يوسف في بيت العزيز

[font="] [/font][font="] [/font][font="]الخطبة الأولى: يوسف في بيت العزيز[/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله اللطيف بالعباد. الداعي إلى منازل الفوز و مسالك الرشاد. المتصرف في الأكوان بكمال الحكمة و السداد.[/font]
[font="]أحمده كما قام بحمده المحسنون. و أثني على عليٌ مقامه كما سنٌه و قام به الأنبياء و المرسلون. و لله الحمد في الأولى و الآخرة، و عشيٌا و حين تظهرون.. و أشكره شكر من نال الرضوان. و فاز بالسعادة و الأمان، و نزل في منازل الفضل و الإحسان.[/font]
[font="]و أشهد أن لا إله إلاٌ الله و حده لا شريك له، شهادة نتفيٌأ ضلالها أمانا و سلاما، و تلزمنا في حياتنا قائدا و إماما. اللهم ربنا نسألك الثبات على توحيدك في الحياة و عند النزع الأخير، اللهم ثقٌل بها ميزاننا يوم المصير. اللهم نوٌر بها قلوبنا و قبورنا. و اتمم بها نعمتك علينا و سرورنا. [/font]
[font="]و أشهد أنٌ سيدنا محمدا عبده و رسوله أفضل المتقين، و قائد الغرٌ المحجٌلين، و المشفٌع يوم الدين. أعليت له في الدنيا مكانته، و ألزمت البشر حبٌه و طاعته.فكان إلزاما محبوبا، و كمالا مدعوا إليه مرغوبا. فاللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه كلٌما ذكرك و ذكره الذاكرون. و نفٌذت أحكامك بقولك المقدٌس كن فيكون. [/font]
[font="]أمّا بعد، السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته. إنّ أصدق الحديث كتاب الله، و أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم، و شرّ الأمور محدثاتها، و كل محدثة بدعة، و كل بدعة ضلالة، و كل ضلالة في النار.[/font]
[font="]نواصل اليوم بعون الله تبارك و تعالى الحديث عن قصّة يوسف عليه و على نبيّنا المصطفى الصلاة و السلام، و لنتدبّر القرآن و هو يواصل معنا عرض هذه القصّة الرائعة، في إبداع عجيب، و تصوير مشرق رائع، بعد أن تركناه في الجبّ وحيدا، و لكن الله معه، غريبا، و لكن الله يؤنسه، فالله سبحانه و تعالى يقول:" أنا عند ظنّ عبدي بي، و أنا معه إذا ذكرني [font="]" متفق عليه.[/font][font="] فمن ذكره فهو معه سبحانه و تعالى كما قال: " فأذكروني أذكركم " [/font][font="]البقرة 152 .[/font][/font]
[font="] [/font]
[font="] اذكرونا مثــل ذكـرانا لكم ربّ ذكـرى قرّبـت من نزح[/font]
[font="] بك استجير و من يجير سواك فأجـر غريبـا يحتمي بحماك[/font]
[font="] إنّي ضعيف أستعين على قوى جهلي و معصيتي ببعض قواك[/font]
[font="] [/font]
[font="]يقول الحق جل و علا تكملة للقصّة المذهلة المدهشة :" و جاءت سيّارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام و أسرّوه بضاعة و الله عليم بما يعملون [font="](19 ) [/font][font="]و شروه بثمن بخس دراهم معدودة و كانوا فيه من الزاهدين [/font][font="](20) [/font][font="]و قال الذي اشتراه من مصر لأمرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا و كذلك مكّنا ليوسف في الأرض و لنعلّمه من تأويل الأحاديث[/font][font="] [/font][font="]و الله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون [/font][font="](21) [/font][font="]و لمّا بلغ أشدّه ءاتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين[/font][font="] [/font][font="](22)[/font][font="] و راودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلّقت الأبواب و قالت هيت لك قال معاذ الله إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظالمون [/font][font="](23) [/font][font="]و لقد همّت به و همّ بها لولا أن رءا برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين [/font][font="](24) [/font][font="].[/font][/font]
[font="]ترك في البئر وحيدا، و عاد إخوته يبكون بكاء الكذب، و يعرضون دم كذب على قميصه، تركوه وحيدا، و لكن من كان الله جليسه فلا يستوحش أبدا. قال أهل العلم: لمّا أنزل يوسف عليه السلام في الجبّ، أخذ يذكر الله، و يكبر الله، و يهلّل الله، قال عزّ من قائل: " و جاءت سيّارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه ". إنه في صحراء مدوية، في بيداء شاسعة لا يجرؤ أحد على خوض غمارها، لكن الله أتى بقافلة بموكب عظيم ليخلّص يوسف عليه السلام من الجبّ.[/font]
[font="]ضلّت القافلة طريقها، أتت من الشام تريد فلسطين، فضلّت، و سوف تعترض مصر في طريقها، ذهبت إلى تلكم الصحراء لحكمة أرادها الله. و عناية الله تحفظ من يريد الله حفظه، و رعاية الله تحفظ العبد في كل طرفة عين، و في كل لحظة، و في كل مكان، و في كل زمان. يقول ابن الجوزي في" صفوة الصفوة" و هو يتحدث عن عناية الله و رعايته : يقول أحد الصالحين : رأيت عصفورا يأتي بلحم، و يذهب به إلى نخلة في الصحراء، فتتبعته، فوجدته كل يأخذ من المزبلة لحما و خبزا، و يذهب به فيضعه في تلكم النخلة، قال: فصعدت لأرى، و عهدي بالعصفور أنّه لا يعشعش في النخل، فرأيت حيّة عمياء، كلما أتاها هذا العصفور بهذا اللحم، فتحت فاها و أكلت، فمن ذا الذي سخّر لها العصفور، إنّه الذي سخّر تلك القافلة ليوسف عليه السلام، فأخذته من البئر.[/font]
[font="]و أدلى واردهم دلوه في البئر، و القرآن عجيب في العرض،رائع في الأداء، بديع في التصوير، لم يقل أدلى دلوه، ثم تعلق يوسف بالدلو، ثم سحب الوارد الدلو، ثم أخرجه، فقال: من أنت ؟ ثم ذهب به إلى أصحابه، بل جاء بالفاء التعقيبية، لأن عنصر المفاجأة في الآية يقتضي ذلك " فأرسلوا واردهم " فأتى بالفاء " فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام "، أدلى دلوه، فتعلق يوسف عليه السلام بالدلو، ثم سحبه الوارد، فرأى يوسف عليه السلام، غلاما صبيحا، أوتي شطر الحسن، فقال لأصحابه : " يا بشرى " و قرأ أهل الشام " يا بشراي " هذا غلام " أي خادم و عبدا أبيعه و أنتفع بثمنه." و أسرّوه بضاعة و الله عليم بما يعملون " قيل أخذاه بعضهم عن بعض، و جعلوه بضاعة، و قيل: أخفوه عن الناس، خوفا من أن يجدوا أباه، أو أهله، أو إخوته، و ما علموا أن إخوانه هم الذين تركوه، و هم الذين طرحوه، و هم الذين هجروه و أبعدوه. الله يتابع سيرة هذا النبيّ، و قصة هذا الرسول الكريم. ذهبوا به "وشروه بثمن بخس"، و شرى هنا بمعنى باع، باعوه بثمن بخس، و لو دفعت الدنيا و ما فيها في مثل يوسف عليه السلام لكانت ثمن بخسا، و لكانت غبنا، و لكانت خسارة." و شروه بثمن بخس دراهم معدودات " لم يقل موزونة، و إنما قال معدودة، لأن المعدود دائما أقل من الموزون، فلو قال : موزونة، لكانت كثيرة، و إنما قال معدودة ليبيّن أنها دراهم قليلة. " و كانوا فيه من الزاهدين " لا يرغبون فيه، لا يريدون أن يكون معهم، و من الذي اشتراه يا ترى ؟ إن الذي اشتراه هو عزيز مصر.." و قال الذي اشتراه من مصر " و لم يذكر سبحانه و تعالى العزيز بإسمه لأمرين:[/font]
[font="]الأول : لأن بطل القصة يوسف عليه السلام، فما كان لعنصر ثان أن يتدخّل في القصة.[/font]
[font="]الثاني : لأن كلمة العزيز لا يستحقّها، لأن العزيز من أعزّه الله بطاعته، و الشريف من دخل عبودية الله..[/font]
[font="] و مما زادني شـرفا و فخرا و كدت بأخمصي أطأ الثريّا[/font]
[font="] دخولي تحت قولك يا عبادي و أن صيّرت أحمـد لي نبيّا[/font]
[font="] [/font]
[font="]فقال لامرأته : "أكرمي مثواه " و هذا مبالغة في الإكرام، أي: أحسني طعامه، و شرابه، و كسوته، و نومته،"عسى أن ينفعنا" فيخدمنا في أغراضنا، و يقرّب لنا بعض حوائجنا،"أو نتخذه ولدا" و كان العزيز حصورا لا يأتي النساء، و كانت امرأته عقيما، فأرادا أن يتخذا هذا الغلام ولدا، يترعرع بينهما، و ينشأ في بيتهما، و ما علما أنّ الله قد قضى شيئا آخر، و أنه سوف يكون نبيا من الأنبياء و رسولا يحمل رسالة السماء، و داعية إصلاح يحرّر الشعوب و يقود الأجيال إلى الله، فكيف يباع الحرّ في مصر؟ و كيف يسود العبد هناك ؟ أيباع الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم..[/font]
[font="] [/font]
[font="] عجبـت لمصر تهضم اللـيث حقّه و تفخر بالنسـور ويحك يا مصـر[/font]
[font="] سلام على الدنيا سلام على الـورى إذا ارتفع العصفور و انخفض النسر[/font]
[font="] [/font]
[font="]بيع عليه السلام و مكث في قصر العزيز تقيّا، عابدا متألها متصّلا، بالحي القيّوم.[/font]
[font="]و تمرّ الأيام و يزداد حسنا إلى حسنه، و جمالا إلى جماله، و تأتي الطامة الكبرى، تراوده المرأة عن نفسه، و من هنا تنطلق الفتنة العظيمة و المحنة الأليمة. شاب أعزب غريب، شاب في هيجان الشهوة، و أعزب ليس له أهل يعود إليهم، و غريب لا يخشى على نفسه من السمعة القبيحة، كما يخشى المقيم وسط أهله و جيرانه. فيتعرّض يوسف إلى محنة خطيرة أشدّ من مؤامرة إخوته عليه بالقتل و الإبعاد و الضياع، و تلك المحنة هي مراودة زليخة إمرأة العزيز الذي كان يدعى "قطفير" سيده و ولي نعمته: و معنى المراودة في اللغة الملاطفة في التوصل إلى هدف أو غرض معيّن، و المراد بها ، دعوته إلى مخالطتها و مواقعتها.[/font]
[font="]يقول الحق تبارك و تعالى:" و راودته التي هو في بيتها عن نفسه "، تعرضت له كثيرا، و تجمّلت له دائما، لأنها ذات منصب و جمال، ملكة في قصر ملك، و لكن الله معه يحفظه و يسدّده. و في يوم من الأيام غلّقت الأبواب: أي أحكمت غلقها عديد المرات و هي سبعة أبواب، و لم يقل أغلقت، و إنما "غلّقت" زيادة في المبنى ليزيد المعنى، و خلت هي و إياه، و لكن الله سبحانه و تعالى يراهما " [font="]الذي يراك حين تقوم و تقلّبك في الساجدين[/font][font="]" [/font][font="] الشعراء 218-219[/font][font="].." و قالت هيت لك " تهيأت لك، تجمّلت لك، تزينت لك، هيا أسرع " قال معاذ الله إنّه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " و لكن المرأة أصرّت على الفاحشة، و لم تعد ترى إلاّ جمال يوسف." و لقد همّت به " إقتربت منه و تعرّضت له " و همّ بها لولا أن رءا برهان ربّه " لولا أن أدركه الله بعنايته و حفظه و رعايته لهلك ولإرتكب الفاحشة. و يوسف لم يكن نبيا في وقت الحادثة..[/font][/font]
[font="] [/font]
[font="] و إذا خـلوت بـريبة في ظلمة و النفس داعية إلى الطغيان[/font]
[font="] فاستحي من نظر الإله و قل لها إنّ الذي خلق الظلام يراني[/font]
[font="] [/font]
[font="]أصابه شيء من حظ النفس البشرية، انتابه شيء من النقص البشري، دارت بخلده المعصية، و لمّا يفعل، لأنه من عباد الله المخلصين، " لولا أن رءا برهان ربه " فما هو هذا البرهان ؟ استمعوا إلى أقوال المفسّرين، أعرضها عليكم ثم نخرج بالصحيح الراجح إن شاء الله .[/font]
[font="]قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: لما همّ يوسف بها سمع هاتفا يهتف يقول: يا يوسف إني كتبتك في ديوان الأنبياء فلا تفعل فعل السفهاء.[/font]
[font="]قال السدّي: سمع هاتفا يهتف يقول: يا يوسف اتق الله، فإنك كالطّائر الذي يزيّنه ريشه، فإذا فعلت الفاحشة نتفت ريشك.[/font]
[font="]و قال بعض المفسرين كما أورد ابن جرير الطبري: رأى لوحة في القصر مكتوب عليها " و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و سآء سبيلا "[font="] الإسراء 32.[/font][font="] و قال غيرهم: رأى كفّا قد كتب عليه " و إنّ عليكم لحافظون " [/font][font="]الإنفطار 10،[/font][font="] إننا نحفظ حركاتكم، و سكناتكم، و تصرّفاتكم، إننا نراكم، إننا نشاهدكم.[/font][/font]
[font="] و قال بعض أهل العلم من المفسّرين أيضا: لمّا همّت به و همّ بها، قالت: انتظر، قال: ماذا؟ فقامت إلى صنم في طرف البيت، فسترته بجلباب على وجهه. صنم لا يتكلم، لا يسمع، لا يبصر، لا يأكل، لا يشرب،، قال: ما لك ؟ قالت: هذا إلهي، أستحي أن يراني.. فدمعت عيناه و قال: أتستحين من صنم لا يسمع و لا يبصر و لا يملك ضرّا و لا نفعا، ولا موتا و لا حياة و لا نشورا، و لا أستحي أنا من ربي الله الذي بيده مقاليد الأمور؟[/font]
[font="]و في رواية عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا همّ بها رأى يعقوب أباه في طرف الدار، قد عضّ أصبعه و يقول: يا يوسف اتق الله.. يا يوسف اتق الله.. أخرجه ابن جرير.[/font]
[font="]و الصحيح في ذلك ما قاله ابن تيمية شيخ الإسلام، و غيره من أهل العلم: أن برهان ربه الذي رآه: واعظ الله في قلب كل مؤمن، تحرّك واعظ الله، و الحياء من الله، و الخجل من الحي القيوم، في قلب يوسف عليه السلام، فارتدّ عن المعصية و عاد منيبا إلى الله " و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى "[font="] النازعات 40 ، 41. [/font][font="]تذكر الوقوف بين يدي الله يوم يحشر الناس حفاة عراة.[/font][/font]
[font="]فبرهان ربّه، واعظ الله في قلبه بالتوحيد و يناديه بالتقوى.[/font]
[font="]فهل آن لشباب الإسلام أن يتحرّك واعظ الله في قلوبهم ؟ و هل و هل آن للمسلمين أن يجعلوا من يوسف عليه السلام قدوة لهم ؟ فيا من يطلّع على عورات المسلمين، أليس لك في يوسف قدوة ؟ و يا من يعامل ربّه بالمعاصي، و يرتكب الجرائم، و يحرص على الزنى، أما رأيت يوسف، و قد خلا بإمرأة جميلة ذات منصب، فتذكّر واعظ الله في قلبه ؟ و يا من يدعو إلى تبرّج المرأة، و إلى الإختلاط، أرأيت ماذا تفعل الخلطة و التبرّج ؟ يوسف نبي معصوم كاد أن يزل و أن يهلك، و أنت تنادي المرأة أن تتبرّج و تسفر عن وجهها، و تخلط الرجال، فأين الواعظ إذن ؟ و أين التقوى إذن ؟ و أين مراقبة الله ؟ و أين الخوف من مالك يوم لا ينفع لا مال و لا بنون إلا من أتى بقلب سليم ؟. [/font]
[font="]أقول ما تسمعون، و استغفر الله العظيم الجليل لي و لكم و لجميع المسلمين، فاستغفروه و توبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="]الخطبة الثانية: مدرسة العفّة في قصّة يوسف[/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله رب العالمين، وليّ الصالحين، و لا عدوان إلاّ على الظالمين الكافرين الفاسقين الفاجرين أعداء الإسلام و الأمة المحمدية إلى حين، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله، رسول رب العالمين و قدوة الناس أجمعين، و هداية السالكين، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار و صحبه الطيبين و سلم تسليما كثيرا.[/font]
[font="]أما بعد، فيا شباب الإسلام، أما رأيتم ماذا فعل يوسف عليه السلام ؟ يا أصحاب محمد و يا معاشر المسلمين، انظروا إلى هذا التقيّ الورع، انظروا إلى من راقب الله فأسعده الله، و نجاه الله، و حفظه الله. يقول سعيد بن المسيّب: إن الناس في كنف الله، تحت كنفه و ظلّه، فإذا أراد أن يفضح أحدهم، رفع ستره سبحانه و تعالى عنه. يقول عليه الصلاة و السلام:" ألا لا يخلونّ رجل بإمرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان ".. و قال الحق تعالى: " كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء." أي لنعمّر مستقبله باليقين لنجعله من ورثة جنّة رب العالمين، مع المؤمنين و الخالدين الصالحين. " إنه من عبادنا المخلصين " و إذا أخلص العبد لله، حماه الله من الفتن، و وقاه المحن، و جنّبه الشرور.[/font]
[font="]ثم كان من أمر يوسف و إمرأة العزيز أن قال الله تعالى:" و استبقا الباب " هو يهرب من الفاحشة، و هي تلاحقه، و تدعوه إلى نفسها، و هو يلتجىء إلى الله، و يصيح بأعلى صوته، و صوته يدوّي في القصر " معاذ الله إنّه ربّي أحسن مثواي " أي إنه سيدي زوجك، أحسن استقبالي و ضيافتي، فكيف يكون جزاء معروفه، و ردّ جميله أن أخونه في أهله.[/font]
[font="]قال السدّي: " إنه ربي أحسن مثواي " إنه إلهي الحي القيوم، اجتباني و ربّاني و علمني و حماني و كفاني و آواني، فكيف أخون الله في أرضه ؟ و كيف أعصي الله ؟ و كيف أنتهك حرمات الله ؟ فيا من أراد أن يفعل الحرمات، و يتعدّى الحرمات، تذكّر معروف الله عليك، و قل:" معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي " قل: معاذ الله، لا أعصي الله، فإنه ربّاني و رزقني و كفاني و آواني"إنه لا يفلح الظالمون " ، " و قدّت قميصه من دبر و ألفيا سيدها لدا الباب " .[/font]
[font="]إن هذه القصة مذهلة، إنها مدهشة كلها مفاجآت و قضايا و لفتات و مباغتات، و إذا بسيدها، برجلها، بزوجها عند الباب، فتح الباب، فإذا يوسف و امرأته واقفان عند الباب، في وضع مريب، و انظر إلى كيد النساء، و انظر إلى مكر النساء، تسبق يوسف بالكلام، تضرب و تبكي، و تظلم و تشتكي، تقول: " ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلاّ أن يسجن أو عذاب أليم". هذا أراد بي السوء، و غلّق عليّ الأبواب، و دعاني لنفسه، فما هو جزاؤه ؟ لا بد أن يسجن أو يعذّب عذابا أليما.[/font]
[font="]قال ابن عباس : يضرب بالسياط، فقال يوسف بلسان الصادق، الناصح، الأمين، التقيّ، الورع، الزاهد، العابد: " هي راودتني عن نفسي " و صدق و الله. " هي راودتني عن نفسي و شهد شاهد من أهلها " فمن هو هذا الشاهد يا ترى ؟[/font]
[font="]قيل: رجل من أبناء عمومتها شهد عليها، و قيل: ابن خالها، و قيل: رجل من الخدّام، و قيل الشاهد: طفل صغير، كان بالغرفة، لا يتكلم، فأنطقه الله الذي أنطق كل شيء.[/font]
[font="]أتوا إلى الطفل في المهد، لا يتكلم و لا ينطق، فقال: صدق يوسف، و كذبت المرأة، هي التي همّت به، هي التي راودته، هي التي دعته إلى نفسها. و في رواية لأحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: تكلم أربعة صغار: عيسى ابن مريم عليه السلام، و صاحب جريج، و شاهد يوسف، و ابن ماشطة ابنة فرعون. و هذا سند جيّد. فشهد هذا الشاهد، و عرض أمرا يستطيعون به تعرّف الصادق منهما.قال: " إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت و هو من الكاذبين " و بدأ بتصديقها، لأنها ملكة، و لأنها صاحبة منصب، و لأن التهمة بعيدة عنها "و إن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت و هو من الصادقين " فلما عاينوا قميصه و اطلعوا عليه، رأوه قد قدّ من دبر، فصدّقوه، و أعلنوا براءته، و وفّوه حقّه من التبجيل و الإكرام إلاّ في بعض الأمور التي سوف تأتي بإذن الله تعالى. ثم قال الحق عز و جل " يوسف أعرض عن هذا " لا تتكلم بذلك في المجالس، لا تتحدّث به، لا تنشره. و كثير من الناس يتبجّح في المجالس بالمعصية. ثم قال لإمرأته: " و استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " إنه انتصار ما بعده انتصار، انتصار على النفس الأمّارة بالسوء، و هل النصر العجيب إلاّ أن ينصرك الله على نفسك.. و أن يعلي حظّك، و ألاّ يخيّب ظنّك، و أن يحفظك من الفتن، و من المحن و من المعاصي" فالله خير حافظا و هو أرحم الراحمين ". فيا من حفظ يوسف عليه السلام، احفظنا بحفظك، و يا من رعاه ارعنا برعايتك يا ربّ العالمين، و يا من حرسه بعينه، احرسنا بعينك التي لا تنام. و يا من آواه إلى كنفه، آونا إلى كنفك الذي لا يضام إنك على كل شيء قدير.[/font]
[font="]أيها المؤمنون، إن ما توعدون من الآخرة لآت، و إنكم في دار هي محلّ العبر و الآفات، و أنتم على سفر، و الطريق كثيرة المخافات، فتزودوا من دنياكم قبل الممات و تداركوا هفواتكم قبل الفوات، و حاسبوا أنفسكم و راقبوا الله في الخلوات، و تفكروا فيما أراكم من الآيات. و بادروا بالأعمال الصالحة، و استكثروا في أعماركم القصيرة من الحسنات قبل أن ينادي بكم منادي الشتات. قبل أن يفاجئكم هاذم اللذات. قبل أن يتصاعد منكم الأنين و الزفرات. قبل أن تتقطّع قلوبكم عند فراق الدنيا حسرات. قبل أن يغشاكم من غمّ الموت الغمرات. قبل أن تزعجوا من القصور إلى بطون الفلوات. قبل أن تتمنوا رجوعكم إلى الدنيا لتعملوا و لكن هيهات. و أعلموا أن الله أمركم بالصلاة و السلام على نبيكم المختار. فبالصلاة عليه تذهب الهموم و تمحى الأوزار. اللهم صل و سلم و زد و بارك على الذي أتممت به على الخلائق المنّة. و جعلت ما بين قبره و منبره روضة من رياض الجنة. و على آله الأطهار الطيبين، و صحابته الأعلام الميامين. اللهم ارض عنهم و عن أهل بدر و المبايعين و عن بقية الصحابة أجمعين. و عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام و المسلمين يا من برحمته على عباده تفضل .. و أن تعلي شأن المسلمين، و تتوجهم بتاج النصر و الظفر و الأمل.. اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح للمسلمين، و أهلك من كان في هلاكه صلاح للمسلمين.. اللهم أصلح ولاّة المسلمين و وفقهم لإزالة المنكرات، و إظهار المحاسن و أنواع الخيرات.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، و أمّنهم في أوطانهم و اقض ديونهم و عاف مرضاهم و اشف صدورهم و اذهب غيظ قلوبهم و ألّف بينهم.. اللهم ابرم لهذه الأرض الطيبة أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.. استر عوراتنا و آمن روعاتنا و بلغنا مما يرضيك آمالنا، و اختم بالصالحات الباقيات أعمالنا.. نعوذ بك من شماتة الأعداء.. و خيبة الرجاء.. و من السلب بعد العطاء.. اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا سحّا عاما غدقا طبقا مجلّلا دائما إلى يوم الدين.. اللهم اسقنا الغيث و لا تجعلنا من القانطين.. اللهم اجعله سقيا رحمة و لا تجعلها سقيا عذاب و لا محقا و لا بلاء و لا هدم و لا غرق.. اللهم انبت الزرع، و أدرّ لنا الضّرع و انزل علينا من بركات السماء و أنبت لنا من بركات الأرض.. اللهم حوالينا ولا علينا..[/font]
[font="]أسأل الله لي و لكم منازل الشهداء.. و معايشة السعداء.. و مرافقة الأنبياء.. آمين، آمين، آمين يا رب العالمين.. و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="] عباد الله، إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاي ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم، و لذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون..[/font]
[font="] [/font]
[font="] الشيخ محمّد الشاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب [/font]
[font="] جامع الإمام محمّد الفاضل ابن عاشور[/font]
[font="] بالزهور الرّابع - تونس [/font]

[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="] [/font]
المشاهدات 1819 | التعليقات 0