يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ- تَفْسِيْرُ سُوْرَةِ الْعَصْرِ
محمد البدر
خُطْبَةُ عَنْ:يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ:العِلمُ،وَالعَمَلُ بِهِ،وَالدَّعوَةُ إِلَيهِ،وَالصَّبرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ- تَفْسِيْرُ سُوْرَةِ الْعَصْرِ
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ شَيخُ الإسلامِ الإمَامُ المُجَدِّدُ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِالوَهَّابِ-رَحِمَهُ اَللَّهُ-اعلَم-رَحِمَكَ اللَّهُ-أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ:الأُولَى:العِلمُ، وَهُوَ مَعرِفَةُ اللَّهِ، وَمَعرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعرِفَةُ دِينِ الإِسلَامِ بِالأَدِلَّةِ.الثَّانِيَةُ:العَمَلُ بِهِ.الثَّالِثَةُ: الدَّعوَةُ إِلَيهِ.الرَّابِعَةُ: الصَّبرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ.وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى:بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ وَالعَصرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ (3)﴾.قَالَ الشَّافِعِيُّ-رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى-:((هَذِهِ السُّورَةَ لَو مَا أَنزَلَ اللَّهُ حُجَّةً عَلَى خَلقِهِ إِلاَّ هِيَ لَكَفَتهُم((.وَقَالَ البُخَارِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:(بَابٌ:العِلمُ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى:﴿فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ﴾فَبَدَأَ بِالعِلمِ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ).
اعلَم-رَحِمَكَ اَللَّهُ-أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ وَمُسلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلَاثِ هَذِهِ المَسَائِلِ وَالعَمَلُ بِهِنَّ:
الأُولَى: أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَلَم يَترُكنَا هَمَلًا، بَل أَرسَلَ إِلَينَا رَسُولًا، فَمَن أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَرسَلنَا إِلَيكُم رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيكُم كَمَا أَرسَلنَا إِلَى فِرعَونَ رَسُولًا(15)فَعَصَى فِرعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذنَاهُ أَخذًا وَبِيلًا ﴾.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَرضَى أَن يُشرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لَا نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى:﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَن أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللَّهَ لَا يَجُوزُ لَهُ مُوَالَاةُ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقرَبَ قَرِيبٍ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى:﴿ لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءهُم أَو أَبنَاءهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ المُفلِحُونَ ﴾.
اعلَم-أَرشَدَكَ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ-أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ:أَن تَعبُدَ اللَّهَ وَحدَهُ مُخلِصًا لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُم لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُوِنِ ﴾وَمَعنَى يَعبُدُونِ:يُوَحِّدُونِ.وَأَعظَمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ:التَّوحِيدُ، وَهُوَ:إِفرَادُ اللَّهِ بِالعِبَادَةِ، وَأَعظَمُ مَا نَهَى عَنهُ: الشِّركُ، وَهُوَ:دَعوَةُ غَيرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ﴾.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾.سُوْرَةِ الْعَصْرِ مكيّة يَقُولُ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ– رَحِمَهُ اللهُ:أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح.والخسار مراتب متعددة متفاوتة:قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي:يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح[العظيم].
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1707354787_يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ- تَفْسِيْرُ سُوْرَةِ الْعَصْرِ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق