﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْ

محمد البدر
1437/08/19 - 2016/05/26 07:33AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ: عباد الله : قال تعالى :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ .
يقول السعدي – يرحمه الله - أي: فهما أمران، إما التزام لطاعة الله، وامتثال لأوامره، فثم الخير والرشد والفلاح، وإما إعراض عن ذلك، وتولٍ عن طاعة الله، فما ثم إلا الفساد في الأرض بالعمل بالمعاصي وقطيعة الأرحام.
عباد الله :الفساد أمر منبوذ وعمل مستقبح مهما كان نوعه ، سواء كان فسادا أخلاقيا أو فسادا ماليا أو فسادا إداريا أو فسادا دينياً وغير ذلك ،والفساد الإداري ، والمالي من الأنواع التي يعاني منها البلاد والعباد ، والذي لا ينكر وجوده أحد .
عباد الله :إن الفساد الإداري والمالي، ظاهرة غريبة على مجتمعاتنا الإسلامية ، وقضية خطيرة ،تربع على عرشها عباد المناصب والأموال ، وعانى من ويلاتها الكثير من الناس ، والسبب الأساسي هو ضعف التوحيد والإيمان و كثرة الاحزاب والتعصب لها وموالاتها والمسماة زوراً وبهتاناً ( الدينية ) المخالفة للكتاب والسنة ، وكذلك عدم التوكل على الله ، وعدم استشعار المسؤولية ، والاستهانة بالأمانة ، وكثرة الكذب وقلة الصدق ، وحب الثراء ،وعدم اتقان العمل ، أما أدواتها ووسائلها ، فالرشوة والتزوير ، والسرقة والاختلاس والاحتيال والمداهنة والمدارات ، ونفع الأقارب والأصدقاء على حساب غيرهم ، فتعطلت كثير من المصالح ، وضاعت الحقوق ، وتوقفت بعض المشاريع والمصالح العامة ، وتجرأ السفهاء للنيل من ولاة أمرنا وعلمائنا ، بل حصلت العديد من الكوارث والنكبات ، وهذا كله على حساب الدين والوطن والمواطن ، وهو نتيجة خيانة الأمانة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » رواه البخاري.
إِنَّ تَضيِيعَ الأَمَانَةِ والاتِّصَافَ بِالخِيَانَةِ ، أَو مَا يُسمى بِالفَسَادِ الإِدارِيِّ وَالمَاليِّ والديني ، لم يَترُكْ بلداً إِلاَّ أَصَابَه ، وَلا مُجتَمَعًا إِلاَّ خَالَطَهُ ، وَلا مُؤَسَّسَةً حُكُومِيَّةً وَلا أَهلِيَّةً إِلاَّ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنهَا ، حَتى صَارَ مَرَضًا مُستَفحِلاً تَأَخَّرَت بِسَبَبِهِ دُوَلٌ وَتَخَلَّفَت عَنِ الحَضَارَةِ ، وَأَصبَحَ عَقبَةً تَحُولُ بَينَ أُنَاسٍ مِن أَصحَابِ الحُقُوقِ وَحُقُوقِهِم ، وَمَركَبًا تُمنَحُ عَلَى ظَهرِهِ بَعضُ المِيزَاتِ وَالأَموَالِ لِمَن لا يَستَحِقُّونَهَا ، وَقَنَاةً تَسمَحُ بِتَعيِينِ مُوَظَّفِينَ وَتَأخِيرِ آخَرِينَ ، وَوَرَقَةً رَابِحَةً في أَيدِي مَجمُوعَاتٍ مِنَ المُقَرَّبِينَ أَوِ الأَصدِقَاءِ ، تُرسَى عَلَيهِم بها المَشرُوعَاتُ ، وَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيرِهِم بِفَضلِهَا في المُنَاقَصَاتِ .
فالفَسَادُ لَهُ أَنمَاطًا وَأَشكَالاً شَاعَت وَذَاعَت ، وَانتَشَرَت.
عباد الله : وَمِن تِلكَ الأَنماطِ: الوَسَاطَاتُ في كَثِيرٍ مِن أَحوَالِهَا ، وَالَّتي خَرَجَت عَن كَونِهَا نَوعًا مِنَ الشَّفَاعَةِ الحَسَنَةِ الَّتي يُؤجَرُ عَلَيهَا صَاحِبُهَا وَيُثَابُ ، فَأَصبَحَت ظُلمًا لِلمُستَحِقِّينَ وَهَضمًا لِلمُستَضعَفِينَ ، وَإِبعَادًا لِذَوِي الكِفَاءاتِ مِن المَوَاقِعِ الَّتي تَحتَاجُهُم ، وَرَدًّا لأَصحَابِ الجَدَارَةِ وَتَهمِيشًا لِدَورِهِم ، مَعَ غَضِّ بَصَرٍ عَنِ المَقَايِيسِ المَطلُوبَةِ فِيمَن يُرَادُ تَوظِيفُهُ مِن قُوَّةٍ وَأَمَانَةٍ ، وَجَعلِ مَقَايِيسَ أُخرَى هَشَّةٍ مَكَانَهَا .
وَمِن أَنماطِ الفَسَادِ هَدرُ الوَقتِ العَامِّ وَضَعفُ الالتِزَامِ بِسَاعَاتِ الدَّوَامِ ، وَكَثرَةُ التَغَيُّبِ وَالتَّأَخُّرِ عَنِ العَمَلِ لأَعذَارٍ وَاهِيَةٍ ، وَاختِلاقُ أَسبَابٍ غَيرِ مُقنِعَةٍ لِلتَّهَرُّبِ مِنَ المُحَاسَبَةٍ وَالمُعَاقَبَةِ .
عباد الله :ولا يخفى عليكم اتساع البلاد وكثرة السكان ، فولاة الأمر حفظهم الله ووفقهم لكل خير وعلمائنا أهل السنة يحاربون الفساد بكافة أنواعه وكافة أسبابه ويمنعون الأسباب المؤدية له ،والدولة وضعت هيئة لمكافحة الفساد ، فلابد من التعاون معهم لمحاربة الفساد والمفسدين والتبليغ عن كل ما يمس أمن هذه البلاد ، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ فنحن بحاجة لنقف صفا واحدا ، ونكون يدا واحده ، مع ولاة أمرنا وعلمائنا ، أمام هذا الفساد . أقول قولي....
الخطبة الثانية :
عباد الله :قال تعالى : ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ .
إِنَّ لِلفَسَادِ الإِدَارِيِّ وَالمَاليِّ في المُجتَمَعَاتِ آثَارًا بَالِغَةً وَأَضرَارًا فَادِحَةً ، وَعَوَاقِبَ وَخِيمَةً وَنِهَايَاتٍ سَيِّئَةً ، فَهُوَ مَرَضٌ خَبِيثٌ يُضعِفُ قُوَّةَ المُجتَمَعِ وَيُذهِبُ مَنَاعَتَهُ ، وَيَجعَلُهُ عُرضَةً لأَمرَاضٍ أُخرَى مُستَعصِيَةٍ ، فَحِينَ يُصبِحُ ابنُ الوَطَنِ عَلَى استِعدَادٍ لِبَيعِ ذِمَّتِهِ ودِينهِ وأمانته وأخلاقه وشهامته مِن أَجلِ سماع كلمات مؤثرة مخلوطة بالبكاء والعويل وشيء من القصص الواهية والاحاديث المكذوبة والموضوعة من دعاة الفتنة والتحرر ،ومن أجل حَفنَةٍ مِنَ المَالِ أَو مُجَامَلَةً لِقَرِيبٍ أَو مُحَابَاةً لِصَدِيقٍ ، أَو طَلَبًا لِمَدحٍ أَو خَوفًا مِن ذَمٍّ ، ضَارِبًا بِمَصَالِحِ آلافِ البَشَرِ عُرضَ الحَائِطِ ، فَإِنَّكَ لَن تَجِدَ حِينَئِذٍ إِلاَّ قَومًا يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم ، وَيَفَقَؤُونَ أَعيُنَهُم بِأَصَابِعِهِم ، وَيَقضُونَ بِقُوَّةٍ عَلَى آمالِ أُمَّتِهِم في النُّهُوضِ مِن كَبوَتِهَا وَالسَّيرِ في رَكبِ الحَضَارَةِ ، وَيَجعَلُونَهَا تَعِيشُ في كُرهٍ لِوُلاتِهَا وَبُغضٍ لِعلمائها.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْيَكُنْ لَنَا فِيمَن مَضَى مُعتَبَرٌ .
ألا وصلوا ...
[/align]
المشاهدات 1617 | التعليقات 0