ومن الدنيا والدين التجديد و التحسين

الغزالي الغزالي
1434/02/28 - 2013/01/10 20:35PM
ومن الدنيا والدين التجديد و التحسين خطبة الجمعة 29 صفر 1434هـ 11/01/2013
الْحَمْدُ للهِ الذي جعل الجديدين يتسابقان، والقمرين يجريان، و{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}، وجعل الزوجين ينجبان، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، وبيده الميزان، يخفض أقواما ويرفع آخرين، في كل وقت وآن. والصلاةُ والسلامُ على محمَّدِ بنِ عبد الله، سيدِ ولدِ عدنان، الذي شهد له بالرسالة الثقلان، وأقرَّ بنبوته الإنس والجان، إلاَّ مَن كُتب عليه الشقاوة من أهل الكفر والجحود والنكران. ورضي الله تعالى عن آل بيته الطيبين الأطهار، وأصحابِه الأخيار، في كل وقت وزمان، وعلى من اهتدى بهديهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الوقوف بين يدي الملك الديَّان، أَمَّا بَعْدُ؛ فَأُوصِيكُمْ -أيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَلاَ تَزَالُ نِعَمُهُ عَلَيْكُمْ تَتَوَالَى، فَصَاحِبُ التَّقْوَى أَحْسَنُ النَّاسِ حَالاً وَأَسْعَدُهُمْ مَآلاً.. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: ما من زمن يمرّ؛ إلا وهناك تجديدٌ مستمرّ، فاليومَ ليس هو الأمس وليس هو الغد، فالتجديد في الزمن يشمل اللحظاتِ والثواني، والدقائقَ والساعاتِ، والتجديدُ يعُمُّ الأيامَ والشهور، والسنينَ والدهور، ففي كلِّ يومٍ جديد؛ تشرق الشمس على الأرض بأشعة جديدة، في يومٍ جديد، على أناس جُدُدٍ، وكائناتٍ جديدة. يا عبد الله! أنت اليوم لستَ كما أنت وكما كنت بالأمس، فقد زاد عمُرُك عن أمسِك ساعات، وتجدَّدَت في جسمك خلايا وهلكت أُخْريات، وإن كنتَ لا تلاحظُ ذلك إلا على المدى الطويل، كما قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}، وقال: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}، أي على مراحل وبتدرج، فأنت بالأمس كنت طفلاً ضعيفا، واليوم شابًّا قويًّا، وغدًا كهلاً وشيخًا، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}. لو نظرت إلى نفسك قبل عشر سنين في صورة؛ فهل هي صورتُك الآن أو بعد عشر سنين أخرى؟! وها أنت تجدِّد طعامَك وشرابَك، ولباسَك وثيابَك، عن عبد الله بن عمر قال: رَأَى النَّبِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَوْبًا، فَقَالَ: "غَسِيلٌ ثَوْبُكَ هَذَا أَمْ جَدِيدٌ؟" قَالَ: (بَلْ جَدِيدٌ). فَقَالَ النَّبِيُّ: " الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا، وَيُعْطِيكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". أخرجه أحمد والطبرانى، وابن ماجه وابن حبان والنسائى. يتجدَّدُ حال الإنسان من بين ضحك وبكاء، قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}. ويتجدَّد بين حزن وفرح، يفرح برحمة الله وفضله، ويقنط ويحزن على ما أصابه، قال سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}. وتتجدَّد الحركةُ إلى السكون وبالعكس، قال سبحانه: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وقال: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. و يتجدَّدُ حال الإنسان من النوم إلى اليقظة وبالعكس، قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَالنَّوْمَ سُبَاتًا، وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}، إنه الكون المتجدد؛ ليلٌ ونهار، وشموسٌ وأقمار، ورياحٌ وأمطار، ونباتاتٌ وأشجار، كلُّها في تجديد، قال ربنا العزيز الحميد: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ، يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. التجددُ مستمرُّ ودؤوب، {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}. لقد تجدَّد يومُك عن أمسِك- أيها المؤمن- ؛ فزادت الطاعات، وكثرُت الحسنات، وعظمُت الخيرات. وغيرُك من المقصرين تجددَّت عليهم المعاصي والسيئات، والذنوبُ والخطيئات، وكثرُت شرورُهم، وعظُم غرورُهم، وازداد عن الخيرِ شرودهم ونفورُهم. فالدنيا في تجدد، أما قول القائل: (لا جديد تحت الشمس) فغير صحيح من هذه الناحية، اللهم إلا من ناحيته هو الذي لا يدري ما يجري حوله.. وإلا فكما قال الله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}. وإن لم يتغير شيئ فأين الآباء والأجداد؟ وأين ما كان من عمار قبل الدمار؟ شمسُ اليومِ ليست كشمسَ أمسِ، لقد تجددَّت بما فقدت من أشعة وإضاءة، لقد تركَت مكانَها سابحةً في هذا الكون؛ لتصل إلى مستقرِّها، وكذلك القمر في تجدُّده وتغيُّره: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. الإنسان بطبعه يحب الجديد والتجديد، يجدِّدُ أعمالَه وأفعالَه، وأولى شيئ بالتجديد، الإيمان والتوحيد، كما قال رسول الله: " إنَّ الإيمانَ ليَخْلَقُ =أي يصبح باليًا قديما= في جوفِ أحدِكم كما يخلَقُ الثوبُ الخَلِقِ، فاسألوا الله أن يجدِّدَ الإيمانَ في قلوبكم". (الطبراني وحاكم) عن ابن عمرو. صحيح الجامع. فمَن كان من أهل السعادةِ؛ فهو في عبادةٍ متجددةٍ إلى الموت، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .فكلما أخطأ وعصى أحدث توبة واستغفارا، وأثار في أركانه وجوارحه للطاعات والقُرُبات استنفارا، فمثلا صفة الكذب صفة شنيعة وخلق ذميم، فلا بد من تركه وتغييره بالصدق في القول والعمل، عَائِشَةَ قَالَتْ: (مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ الْكَذْبَةَ فَمَا تَزَالُ فِى نَفْسِهِ عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَعَلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً). وفي رواية (..حتى يجددَ له توبةً) رواه أحمد والبزار وابن حبان، ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. جدِّد تقوى الله في قلبك، وأكثر من الحسنات بعد السيئات، وتعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". رواه الترمذى عَنْ أَبِي ذَرٍّ. في كل لحظة يجدِّد المؤمن ذكره وتسبيحه لله، وفي كلِّ وقتٍ تتجدد له صلاةٌ وصدقة وصيام، وكلٌ عامٍ يتجدد شوقُه إلى بلد الله الحرام، بحجٍّ أو عمرة، وهناك في مكة المكرمة؛ تُجَدَّدُ له شحناتٌ من الإيمان، ويزداد إخلاصاً في التوحيد، وينشط رغبةً في الطاعات، وإقبالاً على فعل الخيرات، ويزهد في المعاصي والمخالفات، ويُعرض عن الشرور والموبقات والمحرمات، هذا التجديدُ نتيجةً لحب التقرب إلى الله، وطلب مغفرته ومحبته ورضاه..
أحببْ لغيرك ما تحب لنفسكا ** واترك أذى أبناء جنسك تُحمدِ
الذّلّ في طلب الإفادة عزّة ** فاحرص على نيل الإفادة ترشد
إن التعزّز في الذي تحتاجه ** كبرٌ وكبرُ المرء أقبح مقصد
تغرَّب عن الأوطان في طلب العلى ** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرُّج همٍّ واكتساب معيشة ** وعلم وآداب وصحبة ماجد
عِبَادَ اللهِ: قال رَسُولِ اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا". رواه أبو داود والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أشار الإمام أحمد إلى صحة الحديث؛ فقد ذكر الذهبي في سير الأعلام: قال أحمد بن حنبل من طُرُق عنه:[ إنّ اللهَ يقيِّض للناس في رأس كل مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله الكذب. قال: فنظرنا؛ فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي]. الذي قال:
تموتُ الأُسْدُ في الغاباتِ جُوعاً ... ولَحْمُ الضأنِ تأكلُهُ الكِلابُ
وعبدٌ قد ينامُ على حريرٍ ... وذو نَسَبٍ مَفَرِشُه الترابُ
أرى حُمُراً ترعى وتُعلَفُ ما تهوى ... وأُسْداً جياعاً تظمأ الدهرَ لا تروى
وأشرافُ قومٍ لا ينالونَ قوتَهمْ ... وقوماً لئاماً تأكلُ المنَّ والسَّلْوى
قضاءٌ لدياَّنِ الخلائقِ سابقٌ ... وليس على مُرِّ القضاءِ أحدٌ يَقْوى
عِبَادَ اللهِ: ويتجدد الزمان؛ يأتي يوم جديد، فشهر جديد، فعام جديد، ومن ثم عمر جديد، لمن أراد الله، وإنهاء عُمُرِ من شاء الله، علِمْنا ما أسلفْنا في عام مضى وانقضى، فماذا نحن عاملون في عام قد أتى وبدا، إن كتب الله سبحانه لنا العمرَ المديد؟ هل سنجدِّدُ العهدَ مع الله بطاعته وطاعة رسوله؟ أم سنجدِّدُ المعاصيَ والذنوب؟ ونعاندُ ونتمرَّدُ ولا نتوب؟ ونبتدعُ احتفالات بالعامِ الميلاديِّ؛ ونتخذُها أعيادا ما أنزل الله بها من سلطان؟ ولا دليلَ يدلُّ عليها ولا برهان؟ هل سنجدِّد الألفة والمحبة والمودة مع أبناء شعبنا وأمتنا في هذا العام وفي هذا العالم؟ أم سيكون التجديدُ للاختلافِ والكراهيةِ والأنانيةِ وحبِّ الذات؟ هل سيكونُ التجديدُ للتصالحِ والتسامحِ والتقارُبِ لله؟ أم يكونُ للتباعدِ والتخاصمِ والتقاتلِ والتناحرِ من أجل شهواتٍ آنيَّة، ودنيا فانية؟
نسأل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد، والاستعداد ليوم المعاد.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..

الْحَمْدُ للهِ تفرَّد عزًّا وكمالاً، جَلَّ وتقدَّس وتعالى، نسألُه صلاحَ الشَّأنِ حالاً ومآلاً، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له خَلَقَنا لِيَبلُوَنا أيُّنا أحسنُ أعمالاً، ونَشْهدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه أكرَمُ النَّاسِ فِعالاً، وخيرُهم خِصالاً، حذَّرَ مِنْ الاغترارِ بِهذهِ الدَّارِ، وَأَمَرَ بالاستعدادِ لِدَارِ القَرَارِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه الأطهارِ، وَعلى أنبياء الله ورسله الأخيار.. أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: فلنحذر أن نكون من أهل النيران والعياذ بالله، الذين لا يرعوون عن المعاصي والذنوب، ويتفنَّنُون في أنواع الكفر والشرك بعلام الغيوب؛ فيتجدَّد عليهم العذاب والنكال، فهم في عذاب مستمر ومتجدد، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} آلامٌ لا تنقطع، وعذابٌ لا ينتهي، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، فَذُوقُوا، فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}، والزيادة متجددة، ولا يزاد من العذاب إلا العذاب: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} أي بسبب فسادهم في الحياة الدنيا. والنار في تجدد ومزيد: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ، وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ، زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}. إن الكفار منكري البعث والنشور، والقيام من القبور؛ يتعجبون تعجُّب إنكار وعناد وتكذيب، ويسألون هل يتجدد الخلق بعد الموت؟ قال سبحانه: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا، أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. إن الله قادر على الذهاب بالكفار والمعاندين والإتيان بخلق جديد، ليس في الآخرة فحسب، بل وفي الدنيا أيضا، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. وهم ينكرون تجديد الخلق مرة أخرى من بعد الموت: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا، قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ، فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا، قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ، قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}. و قال تعالى: }أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ، بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.] لم نعجز ونعي بخلق العالم أول مرة، وليسوا في شك من ذلك، وإنما هم في لبس من خلق جديد هذا الذي شكُّوا فيه، والتبس عليهم أمره، مع أنه لا محل للبس والشك، لأن الإعادة، أهون من الابتداء كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}. ويتجدد الأمر بالإنسان من الحياة إلى الموت، إلى البرزخ، ويبقى يتنقل من طور إلى طور، ومن البرزخ إلى البعث والنشور، والحساب، إلى الميزان والصحف والثواب والعقاب، إلى الصراط والقنطرة والدرجات في الجنات، أو- والعياذ بالله- إلى النيرانِ والدركات، وألوانٍ شتى من العذاب.. وفي الجنات النعيم متجدد، فمن لذة المطعم إلى لذة المشرب إلى لذة المنكح، إلى لذة رضا رب العالمين، وأرحم الراحمين.. فالإنسان لا يستقر على حال، في دار الدنيا وفي الآخرة.. نسأل الله أن ينقلنا من الأهوال وتقلب الأحوال، إلى أفضل حال، وأحسن مآل.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. آللّهُمَ إنّا نستَغفِرگ لِگلّ ذَنب يَعقِبُ الحَسرَة، ويِورِث النَدامَہ، ويَحبِس الرِزق، ويَرّد الدّعَآء. آللّهُمَ افتَح لنا أبواب رَحمـتِگ وارزقـنا مِن حَيث لا نحتَسب. آللّهُمَ نور لنا دروبِنا، واغفِر لنا ذنوبنا، وحَقِقّ لنا مايَگون خيرا لنا. آللّهُمَ طَهِرّ قلوبنا، واشرَح صدورنا، وأسعِدنا وتَقَبّل صَلواتِنا وجَمِيع طَاعَاتِنا، وأجِب دَعواتنا، وآكَشف كُروبنا وهمومنا، وأصلِح أحوالنا، واجلُ أحزاننا، وبَيّض وجوهنا، واجعَل الرّيَان بَابَنا، والفِردَوس ثَوابَنا، والگوثر شَرابَنا، واجعَل فِيمَا نحِبّ نَصِيبا لنا. آللّهُمَ إنّا نسألُگ فَرَحَاً َو فَرَجَاً قَرِيباً، يُرِيح قلوبنا فَبَشِرنا، ونسألُگ آللّهُمَ العافية فَعَافِنا، والعفو فاعف عنا، ورَحمتگ فارحَمنا، ورَاحَہ البَال والعِتق مِن النار.. آللّهُمَ إنّا نسألُگ بِعِزّ عَظَمَتِگ وجلالگ نحتَاجگ عِندَمَا تَحِين سَاعَتنا بِإذنِگ، فَاجعَلهَا وقلوبُنا تنبِض مِن خَشيَتِگ، ونَحن في طاعتك، بَين يَدَيگ، اللهم طَهِرنا مِن كلّ ذنوبِنا قبل أن تقبضنا إلَيك.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. آللّهُمَ (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
المشاهدات 2278 | التعليقات 1

خطبة مقتبسة منن كلام السادة المشايخ نفعنا الله بهم، ومتعنا بعلمهم..