15 مَسْأَلَةً يَحْتَاجُهَا النَّاسُ فِي الزَّكَاةِ للشيخ محمد بن مبارك الشرافي
الفريق العلمي
1435/08/06 - 2014/06/04 18:07PM
خطبة الشيخ محمد بن مبارك الشرافي بتاريخ 8/8/ 1435هـ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الزَّكَاةَ طُهْرَةً لِلأَغْنِيَاءِ ومُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُه , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَكَانَ مِنَ الْمُنْتَظَرِ أَنْ تَكُونَ خُطْبَتُنَا عَنِ الإِجَازَةِ وَمَا يَنْبَغِيْ فِعْلُهُ , وَلَكِنَّنَا سَنَعْدِلُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَوْضُوعِ الزَّكَاةِ نَظَراً لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا , لِأَنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يُزَكِّي أَمْوَالَهُ هَذِهِ الأَيَّامِ , بِالإِضَافَةِ إِلَى قُرْبِ مَوْسِمِ التُّمُورِ , وَكَذَلِكَ فَإِنَّ عَامِلَةَ الزَّكَاةِ يَدُورُونَ عَلَى أَصْحَابِ الَمَوَاشِيْ لِلْزَّكَاةِ هَذِهِ الفَتْرَةِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الزَّكَاةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَفَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِهِ الْعِظَامِ , وَقَدْ قَرَنَ اللهُ بينَهَا وبيْنَ الصَّلاةِ بَيَانَاً لِأَهَمِّيَّتِهَا , وَعَظِيمِ مَكَانَتِهَا وَفَضْلِهَا , وَقَدْ وَعَدَ مَنْ أدَّاهَا بِالطَّهَارَةِ وَالنَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ وَالرَّخاءِ جَزَاءَ مَا يُقَدِّمُ مِنْ خَيْرٍ لِعِبَادِ اللهِ الْفُقَرَاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ الْجَهْلُ بِأَحْكَامِهَا , وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نَتَعَرَّضُ لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ التِي يَحْتَاجُهَا النَّاسُ كَثِيراً وَيَحْصُلُ فِيهَا الْخَلَلُ , وَمِنْ أَجْلِ حَصْرِ الْعِلْمِ نَجْعَلُهَا عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِيَسْهُلَ فَهْمُهَا بِإِذْنِ اللهِ .
(الأُولَى) هَلْ كُلُّ مَالٍ يُزَكَّى ؟ الْجَوَابُ : لا , بَلِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَالِ فَقَطْ , وَهِيَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ , وَالْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ كَالْقَمْحِ وَالتَّمْرِ , وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَفِي حُكْمِهَا النُّقُودُ , وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ . وَعَلَيْهِ فَلا زَكَاةَ فِي حَاجِيَّاتِ الإِنْسَانِ التِي يَسْتَخْدِمُهَا كَالْبَيْتِ وَالسَّيَارَةِ وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُهَا الْمَلَايِينُ .
(الثَّانِيَةُ) مَتَى تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ ؟ الْجَوَابُ : تَجِبُ بِشُرُوطٍ أَهَمُّهَا بُلُوغُ النِّصَابُ , وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ , وَهُوَ مُضِيُّ سَنَةٍ فِي مُلْكِهِ مُنْذُ بَلَغَ النِّصَابِ .
وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الأَرْضِ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ , بَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ عِنْدَ جَذَاذِهِ أَوْ حَصَادِهِ , وَكَذَلِكَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ لا زَكَاةَ فِيهَا مَا لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً , أَيْ تَرْعَى مِنَ الْعُشْبِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
(الثَّالِثَةُ) مَا حُكْمُ أَصْحَابِ الإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ الذِينَ يَعْلِفُونَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ ثُمَّ هُمْ يُزَكُّونَهَا ؟ الْجَوَابُ : هَذَا لا يَجُوزُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَإِذَا لَمْ تَتِمَّ شُرُوطُهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ شَرْعِ اللهِ بَلْ تَكُونُ مِنَ الْبِدَعِ , وَأَشَرُّ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يُزَكِّى بِهَائِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى مُسَاعَدَةِ الْجَمْعِيَّةِ فِي بَيْعِهِ الْعَلَفَ بِسِعْرٍ أَرْخَصَ , فَهُوَ أَخَذَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , وَهَذَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ , فَاتَّقُوا اللهَ .
(الرَّابِعَةُ) هَلْ تَبْرَأُ الذِّمَةُ بِزَكَاةِ الْعَامِلَةِ سَوَاءٌ فِي النَّخْلِ أَوِ الإِبِلِ ؟ الْجَوَابُ : إِنْ كَانُوا يُسَعِّرُونَ بالْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَتَبْرَأُ الذِّمَّةُ وَإِلَّا فَلَا , وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ لا يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ الْوَاقِعِيَّةَ , فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُبْرِئَ ذِمَّتَكَ !
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ قِيمَةً أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي السُّوقِ , فَمَثَلاً يَأْخُذُونَ عَنِ الْحِقَّةِ أَلْفَيْ رِيَالٍ , بَيْنَمَا قِيمَتُهَا فِي السُّوقِ خَمْسَةُ آلَافٍ , فَيَجِبُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الإِبِلِ أَنْ تُخْرِجَ بَقِيَّةَ الْقِيمَةِ أَوْ تَدْفَعَ لَهُمُ الْحِقَّةَ . وَاتَّقِ اللهَ وَأَبْرِئْ ذِمَّتَكَ , وَإِيَّاكَ وَالتَّهَاوَنَ فَتُصِيبَكَ العُقُوبَةُ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ !
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) بِالنِّسْبَةِ لِأَصْحَابِ النَّخِيلِ مَتَى يَجُوزُ لَهُمُ الْبَيْعُ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا بَدَأَ فِيهِ التَّلْوِينُ , وَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى كُلُّ نَوْعٍ مِنَ النَّخِيلِ حُكْمَهُ الْخَاصَّ بِهِ , فَمَثَلاً لَوْ كَانَتْ الْمَزْرَعَةُ فِيهَا أَنْوَاعٌ كَالْخِلَاصِ وَالسِّرِي , فَإِذَا بَدَأَ اللَّوْنُ فِي الْخَلَاصِ دُونَ السِّرِي جَازَ بَيْعُ الْخِلَاصِ فَقَطْ , وَيُنْتَظَرُ فِي السِّرِي حَتَّى يُلَوِّنَ , وَلَكِنْ لَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ يُلَوِّنَ كُلُّهُ , لا , بَلْ يَكْفِي أَنْ يَظْهَرَ اللَّوْنُ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ كَانَ الذِي لَوَّنَ بَلَحَةً وَاحِدَةً فَقَطْ , فالْحُكْمَ يَعُمُّ النَّخْلَةَ وُكُلَّ هَذَا النَّوْعِ . عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اَلثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا , نَهَى اَلْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
(السَّادِسَةُ) كَيْفَ يُزَكَّى النَّخْلُ ؟ الْجَوَابُ : يُزَكَّى كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَة , لِأَنَّ الأَنْوَاعَ تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى كُلُّ نَوْعٍ حُكْمَهُ , وَعَلَيْهِ فُتُخْرَجُ زَكَاةُ الْخِلَاصِ مِنَ الْخِلَاصِ , وَالسِّرِي مِنَ السِّرِي وَهَكَذَا . وَيُخْرَجُ مِنَ الْمَحْصُولِ نِصْفُ الْعُشْرِ . لَكِنْ إِنْ بَاعَ الْمَزْرَعَةَ كَامِلَةً , فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنَ النُّقُودِ , فَيُخْرِجُ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ , وَهُنَا يَنْتَبِهُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الرِّيَالَاتِ رُبْعُ الْعُشْرِ , لَكِنَّ فِي التَّمْرِ أَوِ البُّرِّ يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنَ القِيمَةِ لِأَنَّهَا مُقَابِلَ الْمَحْصُولِ .
(السَّابِعَةُ) هَلْ فِي الْعِنَبِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : نَعَمْ فِيهِ زَكَاةٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ , وَكَذَلِكَ الْحِلْبَةُ وَالرَّشَادُ وَالذُّرَةُ فِيهَا زَكَاةٌ إِذِا كِانِتْ تُتْرَكُ حَتَى يَخْرُجَ حَبُّهَا .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) هَلْ رَاتِبُ المُوَظَّفِ فِيهِ ؟ زَكَاةٌ وَكَيْفَ يُزَكَّى؟ الْجَوَابُ : أَمَّا إِنْ كَانَ الإِنْسَانُ يَصْرِفُهُ مُبَاشَرَةً أَوْ قَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَتَوَفَّرُ مِنْهُ نِصَابٌ كَمَنْ يَدَّخِرُ مِنْ رَاتِبِهِ كُلَّ شَهْرٍ أَلْفَينِ فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ .
أَمَّا كَيْفِيَّةُ زَكَاةِ هَذَا الرَّاتِبِ فَإِنَّ أَحْسَنَ طَرِيقَةٍ أَنْ يُعَيِّنَ الإِنْسَانُ لَهُ شَهْراً مِنَ السَّنَةِ ثُمَّ يُحْصِي مَا عِنْدَهُ مِنَ الرَّاتِبَ الْمُتَوَفِّرِ فَيُزَكِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً , حَتَّى الذِي لَمْ يَدُرْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُزَكِّيهِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَهُوَ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ , وَالْحَاجَةُ هُنَا أَنَّهُ سَوْفَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ زَكَاةِ رَاتِبِهِ كُلَّ شَهْرٍ .
(التَّاسِعَةُ) مَا عُرُوضُ التِّجَارَةِ ؟ وَكَيْفَ تُزَكَّى ؟ الْجَوَابُ : أَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَهُوَ كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْمَوَادِ الْغِذَائِيَّةِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَمَوَادِّ الْبِنَاءِ .
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ زَكَاتِهَا فَأَنْ يُحْصِيَ الْمُسْلِمُ مَا فِي مَحَلِّهِ كَامِلَاً وَيُزَكِّيهِ بِسِعْرِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِسِعْرِ الشِّرَاءِ الذِي اشْتَراهُ بِه , وَلْيُعْلَمْ أَنَّ نَمَاءَ التِّجَارَةِ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَوَرَانُ الْحَوْلِ , لِأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ , وَمِثْلَهُ نَمَاءُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ , فَإِذَا وَلَدَتْ صِغَارَاً حُسِبَتْ مِنَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا شَهْرٌ وَاحِدٌ مُنْذُ وَلَدَتْ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ , وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ ، ومَنْ تبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ (الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ) كَيْفَ يُزِكِّي مَنْ عِنْدَهُ بُيُوتٌ أَوْ شُقَقٌ يُؤَجِرُهَا ؟ الْجَوَابُ : أَنَّ حَوْلَ الْمُؤَجَّرَاتِ يَبْدَأُ مِنَ الْعَقْدِ , فَإِنِ اسْتَلَمَ الإِيجَارَ مِنَ الْبِدَايَةِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ سَنَةً زَكَّاهُ , أَمَّا إِنْ صَرَفَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ . لَكِنْ إِنْ كَانَ لا يَسْتَلِمُ الإِيجَارَ إِلَّا فِي آخِرِ السَّنَةِ فإنه يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ زَكَاتِهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدَّ تَمَّ .
(الْحَادِيَةَ عَشَرَة) كَيْفَ يُزَكِّي مَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ ؟ الْجَوَابُ : هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْمَدِينِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرَاً بَاذِلاً وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُزَكِّيَ كُلَّ سَنَةٍ وَلَوْ بَقِي الدَّينُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ , لِأَنَّ صَاحِبَكَ مَتَى طَالَبْتَهُ بِالْوَفَاءِ فَعَلَ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ الدَّينُ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ عَلَى مُمَاطِلٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْكَ حَتَّى تَسْتَلِمَهُ , فَتُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَقِيرٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ أَخْصِمَ الزَّكَاةَ مِنَ الدَّيْنِ ؟ الْجَوَابُ : لا يَجُوزُ , وَلَكِنْ لَوْ أَنَّكَ دَفَعْتَ الزَّكَاةَ لِهَذَا الْفَقِيرِ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَيْكَ وَفَاءً لِلْدَّيْنِ الذِيْ عَلَيْهِ , جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لا تَكُنْ قَدْ شَرَطْتَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْكَ .
(الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ) كَيْفَ يُزَكَّى الدَّيْنُ إِذَا كَانَ أَقْسَاطاً ؟ الْجَوَابُ : إِذَا جَاءَ الوَقْتُ الَّذِيْ تُزَكِّي فِيْهِ مَالَكَ فِإِنَّكَ تَحْسِبُ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْمَالِ وَتَحْسِبُ الأَقْسَاطَ البَاقِيَةَ عِنْدَ الْمَدِينِ وَتُزَكِّيهَا كَامِلَةً , وَهَذِهِ أَرْيَحُ طَرِيْقَةٍ وَأَسْهَلُهَا .
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) هَلْ فِي الأَسْهَمِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : أَمَّا الأَسْهَمُ الاسْتِثْمَارِيَّةُ التِي وَضَعَهَا الإِنْسَانُ لَيْسَ لِلْبَيْعِ وَإِنَّمَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْبَاحَهَا فَهَذِهِ لا زَكَاةَ فِيهَا , وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي رِبْحِهَا إِذَا دَارَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ . وَأَمَّا الأَسْهُمُ التَّجَارِيَّةُ التِي لِلْمُرَابِحَةِ فَيَشْتَرِيهَا اليَوْمَ وَيَبِيعُهَا غَداً فَهَذَهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ سَنَةٍ , وَذَلِكَ فِي قِيمَتِهَا الْحَالِيَّةِ فِي السُّوقِ , لِأَنَّهَا عُرُوضُ تِجَارَة .
(الخَامِسَةَ عَشَرَة) هَلْ حُلِيُّ النِّسَاءِ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا كَانَ الحُلِيُّ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الفِضْةِ فنَعَمْ فِيْهِ الزَّكَاةُ , سَوَاءً كَانَ يُلْبَسُ أَمْ لَا , فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ العُلَمَاءِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ الحُلِيُّ مِنَ الأَلْمَاسِ أَوِ الأَحْجَارِ الكَرِيِمَةِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : هَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْمَسَائِلِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ , وَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ .
اللهمَّ أخلِفْ علَى منْ زكَّى مَالَهُ عَطَاءً وَنَمَاءً, وَزِدْهُ مِنْ فَضْلِكَ بَرَكَةً وَرَخَاءً, وَبَارِكْ لَهُ فِيْمَا رَزَقْتَهُ, وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمينَ , اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُزَكِّينَ وَتَقَبَّلْ مِنَّا زَكَاتَنَا ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الزَّكَاةَ طُهْرَةً لِلأَغْنِيَاءِ ومُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُه , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَكَانَ مِنَ الْمُنْتَظَرِ أَنْ تَكُونَ خُطْبَتُنَا عَنِ الإِجَازَةِ وَمَا يَنْبَغِيْ فِعْلُهُ , وَلَكِنَّنَا سَنَعْدِلُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَوْضُوعِ الزَّكَاةِ نَظَراً لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا , لِأَنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يُزَكِّي أَمْوَالَهُ هَذِهِ الأَيَّامِ , بِالإِضَافَةِ إِلَى قُرْبِ مَوْسِمِ التُّمُورِ , وَكَذَلِكَ فَإِنَّ عَامِلَةَ الزَّكَاةِ يَدُورُونَ عَلَى أَصْحَابِ الَمَوَاشِيْ لِلْزَّكَاةِ هَذِهِ الفَتْرَةِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الزَّكَاةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَفَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِهِ الْعِظَامِ , وَقَدْ قَرَنَ اللهُ بينَهَا وبيْنَ الصَّلاةِ بَيَانَاً لِأَهَمِّيَّتِهَا , وَعَظِيمِ مَكَانَتِهَا وَفَضْلِهَا , وَقَدْ وَعَدَ مَنْ أدَّاهَا بِالطَّهَارَةِ وَالنَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ وَالرَّخاءِ جَزَاءَ مَا يُقَدِّمُ مِنْ خَيْرٍ لِعِبَادِ اللهِ الْفُقَرَاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ ضَيَاعِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ الْجَهْلُ بِأَحْكَامِهَا , وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نَتَعَرَّضُ لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ التِي يَحْتَاجُهَا النَّاسُ كَثِيراً وَيَحْصُلُ فِيهَا الْخَلَلُ , وَمِنْ أَجْلِ حَصْرِ الْعِلْمِ نَجْعَلُهَا عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِيَسْهُلَ فَهْمُهَا بِإِذْنِ اللهِ .
(الأُولَى) هَلْ كُلُّ مَالٍ يُزَكَّى ؟ الْجَوَابُ : لا , بَلِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَالِ فَقَطْ , وَهِيَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ , وَالْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ كَالْقَمْحِ وَالتَّمْرِ , وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَفِي حُكْمِهَا النُّقُودُ , وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ . وَعَلَيْهِ فَلا زَكَاةَ فِي حَاجِيَّاتِ الإِنْسَانِ التِي يَسْتَخْدِمُهَا كَالْبَيْتِ وَالسَّيَارَةِ وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُهَا الْمَلَايِينُ .
(الثَّانِيَةُ) مَتَى تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ ؟ الْجَوَابُ : تَجِبُ بِشُرُوطٍ أَهَمُّهَا بُلُوغُ النِّصَابُ , وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ , وَهُوَ مُضِيُّ سَنَةٍ فِي مُلْكِهِ مُنْذُ بَلَغَ النِّصَابِ .
وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْخَارِجَ مِنَ الأَرْضِ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ , بَلْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ عِنْدَ جَذَاذِهِ أَوْ حَصَادِهِ , وَكَذَلِكَ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ لا زَكَاةَ فِيهَا مَا لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً , أَيْ تَرْعَى مِنَ الْعُشْبِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .
(الثَّالِثَةُ) مَا حُكْمُ أَصْحَابِ الإِبِلِ أَوِ الْغَنَمِ الذِينَ يَعْلِفُونَهَا أَكْثَرَ السَّنَةِ ثُمَّ هُمْ يُزَكُّونَهَا ؟ الْجَوَابُ : هَذَا لا يَجُوزُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَإِذَا لَمْ تَتِمَّ شُرُوطُهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ شَرْعِ اللهِ بَلْ تَكُونُ مِنَ الْبِدَعِ , وَأَشَرُّ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يُزَكِّى بِهَائِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى مُسَاعَدَةِ الْجَمْعِيَّةِ فِي بَيْعِهِ الْعَلَفَ بِسِعْرٍ أَرْخَصَ , فَهُوَ أَخَذَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , وَهَذَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ , فَاتَّقُوا اللهَ .
(الرَّابِعَةُ) هَلْ تَبْرَأُ الذِّمَةُ بِزَكَاةِ الْعَامِلَةِ سَوَاءٌ فِي النَّخْلِ أَوِ الإِبِلِ ؟ الْجَوَابُ : إِنْ كَانُوا يُسَعِّرُونَ بالْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَتَبْرَأُ الذِّمَّةُ وَإِلَّا فَلَا , وَالْوَاقِعُ أَنَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ لا يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ الْوَاقِعِيَّةَ , فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُبْرِئَ ذِمَّتَكَ !
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ قِيمَةً أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي السُّوقِ , فَمَثَلاً يَأْخُذُونَ عَنِ الْحِقَّةِ أَلْفَيْ رِيَالٍ , بَيْنَمَا قِيمَتُهَا فِي السُّوقِ خَمْسَةُ آلَافٍ , فَيَجِبُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الإِبِلِ أَنْ تُخْرِجَ بَقِيَّةَ الْقِيمَةِ أَوْ تَدْفَعَ لَهُمُ الْحِقَّةَ . وَاتَّقِ اللهَ وَأَبْرِئْ ذِمَّتَكَ , وَإِيَّاكَ وَالتَّهَاوَنَ فَتُصِيبَكَ العُقُوبَةُ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ !
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) بِالنِّسْبَةِ لِأَصْحَابِ النَّخِيلِ مَتَى يَجُوزُ لَهُمُ الْبَيْعُ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا بَدَأَ فِيهِ التَّلْوِينُ , وَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى كُلُّ نَوْعٍ مِنَ النَّخِيلِ حُكْمَهُ الْخَاصَّ بِهِ , فَمَثَلاً لَوْ كَانَتْ الْمَزْرَعَةُ فِيهَا أَنْوَاعٌ كَالْخِلَاصِ وَالسِّرِي , فَإِذَا بَدَأَ اللَّوْنُ فِي الْخَلَاصِ دُونَ السِّرِي جَازَ بَيْعُ الْخِلَاصِ فَقَطْ , وَيُنْتَظَرُ فِي السِّرِي حَتَّى يُلَوِّنَ , وَلَكِنْ لَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ يُلَوِّنَ كُلُّهُ , لا , بَلْ يَكْفِي أَنْ يَظْهَرَ اللَّوْنُ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ كَانَ الذِي لَوَّنَ بَلَحَةً وَاحِدَةً فَقَطْ , فالْحُكْمَ يَعُمُّ النَّخْلَةَ وُكُلَّ هَذَا النَّوْعِ . عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ اَلثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا , نَهَى اَلْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
(السَّادِسَةُ) كَيْفَ يُزَكَّى النَّخْلُ ؟ الْجَوَابُ : يُزَكَّى كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَة , لِأَنَّ الأَنْوَاعَ تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى كُلُّ نَوْعٍ حُكْمَهُ , وَعَلَيْهِ فُتُخْرَجُ زَكَاةُ الْخِلَاصِ مِنَ الْخِلَاصِ , وَالسِّرِي مِنَ السِّرِي وَهَكَذَا . وَيُخْرَجُ مِنَ الْمَحْصُولِ نِصْفُ الْعُشْرِ . لَكِنْ إِنْ بَاعَ الْمَزْرَعَةَ كَامِلَةً , فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنَ النُّقُودِ , فَيُخْرِجُ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ , وَهُنَا يَنْتَبِهُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الرِّيَالَاتِ رُبْعُ الْعُشْرِ , لَكِنَّ فِي التَّمْرِ أَوِ البُّرِّ يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنَ القِيمَةِ لِأَنَّهَا مُقَابِلَ الْمَحْصُولِ .
(السَّابِعَةُ) هَلْ فِي الْعِنَبِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : نَعَمْ فِيهِ زَكَاةٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ , وَكَذَلِكَ الْحِلْبَةُ وَالرَّشَادُ وَالذُّرَةُ فِيهَا زَكَاةٌ إِذِا كِانِتْ تُتْرَكُ حَتَى يَخْرُجَ حَبُّهَا .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) هَلْ رَاتِبُ المُوَظَّفِ فِيهِ ؟ زَكَاةٌ وَكَيْفَ يُزَكَّى؟ الْجَوَابُ : أَمَّا إِنْ كَانَ الإِنْسَانُ يَصْرِفُهُ مُبَاشَرَةً أَوْ قَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ يَتَوَفَّرُ مِنْهُ نِصَابٌ كَمَنْ يَدَّخِرُ مِنْ رَاتِبِهِ كُلَّ شَهْرٍ أَلْفَينِ فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ .
أَمَّا كَيْفِيَّةُ زَكَاةِ هَذَا الرَّاتِبِ فَإِنَّ أَحْسَنَ طَرِيقَةٍ أَنْ يُعَيِّنَ الإِنْسَانُ لَهُ شَهْراً مِنَ السَّنَةِ ثُمَّ يُحْصِي مَا عِنْدَهُ مِنَ الرَّاتِبَ الْمُتَوَفِّرِ فَيُزَكِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً , حَتَّى الذِي لَمْ يَدُرْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُزَكِّيهِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَهُوَ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ , وَالْحَاجَةُ هُنَا أَنَّهُ سَوْفَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ زَكَاةِ رَاتِبِهِ كُلَّ شَهْرٍ .
(التَّاسِعَةُ) مَا عُرُوضُ التِّجَارَةِ ؟ وَكَيْفَ تُزَكَّى ؟ الْجَوَابُ : أَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَهُوَ كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْمَوَادِ الْغِذَائِيَّةِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَمَوَادِّ الْبِنَاءِ .
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ زَكَاتِهَا فَأَنْ يُحْصِيَ الْمُسْلِمُ مَا فِي مَحَلِّهِ كَامِلَاً وَيُزَكِّيهِ بِسِعْرِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِسِعْرِ الشِّرَاءِ الذِي اشْتَراهُ بِه , وَلْيُعْلَمْ أَنَّ نَمَاءَ التِّجَارَةِ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَوَرَانُ الْحَوْلِ , لِأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أَصْلِهِ , وَمِثْلَهُ نَمَاءُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ , فَإِذَا وَلَدَتْ صِغَارَاً حُسِبَتْ مِنَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا شَهْرٌ وَاحِدٌ مُنْذُ وَلَدَتْ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ , وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيه وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ ، ومَنْ تبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ (الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ) كَيْفَ يُزِكِّي مَنْ عِنْدَهُ بُيُوتٌ أَوْ شُقَقٌ يُؤَجِرُهَا ؟ الْجَوَابُ : أَنَّ حَوْلَ الْمُؤَجَّرَاتِ يَبْدَأُ مِنَ الْعَقْدِ , فَإِنِ اسْتَلَمَ الإِيجَارَ مِنَ الْبِدَايَةِ وَبَقِيَ عِنْدَهُ سَنَةً زَكَّاهُ , أَمَّا إِنْ صَرَفَهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ . لَكِنْ إِنْ كَانَ لا يَسْتَلِمُ الإِيجَارَ إِلَّا فِي آخِرِ السَّنَةِ فإنه يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ زَكَاتِهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدَّ تَمَّ .
(الْحَادِيَةَ عَشَرَة) كَيْفَ يُزَكِّي مَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ ؟ الْجَوَابُ : هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْمَدِينِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرَاً بَاذِلاً وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُزَكِّيَ كُلَّ سَنَةٍ وَلَوْ بَقِي الدَّينُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ , لِأَنَّ صَاحِبَكَ مَتَى طَالَبْتَهُ بِالْوَفَاءِ فَعَلَ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ الدَّينُ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ عَلَى مُمَاطِلٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْكَ حَتَّى تَسْتَلِمَهُ , فَتُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَقِيرٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ أَخْصِمَ الزَّكَاةَ مِنَ الدَّيْنِ ؟ الْجَوَابُ : لا يَجُوزُ , وَلَكِنْ لَوْ أَنَّكَ دَفَعْتَ الزَّكَاةَ لِهَذَا الْفَقِيرِ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَيْكَ وَفَاءً لِلْدَّيْنِ الذِيْ عَلَيْهِ , جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لا تَكُنْ قَدْ شَرَطْتَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَيْكَ .
(الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ) كَيْفَ يُزَكَّى الدَّيْنُ إِذَا كَانَ أَقْسَاطاً ؟ الْجَوَابُ : إِذَا جَاءَ الوَقْتُ الَّذِيْ تُزَكِّي فِيْهِ مَالَكَ فِإِنَّكَ تَحْسِبُ مَا عِنْدَكَ مِنَ الْمَالِ وَتَحْسِبُ الأَقْسَاطَ البَاقِيَةَ عِنْدَ الْمَدِينِ وَتُزَكِّيهَا كَامِلَةً , وَهَذِهِ أَرْيَحُ طَرِيْقَةٍ وَأَسْهَلُهَا .
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) هَلْ فِي الأَسْهَمِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : أَمَّا الأَسْهَمُ الاسْتِثْمَارِيَّةُ التِي وَضَعَهَا الإِنْسَانُ لَيْسَ لِلْبَيْعِ وَإِنَّمَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ أَرْبَاحَهَا فَهَذِهِ لا زَكَاةَ فِيهَا , وَإِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي رِبْحِهَا إِذَا دَارَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ . وَأَمَّا الأَسْهُمُ التَّجَارِيَّةُ التِي لِلْمُرَابِحَةِ فَيَشْتَرِيهَا اليَوْمَ وَيَبِيعُهَا غَداً فَهَذَهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلَّ سَنَةٍ , وَذَلِكَ فِي قِيمَتِهَا الْحَالِيَّةِ فِي السُّوقِ , لِأَنَّهَا عُرُوضُ تِجَارَة .
(الخَامِسَةَ عَشَرَة) هَلْ حُلِيُّ النِّسَاءِ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا كَانَ الحُلِيُّ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الفِضْةِ فنَعَمْ فِيْهِ الزَّكَاةُ , سَوَاءً كَانَ يُلْبَسُ أَمْ لَا , فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ العُلَمَاءِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ الحُلِيُّ مِنَ الأَلْمَاسِ أَوِ الأَحْجَارِ الكَرِيِمَةِ فَلا زَكَاةَ فِيهِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : هَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْمَسَائِلِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ , وَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ .
اللهمَّ أخلِفْ علَى منْ زكَّى مَالَهُ عَطَاءً وَنَمَاءً, وَزِدْهُ مِنْ فَضْلِكَ بَرَكَةً وَرَخَاءً, وَبَارِكْ لَهُ فِيْمَا رَزَقْتَهُ, وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمينَ , اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُزَكِّينَ وَتَقَبَّلْ مِنَّا زَكَاتَنَا ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق