ومضت عشر ذي الحجة
إبراهيم الحدادي
1434/12/13 - 2013/10/18 07:29AM
ومضت عشر ذي الحجة
1434/12/13هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .
أما بعد فيا أيها المسلمون ، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، فإن في تقواه السعادةَ في الدُنيا، والفلاحَ في الأخرى ، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وأهليكم )وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )
أيها المؤمنون : بالأمس القريب ودعاً أياماً هي أفضل الأيام ، كيف لا ، وقد اجتمعت فيها أنواع العبادات وتنوعت فيها الطاعات وكثرت فيها فرص الخير إنها أيام قال عنها صلى الله عليه وسلم : "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". رواه البخاري
أيام فاضلة ، قد من الله تعالى على كثير من عباده فاستغلوها في طاعته ومرضاته ، حج وصيام وصدقة وبر وصلة وتقرب إلى الله بالأضاحي وسائر أنواع الطاعات .
وإني هنا أذكر نفسي وإياك بما قاله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]،
وقال له في آية أخرى: وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [الشورى:15]
وبما أثنى على المستقيمين بقوله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]،
وقال فيهم أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30، 32].
فما معنى الاستقامة في هذه الآياتِ؟
إنّ الاستقامةَ الحقّة لزومُ المؤمِن للطّريق المستقيم، استمرارُه على الطريق الواضِح.
إنّ المؤمن عرف الحقَّ، واستبان له الرشدُ والهدى، وميَّز بين الحقّ والباطل والهدى والضّلال، عرف الطريقَ المستقيم الموصِل إلى الله وإلى جنّتِه ومغفرته ورضوانِه، فلمّا عرَف الحقَّ واستبان له الهدَى ووضَح له السبيل استقَام على هذا ولازَمه ملازمةً دائمة؛ لأنّ هذا دليلٌ على رسوخِ الإيمان في قلبه، فالمستقيمُ على الطريق المستقيم يدلّ على أنّ في القلب إيمانًا حقًّا، أمّا المتذَبذِب يستقيم يومًا وينحرف يومًا، ويصلح يومًا ويفسدُ يومًا، إنّ هذا دليلٌ على أنّ الإيمانَ غير مستقرٍّ وثابت في القلب، أما الإيمان الثابت الإيمانُ القويّ الإيمان الذي استنار به القلبُ فصاحبُه يستقيم على العمَل ولا يهمِل ولا يُضيِّع، كلّما تقدَّم به العمُر ازداد في العمَل ورغِب في الخير.
واحذر نفسي وإياك من نقض العمل أو التقاعص في المبادرة إليه قال تعالى : وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا [النحل:92].
امرأةٌ بمكّة تبرم غزلَها أوَّلَ النهار وتنقضُه آخرَ النهار، إذًا الذي يستقيمُ يومًا أو شَهرًا ثم ينحرِف عن الحقّ قد هدَم صالحَ عمله، وقضى على صالح عمَله، وأحرقَ أوراقَه، فأصبح شبيهًا بتلكمُ المرأة.
فيا من : منَّ الله عليك ومتعك إلى أن بلغت هذه الأيام الفاضلة ووفقك لاستغلالها في طاعته ومرضاته لا تقف عن العمل ولا تفتر قوتك أو تضعف عزيمتك عن مواصلة الخير والمسارعة إليه حتى يأتيك أمر الله الذي لا مرد له ( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
عباد الله : ما أسرع ما تمضي بنا الأيام والسنين .. وإن في سرعة انقضائها لعبرةً للمؤمنين ... صفحات الأيام تطوى .. وساعات العمر تنقضي .. فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله ، ويعلم أن الدنيا مضمار سباق، سبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فرحم الله عبدًا نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، وأبصر فصبر، ولا يصبر على الحق إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].
وأن يتذكر دائماً هادم اللذات ... ومفرق الجماعات ... ومنغص الشهوات ... كم آلامه شديدة وغصصه مريرة ، والله لهو أشد من ضرب ، بالسيوف ونشر بالمناشر ، وقرض بالمقاريض ... ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (قّ:19) .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ( نغّص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزينتها، فبينما هم فيها كذلك وعلى ذلك أتاهم حياض الموت فاخترمهم فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت ويذكره في الرخاء فيقدم لنفسه خيراً يجده بعدما فارق الدنيا وأهلها"
ويحذر الذنوب صغيرها وكبيرها فإن عواقبها وخيمة وأضرارها جسيمة فهي ظلمة في القلب وبعد عن الرب جل جلاله . إنها سبب لحرمان العلم والرزق ...ومحق لبركة العمر والمال ...إنها عار وشنار وعاقبتها النار ...
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124)
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:19)
وعليه أن يبادرَ بالتوبة والإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة .. ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)
فيا عبد الله، يا من غابت عنه شمس هذه الأيام ولم يقضها إلا في المعاصي والآثام، يا من ذهبت عليه مواسم الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، أما رأيت قوافل الحجاج والمعتمرين والعابدين؟! أما رأيت تجرد المحرمين، وأكفّ الراغبين، ودموع التائبين؟! أما سمعت صوت الملبين المكبرين المهللين؟! فما لك قد مرّت عليك خير أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُد عليك الوثاق؟!.
يا من راح في المعاصي وغدا، يقول: سأتوب اليوم أو غدًا، يا من أصبح قلبه في الهوى مبددًا، وأمسى بالجهل جلمدًا، وبالشهوات محبوسًا مقيدًا، تذكر ليلة تبيت في القبر منفردًا، وبادر بالمتاب ما دمت في زمن الإنظار، واستدرك فائتًا قبل أن لا تُقال العثار، وأقلع عن الذنوب والأوزار، واعلم أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
فالبدار البدار قبل فوات الأوان ... فالعمر قصير ، والزاد قليل ، والطريق طويلة ، والمآل إما إلى جنة أو نار ... ولتعلم بأن الدنيا ظل زائل ، وأيام قلائل ، وإن المؤمن لا يهدَأُ قلبُه ، ولا يسكُن بالُه ، حتى يضعَ قدمه في الجنة .
أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
1434/12/13هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .
أما بعد فيا أيها المسلمون ، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، فإن في تقواه السعادةَ في الدُنيا، والفلاحَ في الأخرى ، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم وأهليكم )وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )
أيها المؤمنون : بالأمس القريب ودعاً أياماً هي أفضل الأيام ، كيف لا ، وقد اجتمعت فيها أنواع العبادات وتنوعت فيها الطاعات وكثرت فيها فرص الخير إنها أيام قال عنها صلى الله عليه وسلم : "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". رواه البخاري
أيام فاضلة ، قد من الله تعالى على كثير من عباده فاستغلوها في طاعته ومرضاته ، حج وصيام وصدقة وبر وصلة وتقرب إلى الله بالأضاحي وسائر أنواع الطاعات .
وإني هنا أذكر نفسي وإياك بما قاله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]،
وقال له في آية أخرى: وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [الشورى:15]
وبما أثنى على المستقيمين بقوله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13]،
وقال فيهم أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30، 32].
فما معنى الاستقامة في هذه الآياتِ؟
إنّ الاستقامةَ الحقّة لزومُ المؤمِن للطّريق المستقيم، استمرارُه على الطريق الواضِح.
إنّ المؤمن عرف الحقَّ، واستبان له الرشدُ والهدى، وميَّز بين الحقّ والباطل والهدى والضّلال، عرف الطريقَ المستقيم الموصِل إلى الله وإلى جنّتِه ومغفرته ورضوانِه، فلمّا عرَف الحقَّ واستبان له الهدَى ووضَح له السبيل استقَام على هذا ولازَمه ملازمةً دائمة؛ لأنّ هذا دليلٌ على رسوخِ الإيمان في قلبه، فالمستقيمُ على الطريق المستقيم يدلّ على أنّ في القلب إيمانًا حقًّا، أمّا المتذَبذِب يستقيم يومًا وينحرف يومًا، ويصلح يومًا ويفسدُ يومًا، إنّ هذا دليلٌ على أنّ الإيمانَ غير مستقرٍّ وثابت في القلب، أما الإيمان الثابت الإيمانُ القويّ الإيمان الذي استنار به القلبُ فصاحبُه يستقيم على العمَل ولا يهمِل ولا يُضيِّع، كلّما تقدَّم به العمُر ازداد في العمَل ورغِب في الخير.
واحذر نفسي وإياك من نقض العمل أو التقاعص في المبادرة إليه قال تعالى : وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا [النحل:92].
امرأةٌ بمكّة تبرم غزلَها أوَّلَ النهار وتنقضُه آخرَ النهار، إذًا الذي يستقيمُ يومًا أو شَهرًا ثم ينحرِف عن الحقّ قد هدَم صالحَ عمله، وقضى على صالح عمَله، وأحرقَ أوراقَه، فأصبح شبيهًا بتلكمُ المرأة.
فيا من : منَّ الله عليك ومتعك إلى أن بلغت هذه الأيام الفاضلة ووفقك لاستغلالها في طاعته ومرضاته لا تقف عن العمل ولا تفتر قوتك أو تضعف عزيمتك عن مواصلة الخير والمسارعة إليه حتى يأتيك أمر الله الذي لا مرد له ( وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
عباد الله : ما أسرع ما تمضي بنا الأيام والسنين .. وإن في سرعة انقضائها لعبرةً للمؤمنين ... صفحات الأيام تطوى .. وساعات العمر تنقضي .. فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله ، ويعلم أن الدنيا مضمار سباق، سبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فرحم الله عبدًا نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، وأبصر فصبر، ولا يصبر على الحق إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].
وأن يتذكر دائماً هادم اللذات ... ومفرق الجماعات ... ومنغص الشهوات ... كم آلامه شديدة وغصصه مريرة ، والله لهو أشد من ضرب ، بالسيوف ونشر بالمناشر ، وقرض بالمقاريض ... ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (قّ:19) .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ( نغّص هذا الموت على أهل الدنيا ما هم فيه من غضارة الدنيا وزينتها، فبينما هم فيها كذلك وعلى ذلك أتاهم حياض الموت فاخترمهم فالويل والحسرة هنالك لمن لم يحذر الموت ويذكره في الرخاء فيقدم لنفسه خيراً يجده بعدما فارق الدنيا وأهلها"
ويحذر الذنوب صغيرها وكبيرها فإن عواقبها وخيمة وأضرارها جسيمة فهي ظلمة في القلب وبعد عن الرب جل جلاله . إنها سبب لحرمان العلم والرزق ...ومحق لبركة العمر والمال ...إنها عار وشنار وعاقبتها النار ...
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124)
( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:19)
وعليه أن يبادرَ بالتوبة والإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة .. ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135)
فيا عبد الله، يا من غابت عنه شمس هذه الأيام ولم يقضها إلا في المعاصي والآثام، يا من ذهبت عليه مواسم الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، أما رأيت قوافل الحجاج والمعتمرين والعابدين؟! أما رأيت تجرد المحرمين، وأكفّ الراغبين، ودموع التائبين؟! أما سمعت صوت الملبين المكبرين المهللين؟! فما لك قد مرّت عليك خير أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُد عليك الوثاق؟!.
يا من راح في المعاصي وغدا، يقول: سأتوب اليوم أو غدًا، يا من أصبح قلبه في الهوى مبددًا، وأمسى بالجهل جلمدًا، وبالشهوات محبوسًا مقيدًا، تذكر ليلة تبيت في القبر منفردًا، وبادر بالمتاب ما دمت في زمن الإنظار، واستدرك فائتًا قبل أن لا تُقال العثار، وأقلع عن الذنوب والأوزار، واعلم أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
فالبدار البدار قبل فوات الأوان ... فالعمر قصير ، والزاد قليل ، والطريق طويلة ، والمآل إما إلى جنة أو نار ... ولتعلم بأن الدنيا ظل زائل ، وأيام قلائل ، وإن المؤمن لا يهدَأُ قلبُه ، ولا يسكُن بالُه ، حتى يضعَ قدمه في الجنة .
أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.