﴿ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ﴾

﴿ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ﴾
10/7/1443هــ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾
عباد الله:
لما وقف الزبير رضي الله عنه يوم الجمل دعا ولده عبد الله، فقام إلى جنبه، فقال له:
يا بُنَيِّ، إنَّه لا يُقْتَلُ اليومَ إلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وإنِّي لا أُرَانِي إلَّا سَأُقْتَلُ اليومَ مَظْلُومًا، وإنَّ مِن أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي،
قالَ عبدُ اللَّهِ:
فَجَعَلَ يُوصِينِي بدَيْنِهِ، ويقولُ: يا بُنَيِّ إنْ عَجَزْتَ عنْه في شَيءٍ، فَاسْتَعِنْ عليه مَوْلَايَ،
قالَ عبد الله:
فَوَاللَّهِ ما دَرَيْتُ ما أَرَادَ حتَّى قُلتُ: يا أَبَةِ مَن مَوْلَاكَ؟ قالَ: اللَّهُ،
قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ:
فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه فَحَسَبْتُ ما عليه مِنَ الدَّيْنِ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ ومِئَتَيْ أَلْفٍ، (مليونين ومائتي ألف)
قالَ عبد الله:
فَوَاللَّهِ ما وقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِن دَيْنِهِ، إلَّا قُلتُ: يا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عنْه دَيْنَهُ، فيقضيه حتى قضى ما عليه وزاد بعد قضاء دينه مال كثير.
عباد الله:
ما أجمل هذا الدرس العظيم الذي يرشدنا إلى أنه لا يليق بالمسلم أن يغفل عن بارئه طرفة عين في كل شؤونه الدينية والدنيوية.
فالله تبارك وتعالى هو المستعان، وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله تعالى لا تعدلها حاجة، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته،
العبد محتاج في كل أحواله إلى الهداية والإعانة عليها، ومحتاج إلى تثبيت قلبه على الحق، ومغفرة ذنبه، وستر عيبه وحفظه من الشرور والآفات وقيام مصالحه، وزوال همومه وقضاء ديونه وغير ذلك من الحاجات التي لا تنفك عنها لحظة من لحظات حياته، في دينه ودنياه.
وقد بين لنا ربنا في كتابه أن أنبياءه ورسله كانوا على يقين بأن الله هو المستعان لا غيره، فقد أخبر عن نبيه يعقوب عليه السلام، أنه قال طالبا العون والتثبيت لفقد ابنه ومكر بنيه: ﴿فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾
وحين اشتد ببني إسرائيل الكرب وعظم البلاء:
﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوۤا۟ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ ولأن نبينا ﷺ أفضل المستعينين وقلبه لا يحتمل انتقاص المكذبين لرب العالمين:
﴿قَـٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾
وكان ﷺ دائمًا يقول كما في الترمذي بسند صحيح:
«اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وقال ﷺ موصيا:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز».
وقد قال ﷺ في الوصية الجامعة لابن عباس:
«وإذا استعنت فاستعن بالله».
ويرشد ﷺ معاذ بن جبل رضي الله عنه فيقول له:
«يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعنَ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك». إن هذا التعليم النبوي كما أنه يشي بحاجة العبادة والطاعة إلى العون والمدد الإلهي، فهو يحمل في ثناياه الإعلان عن العجز والضعف البشري أمام القيام بشيء من حق الله تعالى.
ولذلك كان من أعظم الكلمات التي أمرنا الله بها إذا وقفنا بين يديه في كل ركعة من ركعات صلاتنا أن نقول مخاطبين إياه تبارك وتعالى:
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "تأملت أنفع الدعاء؛ فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم تأملته فرأيته في الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)"
يا عبد الله:
إن أعظم الكرامة أن يأتيك مدد ربك، الذي يدفعك لمزيد القرب منه، فتدخل في عبادته -ليس نشيطًا فحسب- بل مشتاقًا لها تجد أنسك فيها.
أما حين لا يكون عون الله، وإنما يوكل العبد إلى نفسه، فإنه يوكل إلى ضعف وعجز وخور ومهانة.
حين لا يعان العبد فإنه يقعد به العجز والكسل عن الكمالات، وتتطامن نفسه إلى الدون، ولا يكون منه شيء نافع، بل تذهب أيامه ولياليه دون شيء يذكر.
نحتاج العون من الله على الذكر وإلا أصاب الألسن خرس عما ينفع،
نحتاج العون من الله على الشكر وإلا بطرت النعم ثم محقت،
نحتاج العون من الله على حسن العبادة وإلا تحولت عبادتنا إلى صورة لا معنى لها، وإلى مظهر بلا مخبر، فصارت وبالًا على العبد لا له. إن العبد حين لا يعان على الذكر تغلفه الغفلة، فيترك القرآن أيامًا لا يتلوه، وربما أتى إلى المسجد مبكرًا- لحاجة- فعجزت يده أن تمتد للمصحف الذي لا يبعد عنه غير متر واحد، ويعجز لسانه أو يغفل عن تسبيحٍ هو من أخف الأعمال وأيسرها على اللسان وأثقلها في الميزان، في حين لا يعجز عن ترديد الأهازيج، ولا ينقطع صوته عن الحديث في المجالس بما لا فائدة منه ! وحين لا يعان العبد على الشكر فإنه لا يرى النعم، ولا يحس بقيمتها؛ فلذلك يبطرها، فلا عين تحفظ عن حرام، ولا لسان يحفظ عن رديء الكلام، ولا رجل تمشي إلى صلاة، ولا يدٌ تمتد بالصدقة أو ترفع للدعاء. وحين لا يعان على حسن العبادة فإنه يأتيه ما يشغله عن تحسينها والعناية بها، فينشغل ذهنه بما يوهنه، فإن قام إلى الصلاة نقرها نقر الغراب، والتفت فيها التفات الثعلب، وانتهى منها لا يدري ما قرأ، فخرج من صلاته لا يدري ما قال وما فعل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ الخـــــطبة الـــــــثانية: الْحَمد لله رب الْعَالمين وبه نستعين وصلوات الله وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد خير خلقه وعَلى سَائِر النَّبِيين أما بعد:
عباد الله: من أعانه الله فهو المعان ومن خذله الله فهو المخذول، وهذا هو تحقيق معنى قول العبد:
" لا حول ولا قوة إلا بالله "
فإن المعنى لا تحول للعبد من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله. وهذه كلمة عظيمة فعن أبي ذر - رضي الله عنه – قال مخبرا عن وصية النبي ﷺ له فقال:
وأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ:
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ"
يقول الإمام المناوي رحمهُ الله:
"ما فُتِحت مغاليق الأمور بمثل قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولو يعلم صاحب الحاجة ما في هذه الكلمة من العون والتوفيق والسداد ما تركها"
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-:
" هذه الكلمة بها تُحمَل الأثقال، وتكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال."
عباد الله:
لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استعانة، لا كلمة اسْترجاع، فإذا أردت أن يعينك الله على شيء فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكثير من النّاس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعاً لا صبراً وهذا جهل،
أمّا من قالها مستعينا بالله على التحول من الجزع ونحوه إلـى الصبر والاحتساب ودفـع ما يترتب على المصيبة من الهم والغم والحزن فهذا موافق لما شرعه الله.
والله وحده المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  
المرفقات

1644530185_﴿ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ﴾.docx

المشاهدات 980 | التعليقات 0