يا مَن فاتَك الحج لا يَفُتْك الأجر [خطبة جمعة في 8 - 12 - 1432هـ]

محمد الأحمد
1432/12/08 - 2011/11/04 08:23AM
يا مَن فاتَك الحج لا يَفُتْك الأجر
محمد بن فهد الأحمد – جامع السيف 8/12/1432هـ

الحمد الله الذي جعل عدة الشهور عنده اثنا عشر شهراً في كتابه العظيم، وعظّم هذه الأيامَ العشر بجعلها أفضلُ أيام السنة على الإطلاق، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله، بيّن لنا أعمالاً صالحةً في هذه العشر لنرتقي بها في درجات الآخرة، وحثنا على صيامِ يوم عرفة لتكفير ذنوبنا ، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد تذاكرنا وإياكم –معاشر المسلمين- في الجمعة الماضية قولَ النبي صلى الله عليه وسلم تذاكرنا: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))( ).
فمَنْ مِنَّا أدى شكرَ الله لنعمة إبقائه حيًّا إلى هذه الأيام ؟
إنَّ من شُكْر الله تعالى أن يزداد الإنسانُ عبوديةً لله في أيامٍ هي من أفضل أيام السنة على الإطلاق.
جعلها الله لنا زاداً نتزوّد به، في حين أنَّ غيرنا قد قبضه الله إليه ،،
فاعتبروا أيها المسلمون من تخطِّي الموت إلى غيركم، فستأتي لحظاتٌ يتخطى فيها غيرَنا ليقبض أرواحنا...
فماذا أعددنا للحظةِ مجيء الموت ؟
هل اتعظنا وعملنا ؟
أو ادّكرنا فأحسنّا ؟
أم هو تقطيع الأيام بطول الأمل ؟؟

أيها المسلمون ... فازَ مَنْ ساقه شوقُه إلى بيتِ الله فهو يؤدي فريضة الحج،
سمعَ داعي الله فاستجابَ له، متلهفاً للموقفِ العظيم بعرفةَ يناجي ربَّه ويبتهلُ إليه، رافعاً أكفَّ التضرع، بقلبٍ وَجِلٍ وعين سابلة، ليتوّجَ الله تذلّل عبده إليه بعتقه من النار، بعد أن يباهي اللهُ بهذا الجمع من الحجيج ملائكتَه، ويعودَ الحاجُّ بعد حجٍّ مبرور كيومَ( ) ولدته أمّه، لا ذنب عليه.
أما نحنُ يا مَن فاتنا هذا الحج، فلنعلَم جميعاً أنَّ رحمةَ الله أكبر، وفضلَه أوسع، ولكن أينَ من فَسَر ساعِده للعمل الصالح، وشمَّر ؟
كلُّ عملٍ صالحٍ فهو مقبولٌ ومضاعَف في هذه الأيام..
ومن فاته العتقُ من النار والبراءة من الذنوب في الوقوف بصعيدِ عرفة، فيومُ عرفةَ للمسلمين جميعاً .. يوم عرفة "هو يوم العتق من النار، فيُعتِقُ اللهُ من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين"( )، فلا يفوتنَّك صيامه؛ لتظفر بتكفير الذنوب لسنتين ملأتَهما بالتقصير في حقِّ الله، يقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعدَهُ))
فصُمْهُ، وأْمُرْ أهلَك بصيامه، وحُثَّهم عليه، وليكن لك في دعوةٌ صادقة وأنت صائم ترجو فيها رحمةَ الله، وتستغفرُ فيها لذنبك، وتستعيذُ فيها من النار.
ولو سألتَ أهلَ القبورِ الذين رَمَسهم التراب، ماذا يريدون، لتمنوا صيامَ هذا اليوم والابتهال لله فيه، فها أنتَ أيها المسلمُ في وقتِ السعة، فاعملْ ليومٍ شديدٍ حرّه وعظيمٍ موقفه، ولا عمل فيه إلا من وفّقه الله للعمل الصالح في هذه الدنيا .
أيها المسلمون
هذا اليوم العظيم، وأيام العشرِ كلُّها وأيام التشريق، هي أيامُ التكبير وتعظيمُ الله،،
((فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ))
الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ..
فيُشرع التكبير المطلق في كلِّ وقتٍ ومكان إلى نهايةِ أيام التشريق، أما التكبير المُقيد بأدبار الصلوات فيُشرعُ من فجرِ يوم عرفة.
كان الصحابة رضي الله عنهم يُكبرون في مثل هذه الأيام، استجابةً وخضوعاً لله الواحد الديان ((وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ))
يُكبّرون الله .. لأن كبرياءَ الله أكبر من جمعِ الناسِ كُلهم، وقد انقادَ الناسُ كُلهم له سبحانه..
وقبل ذلك انقادت قلوبُ المؤمنين لكبرياء الله ، فالله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً .

أيها المسلمون الكرام ... غداً يومُ عرفة، وهو يوم توحيدِ الله، فيه أكملَ الله هذا الدين وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً ..
هذا اليوم الذي يصومه المسلم الموفَّق .. يتفرّغ فيه المسلمُ للدعاء والتوحيد، وللثناء والتمجيد..
وليس ذلك حصراً على الحاج، بل حتى غيرُه يحظى بهذا..
يقول لنا صلى الله عليه وسلم، بياناً لفضل شهادة التوحيد وتكرارها يومَ عرفة: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ [أي من بعد الظهر إلى مغيب الشمس] : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
هذا هو التوحيد الذي لأجله قامت السموات والأرض، فالحمد لله الذي أحيانا مسلمين، ونسألك اللهم أن تميتنا على شهادة التوحيد ..
أيها المسلمون.. يا من فاتتك شعير الحجّ، فلا يفتك أجرُ أعظمِ أيام الحج ،،
فصُم يومَ عرفة، والْهجْ فيه بالدعاء، واترك أشغالك وتواصَ مع أهلك وعائلتك، ليكون يومُ عرفة يومُ دعاءٍ وتمجيد وتوحيد، لعلَّك تنالَ رضى الله سبحانه .
فـ(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ )) كما قال صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون:
"من فاته في هذا العام القيامُ بعرفة؛ فليَقُمْ لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عَجَزَ عن المبيت بمزدلفة؛ فَلْيَبِتْ عَزْمُهُ على طاعة اللهِ وقد قرَّبه وأزلفه .. ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى؛ فليذبح هواه هنا وقد بلغ الـمُنى ، ومن لم يَصِلْ إلى البيت لأنه منه بعيد؛ فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد"( ).


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خير النبيين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله ربكم، واعلموا أن تعظيم شعائر الله من التقوى، وإن من الشعائر العظيمة في هذه الأيام هي شعيرة الأضحية، يُهرقُ الإنسان فيه دماء بهيمة الأنعام؛ إيماناً بالله، وتطبيقاً لشرعه، وإعمالاً لسنّتِه.
يتجلى فيها توحيدُ الله بأن نذبح له (فصل لربك وانحر)
وهي سنةٌ مؤكدةٌ وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، وليست بفرضٍ واجبٍ، ولكن من كان ذا سَعةٍ ويُسرٍ فلا يبخل على نفسه بأضحيةٍ يجدُ أجرها عند الله ،،
ومن وفّقه لهذه الشعيرة، فليدفع مبلغها ونفسُه طيبةً بذلك، ولو كُنَّا في مواسم الغلاء، (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم) مُدخرٌ لك أجرُه ودرجتُه.
ولتحرص أخي المسلم عند شرائك للأضحية أن تكون طيبةً سليمة ، سمينةً نفيسة، فإن (أفضل الرقاب أغلاها وأنفسُها)( )، ولا تنسَ أنها قُربانٌ يُقدَّم إلى ربِّ العالمين، وعملٌ سيجد المسلمُ أجره عند الله يوم القيامة، فليُكتب في صحيفة أعمالك أنك اخترت الطيب الحسن؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله؛ قال الله تعالى: (( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ))[الحج:32].
والشاةُ الواحدةُ تُجزئ عن الرجلِ وأهلِ بيته، أي تجزئ عمن يليَه من أهل بيته ومن هو مشمولٌ بنفقته، كالأب: يضحي عن نفسه وزوجته وأبنائه وأمه التي تسكن معه وينفق عليها.
هذا من حيث الإجزاء ، ومن حيث الثواب، فللإنسان أن يُشرِك في ثوابها من شاء، كوالديه وأقاربه، أحياءً وأمواتاً، ونحو ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه وعن أمته .

عباد الله،
من المسائل التي يكثر السؤال عنها في الأضحية، هو أن بعض الناس يرغب أن يوكّل جمعيةً خيرية لتذبح عنه أضحيتَه، فنقولُ له: الأصلُ في القُرَب والمناسك الشرعية أن يعملها الإنسان بنفسه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بذبح أضحيته بيده الشريفة، ولما فيها من شهود القربة والشعيرة وتعويد الأبناء عليها، إلا أنَّه يجوز لك أن توكّل الجمعياتِ الخيرية وتعطيهم مالاً ليذبحوا أضحيةً عنك، والأفضل أن تعطيها الجمعياتِ الخيرية في داخل البلد كدارِ الخير ونحوها، لأن فقراء البلد أحوج ، والأقربون أولى بالمعروف، ولو دفعتها لجمعيات خيرية موثوقة في خارج البلد فإن ذلك جائز.
اللهم يسّر على الحجاج حجَّهم، وأتمم عليهم مناسكهم، وتقبّل منهم يا ربَّ العالمين.
اللهم لا تحرمنا أجرهم، واكتب لنا عملاً صالحاً نبلغُ به جنَّتك.
اللهم وفقنا لصيام يومِ عرفة، وتقبله منا يا ربَّ العالمين.
اللهم اجعلنا فيه من الموحدين، ومن عتقائك فيه من النار.
اللهم اعتق رقابنا فيه من النار، وكفّر فيه عن ذنوبنا، واغفر اللهم لنا .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لوالدينا ولجميع المسلمين .
اللهم وفقنا فيها للعمل الصالح ، وتقبله منا يا سميع يا مجيب
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ..
اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدن رحمة إنك أنت الوهاب)
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثتنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار،عاجلاً غير آجل
اللهم اسق عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك..
فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام..
عباد الله .. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسول وخليلك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات

يا مَن فاتَك الحج لا يَفُتْك الأجر.doc

يا مَن فاتَك الحج لا يَفُتْك الأجر.doc

المشاهدات 3588 | التعليقات 2

للرفع. لمناسبتها.
تقبل الله منا ومنكم


خطبة تهم كل مسلم لم يتيسر له الحج
لفتات رائعة يا شيخ محمد
جعلها الله في ميزان حسناتكم