ونفخ في الصور!

تركي بن عبدالله الميمان
1445/07/13 - 2024/01/25 14:38PM

﴿وَنُفِخَ في الصُّوْر﴾

 

 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

(نسخة للطباعة)


إعداد: قناة الخطب الوجيزة

https://t.me/alkhutab
 
 

 

 

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْهُ، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْخَيرِ، والنَّجَاةِ مِنَ الشَّرِّ! قال U: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ﴾.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّها الصَّاخَّةُ المُدَوّيَةُ، وَالطَّامَّةُ المُرْعِبَةُ، إِنَّهَا لَحْظَةُالنَّفْخِ في الصُّوْرِ، وَبِدَايَةُ البَعْثِ وَالنُّشُوْر! قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ﴾. قال المُفَسِّرُوْن: (يَعْنِي صَيْحَةَ الْقِيَامَةِ،سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصُخُّ الْأَسْمَاعَ، أَيْ تُبَالِغُ فِي إِسْمَاعِهَا؛حتَّى تَكَادَ تُصِمُّهَا لِشِدَّتِهَا، وَقُوَّةِ وَقْعَتِهَا).

وَنَفْخَةُ الصُّوْر: حَقٌّ لا رَيْبَ فِيْهِ، وَيَقِيْنٌ لَا شَكَّ فِيه؛ وَلِذَا وَصَفَها اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾: قال الشَّوْكَانِي: (وَعَبَّرَ عَنِ المُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ المَاضِي؛ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ!).

 

والنَّفْخُ في الصُّوْرِ: يَقَعُ مَرَّتَيْن: الأُوْلَى: يَحْصُلُ بِهَا الصَّعْق، والثَّانِيَة: يَحْصُلُ بِهَا البَعْث؛ قال Y: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾. قال ابنُ حَجَر: (هُمَا نَفْخَتَان؛ فَالأُوْلَى: يَمُوتُ فِيهَا كُلُّ مَنْ كانَ حَيًّا، وَيُغْشَى على مَنْ لَمْ يَمُتْ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ، والثَّانِيَة: يَعِيشُ بِهَا مَنْ مَات، وَيُفِيقُ بِهَا مَنْ غُشِيَ عَلَيْه).

 

وَما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ: أَرْبَعُونَ سَنَةٍ، قال بَعضُ العُلَمَاء: (اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذَلِكَ). قال ﷺ: (مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ).

 

والمُوَكَّلُ بِالنَّفْخِ في الصُّوْر: هُوَ أَحَدُ المَلَائِكَةِ المُكْرَمِيْنَ، وَحَمَلَةِ العَرْشِ المُقَرَّبِيْنَ! قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ المُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ* يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالحَقِّ﴾ قَالَ المُفَسِّرُونَ: (المُنَادِي: هُوَ إِسْرَافِيلُ u، يَنْفُخُ فِي الصُّورِ، وَيُنَادِي:أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَاللُّحُومُ المُتَمَزِّقَةُ، وَالشُّعُورُ المُتَفَرِّقَةُ؛ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ القَضَاءِ!).

 

والصُّوْرُ: شَيءٌ يُشْبِهُ البُوْق: لَكِنَّهُ بُوْقٌ عَظِيمٌ لا مَثِيْلَ لَه! سُئِلَ النبيُّ ﷺ: (يَا رَسُوْلَ اللهِ، ما الصُّوْر؟) قال: (قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ). قال مُجَاهِد: (قَرْنٌ كَهَيْئَةِ البُوقِ).

 

وَصَاحِبُ الصُّوْرِ: مُسْتَعِدٌّ لِلْنَّفْخِ فِيه، مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُ الله! قال ﷺ: (إِنَّ طَرْفَ صَاحِبِ الصُّورِ، مُذْ وُكِّلَ بِهِ، مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ!).

 

وَنَفْخَةُ الصُّوْرِ تَقَعُ في يومِ الجُمُعَةِ! فَفِي الحديث: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ: فِيهِ خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ): أي الصَّيْحَة، والمُرَادُ بها:الصَّوْتُ الهَائِلُ الَّذِي يَمُوتُ الإِنْسَانُ مِنْ هَوْلِه!

وَحِينَ يُنْفَخُ في الصُّوْر: تَنْقَطِعُ الأَمْلَاك؛ فَلا مَالِكَ إِلَّا الله؛ فَهُوَ المُنْفَرِدُ بِالمُلْكِ وَالمَلَكُوتِ! قال U: ﴿وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾.

 

وَحِينَ يُنْفَخُ في الصُّوْر: تَنْقَطِعُ الأَسْبَابُ والأَنْسَابُ؛ فَلَا يَبْقَى إِلَّا نَسَبُ الإِيْمانِ، وطَاعَةِ الرَّحْمَن! ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾. قال ابنُعَبَّاس t: (أَيْ: لا يَتَفَاخَرُونَ بِالأَنْسَابِ: كما كَانُوا يَتَفَاخَرُونَ في الدُّنيا، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ سُؤَالَ تَوَاصُلٍ:كما كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ في الدُّنيا).

 

وَنَفْخَةُ الصُّوْرِ تَأْتِي عَلَى النَّاسِ بَغْتَة، فَبَيْنَما هُمْ يَتَخَاصَمُونَ في مَتَاجِرِهِمْ، وَغَافِلُونَ في دُنْيَاهُمْ؛ إِذْ تَأْخُذُهُمْ فَجْأَة! ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ* فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾: قال ابنُ جُزَي: (لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُوْصُوا بِمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِم، ولا يَسْتَطِيْعُونَ أَنْ يَرْجِعُوا إلى مَنَازِلِهِمْ!). 

وَقَبْلَ النَّّفْخَةِ الثَّانِيَة: (يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا؛ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّوا إِلَى رَبِّكُمْ، ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾). قال ابنُ عُثَيْمِين: (يُنْفَخُ في الصُّورِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَة؛فَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا الصُّورِ كُلُّ نُفُوْسِ العَالَم، وَتَذْهَبُ كُلُّنَفْسٍ إلى جَسَدِهَا الَّذِي كَانَتْ تَعْمُرُهُ في الدُّنيا).

 

وَإِذَا وَقَعَتِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ؛ خَرَجَ النَّاسُ مِنْ قُبُوْرِهِمْ سِرَاعًا إلى أَرْضِ المَحْشَرِ وَالجَزَاءِ! ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ قال ابنُ الجَوْزِي: (﴿الْأَجْداثِ﴾:يَعْنِي القُبُوْر، وَ﴿يَنْسِلُونَ﴾: أَيْ يَخْرُجُونَ بِسُرْعَةٍ).

 

وَأَوَّلُ مَنْ يُفِيقُ مِنَ الصَّعْقَةِ: هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ، قال عليه الصلاة والسلام: (النَّاسُ يُصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ).

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدِي السَّاعَة؛ إِلَّا هَوْلُ النَّفْخَةِ؛لَكَانَ ذَلِكَ جَدِيْرًا بِالخَوْفِ وَالوَجَلِ، وَالأَخْذِ بِالجِدِّ وَالعَمَلِ!

 

فَيَا مَنْ ضَاعَ عُمُرُه في المعاصي وَالفُجُور؛ مَاذَا يَكُونُ مَوْقِفُكَإِذَا نُفِخَ في الصُّوْرِ، وَ﴿بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ* وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾؟!

 

وَإِذَا كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْشَى مِنْ نَفْخَةِ الصُّوْرِ؛ فَكَيْفَبِحَالِنَا؟! قال ﷺ: (كَيْفَ أَنْعَمُ، وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ،وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ؛ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ): أي كَيْفَ أَفْرَحُ وَأَتَنَعَّمُ؛ وَصَاحِبَ الصُّورِ قد وَضَعَ الصُّورَ فِي فَمِهِ، وَهُوَ مُتَرَقِّبٌ لِأَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخَ فِيهِ، وفي الحديث: حَثٌّ لِلْصَّحَابَةِ على الوَصِيَّةِ لِمَنْبَعْدَهُمْ، بِالتَّهَيُّؤِ لِلْسَّاعَةِ وأَهْوَالِهَا!

*******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

إعداد: قناة الخطب الوجيزة

https://t.me/alkhutab

 

المشاهدات 1064 | التعليقات 0