ويحك، أتدري ما الله؟!
عبدالله الغامدي
الخطبة الأولى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إلَيْهِ، ونعوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لاَ إلَهَ إلا اللَّهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} أما بعد:
جاءَ أعرابيٌّ إلى رسولِ الله ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ: جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ؛ فاستسقْ الله لنا، فإنا نستشفعُ بك على الله، ونستشفعُ باللهِ عليك! فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ويحك تدري ما تقول؟! فسبَّحَ رسولُ اللهِ ﷺ، فما زال يُسبِّحُ، حتى عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك إنه لا يُستشفَعُ بالله على أحدٍ مِنْ خَلقه، شأنُ اللهِ أعظم من ذلك! ويحك تدري ما الله؟!
ما أجلَّ وما أجملَ وما أفخمَ وما أعظمَ هذا السؤال: "ويحك، أتدري ما الله؟!".
وبعيدًا عن ذلكَ الأعرابيِّ الذي وجَّهَ إليه النبيُّ ﷺ هذا السؤالَ المهيب؛ دعني أنا وأنت -أيُّها الكريم- نوجِّه هذا السؤال لأنفسنا: هل نحنُ ندري وندرك على الحقيقةِ مَنْ هو الله جلَّ جلالُه؟!
أتدري ما الله؟!
اللَّه: {نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
اللَّه: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
اللَّه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}
اللَّه: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير}.
اللَّه: {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار* عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال * سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَار} .
اللَّه: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}.
اللَّه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين}.
اللَّه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور}.
اللَّه: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ}.
اللَّه: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}.
اللَّه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}
اللَّه: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}
اللَّه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}
الله: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}
اللَّه: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون}.
اللَّه: {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ}
اللَّه: {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}
اللَّه: {أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد}
أعرفتَ الآن ما الله عزّ وجلّ؟!
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}.
قالَ اللهُ عن نفسه هذا القول
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين؛ فاستغفروه إنه غفورٌ رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وذريته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} أما بعد:
.يقولُ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة -رحمه الله-: (العلمُ الأعلى؛ هو العلمُ بالأعلى).
فأعظمُ مشروعٍ وأهمُّ هدفٍ في حياةِ كلِّ مسلم: أن يتعرَّفَ على ربِّه، الذي خلقَه، وسوَّاه، وهداه، وستره وآواه، وأكرمه ونعَّمه.
والتعرُّف على الله ليسَ أمرًا صعبًا ومعقَّدًا لا يمكن أن يُحصِّلَه إلاّ طلاب العلم وكبار العلماء، بلْ معرفةُ اللهِ أعظمُ الأمور وأسهل الأمور في ذاتِ الوقت.
فيمكنُ للواحد مِنَّا أن يتعرَّف على الله عن طريق تأمل الآيات التي تحدَّثَ فيها -سبحانه وتعالى- عن نفسه في كتابه العظيم، أو يتعرَّف على الله عن طريقِ ملاحظة آياته ومخلوقاته في الكون التي تدلُّ على أنَّ وراء هذه الخَلقِ العظيم ربًّا أعظمَ وأجلَّ، أو يتعرَّفَ على الله عن طريق القراءة أو الاستماع لتسجيلات الكتب المختصرة التي تحدَّثتْ عن أسماء الله وصفاته؛ فهذه طرقٌ متعددة ووسائل مختلفة، لكنَّها تؤدِّي إلى الهدف الأسمى والغاية الكبرى: وهي أن يتعرَّفَ المرء على ربِّه وخالقه ومولاه.
وما أكبرها مِنْ حسرةٍ، وما أشدَّها مِنْ غبنةٍ والله، أن يخرجَ الإنسانُ مِنْ الدُّنيا ولم يَعرفْ اللهَ حقَّ معرفته!
ويرحمُ اللهُ مالكَ بن دينار إذ يقول: "مَسَاكِينُ أَهْلُ الدُّنْيَا، خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا، قِيلَ لَهُ: وَمَا أَطِيبُ مَا فِيهَا، قَالَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ!".
فاللهمَّ اجعلنا أعرفَ عبادك بك، وأشدَّهم خشيةً لك.
اللهم زدنا بك معرفةً وعلمًا، وزدنا لك خشيةً وتعظيمًا.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأنج عبادك المستضعفين
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدًا آمنًا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المرفقات
1716614232_ويحك أتدري ما الله؟!.docx
1716614233_ويحك أتدري ما الله؟!.pdf