19 رمضان 1445 هـ ( عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ )

مبارك العشوان 1
1445/09/18 - 2024/03/28 07:42AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران 102

عِبَادَ اللهِ: عَشْرُ لَيَالٍ مُقبِلَةٍ، أَوَّلُهَا لَيلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ  وَهِيَ عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ؛ وَمَغْنَمٌ عَظِيْمٌ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِيهَا مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِا.

تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ إِذَا دَخَـلَ العَشْـرُ شَـدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَـهُ ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]

كَانَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُمَيِّزُ العَشْرَ عَنْ غَيْرِهَا؛ وَيَحُثُّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهَا؛ فَلْنَعْقِدِ العَزْمَ عَلَى اغْتِنَامِهَا؛ وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ فِي  لَحْظَةٍ مِنْهَا.

لِنُجَاهِدْ أَنْفُسَنَا عَلَى قِيَامِهَا؛ فَقَدْ أَعْظَمَ اللهُ الجَزَاءَ لِأَهْلِ القِيَامِ؛ فَقَالَ :{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[السجدة 16]         وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات 15 – 18]

لِنُصَلِّ مَعَ الإمَامِ حَتَّى نِهَايَةَ الصَّلَاةِ؛ سَوَاءً صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيامُ لَيْلَةٍ ) [رواه الترمذي وصححه الألباني ]

لِنَتَوَاصَ بِالقِيَامِ، وَلْنُوقِظْ لَهُ أَهْلَنَا.

وَلْنَعْلَمْ أَنَّ فِي إِيقَاظِ الأَهْلِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ:

اِقْتِدَاءٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ حَيْثُ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ. وَفِيهِ تَعَاوَنٌ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى.

وَفِيهِ إِحْسَانٌ لَهُمْ بِتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ؛ تُلْتَمَسُ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ وَهِيَ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ؛ هِيَ لَيْلَةُ إِنْزَالِ القُرْآنِ؛ هِيَ لَيْلَةٌ وَصَفَهَا اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهَا: مُبَارَكَةٌ؛ وَبِأَنَّهَا سَلَامٌ؛ وَبِأَنَّ المَلَائِكَةَ تَتَنَزَّلُ فِيهَا؛ وَبِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

مَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ.

أُخْفِيَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ؛ فَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ قَالَ: ( إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ...) الخ

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا العَشْرَ؛ وَلَيْلَةَ القَدْرِ؛ وَيُوَفِّقَنَا لِقِيَامِهَا إِيْمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا.

عِبَادَ اللهِ: لِنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلْنَتَخَيَّرْ جَوَامِعَهُ، وَلْنَحْذَرِ الاِعْتِدَاءَ فِيهِ.

أَلِحُّوا عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي دُعَائِكُمْ؛ اُدْعُوهُ تَعَالَى يَسْتَجِبْ لَكُمْ؛ سَلُوهُ تَعَالَى يُعْطِكُمْ، اسْتَهْدُوهُ يهْدِكُمْ، استَطْعِمُوهُ يُطْعِمْكُمْ، استَكْسُوهُ يَكْسُكُمْ، استَغْفِرُوهُ يغْفِرْ لَكُمْ، ادعُوهُ تَعَالَى فِي سُجُودِكُم: فَـ ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ... ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

اِسْتَغِلُّوا طُولَ السُّجُودِ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَطُوْلَ الرُّكُوعِ بِتَعْظِيْمِ المَولَى جَلَّ وَعَلَا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَفِي العَشْرِ: كَثْرَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ وَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُدَارِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ.

فَلْنُكْثِرْ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ؛ قَالَ تَعَـالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }[ فاطر 29-30 ]

لِنَقْرَأْ، وَلْنُرَتِّلْ، وَلْنَتَدَبَّرْ؛ فَفِي هَذَا صَلَاحُ القُلُوبِ وَطَهَارَتُهَا،  وَبِهِ أُنْسُهَا وَسَعَادَتُهَا.

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَلَا شَيْءَ أَنْفَعَ لِلْقَلْبِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ...

وَيَقُولُ: فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّفَكُّرِ هِيَ أَصْلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ  وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ هَذَّ الشِّعْرِ، وَلَا تَنْثِرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ. ا هـ.

وَيَقُولُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ مَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

عِبَادَ اللهِ: وَإِنَّ مِنَ الاِجْتِهَادِ فِي العَشْرِ: الِاعْتِكَافُ؛ وَهُوَ لُزُومُ المَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ.

كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.  

وَيَشْتَغِلُ المُعْتَكِفُ بِالطَّاعَاتِ، مِنْ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ، وَنَحْوِهَا، وَيَتْرُكُ مَا لَا يَعْنِيهِ.

وَمَنْ أرَادَ اعْتِكَافَ العَشْرِ؛ بَدَأ اِعْتِكَافَهُ لَيلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَخَرَجَ لَيْلَةَ العِيدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي أَحْكَامِ الاِعْتِكَافِ وَآدَابِهِ، وَيَلْتَزِمَهَا.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1711600899_19رمضان 1445 هـ ( عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ ).pdf

1711600914_19رمضان 1445 هـ ( عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ ).docx

المشاهدات 1529 | التعليقات 0