(3) لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد أخذنا لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، في دعوته إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة الحسنة، بعد أن آتاه الله الحكمة في دعوته لأبيه وقومه، ومع الملك الظالم نمرود، فانطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. وتحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف بُهِت الملك فلم يعرف ماذا يقول!! واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم، فقد غضب قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. هي سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ولوط، وقد صار نبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن والده عدو لله، تبرأ منه وقطع علاقته به ]وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ). خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. ورحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنت به. وصحب معه لوطًا الرجل الوحيد الذي آمن به، قال تعالى ]فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ وخلال رحلاته وسفراته، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق. ولما اشتد الجفاف في فلسطين هاجر إلى مصر ومع زوجته ساره، وكان إبراهيم عليه السلام يعلم أن فرعون مصر ما يسمع عن امرأة جميلة إلا استعبدها وضمها إلى جواريه، وكانت سارة ذات جمال باهر، وقد وشى بها أحد بطانة السوء الى الملك وأغراه بجمالها، وزين له حسنها، وحبب إليه الاستحواذ عليها. ودعا الملك إبراهيم عليه السلام، وسأله عن الصلة بينهما من قرابة، ففطن إبراهيم عليه السلام إلى مأربه، وعرف مقصده، وخاف إن أخبره أنها زوجته أن يبيت الشر له، ويستأثر بها من بعده، فقال له: هي أختي. وطلب الملك من جنوده أن يحضروا هذه المرأة، ولما وصلت إلى قصر الملك دعت اللَّه ألا يخذلها، وأن يحيطها بعنايته، وأن يحفظها من شره. فاستجاب اللَّه دعاءها فشَلّ يد الملك عنها حين أراد أن يمدها إليها بسوء، فقال لها: ادعى ربك أن يطلق يدى ولا أضرك. فدعت سارة ربها، فاستجاب دعاءها، فعادت يده كما كانت، ولكنه أراد أن يمدها إليها مرة ثانية، فَشُلّت، فطلب منها أن تدعو له حتى تُطْلق يده ولا يمسها بسوء، ففعلت، فاستجاب الله دعاءها، لكنه نكث بالعهد فشُلّت مرة ثالثة. فقال لها: ادعى ربك أن يطلق يدي، وعهدٌ لا نكث فيه ألا أمسّك بسوء، فدعت اللَّه فعادت سليمة، وخرجت ساره من قصر الملك بسلام من الله وحفظه، وأمر الملك لها بجارية، وهي هاجر وتركها تهاجر من أرضه بسلام. خرجت من عند الملك الظالم مُعزَّزةً مُكرَّمة، مُصانةً مَحْفوظة، فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وكان في شوقٍ وولهٍ لمعرفةِ ما حلَّ بها، ومنذ فارقها وهو يدعو الله أنْ يحفظَها، فَقَالَ لَهَا (مَهْيَمْ!) أي: ما الأمر؟ فقَالَتْ: خَيْرًا، كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ، وَأَخْدَمَ خَادِمًا. ورجع إبراهيم وزوجته ساره ومعهما هاجر إلى فلسطين مرة أخري، ومرت الأيام والسنون ولم تنجب سارة بعد ابنًا لإبراهيم، فكان يؤرقها أنها عاقر لا تلد، فجاءتها جاريتها هاجر ذات مرة لتقدم الماء لها، فأدامت النظر إليها، فوجدتها صالحة لأن تهبها إبراهيم. وتزوَّج إبراهيم عليه السلام هاجر، وبدأ شيء من الغيرة يتحرك في نفس سارة، بعد أن ظهرت علامات الحمل على هاجر، وما هي إلا أشهر قليلة حتى رزقه الله سبحانه وتعالى الولد من هاجر، فكان إسماعيل عليه السلام قرة عين لإبراهيم عليه السلام وفرح به أشد الفرح، ولكن الغيرة دبت في قلب السيدة سارة شأنها شأن أي امرأة أخرى، فغارت من هاجر ومن حب إبراهيم لولده إسماعيل، فأراد الله سبحانه أن ينزع تلك الغيرة من قلبها فأوحى إلى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر ورضيعها إسماعيل وأن يتركهم في مكة، وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى. ولأمر أراده اللَّه أخذ إبراهيم هاجر وابنها الرضيع إلى وادٍ غير ذي زرع من أرض مكة عند بيت الله الحرام، فوضعهما هناك مستودعًا إياهما اللَّه، وداعيا لهما بأن يحفظهما الله ويبارك فيهما. ولهذا قصة عجيبة ... نتركها في الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالى. أقول ما تسمعون ...     الحمد لله رب العالمين .. معاشر المؤمنين ... لم يكن إبراهيم داعية إلى التوحيد فحسب، وإنما كان إنساناً كريماً، يكرم الضيف، كما قال النبي ﷺ  (كان أول من أضاف الضيف إبراهيم) ومعلوم خبر الملائكة الذين أتوا إليه، وكانوا يريدون القضاء على قوم لوط الذي كان من آل إبراهيم، موحداً مثله ]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ *  إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ [ فرحب بهم ولو أنه لا يعرفهم، وفتح الباب لأجلهم، دخلوا عليه فقالوا: سلاماً يعني: بابه مفتوح للضيوف، فراغ إلى أهله خفية حتى لا يشعروا بالحرج؛ لأنه يريد أن يقدم لهم ضياف ] فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ[ على وجه السرعة، عجل مشوي، طعام نفيس للضيوف، ولم يقل تعالوا وإنما قربه إليهم، ودعاهم إلى الأكل فقال ]أَلَا تَأْكُلُونَ[ حتى يبتدئوا لأن الناس يجلسون على الطعام ينتظرون إشارة المضيف، وهو يسارع يقول ]أَلَا تَأْكُلُونَ[ وسائر أنواع كرم الضيف تجدها في سيرته عليه السلام، وهو يكرم أولئك الملائكة الذين لم يأكلوا لأنهم لا يأكلون. وبشرته الملائكة بأن زوجته سارة سوف تلد ولدًا اسمه إسحاق، وأن هذا الولد سيكبر ويتزوج، ويولد له ولد يسميه يعقوب.
ولما سمعت سارة كلامهم، لم تستطع أن تصبر على هول المفاجأة، فعبَّرت عن فرحتها، ودهشتها كما تعبر النساء، فصرخت تعجبا مما سمعت، و]قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ[ وحملت سارة بإسحاق عليه السلام ووضعته، فبارك اللَّه لها ولزوجها فيه. ومن إسحاق انحدر نسل بنى إسرائيل. وصدق الله تعالى ]لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[. وصلى الله على نبينا محمد ...
المرفقات

1654853965_(3) لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.docx

1654853968_(3) لمحات من سيرة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام.pdf

المشاهدات 318 | التعليقات 0