يَوْمُ الْفُرْقَانِ الْعَظِيم 13 مُحَرَّم 1438هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1438/01/11 - 2016/10/12 19:01PM
يَوْمُ الْفُرْقَانِ الْعَظِيم 13 مُحَرَّم 1438هـ
الْحَمْدُ للهِ مُعِزِّ الْمُؤْمِنِين، وَنَاصِرِ أَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِين، وَمُذِلِّ الطُّغَاةِ وَمُهْلِكِ الْمُسْتَكْبِرِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِين , وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَالتَّابِعِين، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَتَعَلَّمُوا سِيرَةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ فِيهَا الْعِظَاتِ وَالدُّرُوسَ وَالْعِبَرَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلَاً مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ وَتِجَارَةٌ، وَفِيهَا ثَلاثُونَ رَجُلاً أَوْ أَرْبَعُونَ . فَنَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ (هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلْكُمُوهَا) فَانْتَدَبَ النَّاسُ فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقَّلَ بَعْضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى حَرْبَاً .
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَجَسَّسُ مَنْ لَقِيَ مِنَ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفَاً عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ , حَتَّى أَصَابَ خَبَرَاً مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ أَنَّ مُحَمَّدَاً قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهَ لَكَ وَلِعِيرِكَ , فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ .
فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرِوٍ الْغِفَارِيَّ فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرْيَشَاً فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إِلَى أَمَوَالِهِمْ، وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدَاً قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ ، فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرِوٍ سَرِيعَاً إِلَى مَكَّةَ , فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فَصَرَخَ بِبَطْنِ الْوَادِي وَقَدْ جَدَعَ بَعِيرَهُ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ ! اللَّطِيمَةَ ! أَمْوَالُكُمْ مَع أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ !!! فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ فِي تِسْعِمَائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلَاً مَعَهُمْ مَائَتَا فَرَسٍ يَقُودُونَهَا وَمَعَهُمْ الْقِيَانُ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وَيُغَنِّينَ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ , وَدَفَعَ اللِّوَاءِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ أَبْيَضَ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَايَتَانَ سَوْدَاوَانِ إِحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُقَالَ لَهَا الْعِقَابُ، وَالأُخْرَى مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
وَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسَانِ عَلَى إِحْدَاهُمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَلَى الأُخْرَى الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ , وَكَانَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرَاً يَعْتَقِبُونَهَا , وَأَتَى رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ وَمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ النَّاسُ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ قَامَ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالا وَأَحْسَنَا , ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللهُ، فَنَحْنُ مَعَكَ وَاللهِ لا نَقُولَ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو اسْرِائِيلَ لِمُوْسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَاً وَدَعَا لَهُ .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ) وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَدَدَ النَّاسِ , وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قاَلُوا : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دِيَارِنَا , فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَالَ : وَاللهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ (أَجَلْ) قَالَ : فَقَدْ آمَنَّا بِكَّ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقَّ وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدَاً إِنَا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ , لَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ ! فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشَّطَهُ ثُمَّ قَالَ (سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفِتَيْنِ , وَاللهِ لَكَأَنِّي الآنَ أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ تَحَسَّسَ الْأَخْبَارَ وَعَرِفَ بِمَسِيرِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فَغَيَّرَ الطَّرِيقَ وَنَجَا بِالْقَافِلَةِ وَأَحْرَزَهَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ إنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ فَارْجِعُوا ! وَلَكِنَّ أَبَا جَهْلٍ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ : وَاللهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرَاً فُنُقِيمَ عَلَيْهِ ثَلاثَاً فَنَنْحَرَ الْجَزُورَ وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَنَسْقِيَ الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ ، وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا فَلا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدَاً ! فَامْضُوا !
فَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ مِيعَادٍ , لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرَاً كَانَ مَفْعُولاً.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَتَّى أَتَى مَاءَ بَدْرٍ فَنَزَلَ بِآخِرِهَا قُرْبَ قُرَيْشٍ بِمَشُورَةِ الْحُبَابِ بْنِ مُنْذِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِكَيْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ, وَكَانَ نِعْمَ الرَّأْيِ , ثُمَّ تَقَدَّمَتْ قُرَيْشٌ وَاقْتَرَبَ الْجَمْعَانِ , وَصَفَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَعَبَّأهُمْ أَحْسَنَ تَعْبِيَةٍ ! ثُمَّ عَدَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ وَرَجَعَ إِلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرَهُ , وَجَعَلَ يُكْثِرُ الابْتِهَالَ وَالتَّضُرَّعَ وَالدُّعَاءَ وَيَقُولُ (اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لا تُعْبَدْ بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ) (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَّنِي، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ . وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَلْتَزِمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ مُشْفِقَاً عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الابْتِهَالِ : يَا رَسُولِ اللهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سُيْنِجُزُ مَا وَعَدَكَ , وَضَجَّ الصَّحَابَةُ بِصُنُوفِ الدُّعَاءِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ سَامِعِ الدُّعَاءِ وَكَاشِفِ الْبَلَاءِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي حُرُوبِهَا أَنْ يَخْرُجَ الشُّجْعَانُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَيَتَقابَلُونَ بِالْمُبَارَزَةِ , فَخَرَجَ ثَلاثَةٌ مِنْ شُجْعَانِ قُرَيْشَ هُمْ : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، فَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ ثَلاثَةٌ مِنْ أُسُودِ الْإِسْلَامِ هُمْ حَمْزَةُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ، عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمَّا حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلا قَرْنَيْهِمَا أَنْ قَتَلاهُمَا , وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفَّفَا عَلَيْهِ ، وَاحْتَمَلا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلِىَ أَصْحَابِهِمَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ثُمَّ تَزَاحَفَ النَّاسُ وَدَنا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ , وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لا يَحْمِلُوا حَتَّى يَأْمُرَهُمْ ، وَقَالَ (إِنِ اكْتَنَفَكُمُ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ)
وَبَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ يَسْتَغِيثُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ . وَأَمَدَّ اللهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ ! وَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ (قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) وَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَعْطِنِي حَصْبَاءَ مِنَ الْأَرْضِ) فَنَاوَلَهُ حَصْبَاءَ عَلَيْهَا تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ , فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شيْءٌ ، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ , وَأَبْلَى أَبْطَالُ الْمُسْلِمِينَ أَشَدَّ الْبَلَاءِ! وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَرَدِفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ, وَنَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ , فَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ أَوَّلاً وَآخِرَاً , وَظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً , أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ , وعلى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ اللهَ الذِي نَصَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِلَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَكَثْرَةٍ مِنْ أَعْدَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ وَغَلَبَةٍ وَقُوَّةٍ , إِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِنَا فِي هَذَا الزَّمَنِ مَتَى تَمَسَّكْنَا بِدِينِنَا وَأَخَذْنَا بِأَسْبَابِ النَّصْرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَادِيَّةِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مُسْتَهْدَفُونَ فِي عَقِيدَتِنَا وَأَمْنِنَا وَاقْتِصَادِنَا , فَعَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ , وَنَتْرَكَ مِنَّا حَيَاةَ التَّرَفِ وَالدَّعَةِ وَالْبَطَالَةِ, فَنَتَعَلَّمَ دِينَنَا وَنَدْفَعَ أَوْلَادَنَا لِلْجِدِّ وَالنَّشَاطِ, وَنَلْتَفَ حَوْلَ قِيَادَتِنَا وَنَصْدُرَ عَنْ تَوْجِيهَاتِ عُلَمَائِنَا وَنَحْذَرَ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ وَالاخْتِلَافِ , فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْهَزِيمَةِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
ثُمَّ نُنَاصِحُ وُلاةَ أَمْرِنَا بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَةِ وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ , وَيَقُومُ كُلٌّ مِنَّا بِحَسْبِ اسْتِطَاعَتِهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ , لِأَنَّ فُشُوَ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْبَلَاءِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وَقَالَ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) , نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ وَالْهِدَايَةَ لِلْجَمِيعِ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ , وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن ! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .
المشاهدات 2120 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا