وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد أوصى الله العباد أن يكثروا من ذكره في مثل هذه الأيام المباركات (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) أي أيام العشر الأولى من ذي الحجة. فإن الذِّكرَ يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويزيل الهم عن القلب، ويُدخل فيه الفرح والسرور، وأن ذكرَ الله تعالى في العافية مما يُعين العبدَ على عدم نسيانه في وقت الشدة، فلا يشقى العبد في معاشه ومعاده (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) عباد الله ... إن الله يذكر من يذكره (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (يقُولُ اللَّه تَعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملإٍ، ذكَرتُهُ في ملإٍ خَيْرٍ منْهُمْ). فالله يباهي بالذاكرين ملائكته. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال (مَا أَجْلَسَكُمْ؟) قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال (آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال (أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولِكنَّهُ أَتانِي جبرِيلُ فَأَخْبرني أَنَّ اللَّه يُباهِي بِكُمُ الملائكَةَ). الذكر - أيها المسلمون - عملٌ يسيرٌ وأجره عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كلِّ يومٍ ألْفَ حَسَنَةٍ) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ ألفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ (يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ ألْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلفُ خَطِيئَةٍ) وقال صلى الله عليه وسلم (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الميزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) وقال عليه الصلاة والسلام (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ). والذكر - يا عباد الله - سبب من أسباب استجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ). إن ذكر الله تعالى مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ) وذكر منهم (ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ). ولنتأمل معًا في الفرق بين من يذكر الله ومن لا يذكره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ) والواقع يشهد من خلال تجرأ العباد على معصية الله، بل والمجاهرة بها على رؤوس الأشهاد. فكلما كان قليل الذكر سهلت عليه المعصية. فإن ذكر الله نجاة من عذاب الله يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وقال صلى الله عليه وسلم (خُذُوا جُنَّتَكُمْ) أي ما تستترون به وتتقون به، قالوا: يا رسول الله، أمن عدو حاضر؟ قال (لاَ، وَلَكِنْ خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النارِ ؛ قولوا : سبحانَ اللهِ ، و الحمدُ للهِ ، ولَا إلهَ إلَّا اللهِ ، واللهُ أكبرُ ، فإِنَّهنَّ يأتينَ يومَ القيامةِ مُقَدِّمَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ وَمُجَنِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ). ذكر الله غراس الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَقِيْتُ إبراهيم ليلة أُسْرِيَ بي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أقْرِئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وأَخْبِرْهُم أنَّ الجنَّة طَيّبَةُ التُّربَة، عَذْبَةُ الماء، وأنها قِيعَانٌ وأن غِراسَها: سُبْحَانَ الله، والحَمْدُ لله، وَلاَ إَلَهَ إِلاَّ الله، وَاللهُ أَكْبَرُ) فلنحرص على الأذكار، في كل وقت وحين، جعلني الله وإياكم من عباده الذاكرين الشاكرين (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ( أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي، ولكم ....     الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... فضائل هذه الأيام كثيرة، ولبعضها خصائص ليست لغيرها كيوم عرفة، ويوم النحر، فلنعلم قدرهما، ونعظم حرمتهما، ولا نهدر منهما لحظة. فإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقًا إلى المشاعر المقدسة. يوم عرفة هو يوم كمال الدين، وتمام النعمة، وهو يوم المباهاة بأهل الموقف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا). يوم عرفة هو يوم العتق من النار؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟). يوم عرفة هو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ). يوم عرفة هو يوم أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بصيامه فقال (صَومُ يومِ عَرَفةَ يُكفِّرُ سَنتَينِ؛ ماضيةً ومُستقبَلةً، وصَومُ عاشوراءَ يُكفِّرُ سَنةً ماضيةً) فاحرصوا على صيام ذلك اليوم العظيم. واعلموا – رحمكم الله – أن يومَ عرفة وما بعده عيد للمسلمين، قال عليه الصلاة والسلام (يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) فلنكثر من ذكر الله تعالى فيما تبقى من هذا الموسم الكريم، ولنجتنب منكرات العيد، ولنجعل يوم العيد مع أيام التشريق أيام شكر وذكر لله تعالى على ما هدانا وأعطانا. اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين
المرفقات

1626342934_وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ.pdf

المشاهدات 1287 | التعليقات 0