يوم لا ظل الا ظله

محسن الشامي
1435/06/10 - 2014/04/10 21:15PM
الحمدلله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات وأخلص عقولهم عن ظُلَمالشبهات أحمدهسبحانه واشكره وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسولهوصفيه وخليله ما من خيرالا ودل أمته عليه وما من شر الا حذرها منهصلى الله وسلم عليه وعلىآله وأصحابه اجمعين اما بعد عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً تبيض وجوهنا يوم يقف الناس بين يدي رب العزة والجلال يوم شديد حره طويل قدره {وَاتّقُواْيَوْماًتُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّاكَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ} إخوة الايمان مهما عاش الانسان في هذه الدنيا الفانية فلا بد له من يوم يرجع فيه الى ربه رُجُوعًا يَعقُبُهُ وُقُوفٌ طَوِيلٌبَينَ يَدَي الجبار جل جلاله يجمع الله الخلائق يوم القيامة الأولين منهم والآخرين{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}في يوم طويل قدره، عظيم هوله، شديد كربه، حذر الله منه عباده وأمرهم بالاستعداد له في ذلك اليوم العظيم يقف الخلق تحت لهيب الشمس تدنو منهم حتى تكون منهم قدر ميل حتّى أنّ الهوام تغلي منها كماتغلي القُدُور ويعرق الناس على قدر خطاياهم كما اخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم فقَالَ(تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَالْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ فَيَكُونُالنَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِى الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَىكَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُإِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا)موقف عصيب تقرب الشمس قدر ميل وزِيدَ في حرّها وبوعِث في وهجها ولا يقف الأمر عند هذا بل يزيد صعوبة الموقف حرّ الأنفاس لتزاحم الناس و تدافُعِهم واختلاطهم ووسط كل هذهالمعاناة تقف صفوةٌ من الناس في أمان في راحة في طمأنينة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله هؤلاء الصفوة هم بشر فيهم صفات البشر لكنّهم انتصروا على دواعي الهوى ونَهُوا النّفس عن هواها و آثروا رضوان الله فاستحقّوا ما أكرمهم الله به من الظلّ فلنتأمل أعمالهم التي أوجبت لهم هذا الجزاء العظيم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ(سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)رواه البخاري فالأول:الإمام العادل، الذي يحكم بين الناس بالحق ولا يتبع الهوى ممتثلاً أمر ربه سبحانه إذ يقول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}وقال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) ومفهوم الإمام هنا ليس مقصوراً على الحاكمأو إمام المسجد مثلا بل مفهوم الإمامةيتّسع ليشمل كلُّ من وُلِّيَ شيئا من أمور المسلمين
الثاني:شاب نشأ في عبادة اللهقد وفقه الله منذ نشأ للأعمال الصالحة وحببها إليه وكره إليه الأعمال السيئة وأعانه على تركها وحفظه مما نشأ عليه كثير من الشباب من اللهو واللعب وإضاعة الصلوات والانهماك في الشهوات والملذات ولما كان الشباب داعيًا قويًّا للشهوات كان من أعجب الأمور الشاب الذي يلزم نفسه بالطاعة والاجتهاد فيها فاستحق بذلك أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله
الثالث:رجل قلبه معلق بالمساجد، محب لبيوت الله،يتردد عليها في كل صلاة فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه وهذا من عمار المساجد الذين شهد الله لهم بالايمان{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
وعمار المساجد في هذه الآية هم الذين يعمرونها بارتيادها، وتعليق قلوبهم بها
قال صلى الله عليه وسلم(إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ)وقالصلى الله عليه وسلم(الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ وَتَكَفَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ بَيْتَهُ بِالرَّوْحِ وَالرَّحْمَةِ وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إلى رِضْوَانِ اللهِ إلَى الجَنَّةِ) وقالعليه الصلاة والسلام(إِنَّ اللهَ لَيُضِيْءُ لِلَّذِيْنَ يَتَخَلَّلُوْنَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِيْ الْظُّلَمِ بِنُوْرٍ سَاطِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
الرابع :رجلانتحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه كان اجتماعهما بسبب المحبة في اللهتعالى لا لمصلحة دنيوية ولالتجارة ولا لواسطة وفارق أحدهما صاحبه وهما لا يزالان متحابان في الله عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال (إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهمْ ومَقْعَدِهِمْ مِنَ اللَّهِ)فجثى اعرابي فقال يا نبي الله صفهم لنا صلى الله عليه وسلم(هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ القَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللهِ وَتَصَافَوْا يَضَعُ اللهُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا،فَيَجْعَلُ وُجُوهَهَمْ نُورًا وَثِيَابَهُمْ نُورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
الخامس رجل دعته امرأة ذات منصبوجمال فقال إني أخاف الله رجل دعته امرأة إلى نفسها امرأةٌ لها مكانة ومنزلة رفيعة وقد أعطاها الله من الجمال ما يجعل الفتنة بها أَشَدَّ والتعلق بها أعظم كما أنها هي المبادرة بالدعوة إلى الفاحشة فيا الله! كيف ينجو مَن وقع في مثل ذلك الموقف إلا بإيمان عميق وبصيرة نافذة؟ فيقول هذا الرجل التقي بلسان المؤمن الذي لا يقيس الذنوب بميزان البشر ميزان الشهوة العاجلة،بل يقيسها بميزان المراقبة لله سبحانه ويعلم أنها شهوة تزول وتبقى غصتها ما دامت الدنيا،ويصلى عذابها يوم القيامة قال قولته التي سدت على هذه المرأة كل منفذ وأيستها منه إني أخاف الله عزيمة قوية وثقة في موعود الله لا تتزعزع أمام أشد الفتن علم هذا الرجل أن الله يراه فاستحى أن يبارزه بالمعصية، فكان ممن حظي بظل الرحمن يوم لا ظل الا ظله اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن .بارك
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين،والصلاة والسلام على امام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد عباد الله فالصنف السادس من أولئك السبعة المصطفين في ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينهأي لا يعلم بها إلا الله عزوجل فالصدقةأجرهاعظيم ومضاعف ومكفرة للسيئاتولا سيما صدقة السر قال تعالى {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}قالصلى الله عليه وسلم(إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى (وذُكر أن علي بن الحسين زين العابدين كان يخرج في آخرالليل فيأخذ من الدقيق ومن السمن ومن الزبيب على ظهره ويمر على فقراء المدينةويعطيهم في ظلام الليل بحيث لا يراه إلا الله، فلما مات وجاء الناس يغسلونه وجدواأثر خيوط الحبال على كتفه فسألوا أهله ماله ؟ قالوا هذا من كثرة ما كان يحمل منالدقيق ومن التمر والزبيب ويوزع على فقراء المدينة كلهم السابع:رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناهوهذا دليل الإخلاص استحضر هيبة ربه ومخافته فكان من الذين قال الله فيهم:إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونفهذا الذي ذكر الله خاليا ففاضت عيناه إنما نزلت هذه الدمعة الطاهرة لله لا لغيره لأن هذا الرجل كان خاليا لوحده ما معه أحد، فهي دمعة مخلِصة ليس وراءها رياء ولا سمعة وهنيئاً له النجاة من النار قال صلى الله عليه وسلم(عينان لا تمسهما النار أبدا عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله)فمتى عباد الله تصفو منا النفوس؟ ومتى ترق منا الأفئدة وتخشع القلوب؟ هذه هي أعمال من سيظلهم الله بظله في يوم لا ظل إلا ظله أعمال مبعثها الإخلاص فهم الذين يأمنون في ذلك اليوم والناس خائفون نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن يستظل بظله يوم لا ظل الا ظله
المشاهدات 3107 | التعليقات 3

خطبة جميلة
لاحرمك الله لأجر
نفع الله بها الاسلام والمسلمين
حبذا فقط لو تم وضع مصادر وتخريج الأحاديث لكان اكثر جمالا للخطبه واكمل
بارك الله في علمكم


شكر الله لك شيخ راشد مرورك الكريم ولابأس إن شاء الله تلافي ما ذكرتم والله يرعاكم


أهلا وسهلا بك شيخ محسن وبارك ربي فيك على خطبتك القيمة والشيقة وجعلها في ميزان حسناتك ورصيد أعمالك.

وأحسن الله عملك.