و لوطنك عليك حقا
الغزالي الغزالي
1434/04/19 - 2013/03/01 15:25PM
و لوطنك عليك حقا الجمعة:19 ربيع الآخر 1434 هـ / 1 مارس 2013
الحمد لله جعلت الفردوس لعبادك المؤمنين نُزُلا؛ فلك الحمد أولا وآخر، وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله الذي يسَّرها لنا، ويسَّر الأعمال الصالحةالموصلة اليها رحمة بنا؛ فلم يتخذ السالكون إلى الله سواها شغلا، وسهل لهم سبلها فلم يسلكوا سواها سبلا، خلقها قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحفَّها بالمكاره ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وأودعها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفوق ذلك، (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)،و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة ندَّخرها إلى يوم المصير، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته وفضله، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بمنِّه وكرمه ورحمته،و نشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، شرح الله به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه،وسلم تسليما كثيرا الى يوم لقائه.. ( أما بعد) أيها الناس َاتَّقُوا اللهَ تعالى ربكمُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيْمُوْا لَهُ دِيْنَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوْبَكُم.(معاشر المسلمين) محبَّة الإنسان لأرضه وبلده خصلةٌ جبليَّة، مركوزة في الفِطَر السويَّة، ومقرَّرة في الشريعة الإسلاميَّة. وَطَنُ الإنسان هو مَسقَط رأسه الذي وُلِدَ فيه، وترَعرَعَ من خيره وخيراته، وعاش تحت ظلِّه وسَمائه، فيه مواقف الطُّفولة وأخبار الصِّبا، وأنباء الحياة وحوادث الدهر. كم يتلذَّذ الإنسان بوجوده في وطنه، وكم يحنُّ إذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذَل المُهَجُ لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري في العُروق، وتخفق بها القلوب، كيف لا وقد قرَن المولى – سبحانه وتعالى - حبَّ الأرض بحبِّ النفس؟ ففي القرآن الكريم،نقرأ قول الله العظيم: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ}. واستحقَّ الصحابة - رضِي الله عنهم - المدحَ والثَّناء؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم المحبوبة في سبيل الله تعالى،قال جل وعلا:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. بل إنَّ التغريب عن الأوطان، قد جُعِلَ في شريعة الرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، لو وقَع في الزنا من غير إحصان.(عباد الله) ان المحبَّة والتعلُّق بالدِّيار، وجَدَها المصطفى المختار، يوم أنْ تآمَر عليه رُؤوس الكفر ليسجنوه أو يقتُلوه أو يُخرِجوه، فخرَج فارًّا مُهاجِرًا، فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: (والله، إنَّك لأحبُّ البِقاع إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ، ما سكنتُ غيرَكِ). ثم بعد هجرته بسنين عدَّة، يأتي إليه أُصيل بن عبدالله الغفاري من مكَّة، فيسأله النبي(ص) عن أرض الوطن،قائلا له: (كيف تركت مكة يا أصيل؟)، فقال: تركتُها حين ابيضَّت أباطِحُها، وأحجن ثُمامُها، وأغدَقَ إذخرُها، وأمشَرَ سلَمُها. فاغرَوْرَقت عَيْناه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتحرَّكت لَواعِج شوقه، فقال: (يا أصيل، دَعِ القلوب تقر). إخوة الإيمان: وإذا كانت محبَّة الأرض والوطن سُلُوكًا فطريًّا، فكيف تكونُ المحبَّة وذلك الولاء،اذا كان وطن النبي (ص)هو مهبط الوحي، ومنبع الرسالة؟! منه انطلقَت الدعوة المحمديَّة، وعبْر بوَّابته دخَل الناس في دِين الله أفواجًا. كيف إذا كان ذلكم الوطن يضمُّ بين جَنباتِه البيتَ العتيق أحبَّ البقاع وأكرمها عند الله - تعالى؟!وهكذا يجب على المؤمن أن يحب بلده،ويناصر وطنه،أسوته في ذلك نبيه الأكرم محمد (ص).وأن يحبُّ الصلاح، ويَسعَى إلى الإصلاح، ولو كان غيره مُقصِّرًا ظالمًا لنفسه. فأي بلد مسلم واجبٌ الحفاظُ على أمْنه وإيمانه، وسلامته وإسلامه، من كلِّ مخرِّب ومغرِّب، وبالأخصِّ في مثل هذه الظُّروف العَصِيبة، والتقلُّبات الأمنيَّة، والاستثناءات السياسيَّة، فهذه أنظمةٌ تبدَّلت، وهذه سياسات تغيَّرت، وتلك ثورات ما هدَأتْ، وأصبحت نُذُرُ الخطر والإنذار، تلوحُ في الأفق ليلَ نهار، ما بين مُبتَدِعٍ يخطِّط ويؤمِّل، وناعق يسمَعُ ويُحرِّض، ومجرم يتربَّص ويتحيَّن، فالحِفاظ على أمن البلاد واستقرارها من طُوفان الفَوضَى وأعاصير التخريب لهو من أولى المهمَّات، في هذه الأزمات. (عباد الله): ولبلدنا المسلم حُقوقٌ وواجباتٌ، الوفاء بها مؤشر على صِدق الانتماء، وبرهانٌ على محبَّة الخيروالنماء. _ فمن أهم الواجبات المَنُوطة بنا تجاه بلدنا : المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان، فبلدنا ينص على أن الدين الإسلام، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين. أساءَ وما أحسَنَ مَن أشاعَ الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء هذا البلد. خيانةٌ للوطنيَّة حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها. _ ومن واجبنا تجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً،أبناؤه مُتعاوِنون مُتَآلِفون، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة الكبير، ويُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين وتُسَدُّ فيه الفاقة،؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا. وأشدُّ الناس نفعًا لبلدهم، والوطن ممتنٌّ لجميلهم، هم أولئك الذين يبذَلُون أموالهم وأوقاتهم في فعل الخيرودعْم أعمال البر، التي ينتفع بها أبناء بلدهم،سواء أكانوا أفرادا أو جمعيات خيرية او منظمات انسانية، فهؤلاء جميعا يخدمون وطنهم،ومن حقِّهم أنْ يُدعَى لهم، ويُذكَر أثرُهم ومَآثِرُهم على البلاد والعباد. ومَن لا يشكر الناس لا يشكر الله - تعالى. _ ومن حُقوق الوطن على أهله: الإخلاص في العمل، والصدق في المعاملة، والانضباط بالقوانين والأنظمة التي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة، مع السمع والطاعة بالمعروف، ما لم يُؤمَر العبد بمعصية، فإنْ أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وإنما اعتزالٌ ومُناصَحة، مع الحِرص على جمْع الكلمة ولُزُوم الجماعة. (عباد الله): وأجرَمُ الناس في حقِّ وطنهم، وأخوَنُهم لبلدهم، أولئك الذين يَأكُلون من نِعَمِ البلد وخيراته، ويَرفُلون في أمْنه وأمانه، ثم يبذلون وَلاءهم خارج أوطانهم لنزعات طائفية، فهؤلاء الواجب الحذرُ والتحذيرُ منهم، فلُحمة طائفتهم أقوى عندهم من رَوابِط وطنيَّتهم، ووقائع الأحداث في الدول المجاورة أقرَبُ شاهدٍ وأوضَحُ مثالٍ، والسعيد مَن وُعِظَ بغيره!( عباد الله): الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان؛ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات، وتتطوَّر الصناعات. الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق، هو الملك الحقيقي والسعادة المنشودة؛ قال(ص): (مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها). إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه وتعالى عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.فالأمن والاستقرار إذًا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها. ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛{وهم في الغرفات آمنون}.وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام،ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام. {أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. اللهم اجعل هذا بلدا آمنا مطمئنا،وارزقنا تقوى وايمانا. (آمين) وأقول قولي هذا..
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشكره على نعمه وآلائه فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك لـه على الرغم ممن نافق وجحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه الغرر،وعلى أنبياء الله و رسله سادة البشر،وسلم تسليما ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر. ( أما بعد) أيها المؤمنون الكرام: وما زالت الاضطرابات تَلُوح في أصْقاع متفرِّقة من بلدان الإسلام، ولا يزال الغُموض يكتَنِف واقع المستقبل: هل يتمخَّض إلى خير، أم ضد ذلك هو المنتظَر؟!ولذا؛ فإنَّ الدعوة إلى الاجتماع وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة والسعي نحو الإصلاح لَيتأكَّد مع هذه الأحداث والتغيُّرات، مع الابتهال إلى الله أنْ يحفَظَ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة. (عباد الله): وممَّا يجبُ التذكير والتواصِي به الحَذَرُ والتحذيرُ من استِشراف الفتن وإشعالها، ومن ذلك: الدخول في مظاهرات واعتِصامات لا يُعلَم نهايتها ومَآلها على البلاد والعباد ، فهذه الوسائل يحسن اجتنابها في مثل هذه الأحوال والأهوال، دَرْءًا لمفاسد كبرى مُتَوقَّعة؛ من إحداث الفَوضَى، وتدمير المُمتَلكات، وتعطيل المعاش، وإخْلال الأمن، وشل الاقتصاد، وتفريق الكلمة، وتمزيق الصفِّ، وتحزُّب الناس أحْزابًا يُذِيق بعضهم بأسَ بعض. وكم من مظاهراتٍ بدَأتْ سِلميَّة، ثم انتَهتْ دمويَّة، وأحدثَتْ جرحًا غائرًا يَصعُب التِئامُه. ثم حُقَّ لصوت العقل أنْ يَتساءَل: مَن الذي يُحرِّك هذه التظاهُرات ويَنفُخ فيها ؟ ولمصلحة مَن إدخال البلد في نفَق مُظلِم من الفوضى؟إنَّ انتقال المظاهرات بما تَحمِله من فَوضَى وتخريبٍ هو دَقٌّ لناقوس الخطر في بلدنا؛ إذ إنَّ ثمَّة أخطارًا تُهدِّد بلادنا لا يسَعُنا السكوت عنها: - فالأحزاب الجهوية والطائفية وتحرُّكاتها لم يَعُدْ خافيًا، وارتفاع مَطالِبهم أصبَحَ صوتًا مسموعًا. هذه الطوائف المتربِّصة ستجدُ في مثل هذه الفَوضَى فرصةً ومُتنفَّسًا وجَوًّا لتحقيق أهدافها ومَآرِبها.- ثم إنَّ مجتمعنا يُعانِي كثيرًا من سَطوَة السُّرَّاق والنُّهَّاب، وسرقات البيوت والسيَّارات والممتلكات لم يَعُدْ خافيًا.- أعداد العاطلين عن العمل في تزايُد، والأُسَرُ البائسة في تمدُّد، ومع الفَوضَى سيَأكُل الناس بعضهم بعضًا.- ناهِيكُم عن وُجود خَلايا مُنحَرِفة لا تهمُّها مصلحة الوطن، وهي جاهزةٌ لإحداث الفَوْضَى متى ما سنح لها ذلك.- ثم لا يَخفَى غِياب المرجعيَّة الشرعيَّة عند فئاتٍ كثيرة من المجتمع، وإعجاب كثيرٍ من الناس برأي نفسِه، فلم يَعُدْ للعُلَماء المكانة المُحتَرَمة كما كانت من قبلُ .وبلدنا مصدرٍ للنفط ، فلو حلَّت الفَوضَى - لا سمح الله - فهذا يعني ضرورة : التدخُّل الأجنبي لحِماية منابع النفط. هذا وغيرُه يُؤكِّدُ علينا أنْ نُنابِذ مثل هذه التظاهُرات، وأنْ نناصح الغير بالحذر من الولوج فيها. فيا كلَّ محبٍّ لبلده وأهله، عقلَك عقلَك، نَربَأ بك أنْ تكون أداةً تُحرِّكك أيادٍ تقبَعُ في أقصى الأرض، أيادٍ لا تحمل رسالةً ايمانية ولا انسانية؛ وإنما رسالتها الفَوضَى والنكاية والتشفِّي، نَربَأ بك لو كنت محبا لبلدك أنْ تكون شرارةَ إشعالِ الفتن على مجتمعك وأهلك وبيتك. يا كلَّ محبٍّ لبلده لا تزهدوا ولا تستَنقِصوا نصائح عُلَمائكم وعقلائكم،استَمِعوا لتوجيهات مَن شابَتْ رُؤوسُهم، وحنكَتْهم التجارب، وصقلَتْهم الأيَّام. يا كلَّ محبٍّ لبلده، استَشعِر النعمة التي تَرفُل فيها؛ فأرضُك التي تعيشُ فيها هي أرض الشهداء و المجاهدين الذين ماتوا على اليقين ، وشعائر الإسلام فيها مُعلَنة ظاهِرة، ومع هذا كله لا ندَّعي الكمال، فالخطأ موجودٌ، والتقصيرات والتجاوُزات حاصلة،وليس كلُّ مسؤول بمنأى عن النقد والتصحيح. وبعدَ التحذيرِ من المظاهرات والاعتصامات، من الأهميَّة بمكان تجفيفُ منابع المظاهرات وسدُّ الطرق المهيجة لها والمبرِّرة لها؛ وذلك بتحقيق العدل، ورفْع الظلم، وحِفظ المال العام، ومحاربة الفساد بكلِّ أنواعه؛ الفساد الإداري والاقتصادي، والخلقي والفكري، مع الاستجابة لمطالب الناصحين الصادقين التي تخدم البلاد والعباد، وقبلَ ذلك كلِّه إصلاح الأحوال الاقتصاديَّة، فالناس لا تَثُورُ إلا إذا عزَّت اللقمة وظهرت الحاجة، وهذا حالٌ يُصدِّقه التاريخ والواقع. قال عون بن محمد الكندي - وهو من عُلَماء التاريخ في القرن الثالث -:(عهدت الكرخ-بغداد-ولو أنَّ رجلاً قال: ابن أبي دُؤاد مسلم، لقُتِل-لأنه كان يقول بخلق القرآن-، ثم وقع حريقٌ في الكرخ لم يكن مثله قط، فكلَّم ابن أبي داود المعتصم ورقَّقه إلى أنْ أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقسمها ابن أبي دُؤاد على الناس، فلعهدي بالكرخ ولو أنَّ إنسانًا قال: زرُّ أحمد بن أبي دؤاد وسخ، لقُتِل؟!). اللهم احمِ بلادَنا وبلادَ المسلمين من كلِّ شرّ وسُوء،وأدِمْ علينا وعلى المسلمين الأمنَ والإيمانَ، والسلامةوالإسلام. وصل اللهم على الرَّحمة المُهْداة، والنِّعمة المُسداة. وارض عن صحابته وخلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة، وعن أهل بدر وأصحاب الشجرة، وعن عميه خير الناس،سيدنا حمزة والعباس، وعن سبطي نبيك وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وعن أمهما البتول، فاطمة بنت الرسول، وعنا معهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم يا من نعمه لا تحصى،وأمره لا يعصى،ولطفه لايخفى،هب لنا السعادة والبشارة والأمان، ولا تختم لنا بالشر والشقاوة والطغيان،ونبهنا قبل المنايا من نوم الغفلة والخدلان، وبيض وجوهنا يوم البعث وأعتق رقابنا من النيران،وثقل ميزاننا بالحسنات،وثبت أقدامنا على الصراط،وأسكنا الجنان،وأعطنا جميع ما سألناك في السروالإعلان. اللهم انهج بنا منهج الرشدوالتوفيق، واهدنا الصراط المستقيم سواء الطريق،وألحقنا من عبادك الصالحين بخير رفيق.اللهم سلمنا ولاتسلمنا، وامنحنا ولا تمتحنا،واجعلنا في ضمانك وأمانك واحسانك.اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا،فأرسل السماء علينا مدرارا.اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.اللهم زدنا ولا تنقصنا،وأكرمنا ولا تهنا،وأعطنا ولاتحرمنا،وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا ورض عنا، وعافنا واعف عنا. ربنا ألهمنا رشدنا،وأعذنا من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا،وأصلح لنا كل شؤوننا. وأرنا اللهم من أمتنا ما تقر به أعيننا،و تستريح له قلوبنا،ويغيظ به عدونا. ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين) والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله جعلت الفردوس لعبادك المؤمنين نُزُلا؛ فلك الحمد أولا وآخر، وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله الذي يسَّرها لنا، ويسَّر الأعمال الصالحةالموصلة اليها رحمة بنا؛ فلم يتخذ السالكون إلى الله سواها شغلا، وسهل لهم سبلها فلم يسلكوا سواها سبلا، خلقها قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحفَّها بالمكاره ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وأودعها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفوق ذلك، (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)،و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة ندَّخرها إلى يوم المصير، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته وفضله، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بمنِّه وكرمه ورحمته،و نشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، شرح الله به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه،وسلم تسليما كثيرا الى يوم لقائه.. ( أما بعد) أيها الناس َاتَّقُوا اللهَ تعالى ربكمُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيْمُوْا لَهُ دِيْنَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوْبَكُم.(معاشر المسلمين) محبَّة الإنسان لأرضه وبلده خصلةٌ جبليَّة، مركوزة في الفِطَر السويَّة، ومقرَّرة في الشريعة الإسلاميَّة. وَطَنُ الإنسان هو مَسقَط رأسه الذي وُلِدَ فيه، وترَعرَعَ من خيره وخيراته، وعاش تحت ظلِّه وسَمائه، فيه مواقف الطُّفولة وأخبار الصِّبا، وأنباء الحياة وحوادث الدهر. كم يتلذَّذ الإنسان بوجوده في وطنه، وكم يحنُّ إذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذَل المُهَجُ لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري في العُروق، وتخفق بها القلوب، كيف لا وقد قرَن المولى – سبحانه وتعالى - حبَّ الأرض بحبِّ النفس؟ ففي القرآن الكريم،نقرأ قول الله العظيم: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ}. واستحقَّ الصحابة - رضِي الله عنهم - المدحَ والثَّناء؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم المحبوبة في سبيل الله تعالى،قال جل وعلا:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. بل إنَّ التغريب عن الأوطان، قد جُعِلَ في شريعة الرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، لو وقَع في الزنا من غير إحصان.(عباد الله) ان المحبَّة والتعلُّق بالدِّيار، وجَدَها المصطفى المختار، يوم أنْ تآمَر عليه رُؤوس الكفر ليسجنوه أو يقتُلوه أو يُخرِجوه، فخرَج فارًّا مُهاجِرًا، فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: (والله، إنَّك لأحبُّ البِقاع إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ، ما سكنتُ غيرَكِ). ثم بعد هجرته بسنين عدَّة، يأتي إليه أُصيل بن عبدالله الغفاري من مكَّة، فيسأله النبي(ص) عن أرض الوطن،قائلا له: (كيف تركت مكة يا أصيل؟)، فقال: تركتُها حين ابيضَّت أباطِحُها، وأحجن ثُمامُها، وأغدَقَ إذخرُها، وأمشَرَ سلَمُها. فاغرَوْرَقت عَيْناه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتحرَّكت لَواعِج شوقه، فقال: (يا أصيل، دَعِ القلوب تقر). إخوة الإيمان: وإذا كانت محبَّة الأرض والوطن سُلُوكًا فطريًّا، فكيف تكونُ المحبَّة وذلك الولاء،اذا كان وطن النبي (ص)هو مهبط الوحي، ومنبع الرسالة؟! منه انطلقَت الدعوة المحمديَّة، وعبْر بوَّابته دخَل الناس في دِين الله أفواجًا. كيف إذا كان ذلكم الوطن يضمُّ بين جَنباتِه البيتَ العتيق أحبَّ البقاع وأكرمها عند الله - تعالى؟!وهكذا يجب على المؤمن أن يحب بلده،ويناصر وطنه،أسوته في ذلك نبيه الأكرم محمد (ص).وأن يحبُّ الصلاح، ويَسعَى إلى الإصلاح، ولو كان غيره مُقصِّرًا ظالمًا لنفسه. فأي بلد مسلم واجبٌ الحفاظُ على أمْنه وإيمانه، وسلامته وإسلامه، من كلِّ مخرِّب ومغرِّب، وبالأخصِّ في مثل هذه الظُّروف العَصِيبة، والتقلُّبات الأمنيَّة، والاستثناءات السياسيَّة، فهذه أنظمةٌ تبدَّلت، وهذه سياسات تغيَّرت، وتلك ثورات ما هدَأتْ، وأصبحت نُذُرُ الخطر والإنذار، تلوحُ في الأفق ليلَ نهار، ما بين مُبتَدِعٍ يخطِّط ويؤمِّل، وناعق يسمَعُ ويُحرِّض، ومجرم يتربَّص ويتحيَّن، فالحِفاظ على أمن البلاد واستقرارها من طُوفان الفَوضَى وأعاصير التخريب لهو من أولى المهمَّات، في هذه الأزمات. (عباد الله): ولبلدنا المسلم حُقوقٌ وواجباتٌ، الوفاء بها مؤشر على صِدق الانتماء، وبرهانٌ على محبَّة الخيروالنماء. _ فمن أهم الواجبات المَنُوطة بنا تجاه بلدنا : المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان، فبلدنا ينص على أن الدين الإسلام، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين. أساءَ وما أحسَنَ مَن أشاعَ الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء هذا البلد. خيانةٌ للوطنيَّة حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها. _ ومن واجبنا تجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً،أبناؤه مُتعاوِنون مُتَآلِفون، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة الكبير، ويُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين وتُسَدُّ فيه الفاقة،؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا. وأشدُّ الناس نفعًا لبلدهم، والوطن ممتنٌّ لجميلهم، هم أولئك الذين يبذَلُون أموالهم وأوقاتهم في فعل الخيرودعْم أعمال البر، التي ينتفع بها أبناء بلدهم،سواء أكانوا أفرادا أو جمعيات خيرية او منظمات انسانية، فهؤلاء جميعا يخدمون وطنهم،ومن حقِّهم أنْ يُدعَى لهم، ويُذكَر أثرُهم ومَآثِرُهم على البلاد والعباد. ومَن لا يشكر الناس لا يشكر الله - تعالى. _ ومن حُقوق الوطن على أهله: الإخلاص في العمل، والصدق في المعاملة، والانضباط بالقوانين والأنظمة التي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة، مع السمع والطاعة بالمعروف، ما لم يُؤمَر العبد بمعصية، فإنْ أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وإنما اعتزالٌ ومُناصَحة، مع الحِرص على جمْع الكلمة ولُزُوم الجماعة. (عباد الله): وأجرَمُ الناس في حقِّ وطنهم، وأخوَنُهم لبلدهم، أولئك الذين يَأكُلون من نِعَمِ البلد وخيراته، ويَرفُلون في أمْنه وأمانه، ثم يبذلون وَلاءهم خارج أوطانهم لنزعات طائفية، فهؤلاء الواجب الحذرُ والتحذيرُ منهم، فلُحمة طائفتهم أقوى عندهم من رَوابِط وطنيَّتهم، ووقائع الأحداث في الدول المجاورة أقرَبُ شاهدٍ وأوضَحُ مثالٍ، والسعيد مَن وُعِظَ بغيره!( عباد الله): الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان؛ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات، وتتطوَّر الصناعات. الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق، هو الملك الحقيقي والسعادة المنشودة؛ قال(ص): (مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها). إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه وتعالى عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.فالأمن والاستقرار إذًا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها. ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛{وهم في الغرفات آمنون}.وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام،ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام. {أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. اللهم اجعل هذا بلدا آمنا مطمئنا،وارزقنا تقوى وايمانا. (آمين) وأقول قولي هذا..
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشكره على نعمه وآلائه فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألا إله إلاَّ اللَّه وحده لا شريك لـه على الرغم ممن نافق وجحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه الغرر،وعلى أنبياء الله و رسله سادة البشر،وسلم تسليما ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر. ( أما بعد) أيها المؤمنون الكرام: وما زالت الاضطرابات تَلُوح في أصْقاع متفرِّقة من بلدان الإسلام، ولا يزال الغُموض يكتَنِف واقع المستقبل: هل يتمخَّض إلى خير، أم ضد ذلك هو المنتظَر؟!ولذا؛ فإنَّ الدعوة إلى الاجتماع وتوحيد الصف، ونبذ الفرقة والسعي نحو الإصلاح لَيتأكَّد مع هذه الأحداث والتغيُّرات، مع الابتهال إلى الله أنْ يحفَظَ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة. (عباد الله): وممَّا يجبُ التذكير والتواصِي به الحَذَرُ والتحذيرُ من استِشراف الفتن وإشعالها، ومن ذلك: الدخول في مظاهرات واعتِصامات لا يُعلَم نهايتها ومَآلها على البلاد والعباد ، فهذه الوسائل يحسن اجتنابها في مثل هذه الأحوال والأهوال، دَرْءًا لمفاسد كبرى مُتَوقَّعة؛ من إحداث الفَوضَى، وتدمير المُمتَلكات، وتعطيل المعاش، وإخْلال الأمن، وشل الاقتصاد، وتفريق الكلمة، وتمزيق الصفِّ، وتحزُّب الناس أحْزابًا يُذِيق بعضهم بأسَ بعض. وكم من مظاهراتٍ بدَأتْ سِلميَّة، ثم انتَهتْ دمويَّة، وأحدثَتْ جرحًا غائرًا يَصعُب التِئامُه. ثم حُقَّ لصوت العقل أنْ يَتساءَل: مَن الذي يُحرِّك هذه التظاهُرات ويَنفُخ فيها ؟ ولمصلحة مَن إدخال البلد في نفَق مُظلِم من الفوضى؟إنَّ انتقال المظاهرات بما تَحمِله من فَوضَى وتخريبٍ هو دَقٌّ لناقوس الخطر في بلدنا؛ إذ إنَّ ثمَّة أخطارًا تُهدِّد بلادنا لا يسَعُنا السكوت عنها: - فالأحزاب الجهوية والطائفية وتحرُّكاتها لم يَعُدْ خافيًا، وارتفاع مَطالِبهم أصبَحَ صوتًا مسموعًا. هذه الطوائف المتربِّصة ستجدُ في مثل هذه الفَوضَى فرصةً ومُتنفَّسًا وجَوًّا لتحقيق أهدافها ومَآرِبها.- ثم إنَّ مجتمعنا يُعانِي كثيرًا من سَطوَة السُّرَّاق والنُّهَّاب، وسرقات البيوت والسيَّارات والممتلكات لم يَعُدْ خافيًا.- أعداد العاطلين عن العمل في تزايُد، والأُسَرُ البائسة في تمدُّد، ومع الفَوضَى سيَأكُل الناس بعضهم بعضًا.- ناهِيكُم عن وُجود خَلايا مُنحَرِفة لا تهمُّها مصلحة الوطن، وهي جاهزةٌ لإحداث الفَوْضَى متى ما سنح لها ذلك.- ثم لا يَخفَى غِياب المرجعيَّة الشرعيَّة عند فئاتٍ كثيرة من المجتمع، وإعجاب كثيرٍ من الناس برأي نفسِه، فلم يَعُدْ للعُلَماء المكانة المُحتَرَمة كما كانت من قبلُ .وبلدنا مصدرٍ للنفط ، فلو حلَّت الفَوضَى - لا سمح الله - فهذا يعني ضرورة : التدخُّل الأجنبي لحِماية منابع النفط. هذا وغيرُه يُؤكِّدُ علينا أنْ نُنابِذ مثل هذه التظاهُرات، وأنْ نناصح الغير بالحذر من الولوج فيها. فيا كلَّ محبٍّ لبلده وأهله، عقلَك عقلَك، نَربَأ بك أنْ تكون أداةً تُحرِّكك أيادٍ تقبَعُ في أقصى الأرض، أيادٍ لا تحمل رسالةً ايمانية ولا انسانية؛ وإنما رسالتها الفَوضَى والنكاية والتشفِّي، نَربَأ بك لو كنت محبا لبلدك أنْ تكون شرارةَ إشعالِ الفتن على مجتمعك وأهلك وبيتك. يا كلَّ محبٍّ لبلده لا تزهدوا ولا تستَنقِصوا نصائح عُلَمائكم وعقلائكم،استَمِعوا لتوجيهات مَن شابَتْ رُؤوسُهم، وحنكَتْهم التجارب، وصقلَتْهم الأيَّام. يا كلَّ محبٍّ لبلده، استَشعِر النعمة التي تَرفُل فيها؛ فأرضُك التي تعيشُ فيها هي أرض الشهداء و المجاهدين الذين ماتوا على اليقين ، وشعائر الإسلام فيها مُعلَنة ظاهِرة، ومع هذا كله لا ندَّعي الكمال، فالخطأ موجودٌ، والتقصيرات والتجاوُزات حاصلة،وليس كلُّ مسؤول بمنأى عن النقد والتصحيح. وبعدَ التحذيرِ من المظاهرات والاعتصامات، من الأهميَّة بمكان تجفيفُ منابع المظاهرات وسدُّ الطرق المهيجة لها والمبرِّرة لها؛ وذلك بتحقيق العدل، ورفْع الظلم، وحِفظ المال العام، ومحاربة الفساد بكلِّ أنواعه؛ الفساد الإداري والاقتصادي، والخلقي والفكري، مع الاستجابة لمطالب الناصحين الصادقين التي تخدم البلاد والعباد، وقبلَ ذلك كلِّه إصلاح الأحوال الاقتصاديَّة، فالناس لا تَثُورُ إلا إذا عزَّت اللقمة وظهرت الحاجة، وهذا حالٌ يُصدِّقه التاريخ والواقع. قال عون بن محمد الكندي - وهو من عُلَماء التاريخ في القرن الثالث -:(عهدت الكرخ-بغداد-ولو أنَّ رجلاً قال: ابن أبي دُؤاد مسلم، لقُتِل-لأنه كان يقول بخلق القرآن-، ثم وقع حريقٌ في الكرخ لم يكن مثله قط، فكلَّم ابن أبي داود المعتصم ورقَّقه إلى أنْ أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقسمها ابن أبي دُؤاد على الناس، فلعهدي بالكرخ ولو أنَّ إنسانًا قال: زرُّ أحمد بن أبي دؤاد وسخ، لقُتِل؟!). اللهم احمِ بلادَنا وبلادَ المسلمين من كلِّ شرّ وسُوء،وأدِمْ علينا وعلى المسلمين الأمنَ والإيمانَ، والسلامةوالإسلام. وصل اللهم على الرَّحمة المُهْداة، والنِّعمة المُسداة. وارض عن صحابته وخلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة، وعن أهل بدر وأصحاب الشجرة، وعن عميه خير الناس،سيدنا حمزة والعباس، وعن سبطي نبيك وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وعن أمهما البتول، فاطمة بنت الرسول، وعنا معهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم يا من نعمه لا تحصى،وأمره لا يعصى،ولطفه لايخفى،هب لنا السعادة والبشارة والأمان، ولا تختم لنا بالشر والشقاوة والطغيان،ونبهنا قبل المنايا من نوم الغفلة والخدلان، وبيض وجوهنا يوم البعث وأعتق رقابنا من النيران،وثقل ميزاننا بالحسنات،وثبت أقدامنا على الصراط،وأسكنا الجنان،وأعطنا جميع ما سألناك في السروالإعلان. اللهم انهج بنا منهج الرشدوالتوفيق، واهدنا الصراط المستقيم سواء الطريق،وألحقنا من عبادك الصالحين بخير رفيق.اللهم سلمنا ولاتسلمنا، وامنحنا ولا تمتحنا،واجعلنا في ضمانك وأمانك واحسانك.اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا،فأرسل السماء علينا مدرارا.اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.اللهم زدنا ولا تنقصنا،وأكرمنا ولا تهنا،وأعطنا ولاتحرمنا،وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا ورض عنا، وعافنا واعف عنا. ربنا ألهمنا رشدنا،وأعذنا من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا،وأصلح لنا كل شؤوننا. وأرنا اللهم من أمتنا ما تقر به أعيننا،و تستريح له قلوبنا،ويغيظ به عدونا. ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين) والحمد لله رب العالمين.
الغزالي الغزالي
جمع و ترتيب
تعديل التعليق