"أعظم ما نستقبل به شهر رمضان":


"أعظم ما نستقبل به شهر رمضان": "استغفار صادق"
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أيها المؤمنون بالله العظيم: ما أعظم ما نستقبل يه شهر رمضان؟
أيها المؤمنون: إن أعظم ما تستقبل به شهر رمضان، هو الاستغفار، هو استغفار صادق.
نعم، ذاك الاستغفار الذي تخاطب فيه ربك الغفار، تسأله فيه أن يغفر لك ما أسلفت في أحد عشر شهرا قد مضت منك وذهبت من حياتك، لا تدري ماذا كتب عليك فيها.
نعم، ذاك الاستغفار الذي يضعك متذللا بين يدي الله، راجيه سبحانه أن يغفر لك مغفرة عظيمة، تطهرك من ذنوب أحد عشر شهرا مضت من عمرك، لا تدري، آالله قد رضي فيها عنك أم قد غضب فيها عليك.
نعم، ذاك الاستغفار الذي تعلن فيه أنك تدخل رمضان نقيّا، زكيّا، كريما، صافي النفس، أبيض الجنان، نظيف الجوارح، فيكون ذاك تقدير منك لرمضان، وتعظيما منك لرمضان، وإكراما منك لرمضان.
نعم، ذاك الاستغفار ههو أصدق استقبال منك لرمضان، فأنت به، تبوء فيه بذنبك، وتعترف يتقصيرك، وتظهر فقرك لربك، وحاجتك لمغفرته وعفوه. وذاك كله صدق إقبال منك على رمضان، لأنك تريد منه الارتقاء، تريد فيه تعظيم شعائر الله، تريد فيه صياما متقبلا، صياما تقيا، صياما زكيا.
نعم، يا أيها المؤمن: استقبل شهر رمضان، باستغفار لربك، في مجلس تجلسه بين يدي الله، فتكرر فيه الاستغفار، وتكرر حتى تبلغ المائة مرة. هذا هو دأب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم، كل يوم، كان يكرر الاستغفار. ففي السنن يروي الصحابة أنهم كانوا يعدون للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد أنه يقول: (أستغفرك وأتوب إليك في المجلس سبعين مَرّة) وفي بعض الروايات (مائة مرة ). فافعل هذا قبيل رمضان، واجلس وقل: أستغفر الله وأتوب إليه، واستمر بتكرار ذلك، حتى يرقّ قلبك.
نعم، يا أيها المؤمن: استقبل شهر رمضان، باستغفار لربك، لأنه يغان على قلوبنا كل يوم، فما بالك حينما تتطاول علينا الأيام لتبلغ أحد عشر شهرا، فكم وكم يكون الغان والجفاء والقساوة على القلوب وفي القلوب. فاستمع ماذا كان يقول نبيّك محمد، فكما في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ). فلك أن تتصور حالنا نحن معه. لذلك يا أيها المؤمن، يا عبد الله، استغفر الله، ثم استغفر الله، لزول الغين والرّان والقساوة من القلوب، لتصبح قلوبنا بيضاء رقيقة، فنستقبل بها شهر رمضان، وقد طابت نفوسنا بطيب قلوبنا. فالقلوب تطيب بالاستغفار، وتتفتح بالاستغفار كما تتلبد وتتبلد بالذنوب والمعاصي، فهيّا إلى ما يجعلها تستقبل رمضان وهي متفتحة مشرقة منيرة، ففي سنن الترمذي وحسنه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ). (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين، 14).
أيها المؤمن بالله العظيم، نعم، إن أعظم ما تستقبل به شهر رمضان، هو الاستغفار، هو استغفارك لربك من ذنوب وقعت منك، استغفارك لربك من تقصيرك في حقه، استغفارك لربك من أخطاء صدرت منك، فتكون بذلك من التوابين الأوابين المستجيبين لله ولرسوله. فمن منا لايذنب ولا يخطئ ولا يقصر في جنب الله. ففي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) فالمسلم لا بد أن يقع منه الذنب تقيا كان أو فاجرا، ولكن المهم هو ما بعد الذنب. إنه اللجوء إلى الله. وما أصدقك أيها المؤمن وأنت تستقبل رمضان باللجوء إلى الله، ومن يأوي إلى الله يأويه الله، من يلجأ إلى الله لا يخذله الله. بل يجد الله غفارا توابا. قال الله سبحانه: ((وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )).
أيها المؤمن بالله العظيم، نعم، إن أعظم ما تستقبل به شهر رمضان، هو الاستغفار، ولكن اجعله استغفارا جامعا، استغفارا شاملا، استغفارا كليا، استغفارا يستغرقك كلك، يستغرق كل سلوكك، كل وقتك، كل حالك، كل ظروفك، لتستقبل رمضان وقد غُسلت كلّك ممايغضب ربّك سبحانه. تعال معي لنستمع إلى هذا الاستغفار النبوي الجامع الخاشع المعبر لنجعل منه استغفارنا الذي نستقبل به رمضاننا. ففي صحيح مسلم أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يقول: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).الله أكبر تأمّل معي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ). فماذا أقول أنا وأنت؟.
أيها المؤمن بالله العظيم، نعم، إن أعظم ما تستقبل به شهر رمضان، هو الاستغفار، استغفار منك أيها المؤمن تلبية لنداء ربك لك، استجابة لدعوة ربك لك بأن تستغفره، بأن تتوب إليه، بأن تسأله المغفرة لبغفر لك. فتكون بذلك قد استقبلت الشهر باستغفار قمت به طاعة لربك، الذي عزمت على طاعته في رمضان. ففي الحديث القدسي في صحيح مسلم فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم أن رب العزة يقول: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ). فأيّ دعوة كريمة هذه من ربك الغفور، يُذكّرك أيها الإنسان أنك تخطئ وتذنب وتعصي في أوقات من الليل وفي أوقات من النهار، وهو وحده من يقدر أن يغفرها لك، ولكن بشرط أن تستغفره منها. فأيّ لطف هذا، وأيّ كرم هذا، يقول لك هو سبحانه يغفر الذنوب جميعها، ويقول لك استغفرني من ذنوب الليل والنهار. فهيا إلى تلبية نداء ربنا لنا لنستغفره من ذنوبِ ليالي أحدَ عشر شهرا، ومن ذنوبِ نهارِ أحد عشر شهرا، لعلنا ندخل رمضان برايات بيضاء لا سواد فيها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
أيها المؤمن: استقبل رمضان باستغفار لا يدع لك ذنبا، باستغفار قلبي وقولي وحالي لا يترك لك سيئة إلا محاها، وإياك أن تستكثر ذنوبك، وإياك أن تستعظم أخطاءك فتترك الاستغفار بسبب تلبيس إبليس عليك. ألا تعلم ماذا يقول ربك؟ ففي الحديث الصحيح الذي يرويه الترمذي في سننه عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي). فيا أيها المؤمن ألا ترجو ربك في مستهل شهر رمضان ليغفر لك ما تقدم من ذنبك، ألا تدعو ربك ليعفو عن سيئاتك في مقتبل شهر رمضان. الله الله باستغفار نتذلل فيه لربنا لعله يغفر لنا، فندخل الشهر أقوياء، أصحاء، أرضياء، تغمرنا المغفره وتعلونا السكينة.
أيها المؤمنون: أقترح عليكم، ومن قَبلُ على نفسي، وأدعوكم وأدعو نفسي أن نفعل شيئا عظيما حينما يتم الإعلان أن غدا رمضان. وهذا العمل هو اجتهاد نجتهده، وذلك بأن نقوم في أول ليلة من رمضان فنتوضأ فنحسن الوضوء، ثم نصلي لله تعالى ركعتين بخشوع وسكينه، ثم ندعو الله تعالى بعدها طالبين منه وراجينه بأن يغفر لنا ذنوبنا التي وقعت منا منذ أحد عشر شهرا قد مضت. فإني لأرجو الله تعالى أن من فعل ذلك يغفر له. وذلك أخذا من الهدي النبوي عموما. ففي الحديث الصحيح الذي يرويه أبو داود في سننه عن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: (الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(آل عمران،135)). فالله الله باستغفار يحفّه الندم والخشوع والتذلل نستقبل به شهر رمضان ونفتتح به عبادة الصيام.


المرفقات

أعظم ما نستقبل به شهر رمضان استغفار.doc

أعظم ما نستقبل به شهر رمضان استغفار.doc

المشاهدات 1345 | التعليقات 0