يسروا ولا تعسروا

عنان عنان
1435/12/19 - 2014/10/13 13:00PM
[align=justify]{يسروا ولا تعسروا}

عبادَ اللهِ: التيسرُ مقصدٌ مِنْ مقاصدِ التشريعِ، وأساسٌ متينٌ مِنْ أُسسِ الدين، وهذا مرادُ الله لِخلقهِ، وهذا هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في سُنتهِ، قال تعالى: (يريدُ اللهُ بِكمُ اليسرَ ولا يُريدُ بِكمُ العسرَ) البقرة: 185.

والتيسيرُ شعيرةٌ في المعاملاتِ والاخلاقِ، وفي العاداتِ والعباداتِ،
قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ خيرَ دينِكم أيسرُهُ إنَّ خيرَ دينِكم أيسرُهُ) رواه احمد.

ولقدْ قامَ الاسلامُ بالتخفيفِ على الناسِ ويسَّرَ عليهم في جميعِ عِبادتِهم ورفعِ الحرجِ عنهم،
قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى رضيَ لهذهِ الامةِ باليسرِ وكره لها العسرَ.) رواه الطبراني في الكبير.

ولقدْ أرسلَ اللهُ رسولَهُ لى الله عليه وسلم وخصه باوصافِ الرحمةِ والتيسيرِ قالَ تعالى: (ونُيسركَ لليسرى) الاعلى: 8

ولقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحبُّ التيسرَ والرحمةَ والعطفةَ ويُحبُّ أنْ يُبشّْرَ الناسَ
ويقول: (أحبُّ الدينِ إلى اللهِ الحنفيةُ السَمْحةُ) رواه البخاري.
اي الشريعةُ السهلةُ في العملِ.

لكنْ إعلموا عبادَ الله أنَّ التيسرَ لا يعني التهاونَ بشرعِ اللهِ فما أمرَ اللهُ بهِ يجبُ أنْ يُنفذَ، وما نهى عنه الشرعُ يجبُ أنْ يُقلعَ ويُنتهى عنهُ،
ولكنَّ الشرعَ أمرَ بالتخفيفِ على النَّاسِ بالعباداتِ،
قال تعالى: (لا يُكلفُ اللهُ نفساً إلَّا وُسعها) البقرة: 286.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نَهيتُكم عنهُ فانتهوا وما أمرتُكُم بِهِ فأتوا منهُ ما استطعتم) رواه مسلم.

عبادَ اللهِ: ما أجملَ أنْ تكونَ الغايةُ ساميةً والوسيلةُ سهلةً مُيسرةً ولقدْ خففَ اللهُ على عبادهِ ورفعَ عنهم الحرجَ والمشقةَ في العبادةِ،
قال تعالى: (وما جعلَ عليكم في الدينِ مِنْ حرجٍ) الحج: 87.

عبادَ اللهِ: لقدْ يسَّر اللهُ القرءانَ يسَّرَ فهمَهَ وحفظَه وتلاوتَه وتدبرَه قال تعالى: (ولقدْ يسرنا القرءانَ للذكرِ فهلْ مِنْ مُدَّكرٍ) القمر: 17.

والصلاةُ عمودُ الدينِ وقدْ راعى اللهُ في إدائها إلّا أنَّهُ رخصَّ للمسافرِ بِقصرها، وللمريضِ أن يصليها على قدرِ إستطاعتهِ، وللعاجزِ يصليها على الاداةِ التي تُريحهُ،
قال صلى الله عليه وسلم لِعِمرانَ بنِ حُصينٍ حينَ أصابَهُ مَرَضٌ: (صلِّ قائماً فإنْ لمْ تستطعْ فقاعداً فإنْ لمْ تستطع فعلى جَنْبٍ) رواه البخاري.
ومع أهميةِ الصلاةِ إلّا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بالتخفيف فيها،
فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدُكم لِناسِ فَليُخففْ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ وإذا صلى أحدُكم لِنفسهِ فليُطَوَّلْ ما شاءَ) متفقٌ عليهِ.

والصيامُ رُكنٌ مِنْ أركانِ الاسلامِ مع ذلك خففَ الشرعُ فيهِ على العبادِ فرخصَ للمسافرِ بالافطارِ، وللحاملِ والمرضع إن خشيتْ على نفسها وولدها، وللمريض بالافطار، وأمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمنْ أرادَ صيامَ التطوعََ أنْ يعتدلْ ولا يتعنتْ،
عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(يا عمرو ألم أُخبرْ بأنَّكَ تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقمْ ونَمْ، فإنَّ لِجسدك عليك حقاً، وإنَّ لعينكَ عليك حقاً، وإنَّ لِزوجكَ عليك حقاً، وإنَّ لِزوْركَ عليك حقاً، وإنَّ بِحسْبكَ أنْ تصومَ كلَّ شهرٍ ثلاثةِ أيامٍ، فإنَّ لكَ بِكلِّ حسنةٍ عشْرَ أمثالِها، فإنَّ ذلكَ صيامُ الدهرِ كُلِّهِ) رواه احمد.

والزكاةُ رُكنٌ مِنْ أركانِ الاسلامِ، مع ذلك راعى اللهُ الناسَ في إدائها، فهيَّ لا تَجوزُ إلّا على مَنْ ملكَ النِّصابَ، ولا تجوزُ على الفقراءِ،

والحجُّ رُكنٌ مِنْ أركانِ الاسلامِ مع ذلك راعى اللهُ ظروفَ الناسِ فيهِ وجعلَه على مَنْ يستطيعْ مِنَ القوةِ البدنيةِ والماليةِ
فقال تعالى: {وللهِ على النَّاسِ حَجُّ البيتِ مَنٍ استطاعَ إليه سبيلاً) ال عِمران: 97.

وأمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بتيسرِ الزواج ونهى عَن مغالاةِ المُهورِ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يعلم إذا تغالت الناسُ في المهورِ فإنَّ الزواجَ سيتعسر وينتشر الزنا والفواحشُ وهذا ما نراهُ في أعيننا اليومَ كمْ مِنْ شابٍ التزمَ وأرادَ أنْ يُحصِّن فرجّه فوجدَ الابوابَ مغلقةً أمامَه فكانَ سبباً في إنتكاسهِ.
شبابُنا في الاسواقِ لا يَجدونَ ما يسدونَ بِهِ حاجتَهم نسائنا في الاسواقِ كاسياتٌ عارياتٌ ونحنُ نقول الافٌ مِنَ الدولاراتِ،
مَنْ أرادَ التوفيقَ والنجاحَ في الزواجِ لإبنتهِ مَنْ أرادَ الحياةَ السعيدةَ الهنيئةَ لابنتهِ فلا يغلي مَهرَها لأنَّ البركةَ تكونُ في تقليلِ المهرِ وتيسرهِ
قال صلى الله عليه وسلم: (أعظمُ النساءِ بركةٌ أيسرهُنَّ مئونةٌ) رواه احمد بإسنادٍ جيدٍ.

عبادَ اللهِ: إنَّ التيسرَ لا يقتصرُ فقطْ بين العبدِ وربهِ بلْ يشملْ كلُّ العلاقاتِ حتى مع الناس فّمنْ أرادَ الوصولَ إلى قلوبِ الناسِ ويَكسبْ قلوبّهم فعليهِ أنْ يُخاطبهم بأحسنٍ الاقوالِ اللينةِ وتلكَ مَقالةُ ذي القرنين (وسنقولُ لهُ مِن أمرنا يُسراً)
وأمرَ اللهُ موسى وهارون أن يخاطبا فرعونَ بالقولِ السهلِ اللينِ قال تعالى: (فقولا له قولاً ليناً لعلَّه يتذَكَّر أو يخشى) طه: 44
فإذا كان هذا مع مَنْ قالَ: أنا رَبُّكم الاعلى، فكيفَ بِمنْ قالَ: سُبحانَ ربيَّ الاعلى.

عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حُرمَ على النارِ كلُّ هينٍ لينٍ سَهْلٍ قريبٍ مِنَ الناسٍ) صحيح ابنُ حبانَ.

ولا يقتصرُ التيسرُ فقطْ مع العلاقاتِ مع الناسِ، بل في العلاقاتِ الأُسريةِ، فلنْ ينالَ الابنُ الرضا مِنَ اللهِ ببرِ والديهِ حتى ييسر عليهما ويرحمها، قال تعالى: (وَقلْ لهما قولاً كريماً واخفضْ لهما جناحَ الذُّلِ مِنَ الرحمةِ وقلْ ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً) الاسراء: 23-24.

ولا يقتصرُ التيسيرُ فقط بالعلاقاتِ مع الناسِ والعلاقاتِ الأُسريةِ، بلْ في البيعِ والشراءِ،
قال صلى الله عليه وسلم: (رَحِمَ اللهُ رجلاً سَمحاً إذا باعَ وإذا اشترى وإذا اقتضى) رواه البخاري.
ومَنْ كان له دينٌ على الناسِ فلييسرهُ عليهم لعلَّ اللهَ أنْ ييسرَهُ عليهِ، قال تعالى: (وإنْ كانَ ذو عُسرةٍ فَنَظِرَةٌ إلى ميسرةٍ) البقرة: 280.

عبادَ الله: مَنْ ولَّاه اللهُ على مَنصبٍ فلييسر على الناسِ، أيها المديرُ أيها المشرفُ والمسؤول ارفقْ ويسرْ على العُمالِ والموظفينَ فإنَّ اللهَ ييُسر عليك في الدنيا والاخرةِ.
قال صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ مَنْ وليَ شيئاً مِنْ أُمتي فرفقَ بِهمْ فارفق عليهِ وَمنْ وليَ شيئا مِنْ أُمتي فشقَّ عليهم فاشققْ عليهِ) رواه مسلم.

أقولي قولي هذا واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو التوابُ الرحيمُ

(الخطبة الثانية)

عبادَ اللهِ: إنَّ التيسرَ على العبادِ سببٌ لنيلِ التيسرِ في أمرِ الدنيا والاخرةِ، فَمنْ كان رحيماً بالناسِ لا يشقُ عليهم بل يرحمهم يسَّرَ اللهُ أمرَهُ في الدنيا والاخرةِ قال تعالى: (فأمَا مَنْ أعطى واتقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسرهُ لليسرى) الليل: 5-7
ومَنْ شقَّ على الناسِ شقَّ اللهُ عليهِ قال تعالى: (فأمَّا مَنْ بخلَ واستغنى وكذَّب بالحُسنى فسنيسرهُ للعسرى) الليل: 8-10
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شاقَّ شاقَّ اللهُ عليهِ) رواه ابو داود.

قال تعالى: (إنَّ رحمتَ اللهِ قريبٌ مِنَ المحسنين) الاعراف: 56.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهمُ الله ارحموا مَنْ في الارضِ يرحمُكم مَنْ في السماءِ) رواه البخاري

عبادَ اللهِ: قال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تُعسروا).

اللهم وفقنا لتيسر في جميع خطواتنا واجعله هدينا في جميعِ أمورنا ووفقنا لِطاعتك وطاعةِ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وطاعةِ مَنْ أمرتنا بِطاعته عملا بقولك: يايها الذين أمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسولَ وأولي الامرَ منكم. النساء 59.[/align]
المشاهدات 5847 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا