11 صُورَةً مِنْ التَّحَايُلِ التِي تَقَعُ بَيْنَنَا 4جماد الثاني 1436هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1435/06/02 - 2014/04/02 09:24AM
11 صُورَةً مِنْ التَّحَايُلِ التِي تَقَعُ بَيْنَنَا 4جماد الثاني 1436هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ، وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، أَبَاحَ لَنَا مِنَ الْمَكَاسِبِ أَحَلَّهَا وَأَزْكَاهَا ، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا كُلَّ مُعَامَلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْغِشِّ وَالْكَذِب ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَزْكَى الْخَلْقِ عِبَادَةً وَمُعَامَلَةً ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّين ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَدَا مُحَاسَبُونَ وَبِأَعْمَالِكِمْ مَجْزِيُّونَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّهُ مِمَّا يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ وَيَحْزَنُ لَهُ الْقَلْبُ مَا انْتَشَرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْسَاطِنَا مِنَ التَّحَايُلِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ فِي كَسْبِ الْمَالِ!
وَمِمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ سُوءَاً أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلاتِ صَارَتْ تُقَرُّ , بَلْ رُبَّمَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَامَلْ بِهَا أَوْ يُسْتَهْزَأُ بِهِ , وَلَمْ يَدْرِ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ أَنَّ الْمَالَ حَلالُهُ حِسَابٌ وَحَرَامُهُ عَذَابٌ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ سَنَعْرِضُ لِبَعْضِ الصُّوَرِ تَحْذِيرَاً مِنْهَا وَإِعْذَارَاً إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ , وَبَيَانَاً لَهَا , لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رُبَّمَا يَقَعُ فِيهَا جَهْلاً فَإِذَا عَرِفَ حُرْمَتَهَا تَرَكَهَا , لِأَنَّهُ يَخَافُ اللهَ وَلا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ الْحَرَامَ .
الصُّورَةُ الأُولَى : مَا يُسَمَّى بِالسَّعْوَدَةِ , فَهَذَا مَشْرُوعٌ قَدْ جَعَلَتْهُ الدَّوْلَةُ لِصَالِحِ الْمُوَاطِنِ فَاشْتَرَطَتْ عَلَى الْمُؤَسَّسَاتِ وَالشَّرِكَاتِ أَنْ يَكُونَ الْمُوظَّفُونَ سُعُودِيِّينَ أَوْ فِيهِمْ نِسْبَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ السُّعُودِيِّينَ , وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَحَرَّكَ الشَّبَابُ السُّعُودِيُّ فَيَعْمَلَ , لِيُحَصِّلَ رِزْقَهُ وَلا يَكُونُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ ... وَالذِي حَصَلَ أَنَّهُ تَأْتِي الْمُؤَسَّسَةُ أَوِ الشَّرِكَةُ فَتُوظِّفَ السُّعُودِيَّ وَظِيفَةً صُورِيَّةً وَتُعْطِيهِ مَبْلَغَاً زَهِيدَاً وَتَقُولُ : اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ وَيَأْتِيكَ الرَّاتِبُ شَهْرِيَّاً , فَحَصَلَ كَذِبٌ وَتَزْوِيرٌ وَتَحَايِلٌ عَلَى النِّظَامِ , وَتَعْوِيدٌ لِلشَّبَابِ عَلَى الْكَسَلِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِدُونِ عَمَلٍ .
وَقَدْ أَفْتَى بِحُرْمَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , عَلَى رَأْسِهِمْ سَمَاحَةُ مُفْتِي الْمَمْلَكَةِ عَبْدُ الْعَزِيزِ آلُ الشَّيْخِ حَفِظَهُ اللهُ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالسَّعْوَدَةِ أَيْضَاً , فَبَعْدَ النِّظَامِ الْجَدِيدِ صَارَ لا يُسْمَحُ بِالْبَقَاءِ إِلَّا لِلْعُمَّالِ أَصْحَابِ مِهَنٍ مُعَيَّنَةٍ , فَصَارَ الْعُمَّالُ يُغَيِّرُونَ مِهَنَهُمْ , فَاسْتَغَلَّ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابُ النُّفُوسِ الرَّدِيئَةِ مِنَ الْكُفَلَاءِ , وَاشْتَرَطُوا مَبَالِغَ طَائِلَةً لِيُغَيِّرُوا الْمِهْنَةَ , وَإِلَّا هَدَّدَهُ بِالتَّسْفِيرِ .
بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ مِنْ عَامِلِهِ مَبْلَغَاً لِهَذَا الْغَرَضِ ثُمَّ بَلَّغَ عَنْهُ أَنَّهُ هَارِبٌ , ثُمَّ أَمْسَكَتْهُ الْجَوَازَاتُ وَسَفَّرَتْهُ وَقَدْ أَكَلَ هَذَا الظَّالِمُ مَالَهُ !
فَأَيْنَ هَؤُلاءِ مِنَ اللهِ ؟ مَا الذِي أَحَلَّ لَكَ أَكْلَ مَالِ هَذَا الْعَامِلِ الْمِسْكِينِ , الذِي تَكَلَّفَ دَمَ قَلْبِهِ حَتَّى وَصَلَ لِهَذَا الْبَلَدِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَصِّلَ لُقْمَةَ عَيْشٍ لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ , فَمَوْعِدُكَ عِنْدَ اللهِ الذِي لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا .
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ : الرَّشْوَةُ وَقَدِ انْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِ الْوَظَائِفِ الْحُكُومِيَّةِ أَوِ التَّقْدِيمِ لِلدِّرَاسَةِ فِي الْجَامِعَاتِ , فَلا يَكَادُ أَحَدٌ يَحْصَلُ لَهُ وَظِيفَةٌ أَوْ نَقْلٌ مِنْ مَكَانِ وَظِيفَتِهِ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ أَوْ رَشْوَةٍ , وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ مٌؤْذِنٌ بِخَرَابِ الْمُجْتَمَعِ , وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ .
وَالرَّشْوَةٌ مَلْعٌونٌ دَافِعُهَا وَمَلْعُونٌ آخِذُهَا , فَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلرَّاشِي وَالْمُرْتَشِيَ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ والألباني .
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ : تَكُونُ عِنْدَمَا يَخْرُجُ قَرْضٌ مِنْ البَنْكِ العقاري لِبِنَاءِ الْبُيُوتِ , وَالتَّحَايُلُ هُنَا أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ الذِي خَرَجَ لَهُ الْقَرْضُ يَذْهَبُ لِمُوَظَّفِ الْبَنْكِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ إِلَى عِمَارَةٍ لَيْسَتُ لَهُ وَيَقُولُ : هَذَا بَيْتِي لِيَأْخُذَ الدُّفْعَاتِ وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ لَمْ يَبْنِ شَيْئَاً , بَلْ إِنَّ بَعْضَ مُوَظَّفِي البَنْكِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَسْكُتُ عَنْهُ , لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنْ الْمُوَظَّفَ يُحْضِرَ مَعَهُ صَكَّ الْمَنْزِلِ لِيُطَابِقَهُ , وَلَكِنَّهُ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ , فَاشْتَرَكَا في فِعْلِ حَرَامٍ , فِيهِ خِيَانَةٌ لِلدَّوْلَةِ وَخِيَانَةٌ لِلْوَظِيفَةِ التِي يَأْكُلُ مِنْهَا وَيُغَذِّي أَوْلادَهُ وَزَوْجَتَهُ , فَلِمَاذَا يَقَعُ هَذَا بَيْنَنَا وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ مُصَلُّون ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ : فَهِيَ فِي التَّحَايُلِ عَلَى البَنْكِ العَقَارِيِّ بِبَيْعِ الْقَرْضِ إِذَا خَرَجَ وَهُوَ لا يُريِدُهُ , وَكَانَ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَتْرَكَهُ وَلا يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئَاً , وَلَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى شَخْصٍ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ الْقَرْضَ إِمَّا بِمَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِسِلْعَةٍ كَسَيَّارَةٍ ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُ وَكَالَةً لِيَسْتَلِمَ أَقْسَاطَ السَّلَفِيَّةِ , وَهَذِهِ صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ بَلْ إِنَّهَا رِبَوِيَّةٌ مَلْعُونٌ آخِذُهَا وَمُعْطِيهَا وَكَاتِبُهَا , وَقَدْ أَفْتَى بِحُرْمَتِهَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ .
الصُّورَةُ السَّادِسَةُ : فِي شِرَاءِ الْمُعِدَّاتِ الزِّرَاعِيَّةِ لِأَصْحَابِ الْمَزَارِعِ , وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّوْلَةَ تُقْرِضُ الْمُوَاطِنِينَ مُعِدَّاتٍ زِرَاعِيَّةً مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ زِرَاعَةِ الأَرْضِ وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهَا .
وَالتَّحَايُلُ الذِي يَقَعُ أَنَّ الْمُزَارِعَ يُقَدِّمُ عَلَى قَرْضٍ لِشَرَاءِ الْمُعِدَّاتِ فَإِذَا خَرَجَ قَرْضُهُ ذَهَبَ إِلَى مُؤَسَّسَةِ مُعِدَّاتٍ ثُمَّ كَتَبَ فَاتُورَةً صُورِيَّةً وَقَدْ يَشْتَرِيهَا من الْمُوَظَّفِ , فَيَكْتُبُ لَهُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَى الْمُعِدَّاتِ الْفُلانِيَّةِ وَيُعْطُونَهُ الْفَاتُورَةَ لِيُقَدِّمَ بِهَا إِلَى الزِّرَاعَةِ لِيُعْطُوهُ الْمَبْلَغَ , وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ لَمْ يَشْتَرِ شَيْئَاً , بَلْ وَرُبَّمَا لَيْسَ عِنْدَهُ مَزْرَعَةٌ أَصْلَاً لَكِنَّهُ زَوَّرَ الأَوْرَاقَ وَالصُّكُوكَ لِيَحْصُلَ عَلَى هَذَا الْمَالِ , وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ .
الصُّورَةُ السَّابِعَةُ : مِنْ صُورِ التَّحَايُلِ لِأَكْلِ الْمَالِ , فَتَكُونُ فِي الْمَشَارِيعِ التِي تَرْسُوا عَلَى أَحَدٍ - وَخَاصَّةً الْحُكُومِيَّةَ - وَالْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ بِمُنَاقَصَةٍ وَلَجْنَةٍ لِتَفْرِزَ مَنْ يَسْتَحِقُّ وَيُقَدَّمُ الأَصْلَحُ , وَالذِي يَحْصُلُ أَنَّ هَذِهِ اللَّجْنَةَ أَوْ بَعْضَهَا يَخْتَارُونَ شَخْصَاً مُعَيَّنَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صَلاحِيَّتِهِ , ثُمَّ يَتَّفِقُونَ مَعَهُ فِي الْوَاقِعِ عَلَى مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ , وَلَكِنَّهُمْ فِي الأَوْرَاقِ الرَّسْمِيَّةِ يَكْتُبُونَ مَبْلَغَاً يَفُوقُ الْمَبْلَغَ الْحَقِيقِيَّ ثُمَّ يُعْطُونَ الذِي رَسَى عَلَيْهِ الْمَشْرُوعُ جُزْءَاً وَيَأْخُذُونَ الْبَاقِي !!!
فَأَيْنَ الأَمَانَةُ وَأَيْنَ الصِّدْقُ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
الصُّورَةُ الثَّامِنَةُ : تَكُونُ فِي الْمَحَلَّاتِ التِّجَارِيَّةِ , حَيْثُ يَكْتُبُ الْمَحَلَّ بِاسْمِهِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لِلْعَامِلِ , وَيُوهِمُ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةَ أَنَّهُ لَهُ , وَهَذَا فِيهِ كَذِبٌ وَتَزْوِيرٌ وَتَلَاعُبٌ باِلأَنْظِمَةِ , وَالْوَاجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَرَعٌ وَبُعْدٌ عَنِ الْكَذِبِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَه , وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ , وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَّ ! أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي بَيَّنَ الْحَلالَ وَأَبَاحَه , وَوَضَّحَ الْحَرَامَ وَمَنَعَه , وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ وَالرِّزْقَ فِي الأَمَانَة , وَالْفَسَادَ وَالشَّرَّ فِي الْخِيَانَة , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الذِي دَلَّنَا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ شَرًّ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فَخَافُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَتَوَقَّوْا الْحَرَامَ , وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بَهْرَجُهُ وَكَثْرَةُ كَسْبِهِ فَإِنَّ مَصِيرَهُ إِلَى الْكَسَادِ وَمَآلُهُ إِلَى الْخَسَارِةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :وَأَمَّا الصُّورَةُ التَّاسِعَةُ : فَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَوَاشِي وَخَاصَّةً الإِبِل , فَيَكُونُ عِنْدَ الإِنْسَانِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الإِبِلِ , فَيَجُوزُ لَهُ فِي النِّظَامِ أَنْ يَسْتَخْرِجَ فِيْزَةً لِعَامِلٍ أَوْ أَكْثَرَ حَسَبَ كَثْرَةِ إِبِلِهِ , وَالتَّحَايُلُ هُنَا أَنَّهُ يَقْسِمُ إِبِلَهُ وَيْكُتُبُهَا بِاسْمِ ابْنِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَخْرِجَ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِّ النِّظَامِيِّ , أَوْ رُبَّمَا قَدَّمَ الْوَرَقَةَ التِي يُعْطَى عَلَى الجِهَاتِ الْخَيْرِيِّةِ لِأَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ أَعْلَافَاً بِسِعْرٍ رَخِيصٍ , وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ إِبِلٌ بِالْمَرَّةِ , وَإِنَّمَا يَأْتِي إِلَى صَاحِبِهِ فَيَقُولُ سَوْفَ أُخْرِجُ الْمُوَظَّفَ لِيَرَى أَنْ هَذِهِ الإِبِلَ لِي , وَصَاحِبُهُ يَتَعَاوَنُ مَعَهُ عَلَى هَذَا الْغِشِّ وَالتَّحَايُلِ , واللهُ تَعَالَى يَقُولُ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
الصُّورَةُ الْعَاشِرَةُ :التَّحَايُلُ عَلَى شَرِكَاتِ التَّأْمِينِ , فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَاتِ عُقُودُهُا فَاسِدَةٌ إِلَّا أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّحَايُلُ عَلَيْهَا .
وَصُورَةُ التَّحَايُلُ هُنَا , أَنَّهُ يَشْتَرِي سَيَّارَةً وَيُؤِمِّنُ عَلَيْهَا , ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى سَيَّارَةٍ قَدْ جَرَى عَلَيْهَا حَادِثٌ فَيَفُكَّ لَوْحَاتَ سَيَّارَتِهِ وَيُرَّكِبَهَا عَلَى السَّيَّارَةِ الْمَصْدُومَةِ ثُمَّ يُصَوِّرَهَا وَيُرْسِلَهَا لِشَرْكَةِ التَّأْمِينِ عَلَى أَنَّهَا سَيَّارَتُهُ ثُمَّ يُقَدَّمَ بِهَا عَلَى شَرِكَةِ التَّأْمِينِ فَيُعَوِّضُونَهُ !
فَأْيُّ دِينٍ هَذَا ؟ وَبِأَيِّ حَقٍّ يَأْخُذُ مَالَ التَّعْوِيضِ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا الصُّورَةُ الْحَادِيُةَ عَشْرَةَ , فَتَحْصُلُ فِي طَلَبَاتِ التَّعْوِيضَاتِ مِنَ الْكَوَارِثِ , كَالذِي حَصَلَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي عِنْدَمَا كَثُرَتِ الأَمْطَارُ وَتَضَرَّرَ النَّاسُ مِنَ السُّيُولِ , فَكَمْ حَصَلَ مِنَ التَّزْوِيرِ وَالْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ , فَيُخْرِجُونَ الْمُوَظَّفِينَ عَلَى أَمَاكِنَ وَمَزَارِعَ لَيْسَتْ لَهُمْ , وَيُقُولُونَ هَذِهِ لَنَا , وَرُبَّمَا أَنَّ بَعْضَ الْمُوَظَّفِينَ يَعْرِفُ الْكَذِبَ لَكِنْ يُمَشِّي الأَوْرَاقَ , إِمَّا خَوْفَاً وَإِمَّا مُجَامَلَةً.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا , أَنَّ أَرْزَاقَكُمْ مَكْتُوبَةٌ , وَآجَالَكُمْ مَحْدُودَةٌ , وَلا يُغْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعَكُمْ فِي الْحَرَامِ , أَوْ يُوهِمَكُمْ أَنَّ الأَرْزَاقَ لا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْكَذِبِ , وَأَنَّ مَنْ يَتَعَامَلُ بِالصِّدْقِ لا مَكَانَ لَهُ فِي عَالَمِ الْيَوْمَ ! فَهَذَا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ , وَمَسْلَكٌ كَاسِدٌ , بَلْ إِنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ , وَالأَمَانَة َمَفَازَةٌ , وَالْخَيْرُ بِيَدِ اللهِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ , قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِه , وَلَيْسَ شَيْءٌ يٌقَرِّبُكُمْ إِلَى النَّارِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، أَلا فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ , وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ , فَإِنَّ اللهَ لا يُدْرَكُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)[ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ برقم 2866]
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَه، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَه وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِساً عَلَيْنَا فَنَضِلّ , اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا , وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه , وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ عَرَفَ الْحَلالَ فَأَتَاه وَعَرَفَ الْحَرَامَ فَاجْتَنَبَه يَا رَبَّ الْعَالَمِين !
المرفقات

11 صُورَةً مِنْ التَّحَايُلِ التِي تَقَعُ بَيْنَنَا 4جماد الثاني 1436هـ ‫‬.doc

11 صُورَةً مِنْ التَّحَايُلِ التِي تَقَعُ بَيْنَنَا 4جماد الثاني 1436هـ ‫‬.doc

المشاهدات 3149 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا شيخ مبارك .. لكن حقيقية (ربما ويخشى) أن تكون بعض الصور الذي ذكرت فتنة لمن لا يعرفها .. حيث أن هذه الصور ستلقى على العوام وكثير منهم لم يتعرف عليها .. وربما كان للبعض ضروف قاسية فيزين له نفسه (أو بعض من يتتبع الرخص) أن يصل للمال من خلال بعض الصور التي ذكرتم ..
ولا يمنع هذا أهمية التحذير من أكل المال بالباطل .. لكن يعمم القول بحيث لا يكون فيه تفصيل المخالفة ، ومثلك شيخ مبارك لا يفوته فقه السلامة ..
أسأل الله أن يبارك في علمك وعملك وأن ينفع بك وبقلمك وخطبك ..
وأن يجعلنا أجمعين مفاتيح للخير مغاليق للشر ..


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك