يوم عرفة وأيام التشريق فضائل وأحكام
حسين عامر
1432/12/04 - 2011/10/31 23:54PM
يوم عرفة وأيام التشريق فضائل وأحكام
لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟
اختلف في سبب تسمية عرفة وعرفات على أقوال منها :
أنه من العرف ، بمعنى : الرائحة الزكية ، وذلك لأن منى تصبح رائحتها لكثرة الذبح متغيرة ، أما عرفات فلا يصيبها ذلك أو لأنها مطيبة بالتقديس ، فهي واد مقدس معظم ، لأنه من شعائر الله .
وقيل : لأن الناس يجتمعون فيه فيتعارفون
وقيل : لأن العباد يتعرفون على ربهم بالطاعات والعبادات
وقيل : لأن الله بعث جبريل عليه السلام إلى إبراهيم ، فحج به ، حتى إذا أتى عرفة ، قال : عرفت وكان قد أتاها مرة قبل ذلك ، قال له : عرفت .
وقيل : لأن آدم وحواء تعارفا بعد الهبوط إلى الأرض . والله أعلم بالصواب .
هل يوم عرفة هو خير الأيام عند اللّه تعالى ؟
للعلماء قولان :
الأول : الشافعية قالوا : إن يومُ عرفة أفضلُ أيام العام ،فهو يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ الرِّقابَ أَكثَرَ مِنهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ، ولأنه سبحانه وتعالى يَدْنُو فِيهِ مِنْ عِبَادِه ، ثُمَّ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَه بِأَهْلِ الموقف.
الثاني جمهور الفقهاء قالوا : يومُ النحر أفضلُ أيام العام ، وهو يومُ الحج الأكبر كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ" وهو يوم الحادي عشر.
وفي "سنن أبي داود" أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الْحَجِّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ
وعلى هذا فإن يومُ عرفة يكون كمقدِّمة ليوم النَّحر ففيه يكونُ الوقوفُ ، والتضرعُ ، والتوبة ، والابتهالُ ، ثم يومَ النَّحر وتكون الوفادةُ والزيارة ، ولهذا سمي طوافُه طوافَ الزيارة ، لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم ربُّهم يوم النَّحر في زيارته ، والدخولِ عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبحُ القرابين ، وحلقُ الرؤوس ، ورميُ الجمار ، ومعظمُ أفعال الحج ، وعملُ يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم.
فإن قيل: فأيهما أفضلُ: يوم الجمعة، أو يوم عرفة؟
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم."لاَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلاَ تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ" رواه ابن حبان
والصوابُ أن يوم الجمعة أفضلُ أيام الأسبوع ، ويومَ عرفة ويوم النَّحر أفضلُ أيام العام .
ويوم عرفة موافق ليوم إكمال اللّه تعالى دينَه لعباده المؤمنين، وإتمامِ نعمته عليهم، كما ثبت في "صحيح البخاري" عن طارق بن شهاب قال: جاء يهوديٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب فقال: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا في كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، لاتَّخَذْنَاهُ عِيداً ،
قَالَ: أيُ آَيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} المائدة:3
فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيه ِ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ.
فضل صوم يوم عرفة :
في الحديث عند مسلم عن أبى قتادة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال : " يكفر السنة الماضية والباقية ".
قال النووي : معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات. ( شرح صحيح مسلم، 4/308 )
وقال الملا علي القاري : قال إمام الحرمين: المكفر الصغائر. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة, وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة الله.( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 4/474 )
وقال المباركفوري :فإن قيل: كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة ؟
قيل: معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها.
وقيل: أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب.( تحفة الأحوذي، 3/171-172 )
الحجاج لا يصومون يوم عرفة :
عن عمير مولى أم الفضل ( شك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة ونحن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه بقعب فيه لبن وهو بعرفة فشربه ) رواه مسلم
قال ابن المنذر : الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إلىَّ إتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصوم بغير عرفة أحب إلىَّ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن صوم يوم عرفة - فقال : " يكفر السنة الماضية والباقية " . والحكمة من ذلك : حتى يتقوى الحاج على القيام في هذا اليوم مع اشتداد حرارة الشمس وقلة الظل ، فيحتاج التقوي على طاعة الله بالدعاء والاستغفار والتلبية والذكر .
و روي عنسفيان بن عيينة: أنه سئل عن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة ؟فقال : لأنهم زوار الله و أضيافه و لا ينبغي للكريم أن يجوع أضيافه .
الدعاء يوم عرفة :
قال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) "رواه الترمذي وحسنه الألباني". " .
وذكر الشيخ سيد سابق في فقه السنة هذه القصة قال :
يروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال : سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يومعرفة . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
فقلت له : هذا ثناء وليس بدعاء .
فقال : أتعرف حديث مالك بن الحارث ؟ هو تفسيره .
فقلت : حدثنيه أنت ، فقال : حدثنا منصور ، عن مالك بن الحارث قال : يقول الله عز وجل : " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " . قال : وهذا تفسير قول النبي صلى اللهعليه وسلم .
ثم قال سفيان : أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد اللهابن جدعان يطلب نائله (عطاءه ) ؟
فقلت : لا .
فقال : قال أمية :
يوم عرفة يوم العتق من النار :
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة ، يقول : ما أراد هؤلاء " . رواه الدارقطني
وعن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما رئي الشيطان يوماً هو فيه اصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ) رواه مالك في الموطأ مرسلا
قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )
نزلت هذه الآية لأن قريشاً كانت ترى نفسها أهل الحرم فلا يُطالبون أبداً بما يُطالب به سائر الناس، ولذلك لا يذهبون مع الناس إلى عرفات، والله يريد بالحج المساواة بين الناس، ولذلك قال النبي في حجة الوداع: " كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلابد أن ينسخ الله مسلك قريش فقال: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } يعني لا تميز لكم ولا تفرقة بين المسلمين.
الْحَجّ عَرَفَة :
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الْحَجّ عَرَفَة ) رواه أبو داوود
ومعناه : أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأكبر فمن فاته فقد فاته الحج
أسماء الأيام من اليوم الثامن من ذي الحجة إلى الثالث عشر :
8 من ذي الحجة : يوم التروية :
سمي بذلك لأنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماءفي الزمن القديم ، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفاتومزدلفة .
9 من ذي الحجة : يوم عرفة : سبق ذكر سبب تسميته بهذا الاسم .
و10 من ذي الحجة : يوم النحر:
لأنه تنحر (تذبح ) فيه الأضاحي والهدي ، ويسمى يوم الحج الأكبر لأن أغلب مناسك الحج تتم فيه (الذبح والرمي والطواف والحلق أو التقصير )
و11 من ذي الحجة : يوم القر:
سمي بذلك لأن الحجيج يستقرون فيه بمنى بعد أداء المناسك في اليوم السابق .
و11و12و13 من ذي الحجة الثلاثة :
تسمى أيام التشريق وسُميت هذه الأيام بذلك؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحي في الشمس، وتشريق اللحم كما قال أهل اللغة: تقطيعه وتقديده وبسطه ( نشره ) فكانت هذه الوسيلة المتاحة آنذاك لحفظ اللحم لكثرته مع عدم وجود المبردات (الثلاجات ).
قال ابن حجر : سميت أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون فيها لحوم الأضاحي، أي: يقطعونها ويقددونها .
وتسمى أيام التشريق: الأيام المعدودات، قال تعالى: { واذكروا الله في أيام معدودات } (البقرة:203) وتسمى أيضًا: أيام منى، لأن الحاجَّ يكون موجودًا فيها تلك الأيام .
وسميت منى (بكسر الميم ) بذلك لأن الدماء تمنى أي تراق وتسيل فيها بسبب ذبح الهدي والأضاحي .
من أحوال السلف بعرفة :
أما عن أحوال السلف الصالح بعرفة ؛ فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء: وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.
وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.
ووقفالفضيلبعرفة و الناس يدعون و هو يبكي بكاء الثكلى (التي مات ولدها )المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء و قال : و اسوأتاه منك وإن عفوت .
و دعا بعض العارفين بعرفةفقال : اللهم إن كنت لم تقبل حجي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على ترككالقبول مني .
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء: قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
والخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود: هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) "البقرة: 218".
فينبغي عليك أخي أن تجمع في هذا اليوم العظيم المبارك بين الأمرين: الخوف والرجاء؛ فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه.
التكبير في عيد الأضحى :
يقول الشيخ يوسف القرضاوي في فتاويه :
التكبير في عيد الأضحى نوعان: تكبير مطلق، وتكبير مقيد.
فالتكبير المطلق يجوز من أول ذي الحجة إلى أيام العيد .. له أن يكبر في الطرقات وفي الأسواق، وفي منى، ويلقي بعضهم بعضًا فيكبر الله.
وأما التكبير المقيد فهو ما كان عقب الصلوات الفرائض، وخاصة إذا أديت في جماعة، كما يشترط أكثر الفقهاء.
وكذلك في مصلى العيد .. في الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، على الإنسان أن يكبر، ولا يجلس صامتًا .. سواء في عيد الفطر، أو عيد الأضحى . لأن هذا اليوم ينبغي أن يظهر فيه شعائر الإسلام.
ومن أبرز هذه الشعائر التكبير .. وقد قيل " زيّنوا أعيادكم بالتكبير ". (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه نكارة).
ولهذا ينبغي على المسلمين أن يظهروا هذه الشعيرة يوم العيد، فإذا توجهوا إلى المصلى، أو جلسوا فيه ينتظرون الصلاة، فعليهم أن يرفعوا أصواتهم مكبرين بقولهم "الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله. .. والله أكبر . ولله الحمد " وهذه الصيغة واردة عن ابن مسعود وأخذ بها الإمام أحمد .
وهناك صيغة وردت عن سلمان " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا ".
أما الصلوات وما يتبعها من أذكار فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كقولهم: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد .. الخ ".
والصلاة على النبي مشروعة في كل وقت، ولكن تقييدها بهذه الصيغة وفي هذا الوقت بالذات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته الأبرار.
وكذلك ما يقولونه بهذه المناسبة " لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ... " لم يرد أيضًا مقيدًا بيوم العيد. وإنما التكبير المأثور الوارد هو ما كان بالصيغة السابقة الذكر " الله أكبر . الله أكبر، لا إله إلا الله . والله أكبر . الله أكبر . ولله الحمد ".
فعلى المسلم أن يحرص على هذا التكبير، وأن يملأ به جنبات المصلي، وأن يكبر الله في أيام عشر ذي الحجة كلها.
وأما التكبير المقيد بأعقاب الصلوات فيبدأ عقب الصلاة فجر يوم عرفة، ويستمر إلى ثلاث وعشرين صلاة، يعني إلى رابع أيام العيد، حيث ينتهي التكبير عقب صلاة العصر من ذلك اليوم .
لماذا نكبِّر في عيد الأضحى أكثر ممّا نكبِّر في عيد الفطر؟
مدّة التكبير في عيد الفطر أقلَّ من الأضحى؛ لأن القُربة إلى الله في عيد الفطر كان أهمُّها الصلاة وإخراج زكاة الفطر، أمّا في عيد الأضحى فالقُربة برمَي الجِمار والذَّبح ممتدة إلى ثلاثة أيّام بعد يوم العيد.
أيام التشريق :
أخرجمسلمفيصحيحهمن حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلىالله عليه و سلم قال : (أيام منى أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل)
و في روايةللإمام أحمد( من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل و شرب)
وهي الأيام المعدودات كما أسلفنا.
و ذكر الله عز و جل المأمور به في أيامك التشريق أنواع متعددة منها :
1- ذكر الله عز و جل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها و هو مشروع إلى آخرأيام التشريق عند جمهور العلماء .
2- و منها : ذكره بالتسمية و التكبير عند ذبح النسك فإن وقت ذبحالهدايا و الأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء ، و هو قولالشافعيو رواية عنالإمام أحمد
3- ومنها : ذكر الله عز و جل على الأكل و الشرب فإن المشروع في الأكل و الشرب أن يسميالله في أوله و يحمده في آخره ، و في الحديث (إنالله عز و جل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمدهعليها.)
4- و منها : ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيامالتشريق ، و هذا يختص به أهل الموسم .
5- و منها : ذكر الله تعالى المطلق فإنه يستحبالإكثار منه في أيام التشريق ، و قد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناسفيكبرون فترتج منى تكبيراً ، و قد قال الله تعالى : (فإذا قضيتممناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا... )البقرة 200
استحباب الدعاء بـ (ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرةحسنة و قنا عذاب النار)
و قداستحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق .
قال عكرمة : كان يستحب أنيقال في أيام التشريق :ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرةحسنة و قنا عذاب النار
و عنعطاءقال : ينبغيلكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهاً إلى أهله :ربنا آتنا فيالدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار، خرجهما عبد بن حميد فيتفسيره
و هذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير و كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثرمنه
و روي : أنه كان أكثر دعائه ، و كان إذا دعا بدعاء جعله معه فإنه يجمع خيرالدنيا و الآخرة .
قالالحسن: الحسنة في الدنيا : العلمو العبادة ، و في الآخرة : الجنة .
و قالسفيان: الحسنةفي الدنيا : العلم و الرزق الطيب ، و في الآخرة : الجنة
و الدعاء من أفضل أنواع ذكرالله عز و جل .
و في الأمر بالذكرعند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها ، و ذكر الله باقلا ينقضي و لا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة ، و قد أمر اللهتعالى بذكره عند انقضاء الصلاة ، قال الله تعالى : (فإذا قضيتمالصلاة فاذكروا الله قياماً و قعوداً و على جنوبكم) النساء 103
و قال في صلاة الجمعة : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً) الجمعة 10
و قال تعالى : (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) الشرح 8،7
قالالحسن: أمره إذافرغ من غزوة أن يجتهد في الدعاء و العبادة فالأعمال كلها يفرغ منها ، و الذكر لافراغ له و لا انقضاء ، و الأعمال تنقطع بانقطاع الدنيا و لا يبقى منها شيء فيالآخرة ، و الذكر لا ينقطع ، المؤمن يعيش على الذكر و يموت عليه و عليه يبعث .
قال ذو النون : ما طابت الدنيا إلا بذكره و لاالآخرة إلا بعفوه و لا الجنة إلا برؤيته .
فأيام التشريق يجتمعفيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل و الشرب ، و نعيم قلوبهم بالذكر و الشكر ، وبذلك تتم النعم ، و كلما أحدثوا شكراً على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى إلى شكر آخر ، و لا ينتهي الشكر أبداً .
في قول النبيصلى الله عليه و سلم :إنها أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل، إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد و الشرب إنما يستعان به على ذكر اللهتعالى و طاعته و ذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات ، و قد أمر اللهتعالى في كتابه بالأكل من الطيبات و الشكر له ، فمن استعان بنعم الله على معاصيهفقد كفر نعمة الله و بدلها كفراً و هو جدير أن يسلبها .
و خصوصاً نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيامالتشريق فإن هذه البهائم مطيعة و هي مسبحة له قانتة كما قال تعالى : (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) الإسراء44.
و إنها تسجد له كما أخبر بذلك فيسورة النحل و سورة الحج ، و ربما كانت أكثر ذكراً لله من بعض بني آدم ، و فيالمسندمرفوعاً :رب بهيمة خير من راكبها ، واكثر له منه ذكراً.
و قد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيراً من الجن والإنس كالأنعام بل هم أضل فأباح الله عز و جل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة لهلعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم و تكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم ، فإنها منأجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات و غيرها لكن لا تكملالقوة و العقل و اللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم و الأكل منلحومها ليكمل بذلك قوة عباده و عقولهم ، فيكون ذلك عوناً لهم على علوم نافعة وأعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم و على ذكر الله عز و جل و هو أكثر منذكر البهائم .
فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها ، والإستعانة بها على طاعة الله عز و جل و ذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير منالمخلوقات ، و سخر له هذه الحيوانات ، قال الله تعالى : (فكلوامنها و أطعموا القانع و المعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) الحج36
فأما من قتلهذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز و جل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عزو جل و نسي ذكر الله عز و جل فقد قلب الأمر و كفر النعمة ، فلا كان من كانت البهائمخيراً منه و أطوع .
و إنما نهى عن صيام أيامالتشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى و لا غيرها عند جمهورالعلماء ، خلافاًلعطاءفي قوله : إن النهي يختص بأهلمنى و إنما نهي عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق
فأما صيامها عنقضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بينالعلماء .
هذا الموضوع اقتبست أغلب فقراته من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي باختصار وتصرف يسير
لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟
اختلف في سبب تسمية عرفة وعرفات على أقوال منها :
أنه من العرف ، بمعنى : الرائحة الزكية ، وذلك لأن منى تصبح رائحتها لكثرة الذبح متغيرة ، أما عرفات فلا يصيبها ذلك أو لأنها مطيبة بالتقديس ، فهي واد مقدس معظم ، لأنه من شعائر الله .
وقيل : لأن الناس يجتمعون فيه فيتعارفون
وقيل : لأن العباد يتعرفون على ربهم بالطاعات والعبادات
وقيل : لأن الله بعث جبريل عليه السلام إلى إبراهيم ، فحج به ، حتى إذا أتى عرفة ، قال : عرفت وكان قد أتاها مرة قبل ذلك ، قال له : عرفت .
وقيل : لأن آدم وحواء تعارفا بعد الهبوط إلى الأرض . والله أعلم بالصواب .
هل يوم عرفة هو خير الأيام عند اللّه تعالى ؟
للعلماء قولان :
الأول : الشافعية قالوا : إن يومُ عرفة أفضلُ أيام العام ،فهو يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ الرِّقابَ أَكثَرَ مِنهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ، ولأنه سبحانه وتعالى يَدْنُو فِيهِ مِنْ عِبَادِه ، ثُمَّ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَه بِأَهْلِ الموقف.
الثاني جمهور الفقهاء قالوا : يومُ النحر أفضلُ أيام العام ، وهو يومُ الحج الأكبر كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ" وهو يوم الحادي عشر.
وفي "سنن أبي داود" أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الْحَجِّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ
وعلى هذا فإن يومُ عرفة يكون كمقدِّمة ليوم النَّحر ففيه يكونُ الوقوفُ ، والتضرعُ ، والتوبة ، والابتهالُ ، ثم يومَ النَّحر وتكون الوفادةُ والزيارة ، ولهذا سمي طوافُه طوافَ الزيارة ، لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم ربُّهم يوم النَّحر في زيارته ، والدخولِ عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبحُ القرابين ، وحلقُ الرؤوس ، ورميُ الجمار ، ومعظمُ أفعال الحج ، وعملُ يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم.
فإن قيل: فأيهما أفضلُ: يوم الجمعة، أو يوم عرفة؟
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم."لاَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلاَ تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ" رواه ابن حبان
والصوابُ أن يوم الجمعة أفضلُ أيام الأسبوع ، ويومَ عرفة ويوم النَّحر أفضلُ أيام العام .
ويوم عرفة موافق ليوم إكمال اللّه تعالى دينَه لعباده المؤمنين، وإتمامِ نعمته عليهم، كما ثبت في "صحيح البخاري" عن طارق بن شهاب قال: جاء يهوديٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب فقال: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا في كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، لاتَّخَذْنَاهُ عِيداً ،
قَالَ: أيُ آَيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} المائدة:3
فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيه ِ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ.
فضل صوم يوم عرفة :
في الحديث عند مسلم عن أبى قتادة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال : " يكفر السنة الماضية والباقية ".
قال النووي : معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات. ( شرح صحيح مسلم، 4/308 )
وقال الملا علي القاري : قال إمام الحرمين: المكفر الصغائر. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة, وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة الله.( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 4/474 )
وقال المباركفوري :فإن قيل: كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة ؟
قيل: معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها.
وقيل: أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب.( تحفة الأحوذي، 3/171-172 )
الحجاج لا يصومون يوم عرفة :
عن عمير مولى أم الفضل ( شك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة ونحن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه بقعب فيه لبن وهو بعرفة فشربه ) رواه مسلم
قال ابن المنذر : الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إلىَّ إتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصوم بغير عرفة أحب إلىَّ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن صوم يوم عرفة - فقال : " يكفر السنة الماضية والباقية " . والحكمة من ذلك : حتى يتقوى الحاج على القيام في هذا اليوم مع اشتداد حرارة الشمس وقلة الظل ، فيحتاج التقوي على طاعة الله بالدعاء والاستغفار والتلبية والذكر .
و روي عنسفيان بن عيينة: أنه سئل عن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة ؟فقال : لأنهم زوار الله و أضيافه و لا ينبغي للكريم أن يجوع أضيافه .
الدعاء يوم عرفة :
قال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) "رواه الترمذي وحسنه الألباني". " .
وذكر الشيخ سيد سابق في فقه السنة هذه القصة قال :
يروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال : سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يومعرفة . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
فقلت له : هذا ثناء وليس بدعاء .
فقال : أتعرف حديث مالك بن الحارث ؟ هو تفسيره .
فقلت : حدثنيه أنت ، فقال : حدثنا منصور ، عن مالك بن الحارث قال : يقول الله عز وجل : " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " . قال : وهذا تفسير قول النبي صلى اللهعليه وسلم .
ثم قال سفيان : أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد اللهابن جدعان يطلب نائله (عطاءه ) ؟
فقلت : لا .
فقال : قال أمية :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني.......حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع ....... لك الحسب المهذب والسناء
إذا أثنىعليك المرء يوما ....... كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال : يا حسين، هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألة ، فكيف بالخالق ؟ يوم عرفة يوم العتق من النار :
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة ، يقول : ما أراد هؤلاء " . رواه الدارقطني
وعن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما رئي الشيطان يوماً هو فيه اصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ) رواه مالك في الموطأ مرسلا
قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )
نزلت هذه الآية لأن قريشاً كانت ترى نفسها أهل الحرم فلا يُطالبون أبداً بما يُطالب به سائر الناس، ولذلك لا يذهبون مع الناس إلى عرفات، والله يريد بالحج المساواة بين الناس، ولذلك قال النبي في حجة الوداع: " كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلابد أن ينسخ الله مسلك قريش فقال: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } يعني لا تميز لكم ولا تفرقة بين المسلمين.
الْحَجّ عَرَفَة :
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الْحَجّ عَرَفَة ) رواه أبو داوود
ومعناه : أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأكبر فمن فاته فقد فاته الحج
أسماء الأيام من اليوم الثامن من ذي الحجة إلى الثالث عشر :
8 من ذي الحجة : يوم التروية :
سمي بذلك لأنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماءفي الزمن القديم ، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفاتومزدلفة .
9 من ذي الحجة : يوم عرفة : سبق ذكر سبب تسميته بهذا الاسم .
و10 من ذي الحجة : يوم النحر:
لأنه تنحر (تذبح ) فيه الأضاحي والهدي ، ويسمى يوم الحج الأكبر لأن أغلب مناسك الحج تتم فيه (الذبح والرمي والطواف والحلق أو التقصير )
و11 من ذي الحجة : يوم القر:
سمي بذلك لأن الحجيج يستقرون فيه بمنى بعد أداء المناسك في اليوم السابق .
و11و12و13 من ذي الحجة الثلاثة :
تسمى أيام التشريق وسُميت هذه الأيام بذلك؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحي في الشمس، وتشريق اللحم كما قال أهل اللغة: تقطيعه وتقديده وبسطه ( نشره ) فكانت هذه الوسيلة المتاحة آنذاك لحفظ اللحم لكثرته مع عدم وجود المبردات (الثلاجات ).
قال ابن حجر : سميت أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون فيها لحوم الأضاحي، أي: يقطعونها ويقددونها .
وتسمى أيام التشريق: الأيام المعدودات، قال تعالى: { واذكروا الله في أيام معدودات } (البقرة:203) وتسمى أيضًا: أيام منى، لأن الحاجَّ يكون موجودًا فيها تلك الأيام .
وسميت منى (بكسر الميم ) بذلك لأن الدماء تمنى أي تراق وتسيل فيها بسبب ذبح الهدي والأضاحي .
من أحوال السلف بعرفة :
أما عن أحوال السلف الصالح بعرفة ؛ فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء: وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.
وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.
ووقفالفضيلبعرفة و الناس يدعون و هو يبكي بكاء الثكلى (التي مات ولدها )المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء و قال : و اسوأتاه منك وإن عفوت .
و دعا بعض العارفين بعرفةفقال : اللهم إن كنت لم تقبل حجي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على ترككالقبول مني .
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء: قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
العبد بين حالين
إذا ظهر لنا حال السلف الصالح في هذا اليوم، فاعلم أنه يجب أن يكون حالك بين خوف صادق ورجاء محمود كما كان حالهم .والخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود: هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) "البقرة: 218".
فينبغي عليك أخي أن تجمع في هذا اليوم العظيم المبارك بين الأمرين: الخوف والرجاء؛ فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه.
التكبير في عيد الأضحى :
يقول الشيخ يوسف القرضاوي في فتاويه :
التكبير في عيد الأضحى نوعان: تكبير مطلق، وتكبير مقيد.
فالتكبير المطلق يجوز من أول ذي الحجة إلى أيام العيد .. له أن يكبر في الطرقات وفي الأسواق، وفي منى، ويلقي بعضهم بعضًا فيكبر الله.
وأما التكبير المقيد فهو ما كان عقب الصلوات الفرائض، وخاصة إذا أديت في جماعة، كما يشترط أكثر الفقهاء.
وكذلك في مصلى العيد .. في الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، على الإنسان أن يكبر، ولا يجلس صامتًا .. سواء في عيد الفطر، أو عيد الأضحى . لأن هذا اليوم ينبغي أن يظهر فيه شعائر الإسلام.
ومن أبرز هذه الشعائر التكبير .. وقد قيل " زيّنوا أعيادكم بالتكبير ". (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه نكارة).
ولهذا ينبغي على المسلمين أن يظهروا هذه الشعيرة يوم العيد، فإذا توجهوا إلى المصلى، أو جلسوا فيه ينتظرون الصلاة، فعليهم أن يرفعوا أصواتهم مكبرين بقولهم "الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله. .. والله أكبر . ولله الحمد " وهذه الصيغة واردة عن ابن مسعود وأخذ بها الإمام أحمد .
وهناك صيغة وردت عن سلمان " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا ".
أما الصلوات وما يتبعها من أذكار فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كقولهم: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد .. الخ ".
والصلاة على النبي مشروعة في كل وقت، ولكن تقييدها بهذه الصيغة وفي هذا الوقت بالذات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته الأبرار.
وكذلك ما يقولونه بهذه المناسبة " لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ... " لم يرد أيضًا مقيدًا بيوم العيد. وإنما التكبير المأثور الوارد هو ما كان بالصيغة السابقة الذكر " الله أكبر . الله أكبر، لا إله إلا الله . والله أكبر . الله أكبر . ولله الحمد ".
فعلى المسلم أن يحرص على هذا التكبير، وأن يملأ به جنبات المصلي، وأن يكبر الله في أيام عشر ذي الحجة كلها.
وأما التكبير المقيد بأعقاب الصلوات فيبدأ عقب الصلاة فجر يوم عرفة، ويستمر إلى ثلاث وعشرين صلاة، يعني إلى رابع أيام العيد، حيث ينتهي التكبير عقب صلاة العصر من ذلك اليوم .
لماذا نكبِّر في عيد الأضحى أكثر ممّا نكبِّر في عيد الفطر؟
مدّة التكبير في عيد الفطر أقلَّ من الأضحى؛ لأن القُربة إلى الله في عيد الفطر كان أهمُّها الصلاة وإخراج زكاة الفطر، أمّا في عيد الأضحى فالقُربة برمَي الجِمار والذَّبح ممتدة إلى ثلاثة أيّام بعد يوم العيد.
أيام التشريق :
أخرجمسلمفيصحيحهمن حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلىالله عليه و سلم قال : (أيام منى أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل)
و في روايةللإمام أحمد( من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل و شرب)
وهي الأيام المعدودات كما أسلفنا.
و ذكر الله عز و جل المأمور به في أيامك التشريق أنواع متعددة منها :
1- ذكر الله عز و جل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها و هو مشروع إلى آخرأيام التشريق عند جمهور العلماء .
2- و منها : ذكره بالتسمية و التكبير عند ذبح النسك فإن وقت ذبحالهدايا و الأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء ، و هو قولالشافعيو رواية عنالإمام أحمد
3- ومنها : ذكر الله عز و جل على الأكل و الشرب فإن المشروع في الأكل و الشرب أن يسميالله في أوله و يحمده في آخره ، و في الحديث (إنالله عز و جل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمدهعليها.)
4- و منها : ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيامالتشريق ، و هذا يختص به أهل الموسم .
5- و منها : ذكر الله تعالى المطلق فإنه يستحبالإكثار منه في أيام التشريق ، و قد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناسفيكبرون فترتج منى تكبيراً ، و قد قال الله تعالى : (فإذا قضيتممناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا... )البقرة 200
استحباب الدعاء بـ (ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرةحسنة و قنا عذاب النار)
و قداستحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق .
قال عكرمة : كان يستحب أنيقال في أيام التشريق :ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرةحسنة و قنا عذاب النار
و عنعطاءقال : ينبغيلكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهاً إلى أهله :ربنا آتنا فيالدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار، خرجهما عبد بن حميد فيتفسيره
و هذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير و كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثرمنه
و روي : أنه كان أكثر دعائه ، و كان إذا دعا بدعاء جعله معه فإنه يجمع خيرالدنيا و الآخرة .
قالالحسن: الحسنة في الدنيا : العلمو العبادة ، و في الآخرة : الجنة .
و قالسفيان: الحسنةفي الدنيا : العلم و الرزق الطيب ، و في الآخرة : الجنة
و الدعاء من أفضل أنواع ذكرالله عز و جل .
و في الأمر بالذكرعند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها ، و ذكر الله باقلا ينقضي و لا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة ، و قد أمر اللهتعالى بذكره عند انقضاء الصلاة ، قال الله تعالى : (فإذا قضيتمالصلاة فاذكروا الله قياماً و قعوداً و على جنوبكم) النساء 103
و قال في صلاة الجمعة : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً) الجمعة 10
و قال تعالى : (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) الشرح 8،7
قالالحسن: أمره إذافرغ من غزوة أن يجتهد في الدعاء و العبادة فالأعمال كلها يفرغ منها ، و الذكر لافراغ له و لا انقضاء ، و الأعمال تنقطع بانقطاع الدنيا و لا يبقى منها شيء فيالآخرة ، و الذكر لا ينقطع ، المؤمن يعيش على الذكر و يموت عليه و عليه يبعث .
قال ذو النون : ما طابت الدنيا إلا بذكره و لاالآخرة إلا بعفوه و لا الجنة إلا برؤيته .
فأيام التشريق يجتمعفيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل و الشرب ، و نعيم قلوبهم بالذكر و الشكر ، وبذلك تتم النعم ، و كلما أحدثوا شكراً على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى إلى شكر آخر ، و لا ينتهي الشكر أبداً .
في قول النبيصلى الله عليه و سلم :إنها أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل، إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد و الشرب إنما يستعان به على ذكر اللهتعالى و طاعته و ذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات ، و قد أمر اللهتعالى في كتابه بالأكل من الطيبات و الشكر له ، فمن استعان بنعم الله على معاصيهفقد كفر نعمة الله و بدلها كفراً و هو جدير أن يسلبها .
كما قيل :إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
و داوم عليها بشكر الإله فشكر الإلــــه يزيلالنقم
و داوم عليها بشكر الإله فشكر الإلــــه يزيلالنقم
و خصوصاً نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيامالتشريق فإن هذه البهائم مطيعة و هي مسبحة له قانتة كما قال تعالى : (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) الإسراء44.
و قد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيراً من الجن والإنس كالأنعام بل هم أضل فأباح الله عز و جل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة لهلعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم و تكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم ، فإنها منأجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات و غيرها لكن لا تكملالقوة و العقل و اللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم و الأكل منلحومها ليكمل بذلك قوة عباده و عقولهم ، فيكون ذلك عوناً لهم على علوم نافعة وأعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم و على ذكر الله عز و جل و هو أكثر منذكر البهائم .
فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها ، والإستعانة بها على طاعة الله عز و جل و ذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير منالمخلوقات ، و سخر له هذه الحيوانات ، قال الله تعالى : (فكلوامنها و أطعموا القانع و المعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) الحج36
فأما من قتلهذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز و جل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عزو جل و نسي ذكر الله عز و جل فقد قلب الأمر و كفر النعمة ، فلا كان من كانت البهائمخيراً منه و أطوع .
و إنما نهى عن صيام أيامالتشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى و لا غيرها عند جمهورالعلماء ، خلافاًلعطاءفي قوله : إن النهي يختص بأهلمنى و إنما نهي عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق
فأما صيامها عنقضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بينالعلماء .
هذا الموضوع اقتبست أغلب فقراته من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي باختصار وتصرف يسير
حسين عامر
للرفع
تعديل التعليق