( يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ )

مبارك العشوان 1
1442/09/16 - 2021/04/28 17:57PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران 102

عِبَادَ اللهِ: عَشْرُ لَيَالٍ مُقبِلَةٍ، أَوَّلُهَا لَيلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ مِنْ رَمَضَانَ؛ وَهِيَ عَشْرٌ مُبَارَكَةٌ؛ لَيْسَ فِي العَامِ مِثْلُهَا - نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بُلُوْغَهَا وَالعَوْنَ وَالتَّوفِيْقَ لِحِفْظِهَا.

العَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ مَغْنَمٌ عَظِيْمٌ فَاغْتَنِمُوهُ، وَفُرْصَةٌ ثَمِيْنَةٌ فَلَا تُضيِّعُوهَا، وَتِجَارَةٌ رَابِحَةٌ فَتَنَافَسُوا فِيْهَا.

تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ ) رواه مسلم.  وَتَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ )  رواه البخاري.

أَلَا فَاجْتَهِدُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - فِي عَشْرِكُمْ غَايةَ جُهْدِكُمْ، مَيِّزُوهَا عَنْ غَيْرِهَا؛ بِمَا مَيَّزَهَا بِهِ نبيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ اتَّبِعُوا سُنَّتَهُ؛ وَاهْتَدُوا بِهَدْيِهِ.

جَاهِدُوا أنفُسَكُمْ عَلَى قِيَامِ هَذِهِ اللَّيَالِي، وَتَوَاصَوا بِهِ؛ وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ، وَاعْقِدُوا عَزْمَكُمْ أَلَّا تُضَيِّعُوا مِنْهَا لَيْلَةً؛ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعْظَمَ الجَزَاءَ لِأَهْلِ القِيَامِ؛ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة 16  وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات 15 - 18

صَلُّوا مَعَ الإمَامِ حتَّى نِهَايَةَ الصَّلَاةِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيامُ ليلةٍ ). أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

تَحَرَّوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - لَيْلَةَ القَدْرِ فِي عَشْرِكُمْ؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: ( يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ) أخرجه البخاري. 

احْرِصُوا عَلَى قِيَامِهَا؛  فَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) أخرجه البخاري ومسلم.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُبلِّغَنَا العَشْرَ وَلَيْلَةَ القَدْرِ، وَيُوَفِّقَنَا لِقِيَامِهَا إِيْمَانًا وَاحْتِسَابًا وَيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأحْيُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - عَشْرَكُمْ؛ أَحْيُوهَا بِالقِيَامِ،  أَحْيُوهَا بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ؛ فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ.

أَكْثِرُوا مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ؛ فَهِيَ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ؛ قَالَ تَعَـالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }

أَكْثِرُوا مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَتَدَبَّرُوهُ فَفِي ذَلِكَ صَلَاحُ القُلُوبِ، وَطَهَارَتُهَا، وَبِهِ أُنْسُهَا وَسَعَادَتُهَا: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد 28

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَلَا شَيْءَ أَنْفَعَ لِلْقَلْبِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ... وَيَقُولُ: فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّفَكُّرِ هِيَ أَصْلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ هَذَّ الشِّعْرِ، وَلَا تَنْثِرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ. ا هـ.

وَيَقُولُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبُكُمْ مَا شَبِعَتْ مِنْ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ اِلْزَمُوا الاِسْتِغْفَارَ؛ فَبِهِ تُرفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُمْحَى الخَطِيْئَاتُ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُـوءاً أَوْ يَظْلِـمْ نَفْسَهُ ثُـمَّ يَسْتَغْفِـرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيمـاً } النساء 110

أَكْثِرُوا الدُّعَاءَ، وَتَخَيَّرُوا جَوَامِعَهُ، وَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ، اُدْعُوهُ تَعَالَى يَسْتَجِبْ لَكُمْ؛ سَلُوهُ تَعَالَى يُعْطِكُمْ، اسْتَهْدُوهُ يهْدِكُمْ، استَطْعِمُوهُ يُطْعِمْكُمْ، استَكْسُوهُ يَكْسُكُمْ، استَغْفِرُوهُ يغْفِرْ لَكُمْ، ادعُوهُ تَعَالَى فِي سُجُودِكُم: فَـ ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ... ) رواه مسلم.

اِسْتَغِلُّوا طُولَ السُّجُودِ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَطُوْلَ الرُّكُوعِ بِتَعْظِيْمِ المَولَى جَلَّ وَعَلَا، وَادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56  

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1619632593_يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.pdf

المشاهدات 1666 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا