يصلون وهم لا يصلون
عبدالله حمود الحبيشي
1437/06/07 - 2016/03/16 17:14PM
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعْدُ .. عباد الله .. ستين سنة يصلي صلاة باطلة .. ستين سنه يستيقظ من نومه ويترك مشاغله ويتوضأ ويصلي .. لا تقبل صلاته.. إنها خسارة وأي خسارة .. جهد يُبذل ، ولذات تترك ، ومشاغل تُعطل من أجل صلاة لا تقبل .. صلاة فاسدة .. ليس لها وزن عند الله .
يقول عليه الصلاة والسلام " إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة –ما هي الأسباب ولأي شيء لا تقبل- لعله يتم الركوع ، ولا يتم السجود ، ويتم السجود ولايتم الركوع" .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة ، قيل : كيف يا أمير المؤمنين قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .
إنها الصلاة أول ما يحاسب عنه العبد من العبادات ..
إنها الصلاة التي إن صلحت صلح سائر العمل ، وإن فسدت فسد سائر العمل .
إنها الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام .
إنها الفريضة التي لا تسقط عن العبد ما دام حي يعقل على أي حال كان وتحت أي وضع .
فما هي الأمور التي تُضيع علينا الصلاة ويذهب أجرها .. إنها أخطاء يقع فيها البعض عن جهل أو نسيان وقد يكون شيئا من التهاون ، تكون سببا في فساد الصلاة .. إننا جميعا بحاجة أن نعرف هذه الأخطاء لأجتنابها حفاظا على عمود الدين .. حفاظا على العبادة العظيمة والصلة بين العبد وربه ، ولنكون ممن يقيمونها حق القيام .
فأول ما نذكر من الأخطاء ما يكون قبل الصلاة ، وبالأخص ما يكون في الوضوء ، والذي هو مفتاح الصلاة ، وبوابتها الأولى ، وشرطها المقدم ، كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقبل صلاة بغير طهور) .
فعدم إسباغ الوضوء ، وبقاء شيء من الأعضاء لم يبلغه الماء ، كالأعقاب ، لا يصح معه الوضوء .. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من ذلك فقال (ويلٌ للأعقابِ منَ النَّارِ، أسبِغوا الوُضوءَ) .
وروى خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يُصبها الماء ، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يعيد الوضوء والصلاة .
ومن الاخطاء والتي يقع فيها بعض المصلين مسابقة الأمام ، أو التأخر عنه ، أو حتى موافقته للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر . والسنة في ذلك هي المتابعة للإمام ، فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وإليكم صورة جلية للمتابعة المشروعة ، والتي يعرضها لنا البراء بن عازب رضي الله عنه فيقول : كنا خلف النبي عليه الصلاة والسلام فكان إذا انحط من قيامه للسجود لا يحنى أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض .
ورأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلا يسابق إمامه فقال : لا وحدك صليت ولا بإمامِك اقتديت .
بل شدد النبي صلى الله عليه وسلم النكارة والترهيب من هذا العمل فقال (أمَا يخشَى أحدُكُم ، أو ألا يخشَى أحَدُكُم ، إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ) .
يقول شراح الحديث : حذَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ المأمومين مِن عدمِ متابَعةِ إمامِهم، ورفْعِ رؤوسِهم قبل أن يرفَعَ الإمامُ رأسَه مِن الرُّكوعِ، وتوعَّد مَن يفعَلُ ذلك بأن يجعَلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، وهو استفهامٌ للتَّوبيخِ والإنكار، ويُحتَمَل أنْ يرجِعَ إلى أمرٍ مَعنويٍّ؛ فإنَّ الحمارَ موصوفٌ بالبلادةِ، ويُحتَمَل أن يكونَ ذلك على ظاهرِه؛ إذ لا مانعَ مِن وقوعِ ذلك، وهذا فيه تحذيرٌ وتنفيرٌ شديدانِ مِن عدمِ متابَعةِ الإمامِ، وسبقِه في أفعال الصَّلاةِ .
ومن الأخطاء التي تقع في الصلاة نقرها وعدم الاطمئنان في ركوعها أو سجودها أو قيامها .
والطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به ، ولقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا لا يتم ركوعه ، وينقر في سجوده وهو يصلي ، فقال (لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم) سبحان الله يصلي ومع هذا يقول عنه عليه الصلاة والسلام لو مات كان على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ..
وقال عليه الصلاة والسلام «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» قَالُوْا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: «لَا يُتِمّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» أَوْ قَالَ: « لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعَلَيْكَ السّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ (وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) .
وفي رواية لأبي داود ( فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك ) .
هذا الحديث دليل واضح بأن الصلاة ليست مجرد حركات لا يفقه المصلي فيها قولا ، ولا يحسن دعاء .. لا ترى إلا أجسادا تهوي إلى الأرض خفضا ورفعا .. لا .. بل هي عبادة تستلزم منا تدبرا وتعقلا، تدبرا فيما نقول ، وتعقلا فيما نفعل ، وهذه هي الطمأنينة الحقيقية ، والخشوع المطلوب ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين .
أيها المصلون .. وهناك أخطاء في هيئة الصلاة .
يقول الإمام الشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله جميعا : من لا يقيم صلبَه في الركوعِ والسجود فصلاتُه فاسدة، لحديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " .
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون , وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان .نسأل الله العافية والسلامة .
إن من الناس من إذا ركع لم يخفض ظهره ، بل يكتفي بالانحناء قليلا ، وهذا تقصير كبير ، وخلل عظيم .. والسنة في ذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه إذا ركع استوى ظهره حتى لو صببت عليه ماء لركد عليه .
والعكس من ذلك فمن الناس من يبالغ في الركوع حتى ينخفض رأسه ويزيد عن الحد المشروع في الركوع .
وفي السجود يخطئ من يرفع أنفه أو جبهته أو رجليه وهو ساجد ، أو يضع أصابعه فقط وليس الكف كاملا ، وإنما السجود على سبعة أعظم .
سئل الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى عن المصلي إذا رفع بعض أعضاء السجود عن الأرض فهل تبطل صلاته ؟
فأجاب بما نصه : إن كانت رجله مرفوعة من ابتداء السجدة إلى آخرها لم تصح صلاته ، لأنه ترك وَضْعَ بَعْضَ أعضاء الصلاة وليس له عذر ، وإن كان قد وضعها بالأرض في نفس السجدة ثم رفعها وهو في السجدة فقد أدى الركن لكنه لا ينبغي له ذلك . انتهى كلامه .
نسأل الله أن يجعلنا ممن يقيم الصلاة حق القيام ، ويتمها حق التمام، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
ومن الأخطاء التي تقع من بعض المصلين ويحصل بسببها فساد الصلاة عدم تحريك السان والشفتين في القراءة أو الذكر .
سؤل الإمام مالك رحمه الله عن الذي يقرأ في الصلاة ، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه ، ولا يحرك به لساناً . فقال : ليست هذه قراءة ، وإنما القراءة ما حرك له اللسان .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة ؟ أو يكفي بالقلب ؟
فأجاب : القراءة لابد أن تكون باللسان ، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه ، وكذلك أيضاً سائر الأذكار ، لا تجزئ بالقلب ، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه ؛ لأنها أقوال ، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين .
وآخر ما نذكر من الأخطاء قيام المصلي لقضاء الفائته قبل التسليمة الثانية للإمام .
يقول الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله :
الواجب على المأموم أن يتقيد بأفعال إمامه؛ فلا يسابقه، ولا يوافقه، بل يقتدي به بعد انتقاله من كل ركن .. فإذا كان المأموم قد فاته من الصلاة ركعة فأكثر، فلا يستعجل بالقيام لقضاء ما فاته حتى يتم الإمام سلامه. فإذا انقطع صوته من التسليمة الثانية، فحينئذ ينهض المأموم؛ ليأتي بما فاته.. فإن استعجل وقام قبل أن ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؛ فهو آثم، وعليه أن يتدارك ذلك، بأن يرجع ويستقر جالسا، فإذا أتم الإمام سلامه نهض؛ لقضاء ما فاته. فإن فعل، فصلاته صحيحة، وإن لم يفعل انقلبت صلاته نفلا، وعليه إعادتها؛ لأن المأموم مفروض عليه أن يبقى مع إمامه حتى تتم صلاة الإمام، وهذا ما بقي مع إمامه . والله أعلم.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ الفوزان يحفظه الله .. أن من نهض قبل إتمام الإمام التسليمة الثانية فإن الصلاة تنقلب نفلا ويلزمه صلاة الفريضة
أيها الأحبة في الله .. لا يخفى أن الشيطان حريص كل الحرص على إضاعة صلاتنا ، كيف لا وقد أمر بالسجود فأبى واستكبر ، وأُمرنا بالصلاة فسمعنا وأطعنا .. ولا شك أن مراغمة الشيطان ومغالبته على هذه الصلوات ومجاهدة النفس فيها وتدريبها المرة تلو الأخرى خير سبيل لحفظها .
فإن غاب عنك التمام في ركعة فاحرص عليه في الأخرى ، وإن غلبك الشيطان في هذه الصلاة فغالبه في الصلاة اللاحقة ، وهكذا حتى تعتاد النفس على إقامة الصلاة وإتمامها ، وتتقلل من الأخطاء، والله تعالى يعين الصابرين في طاعته ، ويهدي المجاهدين في سبيه . والأمر يستحق هذا العناء والمجاهدة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما منِ امرئٍ مسلمٍ تحضرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فيُحسنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها . إلا كانتْ كفارةً لما قبلها منَ الذنوبِ ما لمْ يؤتِ كبيرةً وذلكَ الدهرَ كلَّهُ) وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام (ما منْ مسلمٍ يتوضأُ فيحسنُ وضوءَهُ . ثم يقوم فيصلّي ركعتَينِ . مُقبلٌ عليهما بقلبهِ ووجههِ . إلا وجبتْ لهُ الجنةُ) .
نسأل الله أن نكون من أهل الصلاة الذين يقيمونها حق القيام .
أَمَّا بَعْدُ .. عباد الله .. ستين سنة يصلي صلاة باطلة .. ستين سنه يستيقظ من نومه ويترك مشاغله ويتوضأ ويصلي .. لا تقبل صلاته.. إنها خسارة وأي خسارة .. جهد يُبذل ، ولذات تترك ، ومشاغل تُعطل من أجل صلاة لا تقبل .. صلاة فاسدة .. ليس لها وزن عند الله .
يقول عليه الصلاة والسلام " إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة –ما هي الأسباب ولأي شيء لا تقبل- لعله يتم الركوع ، ولا يتم السجود ، ويتم السجود ولايتم الركوع" .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة ، قيل : كيف يا أمير المؤمنين قال : لا يتم ركوعها ولا سجودها .
إنها الصلاة أول ما يحاسب عنه العبد من العبادات ..
إنها الصلاة التي إن صلحت صلح سائر العمل ، وإن فسدت فسد سائر العمل .
إنها الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام .
إنها الفريضة التي لا تسقط عن العبد ما دام حي يعقل على أي حال كان وتحت أي وضع .
فما هي الأمور التي تُضيع علينا الصلاة ويذهب أجرها .. إنها أخطاء يقع فيها البعض عن جهل أو نسيان وقد يكون شيئا من التهاون ، تكون سببا في فساد الصلاة .. إننا جميعا بحاجة أن نعرف هذه الأخطاء لأجتنابها حفاظا على عمود الدين .. حفاظا على العبادة العظيمة والصلة بين العبد وربه ، ولنكون ممن يقيمونها حق القيام .
فأول ما نذكر من الأخطاء ما يكون قبل الصلاة ، وبالأخص ما يكون في الوضوء ، والذي هو مفتاح الصلاة ، وبوابتها الأولى ، وشرطها المقدم ، كما قال عليه الصلاة والسلام (لا تقبل صلاة بغير طهور) .
فعدم إسباغ الوضوء ، وبقاء شيء من الأعضاء لم يبلغه الماء ، كالأعقاب ، لا يصح معه الوضوء .. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من ذلك فقال (ويلٌ للأعقابِ منَ النَّارِ، أسبِغوا الوُضوءَ) .
وروى خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يُصبها الماء ، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يعيد الوضوء والصلاة .
ومن الاخطاء والتي يقع فيها بعض المصلين مسابقة الأمام ، أو التأخر عنه ، أو حتى موافقته للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر . والسنة في ذلك هي المتابعة للإمام ، فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وإليكم صورة جلية للمتابعة المشروعة ، والتي يعرضها لنا البراء بن عازب رضي الله عنه فيقول : كنا خلف النبي عليه الصلاة والسلام فكان إذا انحط من قيامه للسجود لا يحنى أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض .
ورأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلا يسابق إمامه فقال : لا وحدك صليت ولا بإمامِك اقتديت .
بل شدد النبي صلى الله عليه وسلم النكارة والترهيب من هذا العمل فقال (أمَا يخشَى أحدُكُم ، أو ألا يخشَى أحَدُكُم ، إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ) .
يقول شراح الحديث : حذَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ المأمومين مِن عدمِ متابَعةِ إمامِهم، ورفْعِ رؤوسِهم قبل أن يرفَعَ الإمامُ رأسَه مِن الرُّكوعِ، وتوعَّد مَن يفعَلُ ذلك بأن يجعَلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، وهو استفهامٌ للتَّوبيخِ والإنكار، ويُحتَمَل أنْ يرجِعَ إلى أمرٍ مَعنويٍّ؛ فإنَّ الحمارَ موصوفٌ بالبلادةِ، ويُحتَمَل أن يكونَ ذلك على ظاهرِه؛ إذ لا مانعَ مِن وقوعِ ذلك، وهذا فيه تحذيرٌ وتنفيرٌ شديدانِ مِن عدمِ متابَعةِ الإمامِ، وسبقِه في أفعال الصَّلاةِ .
ومن الأخطاء التي تقع في الصلاة نقرها وعدم الاطمئنان في ركوعها أو سجودها أو قيامها .
والطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به ، ولقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا لا يتم ركوعه ، وينقر في سجوده وهو يصلي ، فقال (لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم) سبحان الله يصلي ومع هذا يقول عنه عليه الصلاة والسلام لو مات كان على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ..
وقال عليه الصلاة والسلام «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ» قَالُوْا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: «لَا يُتِمّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا» أَوْ قَالَ: « لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَعَلَيْكَ السّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ (وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) .
وفي رواية لأبي داود ( فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك ) .
هذا الحديث دليل واضح بأن الصلاة ليست مجرد حركات لا يفقه المصلي فيها قولا ، ولا يحسن دعاء .. لا ترى إلا أجسادا تهوي إلى الأرض خفضا ورفعا .. لا .. بل هي عبادة تستلزم منا تدبرا وتعقلا، تدبرا فيما نقول ، وتعقلا فيما نفعل ، وهذه هي الطمأنينة الحقيقية ، والخشوع المطلوب ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين .
أيها المصلون .. وهناك أخطاء في هيئة الصلاة .
يقول الإمام الشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله جميعا : من لا يقيم صلبَه في الركوعِ والسجود فصلاتُه فاسدة، لحديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " .
ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون , وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان .نسأل الله العافية والسلامة .
إن من الناس من إذا ركع لم يخفض ظهره ، بل يكتفي بالانحناء قليلا ، وهذا تقصير كبير ، وخلل عظيم .. والسنة في ذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه إذا ركع استوى ظهره حتى لو صببت عليه ماء لركد عليه .
والعكس من ذلك فمن الناس من يبالغ في الركوع حتى ينخفض رأسه ويزيد عن الحد المشروع في الركوع .
وفي السجود يخطئ من يرفع أنفه أو جبهته أو رجليه وهو ساجد ، أو يضع أصابعه فقط وليس الكف كاملا ، وإنما السجود على سبعة أعظم .
سئل الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى عن المصلي إذا رفع بعض أعضاء السجود عن الأرض فهل تبطل صلاته ؟
فأجاب بما نصه : إن كانت رجله مرفوعة من ابتداء السجدة إلى آخرها لم تصح صلاته ، لأنه ترك وَضْعَ بَعْضَ أعضاء الصلاة وليس له عذر ، وإن كان قد وضعها بالأرض في نفس السجدة ثم رفعها وهو في السجدة فقد أدى الركن لكنه لا ينبغي له ذلك . انتهى كلامه .
نسأل الله أن يجعلنا ممن يقيم الصلاة حق القيام ، ويتمها حق التمام، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
ومن الأخطاء التي تقع من بعض المصلين ويحصل بسببها فساد الصلاة عدم تحريك السان والشفتين في القراءة أو الذكر .
سؤل الإمام مالك رحمه الله عن الذي يقرأ في الصلاة ، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه ، ولا يحرك به لساناً . فقال : ليست هذه قراءة ، وإنما القراءة ما حرك له اللسان .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة ؟ أو يكفي بالقلب ؟
فأجاب : القراءة لابد أن تكون باللسان ، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه ، وكذلك أيضاً سائر الأذكار ، لا تجزئ بالقلب ، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه ؛ لأنها أقوال ، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين .
وآخر ما نذكر من الأخطاء قيام المصلي لقضاء الفائته قبل التسليمة الثانية للإمام .
يقول الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله :
الواجب على المأموم أن يتقيد بأفعال إمامه؛ فلا يسابقه، ولا يوافقه، بل يقتدي به بعد انتقاله من كل ركن .. فإذا كان المأموم قد فاته من الصلاة ركعة فأكثر، فلا يستعجل بالقيام لقضاء ما فاته حتى يتم الإمام سلامه. فإذا انقطع صوته من التسليمة الثانية، فحينئذ ينهض المأموم؛ ليأتي بما فاته.. فإن استعجل وقام قبل أن ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؛ فهو آثم، وعليه أن يتدارك ذلك، بأن يرجع ويستقر جالسا، فإذا أتم الإمام سلامه نهض؛ لقضاء ما فاته. فإن فعل، فصلاته صحيحة، وإن لم يفعل انقلبت صلاته نفلا، وعليه إعادتها؛ لأن المأموم مفروض عليه أن يبقى مع إمامه حتى تتم صلاة الإمام، وهذا ما بقي مع إمامه . والله أعلم.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ الفوزان يحفظه الله .. أن من نهض قبل إتمام الإمام التسليمة الثانية فإن الصلاة تنقلب نفلا ويلزمه صلاة الفريضة
أيها الأحبة في الله .. لا يخفى أن الشيطان حريص كل الحرص على إضاعة صلاتنا ، كيف لا وقد أمر بالسجود فأبى واستكبر ، وأُمرنا بالصلاة فسمعنا وأطعنا .. ولا شك أن مراغمة الشيطان ومغالبته على هذه الصلوات ومجاهدة النفس فيها وتدريبها المرة تلو الأخرى خير سبيل لحفظها .
فإن غاب عنك التمام في ركعة فاحرص عليه في الأخرى ، وإن غلبك الشيطان في هذه الصلاة فغالبه في الصلاة اللاحقة ، وهكذا حتى تعتاد النفس على إقامة الصلاة وإتمامها ، وتتقلل من الأخطاء، والله تعالى يعين الصابرين في طاعته ، ويهدي المجاهدين في سبيه . والأمر يستحق هذا العناء والمجاهدة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما منِ امرئٍ مسلمٍ تحضرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فيُحسنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها . إلا كانتْ كفارةً لما قبلها منَ الذنوبِ ما لمْ يؤتِ كبيرةً وذلكَ الدهرَ كلَّهُ) وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام (ما منْ مسلمٍ يتوضأُ فيحسنُ وضوءَهُ . ثم يقوم فيصلّي ركعتَينِ . مُقبلٌ عليهما بقلبهِ ووجههِ . إلا وجبتْ لهُ الجنةُ) .
نسأل الله أن نكون من أهل الصلاة الذين يقيمونها حق القيام .