"إن وعد الله حق" خطبة المسجد الأقصى (فيديو + DOC + PDF)

المساجد الثلاثة
1442/04/03 - 2020/11/18 21:04PM

خطبة الجمعة 27 ربيع الأول 1442هـ – 13 نوفمبر 2020م
المسجد الأقصى
فضيلة الشيخ محمد سليم محمد علي
بعنوان: إن وعد الله حق

لمشاهدة الخطبة:

الخطبة الأولى:

الحمد لله، شرّف محمدًا صلى الله عليه وسلم فجعله يوم القيامة إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أبى إلّا أن يتم نور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فقال سبحانه: {وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} [الصف: 8]، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، بشر بكم أيها المؤمنون، فقال: "وددت أني لقيت إخواني"، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس نحن إخوانك؟ قال: "بل أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني" [مسند أحمد]. يا حبيب القلوب يا رسول الله، ونحن والله وددنا لو عشنا في كنفك، نحن في بيت المقدس غرسك، نبتنا على حبّك، وفي مسراك لا نزال على العهد معك، وكل الناس تولد ثم تفنى ووحدك أنت ميلاد الحياة، وكل الناس تذكر ثم تنسى وذكرك أنت باقٍ في الصلاة، تردده المآذن ما حيينا، وينبض في القلوب إلى الممات. فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وصل اللهم على آله الأطهار وعلى أصحابه الأخيار وعلى التابعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المحبون لدينكم، أيها المفَدُّون لرسولكم صلى الله عليه وسلم: زعم الرئيس الفرنسي وكذب، فقال: يعيش الإسلام أزمة في العالم كله. ونفنّد عبارته ونرد عليها فنقول: إذا حذفنا كلمة أزمة من جملتك التي قلتها، صارت جملتك شاهدة لديننا بالحق، فجملتك من غير كلمة أزمة تصبح هكذا: الإسلام يعيش في العالم كله. وهذا صحيح. فالإسلام يعيش في العالم كله من قبل أن تلدك أمك، ومن قبل أن تكون فرنسا وأوروبا، ومنذ أن خلق الله آدم وإلى أن تنتهي الدنيا.

يعيش الإسلام في العالم كله عزيزًا ظاهرًا متمكّنًا في قلوب الناس وحياتهم، فالإسلام سنة من سنن الله في الكون، لا تستطيع البشرية ولو اجتمعت على قلب رجل واحد أن تستأصله؛ لأنه كالجاذبية في الأرض -لا تزول الجاذبية من الأرض إلا بزوال الدنيا-، ولأن الإسلام كالشمس لا ينتهي شروقها وغروبها إلا عند قيام الساعة، وكذلك الإسلام باقٍ ما بقيت الدنيا على رغم أنف الحاقدين والمنافقين، فاهدموا المساجد ستبنى من جديد، واحرقوا أطفال المسلمين فأرحام المسلمات لا تزال تلد الرجال، وصوت المؤذن سيظل يصدح في بلادكم؛ لأنه صوت الله وصوت دينه الذي أتمه ورضيه للناس دينًا.

أيها المؤمنون: أمّا الأزمة التي زعمها هذا العتل، فهي الأزمة التي تعيشها الصليبية الحاقدة والعلمانية الماكرة في بلادهم هناك، أزمة العقائد الفاسدة، وأزمة الشرائع المضللة، الأزمة التي تبيح الزنا والإجهاض، وهو ما استنكرته مريم البتول وهي العفيفة الطاهرة، قالت كما أخبر الله عنها في القرآن: {أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٌ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٌ وَلَمۡ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20].

فيا عجبًا، كيف لا تتبعون عفة مريم؟ وكيف لا تقتدون بها؟

نعم الأزمة ليست في الإسلام، الأزمة فيكم حين تخططون مع المنافقين لهدم الأسرة المسلمة بالقوانين الكافرة بالله وبدينه، حين تضعون في متاحفكم جماجم المسلمين، حين تتكالبون على الإسلام والمسلمين، وتحتلون بلادهم، وتنهبون خيراتهم، حين تحاربون المساجد بإغلاقها وبهدمها وبطرد من فيها، حين تهاجمون النساء المسلمات المحجبات اللواتي يتحجّبن كما كانت تتحجب مريم البتول، ستنزعون حجابهن عُنوة، الأزمة فيكم؛ لأنكم بدون أخلاق وبلا ضمير، يصدق فيكم قول الله سبحانه: {إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44].

أيها المسلمون: الأزمة في الغرب وكفره حين يجاهرون ويقولون: لا نريد عقيدة المسلمين ولا شريعتهم ولا وظيفتهم في الحياة، لا نريدها في بلادنا ولا في كل بلاد العالم. وخسر الكافرون الحاقدون، والأرض كلها لله خلقها الله؛ ليعبده البشر عليها بدين الإسلام الذي هو دين الرسل جميعًا؛ دين إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. ولهذا كل أرضٍ لا يحكمه الإسلام أو لا يوجد  فيها إسلام يعتبر هذا الوضع الذي فيها وضعًا غير طبيعي حتى يكون فيها إسلام، وعليه فكل عمل يعتدى على الإسلام ومقدساته وأهله هو الإرهاب بعينه، ولا إرهاب سواه.

أيها المسلمون، أيها المؤمنون: ويحذر قائدهم بقوله: إن لم تضعوا خطة للقضاء على الإسلام وأهله فسيصبح أبناؤكم مسلمين. وهم بذلك يعادون عيسى عليه السلام، ويتعجلون شر المصير الذي سيؤولون إليه.

يا عباد الله: أما معادتهم لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فلأنه صلى الله عليه وسلم جاء بالإسلام، فدين الإسلام دين الأنبياء جميعًا، قال الله في سورة البقرة: {وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [البقرة: 132]، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : "أنا أولى بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، وليس بيني وبينه نبيّ" [سنن أبي داود]، فكيف يعادون دين من يزعمون أنهم من اتباعه؟ وكيف يكفرون بدين عيسى وهو دين الإسلام؟

أيها المؤمنون: هؤلاء وإن كتموا الحق على الإسلام والمسلمين واجتمعوا عليها فإنهم لن يستطيعوا إنهائها؛ لأن الذي سينهيها هو الله القوي العزيز. بدأوا محاربة الله بتمزيق كتابه وحرق القرآن وإيذاء رسوله بالرسوم وبغيرها، وسينهي الله هذه الحرب بتمزيقهم وتحريقهم وتشريدهم وتعذيبهم، بدأوا الحرب على الله بمحاربة الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجًا، والله وحده هو الذي سيتولّى حربهم وإذلالهم وهزيمتهم في الزمان القريب القائم بإذن الله. فعند اشتداد ظلمة الليل ينبثق الفجر الصادق، وقد وعدنا الله بالتمكين في الأرض، ووعدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة على منهاج النبوة، ولا يخلف الله وعده ووعد رسوله، فابشروا وأملوا بموعد الله لكم، {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].

أيها المؤمنون الصابرون: وسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل من السماء في آخر الزمان، ونزوله من علامات الساعة الكبرى، وسيعمل عند نزوله على إقامة شريعة الإسلام فيحيى ما أحياه القرآن، ويميت ما أماته، ويقتل الخنزير، ويكون خليفةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكمًا من حكّام أمته، جاء في الحديث الشريف: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية" [صحيح البخاري]، ومعنى "يضع الجزية"، أي: أنه لا يقبل من الناس إلا أن يدخلوا في دين الإسلام، ولا يقبل منهم سواه.

وأسأل هنا هؤلاء: إذا كان عيسى عليه السلام لن يقبل من أحد إلا الإسلام فهل عيسى سيكون حينها إرهابيًّا؟ وماذا تقولون في عيسى عليه السلام حين يكسر الصليب ويقتل الخنزير؟

وعليه فدين الإسلام الذي جاء به محمد وعيسى وموسى وإبراهيم ويعقوب وكل النبيين ليس إرهابًا، بل هو الدين الذي جاء ليحطم الأصنام الحجرية من قبل، وليحطم الأصنام البشرية والفكرية من بعد. فصنم العلمانية سيحطم، وصنم الصليبية سيحطم، وصنم الشعوبية سيحطم، وصنم الطغيان سيحطم، وكل صنم لباطل سيحطم بإذن الله القوي العزيز. وحينها سيردد المسلمون في بقاع الأرض كلها {وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه. اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم بك نصول وبك نجول وبك نقاتل، ولا حول ولا قوة إلا بك.

عباد الله استغفروا الله، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطاهرين وعلى أصحابه الميامين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسوم وغيرها لا ينقص من مكانته، فهو صلى الله عليه وسلم حوى كل أنواع الكمال الإنساني، فهو كامل الخَلْق، وكامل الخُلُق، وكامل العلم، وكامل العمل.

يا عباد الله، يا مسلون: وإيذاؤه صلى الله عليه وسلم بالرسوم بعيد كل البعد عن حرية التعبير، فهو وقاحة في الرأي وسفاهة وخروج من القيم الإنسانية الفاضلة، بل هو كفر بمحمد وبعيسى وبموسى وبكل المرسلين، وموسى وعيسى والنبيون لا يقبلون أن يؤذى خيرهم وسيدهم. ثم من يؤذي محمدًا يؤذي عيسى ويؤذى موسى ويؤذى إبراهيم وكل الرسل؛ لأن الرسل رسل الله.

وعليه فإننا من مسرى محمد صلى الله عليه وسلم نطالبكم يا مسلمون أن تجهروا بحبه، وأن تلزموا حبه قولًا وعملًا، وأن تجهروا ببغض من يؤذيه ويكرهه، فقاطعوهم، قاطعوا اقتصادهم وعقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وباطلهم، فهذا واجب عين على كل مسلم ومسلمة، وكل ذلك عبادة تؤجرون عليها، واجعلوا ولاءكم لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا يغرنكم المنافقون، فهم غثاء السيل وإلى زوال، وأكملوا شعاركم: (إلا رسول الله) أكملوه فقولوا: (إلا رسول الله نحبه ونطيعه ونفديه)، وحققوا هذا الشعار في حياتكم وواقعكم.

وأما من يؤذي نبينا فنطالبه بالاعتذار الصريح الواضح إلى المسلمين كافة وإلى رسول الله والأنبياء خاصة، وأن يكف عن غيه وضلاله، فالله كاف عبده وناصره على من أغضبه، وقد توعد الله من يؤذي رسوله، فقال: {وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].

يا مسلمون: لا تنسوا أن حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب عليكم أن تظلّوا عاملين للقدس وللأقصى بالصلاة وبالرباط فيهما، فهما من الأرض المقدسة وأثر من آثاره فيها، فالزموا هذا الأثر، وعضّوا عليه بالنواجذ، فأثر الحبيب حبيب، وأنتم بشرى الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالصلاة الصلاة في المسجد الأقصى، والرباط الرباط في البيت المقدس، فأنتم الظاهرون على الكافرين، وأنتم القاهرون للمنافقين، فاصبروا ورابطوا إلى أن يأتي الله بأمر، {وَيَوۡمَئِذٍ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ * بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ * وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} [الروم: 4 - 6].

اللهم عليك بمن آذى رسولنا عذبه في الدنيا والآخرة، وعليك بمن آذى المسلمين خذهم أخذ عزيز مقتدر. اللهم حرر أقصانا، وأطلق سراح أسرانا، وارحم شهداءنا، وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم اعل بحولك وقوتك كلمة الحق والدين، وأذل الكافرين، .... المنافقين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اغفر لنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة، (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

المرفقات

إن-وعد-الله-حق

إن-وعد-الله-حق

إن-وعد-الله-حق-2

إن-وعد-الله-حق-2

المشاهدات 584 | التعليقات 0