّ وَطَنِهِ وَحِرصِهِ على الذَّودِ عَن حِيَاضِهِ وَدَفعِ كُلِّ مَا قَد يَمَسُّهُ مِن مَكرُوهٍ ، فَذَلِكَ نَوعٌ مِنَ الوَطَنِيَّةِ لا بَأسَ بِهِ مَتى كَانَ لأجل الله فقط ،
إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه وعن الدين الذي أسس عليه والسعي لتحقيق شرائع الدين من العدل ورفع الظلم
إن حب الوطن يكون بحفظ نظامه، وإصلاح أهله وليس بإفسادهم.
إن حبَّ الوطن باحترام الكبير والعطف على الصغير، واحترام الجار واحترام النظام ونظافة الشارع وعدم مضايقة المسلمين.
إنَّ حبَّ الوطن بالحرص على كل ممتلكاته والتعامل بأخلاق المسلم مع المسلم في كل مكان.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُنكَرُ مَا جُبِلَ عَلَيهِ الإِنسَانُ مِن حُبِّ وَطَنِهِ وَحِرصِهِ على الذَّودِ عَن حِيَاضِهِ وَدَفعِ كُلِّ مَا قَد يَمَسُّهُ مِن مَكرُوهٍ ، فَذَلِكَ نَوعٌ مِنَ الوَطَنِيَّةِ لا بَأسَ بِهِ مَتى كَانَ لأجل الله فقط ،
وَأَمَّا الوَطَنِيَّةُ بِمَفهُومِهَا الَّذِي يُرِيدُهُ كَثِيرٌ مِنَ المُنَادِينَ بها اليَومَ وَيُرَوِّجُونَ لَهَا ، بإحياء الاحتفالات المبتدعة والمَهرَجَانَاتٌ التي يختَلِطُ فِيهَا الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ ، وَتُرفَعُ فِيهَا أَصوَاتُ المَزَامِيرِ وَالغِناءِ ، وَيحصُلُ بَعدَهَا مَا يَحصُلُ مِن هَرجٍ وَمَرجٍ وَازدِحَامٍ وَإِيذَاءٍ لِلآخَرِينَ ، وَفوضَى عَامَّةٍ وَجَهَالاتٍ عَارِمَةٍ وَتَكسِيرٍ وَتَصوِيرٍ ، فَمَا كُلُّ هَذَا إِلاَّ تَجَنٍّ عَلَى الوَطَنِ وَإِزرَاءٌ بِهِ ، وَشَغلٌ لِلأُمَّةِ وَالمُجتَمَعِ بِدَعَاوَى فَارِغَةٍ ، وَهَدرٌ لِلأَموَالِ العَامَّةِ وَعَبَثٌ بِالمُقَدَّرَاتِ ، لا يَرضَاهُ مُسلِمٌ تَقِيٌّ وَلا يَفعَلُهُ عَاقِلٌ نَقِيٌّ ، وَلا يُشَجِّعُهُ مَن يُرِيدُ لِمُجتَمَعِهِ الخَيرَ .
وهنا نتساءل بكل أسف وحزن: هل حب الوطن في الفوضى وتكسير المحلات وسرقتها، والتفحيطِ والإخلال بالأمن في الطرقات؟ هل حب الوطن في الاعتداء على النساء وسد الطرق على المارة
هل حب الوطن في الإزعاج والرقص وهز الوسط على الموسيقى المحرمة؟
وإني والله لأتعجب كل العجب من رجال يخرجون بنسائهم إلى مثل هذه المحافل حيث انفلات الشباب ونزوات الفساق وغياب الأمن أليس ثم غيرة أو عقل
فاللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن يَستَمسِكُونَ بما أُوحِيَ إِلَيهِم وَيَثبُتُونَ عَلَيهِ ، وَجَنِّبْنَا البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ وَالمُنكَرَاتِ ، وَأَلزِمْنَا سُنَّةَ نَبِيِّكَ وَهَديَهُ الكَرِيمَ ، وَاجمَعْ قُلُوبَنَا عَلَى الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا بِهِ إِخوَةً مُتَحَابِّينَ .
المرفقات
وطنية أم جاهلية.doc
وطنية أم جاهلية.doc
المشاهدات 5913 | التعليقات 4
بارك الله فيك وجزاك الجنه ووالديك ومن تحب , حفظك الله الايات لم تظهر ولا اعلم هل هو من الموقع او من الكمبيوتر
حمل برنامج مصحف المدينة النبوية ثم نصبه على الجهاز
تظهر لك الآيات وتستفد من البرنامج كثيرا في نسخ الآيات
خطبة رائعة واختيار موفق جزاك الله خيرا
ولو أختصرت قليلا وحذف منها بعض ما كرر لازدادت روعة وقوة.
وفقك الله وسددك شيخنا الكريم.
خالد الذيابي
بارك الله فيك...شيخي الفاضل...وجزيت حيرا على جهدك الرائع
تعديل التعليق