(2) من سينال هذه الخصال ؟
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(من سينال هذه الخصال (2))20/5/1443هـ
أيها المسلمون: كان حديثنا في الجمعة الماضية عن أول الخصال التي من مات في واحدة منهن ضمن الله له الجنة وأول تلك الخصال :المجاهد في سبيل الله .
وثاني هذه الخصال: "رَجُلٌ تَبِعَ جَنَازَةً، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ" .
قال الإمام ابن باز رحمه الله في كلمة له حول اتباع الجنائز:فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قيل: يا رسول الله، ما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين"، يعني: من الأجر، وهذا يدل على شرعية اتباع الجنائز للصلاة وللدفن جميعاً، وما ذاك إلا لما في اتباع الجنائز من المصالح الكثيرة.
منها: أن ذلك يذكر بالموت ويذكر التابع بالاستعداد للآخرة، وأن الذي أصاب أخاه سوف يصيبه، فليعد العدة وليحذر من الغفلة.
ومن ذلك أيضاً: أن في اتباع الجنائز جبراً للمصابين ومواساة لهم وتعزية لهم في ميتهم، فيحصل له بذلك أجر التعزية والجبر والمواساة لإخوانه.
ومن ذلك أيضاً: أنه يعينهم على ما قد يحتاجون إليه في حمل ميتهم ودفنه. فعلى كل تقدير اتباع الجنائز فيه مصالح كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا أنه يذكر بالموت وما بعده ويدعو إلى الاستعداد للآخرة والتأهب للقاء الله عز وجل لكان
هذا كافياً، فكيف وفي ذلك مصالح أخرى؟
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه بلفظ آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يُصلى عليها ويُفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد"، وفي هذا بيان أن هذا الاتباع يكون إيماناً واحتساباً، لا للرياء والسمعة ولا لغرض آخر، بل يتبع الجنازة إيماناً واحتساباً، إيماناً بأن الله شرع ذلك، واحتساباً للأجر عنده سبحانه وتعالى، وفي ضمن ذلك هذه المصالح الكثيرة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين كل قيراط مثل جبل أحد". وفي هذا الحديث دلالة على أن التابع لا ينصرف حتى تُدفن، وبعض الناس قد ينصرف عند وضعها في الأرض، وهذا خلاف المشروع، المشروع أنه يبقى مع إخوانه حتى يفرغوا من دفنها، حتى ينتهوا. وفي ذلك أيضاً حديث آخر: أنه كان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"، فيشرع للمؤمن إذا تبع الجنازة أن يقف عليها بعد الدفن، لا يعجل، يبقى معهم حتى يفرغوا من الدفن، ثم إذا فرغوا يستحب له أن يقف على القبر ويدعو للميت بالمغفرة والثبات، تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: "استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"، هكذا كان يقف عليه بعد الدفن ويقول هذا عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة، أنه يقف عليه ويدعو له بالمغفرة والثبات ثم ينصرف بعد ذلك.
بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله: قال ابنُ قدامة رحمه الله: (ويُستحبُّ لِمُتَّبع الجنازةِ أن يكون مُتخشِّعاً مُتفكِّراً في مآلهِ، مُتَّعظاً بالموتِ وبما يَصيرُ إليه الميتُ، ولا يَتحدَّثُ بأحاديثِ الدُّنيا ولا يَضحكُ.
قال سعدُ بنُ معاذٍ: «ما تَبعتُ جنازةً فحدَّثتُ نفسي بغيرِ ما هُوَ مفعُولٌ بها».
فجنائزُ السَّلَفِ (كانتْ على التزامِ الأدَبِ والسُّكُونِ والخُشُوعِ والتَّضَرُّعِ، حتَّى إنَّ صاحبَ الْمُصيبةِ كانَ لا يُعْرَفُ من بينهِم لكثرةِ حُزْنِ الجميعِ، وما أخذَهُم من القلقِ والانزعاجِ بسَبَبِ الفكرةِ فيما هُم إليهِ صائرُونَ، وعليهِ قادمُونَ، حتَّى لقد كانَ بعضُهم يُريدُ أن يَلقى صاحبهُ لضَرُوراتٍ تقَعُ لهُ عندَهُ فيلقاهُ في الجنازةِ فلا يَزيدُ على السلامِ الشَّرعيِّ شيئاً، لشُغلِ كُلٍّ منهما بما تقدَّمَ ذكرُهُ، حتَّى إنَّ بعضَهم لا يَقدرُ أن يأخُذ الغذاءَ تلكَ اللَّيلَةَ لشدَّةِ ما أصابَهُ من الجَزَعِ، كما قال الحسنُ البصريُّ رضي الله عنه: « ميِّتُ غَدٍّ يُشيِّعُ ميِّتَ اليومِ»).
وإذا أردنا أن نتكلم عن جنائزنا وطريقة اتباعها فإننا سنرى العجب العجاب بداية بالسباق في الطرقات وقطع الإشارات والتهور في القيادة والحجة في ذلك أنهم يتبعون الجنازة فيالله العجب!
وإذا وصلت المقبرة رأيت أعجب من ذلك كما قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: (ومما لا ينبغي فعلُه أيضاً: أن بعض الناس إذا كانوا ينتظرون دفن الجنازة تجدهم يجتمعون أوزاعاً ويتحدَّثون حديثَ المجالس، حتى أنَّ بعضهم تسمع له قهقهة، وما أشبه ذلك، وهذا خطأ وليس هذا موضعه).
بل لقد حدثني أحد الإخوان الثقات قال: كنت في المقبرة فشممت رائحة الدخان فتعجبت وأخذت أدور على السيارات التي في المقبرة وإذا بأحد الشباب جالس في ظل سيارته ويدخن !
فأي قسوة بعد هذه القسوة نسأل الله لنا ولكم حسن الختام .