يَتَخَوَّضونَ فِي مَالِ اللهِ ( حسب التعميم الوزاري)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذيْ أظهرَ لعبادهِ من آياتِه دليلاً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له المتفردُ بالخلقِ والتدبيرِ جملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه أصدقُ الخلقِ قِيلاً، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ لهمْ بإحسانٍ، جِيلاً فَجِيلاً، أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ تعالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. فكيفَ تكونُ الأموالُ فتنةً؟! تكونُ فتنةً في تحصيلِها، وفتنةً في تمويلِها.
روى البخاريُ أن النَّبِيَّ e قالَ: إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([1]).
فمَن أولئكَ المتخوِّضونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍ؟!
إنهم أشكالٌ، ومخادَعاتُهم ضلالٌ! وأشدُّها ما أُخِذَ بغيرِ وجهِ حقٍ من المالِ العامِ الذي لا يَخُصُّ أحدًا منَ المسلمينَ.
أيُها المسلمونَ: بعضُ الناسِ يَستسهِلُ أخذَ الأشياءِ القليلةِ أو الرخيصةِ، وقد قالَ النبيُ e: أَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ([2]).
خيطٌ وإبرةٌ، فكيفَ بمن يُخادِعُ الناسَ عَبرَ البيعِ عن بُعدٍ، وبالدعاياتِ الكاذبةِ المدفوعةِ؟! وهم يَحسبونَ أنهم بخداعِهم أذكياءُ! إلا إنهم بأكلهِمُ السُحتَ همُ الخاسرونَ.
قَالَ رسولُ الله e: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ([3]).
عودُ سواكٍ، فكيفَ بالأخذِ من أموالِ المسلمينَ التي هيَ حقٌ لهم جميعاً؟!
فالأمرُ أشنعُ، وفي الآخرةِ أفظعُ.
ولأجلِ أن نُدرِكَ خطورةَ الأخذِ من بيتِ مالِ المسلمينَ وأموالِهمُ العامةِ: فلنتأملْ في حالِ رجلٍ خرجَ للجهادِ في سبيلِ اللهِ مع رسولِ اللهِ، ولكنْ كيفَ مَصيرُه؟ وبِم خُتِم لهُ؟!
ففي الحديثِ المتفقِ عليهِ أن مَولىً لرَسُولِ اللَّهِ e..يَحُطُّ رَحْلاً لرسولِ اللهِ e يَوْمَ خَيْبَرَ، إِذَا سَهْمٌ (عَائِرٌ) فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ e: كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا([4]).
فإذا كانَ هذا في شملةٍ محقرةٍ فكيفَ بأهلِ الألوفِ والملايينِ؟!
ومنْ صُورِ التخوضِ في مالِ اللهِ: المُقاوِلُ الذي يَخونُ في مُقاوَلتِه، والموظفُ الذي لا يُتقِن لمهمتِه. وكذا التاجرُ الذي يَزوِّرُ ويَزيدُ في سِعرِ سلعتِهِ، أو يبيعُ ما يَضرُ الناسَ في أديانِهِم أو أبدانِهِم، فكلُ هذا أكلٌ للحرامِ.
مَعاشرَ المسلمينَ: مِن أعظمِ الخيانةِ خيانةُ مَن حَملَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمينَ، ثم اتَّخذَ مِن ذلكَ العمَلِ مطيّةً لجمعِ الأموالِ، واتخاذِ يدٍ له عندَ مسئولٍ، بالاختلاسِ، أو الابتزازِ، أو الرشوةِ، أو التحايُلِ بالباطلِ.
ففي صحيحِ مسلمٍ أن رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ. قَالَ: وَمَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى([5]).
أيُها المسلمونَ: الرشوةُ محرَّمةٌ بأيِ اسمٍ سُمِّيتْ، سواءٌ سُميَتْ هديةً أو مكافأةً أو إكراميةً، أو (بَخشِيشًا)! وسواءٌ كانتْ على صورةِ هدايا أو خُصوماتٍ أو امتيازاتٍ أو مأدُبةِ طعامٍ، فالأسماءُ لا تُغيِّرُ منَ الحقائقِ شيئاً، والعِبرةُ بالحقائقِ والمَعاني، لا للألفاظِ والمَباني. وقد لَعَنَ رَسُولُ اللهِ eالرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ([6]).
فثَمَّتَ مسألةٌ ماليةٌ مهمةٌ، تُشكِلُ على الناسِ، وهيَ أن بعضَهم يُطلَبُ منه بَذلُ جاهِهِ ووَساطتِهِ ؛ ليُعَيِّنَ أو يَنقُلَ موظَّفًا، أو يُدخِلَ مريضاً المستشفى، فيَشتَرِطَ مقابِلَ شفاعتِهِ مبلغًا ماليًا؛ فهذا حرامٌ؛ لقولِهِ e: مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الْرِّبَا([7]).
فلو شفعْتَ لأخيكَ، وجاءكَ بهديةٍ فلا تأخذْها؛ فهيَ ربا، وإذا لم تَنفَعْ إخوانَك فإياكَ أن تَضُرَّهم، و"الشفاعاتُ زكاةُ المُروءاتِ"([8]).
وكذا مَن كانَ مِن صَميمِ عملهِ أن يُقدِّمَ لكَ هذهِ الخِدمةَ، ولكنهُ امتنعَ إلا بمقابلٍ، فهذهِ رشوةٌ محرمةٌ.
وأما مَن استأجَرَ شخصًا؛ لإنجازِ معاملةٍ ومتابعتِها في الدوائرِ؛ فهذا من بابِ الإجارةِ الجائزةِ. فهذهِ ثلاثةُ أقسامٍ: الشفاعةُ بمقابلٍ حرامٌ، والرشوةُ على عملِكَ حرامٌ، والإجارةُ على أتعابِكَ حلالٌ.
- فاللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.
- اللهم باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، واقضِ ديونَنا، وأرخصْ أسعارَنا.
- اللهم أطِبْ أطعمتَنا وأجبْ دعوتَنا.
- اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ.
- اللهم أخرِجْنا من هذهِ الدنيا ولا أحدَ من خلقكَ يطلبُنا بمَظلمةٍ.
- اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
- اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ.
- اللهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
- اللهم حسِّنْ أخلاقَنا، وبارِك أرزاقَنا، وآمنْ أوطانَنا، واحفظْ وسددْ إمامَنا، ووليَ عهدِ إمامِنا.
- اللهم احمِ حدودَنا وجنودَنا. وأصلِحْ بلادَنا وأولادَنا، وبارِكْ تعليمَنا ويسِّرْ تفهيمَنا.
- قالَ حبيبُنا e: أكثِروا علَيَّ منَ الصلاةِ في كلِ يومِ جمعةٍ، فإن صلاةَ أمتي تُعرَضُ علَيَّ في كلِ يومِ جمعةٍ، فمَنْ كانَ أكثرَهم عليَّ صلاةً كانَ أقربَهم مني منزلةً([9]).
- فاللهمَ صلِ وسلِم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
([2])مسند أحمد ط الرسالة (17154)
([4])صحيح البخاري (4234) وصحيح مسلم (115).
([6])سنن الترمذي (1337) وقال: حسن صحيح.
([7])سنن أبي داود (3541) حسنه ابن مفلح والألباني. وصححه ابن باز.
([9])رواه البيهقي(شعب الإيمان2770) وحسنه المنذري(2583) وابن حجر(الفتح11/167) والعجلوني(1/190) والألباني(صحيح الترغيب167(
عبد الله بن علي الطريف
ﷺ هذه صورة الصلاة على رسولنا صلى الله عليه وسلم لا تتغير عند النقل للفائدة.
تعديل التعليق