ومَا زَادَهُم إِلا إِيماناً وتَسْلِيْماً 5 ـ 4 ـ 1445هـ

عبدالعزيز بن محمد
1445/04/04 - 2023/10/19 13:08PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ مُحمداً صَلى الله عليه وسَلَّمِ رَحْمَةً لِلْعالَمِين.  أَرْسَلَهُ مُبَشِراً ونَذيْراً، ودَاعِياً إِلى اللهِ بإذنِهِ وسِراجاً مُنِيْراً.  أَرْسَلَهُ {بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}  * أَرْسَلَ اللهُ رَسُولَهُ مُحَمَّداً صَلى الله عليه وسَلَّمِ في أُمَةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمْ {كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ..}  فَما كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم أَولَ رَسُولٍ يُرْسِلُهُ اللهُ إلى الناس.. بَلْ كانَ آخِرُ المُرْسَلِين، وخاتَمُ النَّبِيِّين {وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 

أَمَمٌ خَلَتْ قَبْلَ هذهِ الأُمَةِ لا يَعْلَمُ عَدَدَها إِلا الله {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}

وللهِ في الأُمَمِ سُنَنْ. وسُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَغَيَّرْ {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}  ومَنْ عَرَفَ سُنَنَ اللهِ في الأُمَمِ اطْمَأَنَّ. ومَنْ عَرَفَ سُنَنَ اللهِ في الأُمَمِ اهْتَدَى.   * سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ كَثِيْرَة.. ومِنْ سُنَنِ اللهِ في الأُمَمِ.. أَنَّهُ جَعَلَ العاقِبَةَ للمُتَّقِيْن. وأَنَّهُ جَعَلَ النَّصْرَ للمُؤْمِنِين {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}  * ومِنْ سُنَنِ اللهِ في الأُمَمِ.. أَنَّهُ جَعَلَ طَرِيْقَ الإِيْمانِ مَحْفُوفاً بالمَكَارِهِ والشَّدائِدِ والمِحَن.  * ومِنْ سُنَنِ اللهِ في الأُمَمِ.. أَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الجَنَّةِ يُعْبَرُ عَلى عَقَبَةٍ مِن البَلاءِ كَؤُود.   * ومِنْ سُنَنِ اللهِ في الأُمَمِ.. أَنَّهُ جَعَلَ النَّصْرَ مَقْرُوناً بالصَبْرِ. وأَنَّ الفَرَجَ يَنْبَثِقُ مِنْ أَعْماقِ البَلاء.  * ومِنْ سُنَنِ اللهِ في الأُمَمْ.. أَنَّهُ جَعَلَ عاقِبَةَ الكافِرِينَ إِلى بَوار. ونِهايَتَهُم إِلى دَمار، ومَرَدَّهُمْ في الآخِرَةِ إِلى النَّارَ.   * تَلْكَ سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ.. ومَنْ قَرأَ القُرآنَ وَعَى.  ومَنْ تَدَبَرَ القُرآنَ أَدْرَك { وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ* وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} انْتَظِرُوا ما يَحِلُّ بِنا، فإِنا مُنْتَظِرُونَ ما يَحِلُّ بِكُم. فَوَعْدُ اللهِ حَقٌّ، وسُنَّتُهُ في الأُمَمِ لَنْ تَتَبَدَّل. ومَنْ تَأَمَلَ حالَ الأُمَمِ وما حَلِّ بِها أَفاق {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمْ .. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمْ.. مَنْ لَدُنْ نَوحٍ عليه السلامُ إِلى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم سُنَنٌ قَائِمَةٌ لَمْ تَتَغَيَّر. وسَتَضَلُّ هَذهِ السُنَنُ تَتَجددُ في الأُمَةِ إِلى قِيامِ السَّاعَة.  يَحِلُّ الأَذى بالمؤْمِنِينَ حِيْناً ويَقْسُو، ويَشْتَدُّ ويَعْظُم.   بَلاءٌ.. يَمِيْزُ اللهُ بِهِ الخَبيْثَ مِنَ الطَيِّبَ، والمُنافِقَ مِن المُؤْمِن، والكاذِبَ مِنَ الصَّادِق.  يَجْثِمُ البَلاءُ في الأُمَةِ.. فَتْرَةً مِن الزَّمَنِ.. تُزَلْزِلُ فيهِ القُلُوبُ، وتُمْتَحَنُ فِيهِ النُّفوس، وتُخْتَبَرُ فِيهِ الضَّمائِر.  يَجْثُمُ البَلاءُ في الأُمَةِ حِيناً.. ثُمَّ تَنْقَشِعُ غَمامَتُه ويَنْجَلِيْ لَيْلُهُ، وتُشْرِقُ شَمْسُ النَّصْرِ بَعْدَ طَولِ مَغِيْب. وعِندَ الصَباحِ يَحْمَدُ القَومُ السُرَى.

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ لَنْ تَتَغِيَّرْ.. نِهايَةُ الظالِمِ مُؤْلِمَة، وعاقِبَتُهُ مُوْجِعَة. ونِهايَةُ المَظْلُومِ تأَييدٌ ونَصْرُ {.. فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ* وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}  أَبادَ اللهُ أُمَمَ الظُلْمِ.. بَعْدما عَلا سُلْطانُها، واشْتَدَّتْ قَبْضَتُها، وامْتَدَّ غُرُورُها. وظَنَّتْ أَن لا قاهِرَ ولا مُذِلَّ لَها {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ}

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ لَنْ تَتَغِيَّرْ.. فَما مِنْ نَبِيِّ إلا نَالَهُ مِنْ قَومِهِ الأَذى.. {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وأَتْباعُ المرسلينَ.. في طَرِيْقِ البَلاءِ يُمَحَّصُون.  تُرْفَعُ لَهُمُ الدَرَجاتُ، ويُتَّخَذُ مِنْهُم شُهَداءُ، وتَكُونُ العاقِبَةُ في الدارَينِ لَهُم {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} 

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ لَنْ تَتَغِيَّرْ.. وواقِعَةُ الأَحزابِ خَلَّدَ القُرآنُ ذِكْرَها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا*إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} زِلْزَالٌ مِنَ البَلاءِ.. امْتازَ بِه الطَيِّبُ، وارْتَكَسَ فيهِ الخَبِيْث. وظَهَرَتْ حَقائِقُ ما تُضْمِرُهُ النفوسُ في أَعماقِها {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}  {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}

* سُنَنُ اللهِ في الأُمَمِ لَنْ تَتَغِيَّرْ.. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}

قالَ خَبَّابُ رَضيَ الله عنه: أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وهو في ظِلِّ الكَعْبَةِ وقدْ لَقِينَا مِنَ المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا تَدْعُو اللَّهَ، فَقَعَدَ وهو مُحْمَرٌّ وجْهُهُ، فَقالَ: لقَدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بمِشَاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ عِظَامِهِ مِن لَحْمٍ أوْ عَصَبٍ، ما يَصْرِفُهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُوضَعُ المِنْشَارُ علَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فيُشَقُّ باثْنَيْنِ ما يَصْرِفُهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ولَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هذا الأمْرَ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، ما يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ) رواه البخاري وفي رِوايةِ قال: (ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} بارك الله لي ولكم..


 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أيها المسلمون: إِنَّ نَوازِلَ البَلاءِ التي تَحِلُّ بالأُمَةِ.. سَتَنْجَلِيْ يَوماً وتَزَوْل. وبَعد انْجِلائِها.. تَتَجَلَّى ثِمارُها.  وما أَدْرَكَ أَهلُ البَلاءِ عاقِبَةً أَكْرَمَ مِنْ عاقِبَةِ الصَّبْر {إِنِّيْ جَزَيْتُهُمُ اليَومَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُوْن}

والصَّبْرُ عَلى البَلاءِ.. لا يَعْنِي الوَهَنَ أَمامَ صَلَفِ العَدُوِّ، ولا الخُنُوعَ ولا المَهانَة.  وإِنَّما الصَّبْرُ.. تَحَمُّلٌ للأَذى في سَبِيْلِ الله، وبَذلٌ للجُهدِ في مُقارَعَةِ العَدُوِّ. وثَباتٌ عَلى المَبْدَأ حَتى بُلُوغ الغَايَة.   وغايَةُ المُؤْمِنِ.. إِما نَصْرٌ تُرْفَعُ بِهِ للتَوحِيدِ رايَة. وإِما شَهادَةٌ.. وتْلْكَ أكْرمُ نِهايَةِ  {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} نَصْرٌ أَو شَهادَة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}

* وفي نَوازِلِ البَلاءِ.. يَجِبُ على المُسْلِمِ أَنْ يُدْرِكَ حَقاً، وأَنْ يَفْقَهَ صِدْقاً.. أَنَّ هذهِ الحَياةَ مَرْحَلَةٌ تَعْقُبُها حَياةٌ أُخْرَى. وأَن خِصامَ الناسِ فِيما بَيْنَهُم في هذه الحَياةِ.. سَيُعْرَضُ غَداً أَمامَ اللهِ في مَحْكَمَةٍ كُبْرَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}   

* مَوتُ المَظْلُومِ مَقْهُوراً لَيْسَ ضَياعاً لِحَقِهِ.. وإِنَّما تأَجِيْلٌ لإِنْصافِه.  وإِمْهالُ الظالِمِ مُمَتَّعاً مَسْرُوراً.. ليسَ إِغفالاً لأَمْرِه. وإِنما إِملاءٌ لَهُ لِيْزْدادَ في الدُّنْيا إِثْماً {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}

* وفي نَوازِلِ البَلاءِ.. والمَرْءُ يَرَى طُغْيانَ الكُفْرِ يَعْلُو في كُلِّ صِقْع. ويَرَى ظُلْمَهُ يَسْرِي في كُلِّ شِعْب، ويَرَى فَواجِعَ القَتْلِ والتَنْكِيلَ والدَمار في بِلادِ المسلمين. 

قَدْ يَتَساءَلُ المَرْءُ:  أَلَيْسَ اللهُ بِقَادِرٍ عَلى مَحْقِ الكافِرِينَ ونَصْرٍ المُؤْمِنِين؟ فَلِمَ لا يُعَجِلُ لَهُمْ نَصْرَه؟!   تَساؤُلٌ.. أوْضَحَ القُرآنُ جَوابَه، وبَيَّنَ لنا أَسْبابَه، فَقالَ اللهُ سُبحانَه {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}  بَلاءٌ يَعْقُبُهُ ثَوابٌ لِمَنْ آمَن وجاهَدَ وصَبَر.  ويَعْقُبُهُ.. عِقابٌ لِمْن تَجَبَّرَ وطَغَى وكَفرْ.  

فَيَتَساءَلُ المَرءُ أَخْرَى: فَما بالُ مَنْ قُتِلَ في البَلاءِ ظُلْماً؟!  فَيُجِبُ القُرآنُ أُخْرَى.. جَواباً يَنْطَفِئُ بِهِ الأَلَمُ، ويَنْجَلِيْ بِهِ القَلَقُ، ويَزُولُ بِهِ الاَضْطِراب، فَقالَ اللهُ سُبحانَه {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}

إِنَّهُ كِتابُ رَبِّ العالَمِين.. بِهِ يَزُولُ الهَمُّ، ويَنْجَلِيْ الغَمُّ، وبِهِ تَشْفَى وَساوِسُ الصُّدُور {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}

* وفي نَوازِلِ البَلاءِ.. للمُؤْمِنِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ أَكْرَمَ اقْتِداءَ.. أَخذٌ بالأَسبابِ. وصَبْرٌ في المُصَابِ. واعْتِمادٌ وتَوَكُّلٌ على اللهِ رَبِّ الأَرْباب. وفَزَعٌ إِليهِ بطَلِبِ العَونِ والنَّصْرِ والمَدد.  ولاءٌ للمؤْمِنِين، وبَراءَةٌ مِن الكافِرِين، ودُعاءٌ للمقْهُورِينَ المُسْتَضْعَفِين..  فَقَدْ كانَ مِنْ دُعائِه صلى الله عليه وسلمَ : (اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) رواه البخاري

ومَنْ عَظَّمَ اللهَ افْتَقَرَ إِليه.. ومَنْ عَرفَ اللهَ التَجأَ إِليه. ومَنْ آمَنَ باللهِ فَزَعِ في الشدائدِ إِليه. 

اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في كُلِّ مكان..

 

المرفقات

1697710129_ومَا زَادَهُم إِلا إِيماناً وتَسْلِيْماً 5 ـ 4 ـ 1445هـ.docx

المشاهدات 1973 | التعليقات 0