"رمضانُ" فُرْصةٌ للتَّغييرِ // د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ
احمد ابوبكر
1438/09/06 - 2017/06/01 08:42AM
[align=justify]ومنه المعونةُ والتَّسديدُ
"رمضانُ" فُرْصةٌ للتَّغييرِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وفَّق مَن شاء مِن عبادِه لطاعتِه، وهدَى بتوفيقِه الطَّائعينَ لعبادتِه، وحبَّب الإيمانَ لأوليائِه فاستجابوا لأمرِه، وانتهَوْا عن نهيِه.
والصَّلاةُ والسَّلامُ على مُعلِّمِ البشريَّةِ الخيرَ، ومُخرِجِها -بإذنِ ربِّه- من الظُّلماتِ إلى النُّورِ؛ شرَح اللهُ به الصُّدورَ، وأنار به العقولَ، وفتَح به قلوبًا غُلْفًا وآذانًا صُمًّا وأَعيُنًا عُمْيًا؛ فصلَّى اللهُ عليه، وعلى آلِه، وأصحابِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ اللهَ خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، واختَصَّ بحكمتِه الباهرةِ وعلمِه الَّذي وَسِعَ كلَّ شيءٍ أزمانًا وأمكنةً بمزيدٍ من الفضلِ والشَّرفِ، ومنها ما بيَّنه لنا رسولُنا المُعلِّمُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من الأزمانِ والأوقاتِ؛ كُلُّ ذلك لنُبادِرَ ونسارعَ للخيراتِ.
ومِن ذلك: هذا الشَّهرُ الكريمُ، والموسمُ العظيمُ، الَّذي هو فرصةٌ للمُتسابِقينَ، ومِنحةٌ للرَّاغبينَ في نيلِ الدَّرجاتِ العُلا عندَ ربِّ العالمين.
إنَّ صيامَ رمضانَ -فضلًا عن كونِه ركنًا من أركانِ الإسلامِ- هو قُرْبةٌ من أعظمِ القُرَبِ، ومنحةٌ مِن أَجَلِّ المِنَحِ الَّتي تَفضَّل اللهُ -سبحانه- على عبادِه بها، وله من المزايا والخصائصِ ما يَعجِزُ البيانُ عن ذكرِه، ويَكِلُّ القلمُ عن عَدِّه!
وفي هذه العُجالةِ، لن يكونَ الحديثُ عن فضلِه وشرفِه؛ إذْ إنَّ فضلَه معلومٌ، وشرفَه مشهورٌ- ولن يكونَ عن أحكامِه وفقهِه، ولا عن سُنَنِه وآدابِه؛ بل عن درسٍ عظيمٍ من دروسِه، لخَّصتُه تحتَ هذا العنوانِ:
"رمضانُ" فُرْصةٌ للتَّغييرِ
فكثيرٌ من النَّاسِ يبحثُ عن التَّغييرِ إلى الأفضلِ، وتحسينِ الذَّاتِ، وتطويرِ النَّفسِ، ويُنفِقُ الأموالَ الكثيرةَ والأوقاتَ الطويلةَ في دوراتٍ لهذا الغرضِ؛ فتجدُ دورةً بعنوانِ: (فنُّ التَّغييرِ)، وثانيةً بعنوانِ: (فنُّ التَّعاملِ معَ النَّاسِ)، وثالثةً بعنوانِ: (فَلْنَبدَأِ التَّغييرَ)، ورابعةً تُسمَّى: (أَيقِظِ العِملاقَ) ... إلخ!
هذا، وإنَّ الإنسانَ المُتميِّزَ الجادَّ في حياتِه لَيحرصُ على تطويرِ نفسِه، وتغييرِ سلوكِه إلى الأفضلِ، ولا يَقِفُ عندَ حدٍّ، بل يسعى لتحصيلِ ذلك، وتحسينِ مستواه الدِّينيِّ والدُّنيويِّ. وحديثُنا هنا ليس عن هذا الصِّنفِ؛ لأنَّهم عرَفوا وِجْهتَهم، وطرَقوا سُبُلَ العملِ لإصلاحِ أنفسِهم.
لكنَّ الحديثَ عن أُناسٍ قد أَثقَلتْهم المعاصي، وكبَّلتْهم الآثامُ، وقيَّدتْهم تلك النَّفسُ اللَّئيمةُ، وتَفنَّن الشَّيطانُ في إغوائِهم، فساروا في طريقِه: للهوى مُتَّبِعينَ، ولِلَّذَّةِ المُحرَّمةِ طالِبينَ، وعن الصَّوابِ مُعرِضينَ، وعن الحقِّ ناكصينَ! ومعَ ذلك فهم يَتمنَّوْن اللَّحاقَ بالسَّابقينَ وإدراكَ الجادِّينَ، لكنَّ بُعدَ الشُّقَّةِ جعَلهم يَتكاسَلونَ، وعن طلبِ الهُدَى يَتقاعَسونَ، وما عَلِم الذَّكيُّ الألمعيُّ منهم، والحريصُ على التَّغييرِ أنَّ في شهرِ الصِّيامِ والقيامِ فرصةً عظيمةً لذلكَ!
اعلَمْ -أيُّها المُبارَكُ- أنَّ أصنافَ النَّاسِ الطَّالِبينَ للتَّغييرِ كثيرٌ:
- فمِنهم مَن يَتمنَّى أن يحافظَ على الصَّلاةِ فرضًا ونفلًا، لكنَّ شيطانَه لا يزالُ يُوَسوِسُ له، ونفسَه اللَّئيمةَ تتكاسلُ وتُثقِّلُ عليه!
- ومِنهم مَن يَتمنَّى حفظَ القرآنِ الكريمِ وتلاوتَه آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، لكنَّ قلَّةَ الحرصِ وضعفَ الهمَّةِ وبرودَ العزيمةِ كان حاجزًا له عن نيلِ هذه المِنحةِ الرَّبَّانيَّةِ!
- ومِنهم مَن يبحثُ عن التَّوبةِ والإنابةِ، ويُحدِّثُ نفسَه بتركِ الحرامِ من النَّظرِ والوقوعِ في الآثامِ، ويبحثُ دهرَه عن الرَّفيقِ والمُعِينِ.
- ومِنهم مَن يشكو مِن سُوءِ الخُلُقِ وبذاءةِ اللِّسانِ، ويتمنَّى لو استقام لسانُه، وحَسُن بينَ النَّاسِ قولُه وطبعُه.
- ومِنهم مَن ابتُلِيَ بالبخلِ والحرصِ وكَنْزِ المالِ، ويتمنَّى لو تَحرَّرتْ نفسُه من هذه الصِّفةِ القبيحةِ.
- ومِنهم مَن يبحثُ عن سلامةِ الصَّدرِ، وصفاءِ النَّفسِ، والعيشِ معَ النَّاسِ بنفسٍ رَضِيَّةٍ، وقلبٍ نقيٍّ على المسلمينَ.
- ومِنهم مَن شغَلتْه الدُّنيا عن زيارةِ قريبٍ وصلةِ رَحِمٍ واجبةٍ، فطُولَ أيَّامِه يتحسَّرُ، وكلَّ دهرِه يتألَّمُ!
- ومِنهم مَن يبحثُ عن علاجِ قضايا أخلاقيَّةٍ تَعِبَ في علاجِها أشدَّ التَّعبِ، وعانَى منها أشدَّ المُعاناةِ، وهو يُردِّدُ: يا ربِّ متى الخلاصُ؟!
فهنا أقولُ لكلِّ هؤلاءِ: إنَّ علاجَ كلِّ ما مضَى = في هذا الشَّهرِ الكريمِ؛ فكُلُّ ما تريدُه قد هيَّأه اللهُ لكَ في هذا الشَّهرِ: صلاةً وقيامًا، وبِرًّا وإحسانًا، وصِلةً للأرحامِ، وذِكرًا، وتلاوةً، وصبرًا عن الحرامِ، وبذلًا للمالِ، وحِفظًا للجوارحِ واللِّسانِ، كلُّ هذا في شهرِ رمضانَ، معَ جزيلٍ من الأجرِ من ربِّنا الشَّكورِ المنَّانِ لِمَن أراد الزُّلْفى والتَّقرُّبَ، وشمَّر عن ساعِدِ الجِدِّ، واستعان باللهِ خيرِ مُستعانٍ!
إنَّ مَن أدرَك رمضانَ، وكان فيه مِن الجادِّينَ للإفادةِ منه، والتَّقرُّبِ إلى اللهِ فيه بالطَّاعاتِ وسائرِ القُرُباتِ = فإنَّه -لا محالةَ- مُدرِكٌ ما يريدُ، بفضلِ الرَّبِّ الكريمِ المجيدِ؛ فرمضانُ فرصةُ التَّغييرِ الحقيقيِّ، وبدايةُ التَّحولِ الإيجابيِّ، فإنَّه بمثابةِ دورةٍ تدريبيَّةٍ مُكثَّفةٍ للنَّجاحِ، وتحقيقِ الرَّغباتِ، ونيلِ المُرادِ.
إنَّ رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ: للمُحافَظةِ على الصَّلواتِ في أوقاتِها، وكسبِ عظيمِ الأجرِ في القُرُباتِ؛ من الذِّكرِ والتِّلاوةِ، والصِّلةِ، والإنفاقِ، كما أنَّه فرصةٌ لتعويدِ النَّفسِ على الصَّبرِ والبذلِ، والتَّسامحِ والتَّعاطفِ، وتركِ المُحرَّماتِ.
أخي المُبارَكَ: (رمضانُ) فرصةٌ عظيمةٌ، ومِنحةٌ جليلةٌ من ربِّ العالمينَ لتصحيحِ المسارِ، وسلوكِ طريقِ الأبرارِ، وتجنُّبِ طريقِ أهلِ الغوايةِ الفُجَّارِ! فهل استشعرتَ هذه النِّعمةَ، وبادَرتَ لاستغلالِها واستثمارِها كما ينبغي؟ وهل ستُغيِّرُ فيه ما كنتَ تُعانِي منه في أيَّامِكَ الخوالي؟
أخي الكريمَ: إنْ كنتَ من الجادِّينَ في أمرِهم، الصَّادقين في إرادتِهم وعزمِهم؛ فهذه الفرصةُ بينَ يديكَ، وهذا الشَّهرُ مُقبِلٌ عليكَ؛ فأَقبِلْ على الخيراتِ، وسابِقْ إلى الطَّاعاتِ، وإلَّا فستَعَضُّ أصابعَ النَّدمِ، وتبكي الدَّمَ بدلَ الدَّمعِ على خيرٍ فوَّتَّه، وأجرٍ عظيمٍ ضيَّعتَه، ونعمةٍ فقدتَها، قد لا تعودُ عليكَ!
فاغتنِمْ أيَّامَكَ، وسارِعْ في تغييرِ ذاتِكَ؛ فإنَّ العمرَ أنفاسٌ، ما ذهَب منه فلن يعودَ.
أسألُ اللهَ أن يُصلِحَ حالَنا، وأن يَتقبَّلَ مِنَّا؛ إنَّه سميعٌ مُجِيبٌ، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
وكتَبه
الفقيرُ إلى عفوِ سيِّدِه ومَوْلاه
د. ظافرُ بنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعانَ[/align]
"رمضانُ" فُرْصةٌ للتَّغييرِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وفَّق مَن شاء مِن عبادِه لطاعتِه، وهدَى بتوفيقِه الطَّائعينَ لعبادتِه، وحبَّب الإيمانَ لأوليائِه فاستجابوا لأمرِه، وانتهَوْا عن نهيِه.
والصَّلاةُ والسَّلامُ على مُعلِّمِ البشريَّةِ الخيرَ، ومُخرِجِها -بإذنِ ربِّه- من الظُّلماتِ إلى النُّورِ؛ شرَح اللهُ به الصُّدورَ، وأنار به العقولَ، وفتَح به قلوبًا غُلْفًا وآذانًا صُمًّا وأَعيُنًا عُمْيًا؛ فصلَّى اللهُ عليه، وعلى آلِه، وأصحابِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ اللهَ خلَق كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا، واختَصَّ بحكمتِه الباهرةِ وعلمِه الَّذي وَسِعَ كلَّ شيءٍ أزمانًا وأمكنةً بمزيدٍ من الفضلِ والشَّرفِ، ومنها ما بيَّنه لنا رسولُنا المُعلِّمُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من الأزمانِ والأوقاتِ؛ كُلُّ ذلك لنُبادِرَ ونسارعَ للخيراتِ.
ومِن ذلك: هذا الشَّهرُ الكريمُ، والموسمُ العظيمُ، الَّذي هو فرصةٌ للمُتسابِقينَ، ومِنحةٌ للرَّاغبينَ في نيلِ الدَّرجاتِ العُلا عندَ ربِّ العالمين.
إنَّ صيامَ رمضانَ -فضلًا عن كونِه ركنًا من أركانِ الإسلامِ- هو قُرْبةٌ من أعظمِ القُرَبِ، ومنحةٌ مِن أَجَلِّ المِنَحِ الَّتي تَفضَّل اللهُ -سبحانه- على عبادِه بها، وله من المزايا والخصائصِ ما يَعجِزُ البيانُ عن ذكرِه، ويَكِلُّ القلمُ عن عَدِّه!
وفي هذه العُجالةِ، لن يكونَ الحديثُ عن فضلِه وشرفِه؛ إذْ إنَّ فضلَه معلومٌ، وشرفَه مشهورٌ- ولن يكونَ عن أحكامِه وفقهِه، ولا عن سُنَنِه وآدابِه؛ بل عن درسٍ عظيمٍ من دروسِه، لخَّصتُه تحتَ هذا العنوانِ:
"رمضانُ" فُرْصةٌ للتَّغييرِ
فكثيرٌ من النَّاسِ يبحثُ عن التَّغييرِ إلى الأفضلِ، وتحسينِ الذَّاتِ، وتطويرِ النَّفسِ، ويُنفِقُ الأموالَ الكثيرةَ والأوقاتَ الطويلةَ في دوراتٍ لهذا الغرضِ؛ فتجدُ دورةً بعنوانِ: (فنُّ التَّغييرِ)، وثانيةً بعنوانِ: (فنُّ التَّعاملِ معَ النَّاسِ)، وثالثةً بعنوانِ: (فَلْنَبدَأِ التَّغييرَ)، ورابعةً تُسمَّى: (أَيقِظِ العِملاقَ) ... إلخ!
هذا، وإنَّ الإنسانَ المُتميِّزَ الجادَّ في حياتِه لَيحرصُ على تطويرِ نفسِه، وتغييرِ سلوكِه إلى الأفضلِ، ولا يَقِفُ عندَ حدٍّ، بل يسعى لتحصيلِ ذلك، وتحسينِ مستواه الدِّينيِّ والدُّنيويِّ. وحديثُنا هنا ليس عن هذا الصِّنفِ؛ لأنَّهم عرَفوا وِجْهتَهم، وطرَقوا سُبُلَ العملِ لإصلاحِ أنفسِهم.
لكنَّ الحديثَ عن أُناسٍ قد أَثقَلتْهم المعاصي، وكبَّلتْهم الآثامُ، وقيَّدتْهم تلك النَّفسُ اللَّئيمةُ، وتَفنَّن الشَّيطانُ في إغوائِهم، فساروا في طريقِه: للهوى مُتَّبِعينَ، ولِلَّذَّةِ المُحرَّمةِ طالِبينَ، وعن الصَّوابِ مُعرِضينَ، وعن الحقِّ ناكصينَ! ومعَ ذلك فهم يَتمنَّوْن اللَّحاقَ بالسَّابقينَ وإدراكَ الجادِّينَ، لكنَّ بُعدَ الشُّقَّةِ جعَلهم يَتكاسَلونَ، وعن طلبِ الهُدَى يَتقاعَسونَ، وما عَلِم الذَّكيُّ الألمعيُّ منهم، والحريصُ على التَّغييرِ أنَّ في شهرِ الصِّيامِ والقيامِ فرصةً عظيمةً لذلكَ!
اعلَمْ -أيُّها المُبارَكُ- أنَّ أصنافَ النَّاسِ الطَّالِبينَ للتَّغييرِ كثيرٌ:
- فمِنهم مَن يَتمنَّى أن يحافظَ على الصَّلاةِ فرضًا ونفلًا، لكنَّ شيطانَه لا يزالُ يُوَسوِسُ له، ونفسَه اللَّئيمةَ تتكاسلُ وتُثقِّلُ عليه!
- ومِنهم مَن يَتمنَّى حفظَ القرآنِ الكريمِ وتلاوتَه آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، لكنَّ قلَّةَ الحرصِ وضعفَ الهمَّةِ وبرودَ العزيمةِ كان حاجزًا له عن نيلِ هذه المِنحةِ الرَّبَّانيَّةِ!
- ومِنهم مَن يبحثُ عن التَّوبةِ والإنابةِ، ويُحدِّثُ نفسَه بتركِ الحرامِ من النَّظرِ والوقوعِ في الآثامِ، ويبحثُ دهرَه عن الرَّفيقِ والمُعِينِ.
- ومِنهم مَن يشكو مِن سُوءِ الخُلُقِ وبذاءةِ اللِّسانِ، ويتمنَّى لو استقام لسانُه، وحَسُن بينَ النَّاسِ قولُه وطبعُه.
- ومِنهم مَن ابتُلِيَ بالبخلِ والحرصِ وكَنْزِ المالِ، ويتمنَّى لو تَحرَّرتْ نفسُه من هذه الصِّفةِ القبيحةِ.
- ومِنهم مَن يبحثُ عن سلامةِ الصَّدرِ، وصفاءِ النَّفسِ، والعيشِ معَ النَّاسِ بنفسٍ رَضِيَّةٍ، وقلبٍ نقيٍّ على المسلمينَ.
- ومِنهم مَن شغَلتْه الدُّنيا عن زيارةِ قريبٍ وصلةِ رَحِمٍ واجبةٍ، فطُولَ أيَّامِه يتحسَّرُ، وكلَّ دهرِه يتألَّمُ!
- ومِنهم مَن يبحثُ عن علاجِ قضايا أخلاقيَّةٍ تَعِبَ في علاجِها أشدَّ التَّعبِ، وعانَى منها أشدَّ المُعاناةِ، وهو يُردِّدُ: يا ربِّ متى الخلاصُ؟!
فهنا أقولُ لكلِّ هؤلاءِ: إنَّ علاجَ كلِّ ما مضَى = في هذا الشَّهرِ الكريمِ؛ فكُلُّ ما تريدُه قد هيَّأه اللهُ لكَ في هذا الشَّهرِ: صلاةً وقيامًا، وبِرًّا وإحسانًا، وصِلةً للأرحامِ، وذِكرًا، وتلاوةً، وصبرًا عن الحرامِ، وبذلًا للمالِ، وحِفظًا للجوارحِ واللِّسانِ، كلُّ هذا في شهرِ رمضانَ، معَ جزيلٍ من الأجرِ من ربِّنا الشَّكورِ المنَّانِ لِمَن أراد الزُّلْفى والتَّقرُّبَ، وشمَّر عن ساعِدِ الجِدِّ، واستعان باللهِ خيرِ مُستعانٍ!
إنَّ مَن أدرَك رمضانَ، وكان فيه مِن الجادِّينَ للإفادةِ منه، والتَّقرُّبِ إلى اللهِ فيه بالطَّاعاتِ وسائرِ القُرُباتِ = فإنَّه -لا محالةَ- مُدرِكٌ ما يريدُ، بفضلِ الرَّبِّ الكريمِ المجيدِ؛ فرمضانُ فرصةُ التَّغييرِ الحقيقيِّ، وبدايةُ التَّحولِ الإيجابيِّ، فإنَّه بمثابةِ دورةٍ تدريبيَّةٍ مُكثَّفةٍ للنَّجاحِ، وتحقيقِ الرَّغباتِ، ونيلِ المُرادِ.
إنَّ رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ: للمُحافَظةِ على الصَّلواتِ في أوقاتِها، وكسبِ عظيمِ الأجرِ في القُرُباتِ؛ من الذِّكرِ والتِّلاوةِ، والصِّلةِ، والإنفاقِ، كما أنَّه فرصةٌ لتعويدِ النَّفسِ على الصَّبرِ والبذلِ، والتَّسامحِ والتَّعاطفِ، وتركِ المُحرَّماتِ.
أخي المُبارَكَ: (رمضانُ) فرصةٌ عظيمةٌ، ومِنحةٌ جليلةٌ من ربِّ العالمينَ لتصحيحِ المسارِ، وسلوكِ طريقِ الأبرارِ، وتجنُّبِ طريقِ أهلِ الغوايةِ الفُجَّارِ! فهل استشعرتَ هذه النِّعمةَ، وبادَرتَ لاستغلالِها واستثمارِها كما ينبغي؟ وهل ستُغيِّرُ فيه ما كنتَ تُعانِي منه في أيَّامِكَ الخوالي؟
أخي الكريمَ: إنْ كنتَ من الجادِّينَ في أمرِهم، الصَّادقين في إرادتِهم وعزمِهم؛ فهذه الفرصةُ بينَ يديكَ، وهذا الشَّهرُ مُقبِلٌ عليكَ؛ فأَقبِلْ على الخيراتِ، وسابِقْ إلى الطَّاعاتِ، وإلَّا فستَعَضُّ أصابعَ النَّدمِ، وتبكي الدَّمَ بدلَ الدَّمعِ على خيرٍ فوَّتَّه، وأجرٍ عظيمٍ ضيَّعتَه، ونعمةٍ فقدتَها، قد لا تعودُ عليكَ!
فاغتنِمْ أيَّامَكَ، وسارِعْ في تغييرِ ذاتِكَ؛ فإنَّ العمرَ أنفاسٌ، ما ذهَب منه فلن يعودَ.
أسألُ اللهَ أن يُصلِحَ حالَنا، وأن يَتقبَّلَ مِنَّا؛ إنَّه سميعٌ مُجِيبٌ، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا مُحمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
وكتَبه
الفقيرُ إلى عفوِ سيِّدِه ومَوْلاه
د. ظافرُ بنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعانَ[/align]