يسر الإسلام

كامل الضبع زيدان
1436/08/19 - 2015/06/06 13:54PM
إسلامنا دين الاعتدال والوسطية لا إفراط فيه ولا تفريط
فإن إسلامنا الحنيف دين رب العالمين الذي ارتضاه لعباده وأكمله لهم وأتم عليهم به نعمته وقال جل جلاله {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وقال جل جلاله {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وقال جل جلاله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} فهذا هو ديننا دين الوسطية والاعتدال وأمتنا أمة الخيرية والشهادة تشهد لجميع الأنبياء على أقوامهم بما علموه من كتاب ربهم عزو جل وبما بلغهم به حبيبهم صلى الله عليه وسلم فهم لا يتطرفون في كل أمورهم وهم بعيدون كل البعد عن الغلو في دينهم كيف لا وهم يتلون قول الله عزو جل {قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} فهذه الأمة المرحومة صراطها واحد وهو صراط الله المستقيم وهو اتباعها لكتاب ربها عزو جل ولسنة نبيها صلى الله عليه وسلم بلا إفراط ولا تفريط وبلا غلو ولا جفاء ولا اتباع للأهواء و الأمزجة أبدا والحبيب صلى الله عليه وسلم حذرنا من الغلو في الدين فقال {إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين} رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (ما أمر الله عزو جل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين).
من شدد على نفسه شدد الله عليه
روى الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {هلك المتنطعون قالها ثلاثا} قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم أي المتشددون في غير موضع التشدد.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد حبلا مشدودا بين ساريتين فقال ما هذا فقالوا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به فقال حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد وفي رواية فليرقد} بين حبيبنا صلى الله عليه وسلم أن العبد يصلى ويطع الله عزو جل في أوقات النشاط فإذا شعر بالفتور والنعاس عليه أن يرقد ليستريح وليجدد النشاط للعبادة مرة أخرى وإذا كانت هذه نيته واحتسب نومه وطعامه وشرابه وحتى جماعه لأهله تحولت حياته كلها إلى عباده وطاعة يؤجر عليها وتكون في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولهذا يسعد أيما سعادة في دنياه وفي قبره وآخرته حتى يستقر في جنات النعيم دار السعادة والسرور.
ودخل الحبيب صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وعندها امرأة من بني أسد فقالت عائشة رضي الله إنها يا رسول الله تقوم الليل ولا تنام وأخذت تذكر من عبادة هذه المرأة فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم مه يا عائشة اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله عزو جل لا يمل حتى تملوا} رواه البخاري.
فأعلمها صلى الله عليه وسلم ألا تشدد على نفسها وألا تفعل من الطالعات فوق ما تطيقه فإن الله عزو جل لا يغفل ولا ينام ولا يفتر جل جلاله وثوابه متواصل على العبد لا ينقطع حتى ينقطع العبد عن العبادة والطاعة وأعلمنا أيضا أن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل والتشدد والغلو لابد وأن ينقطع العبد لأنه عبد ضعيف خلقه الله عزو جل هكذا وهو أعلم بحاله وبضعفه وأمره بالرفق في دينه وطاعته وعبادته. وهؤلاء الثلاثة الذين ذهبوا إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم ليسألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بها فكأنهم تقالوها فقال أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد غفر الله عزو جل له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم أما أنا فسوف أقوم الليل ولا أنام وقال الثاني أما أنا فسوف أصوم الدهر ولا أفطر أبدا وقال الثالث وأما أنا فلا أتزوج النساء فأخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم بما قالوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وذكر ما قالوه ثم قال صلى الله عليه وسلم أما والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له وأشدكم له خشية وإني لأقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني } متفق عليه. بأبي هو وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم معلم البشرية ولكن من اتبع هواه وشدد على نفسه وعلى العباد وفرض عليهم فرائض ما فرضها الله وما بينها رسول الله فهو والله ضال ومضل عبد لهواه {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.
دين الله يسر وميسور
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه وفي رواية إلا هزمه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة} قرر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين العظيم يسر وسهل والرفق فيه من أعظم علاماته ودلالاته والرفق زينة هذا الدين العظيم ومن يتشدد لابد وأنه سيغلب وسينقطع عن العبادة ولكن عليه بالسداد وهو القصد والوسط وتحري الصواب والصحيح من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم لأنه كما قال العلماء (لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ولا نية إلا باتباع للسنة) والمقاربة أن العبد إن لم يصل إلى الكمال في أعماله عليه أن يقارب قدر ما يستطيع ويبذل الجهد ويأخذ بالأسباب والله عزو جل هو الذي يعطيه ويأجره ويثيبه وهو أكرم الأكرمين فإذا فعل ذلك وبذل ما يستطيع بلا إفراط ومبالغة وغلو وبلا تفريط وجفاء وتضييع فليبشر بما أعده الله عزو جل له من النعيم المقيم في جنات النعيم جعلني الله وإياكم في أعلى منازلها ودرجاتها وعليه أن يستعين بالأوقات التي هي أنشط ما يكون العبد فيها، الغدوة وهي من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ،والروحة وهي بعد زوال الشمس، وشيء من الدلجة آخر الليل وهو وقت النزول الإلهي نزولا يليق بجلاله وكماله وعظمته يستعين بالطاعة في هذه الأوقات وهو مسافر إلى الله عزو جل وإلى جنات النعيم
ماذا صنع الغلو والتطرف بأهله
لقد حاد بهم عن صراط الله المستقيم ـ الذي نصبه طريقا أوحد ليصل به العباد إلى مبتغاهم وهو الاستقرار في جنات النعيم ـ كما هو الحال في كثير من الطوائف التي ضلت عن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسموا هذا الدين العظيم إلى فرق وأحزاب وجماعات منهم من يكفر المسلمين ومنهم من أباح دماء الناس وأموالهم وأعراضهم من غير دليل من كتاب ولا سنة ومنهم ينتهج العنف والغلظة في التعامل مع غيره وفي دعوة العباد إلى الالتزام بهذا الدين العظيم وشددوا على أنفسهم وعلى من يدعونهم إلى أفكارهم ومعتقداتهم والتي بلا شك بعيدة كل البعد عن هدي سيد المرسلين الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم والذي قال له أرحم الراحمين {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} والحكمة والموعظة الحسنة وهو منهج دعوته صلى الله عليه وسلم ومن شذ عن ذلك شذ عن هديه صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه يزاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم لأنه غير وبدل وأحدث في دين الله غير ما يرضي الله وخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول الحبيب صلى الله عليه وسلم بعدما تخبره الملائكة بذلك سحقا سحقا لمن غير وبدل بعدي فيا ويلهم و يا لخسارتهم و يا لشقاوتهم في هذا المقام الذي ليس بعده رجوع ولا ينفع عنده الندم.
علينا أحبتي في الله عزو جل أن ننصح أنفسنا أولا ثم من نعولهم زوجاتنا وأولادنا وبناتنا ومن تحت رعايتنا ومن نحبهم ومن نستطيع من إخواننا المسلمين بتحري نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أقوالنا وأفعالنا ونوايانا حتى لا نحيد عن صراط الله المستقيم والذي على جنبتيه الشياطين تتخطف الناس وتدعوهم إلى إما إلى الإفراط والغلو أو إلى التفريط والجفاء ومن أطاعهم في ذلك كان من جندهم وممن استحوذت عليهم الشياطين ومن الخاسرين والعياذ بالله فالحذر الحذر من ذلك أسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين في كل مكان السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.
أخوكم / كامل الضبع محمد زيدان
المشاهدات 1138 | التعليقات 0