يريد .. ويريد

عبدالله اليابس
1439/06/13 - 2018/03/01 19:02PM
يريد .. ويريد                                  الجمعة 14/6/1439هـ  
الحمد لله على كل أمر دقيق أو جلل, ونستغفره لمن تاب منا ومن في المعاصي لم يزل, ونرجوه رحمةً تعمُّنا ولا نطمع في سواها بدل, وأشهد أن لا إله إلا الله .. قَدَّرَ الأمور من الأزل، فلحكمةٍ لم يفعل ولحكمةٍ فعل, وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي إذا قال فعل, اصطبر على الأذى وقد ناءت الجبال بما حمل, اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه, واجعله الشفيعَ لنا إذا ما الروح حين البعث بالجسد اتصل.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. تأمل .. ما الذي تريده في حياتك .. ما الذي تريده من الله تعالى .. تذكر .. ما هي الأدعية والأماني والطلبات التي تدعو الله أن يحققها لك.. وفي المقابل تأمل.. وأنت تريد من الله أن يحقق لك ما تريد أنت.. تأمل هل حققتَ ما يريده الله منك؟
هل سألت نفسك يومًا: مالذي يريده الله تعالى مني؟
اسمع إلى هذه الآية العظيمة .. اسمعها بأذنك وقلبك .. وتأمل في حالك معها: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}..
نعم .. هذا ما يريده الله منك .. الله سبحانه وتعالى .. بعظمته وقوته وقدرته .. يريد أن يتوب عليك .. يريدك أن تقبل عليه .. ليعطيك .. ليعطيك في الدنيا والآخرة .. أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).
الله أكبر .. ربك سبحانه وتعالى يدعوك لتقترب منه .. ويعدك إن تقربت منه أن يتقرب إليك أكثر..
إن هذا العرض سارٍ كل يومٍ وليلة.. حتى تطلع الشمس من مغربها.. أو تبلغ الروح الحلقوم .. فعند ذاك {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}.
بل إن الله سبحانه وتعالى في كل ليلة يَنزِل إلى عباده ويناديهم .. فاسمع إلى هذا النداء الذي أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ, حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ).
أيها الأخ الحبيب .. ذنوبنا كثيرة .. وكلنا خطاؤون .. لكنَّ خير الخطَّائين التوابون ..
تخيل لو أنك في كل يوم تذنب خمسة ذنوب.. خمسة ذنوب فقط.. فكم ستكون ذنوبك بعد سنة؟ بعد سنة ستكون قد اكتسبتَ ألفًا وثمانمائة ذنب ..  كيف ستقابل الله تعالى بها؟ كيف ستجيب على كل سؤال عنها, روى البخاري  ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ).
غدًا في موقف الحساب سيتكلم كل شيء.. {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ, فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى. قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي. قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا. قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي. قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ. قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ. قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ).
ستشهد عليك أعضاؤك عن ألف وثمانمائة ذنب في كل سنة.. هذا لو كنت تعصي الله خمس مرات فقط في اليوم والليلة.. فكيف ونحن نعصي الله صباحًا ومساءً.. فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
أيها الأخ الكريم .. ما الذي يحول بينك وبين التوبة؟ الله يريد أن يتوب عليك .. فماذا تنتظر .. أطرق برأسك الآن .. وتذكر ذنوبك.. أقلع عن هذه الذنوب .. واندم عليها .. واعزم على عدم العودة إليها .. وإن كانت لبعض البشر حقوق عليك فَأَدِّها .. إذا فعلت ذلك فأنت تائب بإذن الله.. وأسأل الله أن يقبل توبتك .. وتذكر .. أن ذنوبك هذه ستنقلب إلى حسنات {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
قال الحسن البصري رحمه الله: (ابنَ آدم.. ترك الخطيئة أهون عليك من معالجة التوبة, ما يُؤَمِّنُك أن تكون أصبت كبيرةً أُغلق دونها باب التوبة فأنت في غير معمل).
قال شقيق البلخي رحمه الله: (علامة التوبة: البكاءُ على ما سلف, والخوفُ من الوقوع في الذنب, وهُجرانُ إخوان السوء, وملازمةُ الأخيار)
كان الفضيل بن عياض يقطع الطريق، وكان سببُ توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}, فلما سمعها قال: بلى يارب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خَرِبة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فُضيلا على الطريق يقطع علينا. قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مُجاورة البيت الحرام.
 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. علمنا فيما مضى ماذا يريد الله منَّا.. {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}..
نعم .. إذا كان هذا هو ما يريده الله منا.. فإن الذين يتبعون الشهوات يريدون منا أن نميل ميلاً عظيمًا..
ميلاً عن طريق الله .. وعن طريق الاستقامة على دينه.. ميلاً عن طريق الهدى والرشاد.. وليس أي ميل .. وإنما يريدونه ميلاً عظيمًا.. عظيمًا كأعظم ما يكون الميل..
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره: (وَالْمَقْصِدُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِإِرَادَةِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: تَنْبِيهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دَخَائِلِ أَعْدَائِهِمْ، لِيَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ, وَمُرَادِ أَعْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} ا.هـ.
هل تأملت في وصف الله تعالى لهم بأنهم يتَّبِعون الشهوات؟ يتتبعونها.. ويطاردونها.. ويدعون الناس إليها.. حتى يوردوهم مواردهم.. ويَميلوا وإياهم ميلاً عظيمًا.. ولذلك كانت جهنم مصير من يتبع الشهوات.. {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
إنهم دعاة .. لكنهم دعاة إلى الشر.. دعاة إلى اتباع الشهوات.. فالحذر الحذر منهم.. هم منا.. ويتكلمون بألسنتنا.. ويلبسون كما نلبس.. ونشاهدهم في كل مكان.. قد تشاهده في العمل يدعوك إلى معصية.. أو يكون من أصحابك ويدعوك إلى معصية.. أو يرسل لك مقطعًا يحبب إليك المعصية.. أو يكون داعيًا أكبر يجمع الناس ليعصوا الله تعالى ويجاهروا بذلك.. {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
فالحذر الحذر أيها الإخوة من دعاة الشهوات.. وتذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلمُ في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ).
فاللهم اقبل توباتنا.. واغسل حوباتنا .. وأجب دعواتنا .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, واعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

يريد-14-6-1439

يريد-14-6-1439

المشاهدات 3405 | التعليقات 0