{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}           26/ 7/ 1444هـ

د عبدالعزيز التويجري
1444/07/25 - 2023/02/16 11:59AM

الخطبة الأولى : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}           26/ 7/ 1444هـ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظيم في ربوبيته، عظيم في الوهيته، عظيم في أسمائه وصفاته، وأشهد ان نبينا محمدا عبدالله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه وازواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}

 في صحيح مسلم قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قام رَسُولُ اللهِ r على المنبر فقال: " يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ " وزاد غيره "فرجف المنبر حتى ظننا أنه يقع"

 هو الله جل جلاله{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} تعالى قدره وعظم شأْنه، واستعلى على سواه في ذاته وصفاته وأفعاله {وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} الْعَلِيِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، علي بذاته وصفاته وقهره وسلطانه، لا يفلت من قبضته شيء {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}

 عزيز لا يغالب قوي لا يُقهر ..

       الغالبُ القهارُ فوق عباده   **   من ذا يكيد الغالب القهارا ؟

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} قدرته باهرة، وسطوته قاهرة..

      فالله أعظم مما جال في الفكرِ   **   وحكمه في البرايا حكم مقتدرِ

     مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ  **   حيُ قديرٌ مريدُ فاطــرُ الفطــرِ

{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

لا تحجب سماءٌ عن علمه سماءً، ولا أَرضُ أرضًا {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r تَشْكُو زَوْجَهَا، فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلَامُهَا، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ . أخرجه البخاري.

 حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ، خَبِيرٌ بِخَلْقِهِ {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } الذي لا تجرى أحكامه وقضاياه إلا على مقتضى العلم والحكمة {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

ما تتحرك ذرةٌ إلا بإذنه{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} ما يجري في هذا الكونِ إلا بتقديرِ اللهِ وعلمِهِ وقدرِه، فَإِذَا قضى أمراً فلا رادَّ لقضائه ولا معقب لحكمه {إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} .

لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ { يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }

    حليـــمٌ عظيـــمٌ راحـمٌ متكـــــــرمٌ     **     رؤوفٌ رحيـــمٌ واهــبٌ متطـــــــولُ

   جــوادٌ مجيــدٌ مشفــقٌ متعطــــــفٌ   **      جليـلٌ جميـلٌ منعـمٌ متفضــــــــــــلُ

والله جل جلاله يُري عباده شيئاً من قدرته، فيتحرك جزءُ من الأرض بإذنه، فتُصبح الشواهق ركاما، والأجساد أشلاء، والعمارُ خرابا، هذا بلحظات، فكيف { إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}  {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}.

   يـــــومُ عبوسُ قمطريرُ شــــــرُّه    **    وتشيبُ منه مفـــــارقُ الولـــــدانِ

    هذا بلا ذنبٍ يخافُ مصيرَهُ   **    كيف المُصرُّ على الذنوبِ دهورُ؟!

المؤمنُ الفطن يلجأ لربه في السراء والضراء {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهو الذي { يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.

    لكلِّ خطبٍ مهمٍّ حسبيَ اللهُ   **  أرجو بهِ الأمنَ مما كنتُ أخشاهُ  

    وأستغيثُ بهِ في كــلِّ نائبــــــةٍ   **   وما ملاذيَ في الدارينِ إلا اللهُ  

والآمنُ يشكرُ ربه على الطيباتِ من الرزق، والسلامةِ من الأخطار ، والخيرِ المدرار ..

والمسلمُ اليقظ يتقي ربه في كل حين وآن، فيحافظ على الفرائضِ والواجبات، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، ويؤدي الحقوق ويحذر العقوق، فلا يدري متى يفجأه الأجل، وينقطع عنه الأمل .. أمراضُ وأسقام ، وحوادثُ واخطار ، ومحنُ وزلزال ، أوموت على الفراش..

  كم غافلٍ عن حِياضِ الموْتِ في لَعبٍ   **   يُمسِي ، وَيُصْبحُ رَكّاباً لِما هَوِيَا

   يــــــا رُبَّ بــــاكٍ علَى ميــتٍ وباكيــــــةٍ    **   لمْ يلبَثَا بعدَ ذاكَ الميتِ أنْ بُكِيَا

   ورُبَّ نـــــاعٍ نَعَــى حينـــاً أحبَّتـــــــــهُ       **   ما زالَ يَنعى إلى أن قيلَ قد نُعيَا

يا أيها الناس جميعاً {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ }

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: ..   الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:

لما أصاب المسلمون المجاعةَ في عهدِ عمرَ رضي الله عنه، قال مولاه أسلم:كنا نقول لو لم يرفع الله المَحْل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت هما بأمر المسلمين .

وبعد انتصارات المسلمين في القادسية جمع ملك الفرس كل ما يستطيعه من العدة والعتاد لسحق المسلمين، فلما بلغ عمر ذلك اهتم واغتم وجعل لاينام إلا غفوات..

         له همم لا منتهى لكبارها   **  وهمته الصغرى أجل من الدهر

هذا هو حال المؤمن حين يملك قلبا حيا يهتم للمسلمين ويحزن لما يصيبهم من البلاء والمحن والظلم والمسغبة  «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا همٍ، وَلَا حَزَنٍ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» أخرجه مسلم

يملك المسلم لإخوانه إنفاقا ولو بالقليل ، قال جَرِيرُ بن عبدالله، كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r فِي صَدْرِ النَّهَارِ،: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ r لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ووعظ ثم قال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ r يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. أخرجه مسلم.

يملك المؤمنُ لسانا لايفتر بالدعاء لهم والالتجاء لمدبر الكون ومالك الملك سبحانه بأن يغيث المسلمين ويرفع عنهم الضرَ البلاء.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه بعث النَّبِيُ r سَبْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، فَقُتِلوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، قال أنس رضي الله عنه: « فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ، وقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ» متفق عليه.

 هذا هو المنهج الاحساس والشعور بالجسد الواحد وحمل الهمّ للإسلام والمسلمين، لاهمّ من أجل رياضةٍ وسخافاتٍ، وإغراقٍ بمقاطع السفه ومتابعة التافهين..

 فما ذا أشبعت الرياضةُ ومتابعتُها من جائع؟ وماذا واست مسارحُ الغناءِ وسماعها من منكوب وملهوف؟

 إن الأجيال برجالها ونسائها، بحاجةٍ إلى إحياء الضمائر وإدراك لأي شيءٍ نحيا ونسعى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} "ولن تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ".

   إن أكبر نجاحات الأعداء على اختلاف مللهم أن يخدروا مشاعر المسلمين ويميتوا الأحاسيس، ويبثوا الخنا والفحش عبر كل تطبيق ودعاية وبرنامج ..

 إن على كلِ مسلمٍ يرجو الله والدار الآخرة أن يحمي سمعه وبصره وأهل بيته من هذه البرامج التي أثمها أكبر من نفعها ، وأن يربأ بنفسه أن لا يكون له همُ ولا همه..

   ومن يكن همه في العيش مأكله  **  فالموت أولى له من عِيشة الكدر

اللهم كن للمستضعفين ووالمتضررين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا ..

اللهم أجعلنا معظمين لحقك مؤتمرين لأمرك مجتنبين لنهيك .

الهم آمنا في دورنا ..........

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ..

.

المرفقات

1676541630_{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}.docx

1676541663_{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}.pdf

المشاهدات 1419 | التعليقات 0